اقتربنا كثيرًا من الهالووين .. وكما قلنا فإن الهالووين هو مناسبة للاحتفال بالرعب والفزع، وبما أننا نتكلم عن الألعاب، فتلك المناسبة ستكون رائعة للحديث عن عالم الرعب داخل الألعاب .. أو بالتحديد نظرة شاملة على ألعاب الرعب وتطورها وإنحدارها في الآونة الأخير، فلنبدأ.

لماذا نلعب ألعاب الرعب؟ ولماذا نحبها رغم أن التجربة مخيفة؟!

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

هذا السؤال كان طرحه كاتب يدعى جايمي ماديجان عن سيكلوجية ألعاب الفيديو، قال إن الباحثين اكتشفوا أسباب عديدة تجاوب عن هذين السؤالين:

"أول الأسباب إن البعض ينجذب لألعاب الرعب لأنهم يجدون المتعة في الخوف؛ فمن الممتع أن تعيش أجواء الرعب وبقرارة نفسك تعلم أنك في أمان وحي ترزق جالس داخل بيتك ولن يمسسك أي ضر .. هكذا ستتعلم أن تتغلب على مخاوفك وتتحكم بردود أفعالك أو كما يقال "تقوي قلبك وتعطيه بعض الشجاعة"

"أو ربما السبب هو الشعور بالتحكم؛ فمن منا لا يحب أن يتخذ القرارات ويتحكم بالوضع؟! .. ألعاب الرعب تمنح بعض اللاعبين هذا النوع من الشعور أنك متحكم وتستطيع التحايل على الخطر أو إن غلبك الخوف من اللعبة تستطيع بكبسة زر إغلاق الكابوس والاسترخاء التام لتحاول من جديد في يوم جديد"

" هناك سبب آخر كذلك يسمى بنظرية نقل الإثارة؛ تخبرنا هذه النظرية بأن دفقة المشاعر والأحاسيس المختلفة الناتجة من الخوف تنقل إليك احساس مضخم من الراحة والسعادة عندما تنتهي من اللعبة المرعبة"

كذلك قال ماديجان " أن هناك أسباب اجتماعية مثل الأشخاص المتباهين بفعل المخاطر أو لعب الألعاب المخيفة كنوع من التحدي ليظهروا كم هم أشخاص رائعون وشجعان! لم لا وهناك بعض الأبحاث قد اقترحت بأن جزء بسيط من الرعب يعطي فرصة لبعض الأشخاص بالتباهي وربما كان هذا سبب لجوء بعض إن لم يكن أغلب اللاعبين أصحاب القنوات الترفيهية على اليوتيوب أو كما يطلق عليهم اسم "يوتيوبرز" أو "ستريمرز" بأن يلعبوا ألعاب الرعب في فيديو أمام الجميع ليروا ويشاهدوا ردود أفعالهم؛ فيرتفع عداد المشاهدات والتعليقات والإعجابات."

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

أما فيليب مورين الذي شارك في صناعة لعبة الرعب "Outlast" يعتقد بأن ألعاب الرعب لها جاذبية أعلى وأقوى من أفلام وقصص الرعب؛ فالمشاهدة ليست كالتجربة إطلاقًا. وأضاف قائلًا " بأنه بالنسبة إليه الاختلاف بين الأفلام أو القصص واللعبة، بأن الأولى تمنحك شعور بالرعب أما اللعبة فهي ترعبك بالفعل؛ فمفتاح الرعب هو أن تنغمس داخل عالمه .. فلو جعلك عالم اللعبة تشعر بأنه واقعي فعندها الرعب بداخل هذا العالم يصبح متماسكًا وأقوى"

وأكمل كلامه بأنه يعتقد " أن اللاعب يريد العواطف وأن التجربة المرعبة تعطي كم من العواطف أكبر من الألعاب العادية؛ فإذا كان الألم هو ما يميزك بأنك لازلت حيًا؛ فربما الرعب كذلك يؤكد بصراحة مطلقة على ذلك من دون أن تشعر بألم حقيقي. وربما هي طريقة لتذكرة النفس بأن حياتك الحقيقية ليست بهذا السوء كما تخيلت."

وربما لهذا السبب شهرة ألعاب الرعب واسعة ولن تنخفض في المستقبل، فمن منا لا يحب إخافة نفسه؟!

لعبة Outlast 2 أُعيدت كتابتها من الصفر وإليكم أولى المعلومات عنها

ولكن من أين بدأت ألعاب الرعب؟!

حسنًا لندخل البوابة الزمنية معًا ونرى كيف تطورت ألعاب الرعب.

 في الثمانينات بالتحديد عام 1982 تعتبر لعبة الرعب ثلاثية الأبعاد والتي تسمى "متاهة الوحش Monster Maze " هي من أوائل الألعاب التي تمت صناعتها للحاسوب المنزلي، تصميم اللعبة كان بسيطًا وحتى الألوان كانت أبيض وأسود والرمادي فقط .. لم تكن الألوان داخل هذه اللعبة وحتى لم يكن بها قصة، هدف اللعبة هي أن تمشي وسط المتاهة هروبًا من ديناصور "التيريكس" قبل أن يمسك بك، وخلال اللعبة مع كل مرحلة تظهر رسالة بأسفل الشاشة عن مستوى تحول الوحش .. ليست كألعاب اليوم لم يكن هناك أي صوت أو موسيقى أو مؤثرات فقط رسالة تظهر عن مستوى الديناصور أو عبارة "اهرب إنه خلفك" وهي كفيلة بأن تلعب على وتر القلق والهلع. لك أن تتخيل أن هذه اللعبة كانت مخيفة ومحبوبة في وقتها على حسب تعليق اللاعبين الذين عاصروها.

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

ومع تطور التكنولوجيا خلال السنين تحسنت الرسومات ودخل مفهوم الألوان والصوت والمؤثرات والقصة ومعها نشأ أنواع جديدة من الرعب مثل رعب البقاء والرعب النفسي الذي يهدف لإرعابك بالصور المخيفة والتصميم الذي يجعل قلبك ينقبض ويجعلك تعيش في عالم مرعب بالفعل ولا يعتمد على المفاجآت المرعبة ال “jump scares”

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

مثل لعبة "وحيد في الظلام  Alone in the dark" في عام 1992 ولعبة "برج الساعة clock tower" في عام 1995

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

ومن ثم جاءت لنا في عام 1996 لعبة الرعب التي أشعلت الثورة الحقيقية داخل عالم ألعاب الرعب ألا وهي "رزدنت ايفل" حيث أنها أرست قواعد لألعاب الرعب التي ستظهر من بعدها محاولة اللحاق بها؛ مثل سلسلة "التل الصامت silent hill" وسلسلة "الإطار القاتل fatal frame" واللعبة المرعبة forbidden Siren وغيرها من الألعاب المرعبة والتي قدمت أفكارًا وقصصًا رائعة وأسلوب لعب متغير ومتنوع.

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرةتطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرةتطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

ولكن لماذا رزدنت ايفل هي التي أحدثت الثورة؟!

حسنًا في وقتها كانت هذه اللعبة هي أقوى شيء من حيث تصميم الوحوش والبيئة ورسم الشخصيات والجرافكس، حتى المؤثرات الصوتية والموسيقى التي تبث القشعريرة كانت تعتبر سابقة من نوعها وطفرة في العالم؛ فهي لم تكن قصة موتى أحياء "زومبي" عادية كالتيمات المتكررة بصدد هذه المخلوقات في الأفلام والمسلسلات أو لعبة الرعب "بيت الموتى house of the dead" بل أنه كان هناك قصة غير اعتيادية وكذلك طريقة اللعبة حيث ستحاول اكتشاف الأسرار وراء صنع هؤلاء الزومبي أو أسرار القصر الغامض الذي تحبس بداخله في أحداث الجزء الأول من رزدنت ايفل وتحاول الخروج حيًا من هذا الجحيم، اللعبة بحد ذاتها كانت ممتعة ومليئة سواء قصصيًا أو فنيًا .. حتى الألغاز داخل اللعبة لم تكن متكررة، ولهذا هي لعبة سابقة لعهدها وخارج الصندوق .. كما تعتبر أيقونة في عالم الرعب على الرغم من توجه السلسلة في بعض السنوات نحو الأكشن مبتعدةً عن الرعب ولكن في الأونة الأخيرة عادت مجددًا مع جزئها السابع والجزء الثاني المعاد إنتاجه نحو الرعب الذي أسسته معلنةً "أنا لا أزال هنا .. أنا لا أزال أتربع على العرش"

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرةتطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرةResident Evilتطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

ومن ثم ظهرت لنا لعبة رعب أخرى من شنجي ميكامي الأب الروحي لسلسلة رزدنت ايفل بعد خروجه من شركة كابكوم ليخبرنا بأن مخيلته الخصبة لم تنضب بعد وأن مازال بجعبته الكثير؛ فكانت الجوهرة "الشر الداخلي The evil within " والتي أجوائها تشبه لحد ما أجواء رزدنت ايفل؛ ولم لا وهي من نتاج نفس المخرج .. ولكن مع فارق كبير بالقصة والشخصيات.

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

وهذا شجع بعض الشركات المستقلة في صناعة الرعب مثل شركة ريد باريلز red barrels  التي صنعت لنا لعبة "أوت لاست outlast" والتي كانت جديدة من حيث طريقة اللعبة؛ فهنا بداخل عالم اللعبة أنت وحيد تمامًا .. لا يوجد معك أي سلاح .. لا يوجد سوى كاميرا تصوير. ولا، ليست مثل لعبة "فاتال فريم" والتي تمنحك الكاميرا قوة كسلاح تستخدمه في قتال الأشباح عبر إلتقاط صورهم وهذا لا يقلل من رعب فاتال فريم؛ فاللعبة لوحدها مريبة ومرعبة فما بالك لو كنت أعزل السلاح في هذا العالم! ولكن الكاميرا في لعبة "أوت لاست" لها استخدام واحد فقط أو استخدامين "التصوير والإضاءة" فاللعبة مظلمة في بعض الأماكن وستحتاج الرؤية عبر إشعال فلاش الكاميرا التي تحملها، وهكذا هي تعتبر horror walking simulator فأنت كل ما بيدك هو أن تمشي وتذهب حيث تأخذك قدماك هروبًا وتخفيًا من المجانين .. وهي كذلك تعتبر لعبة رعب نفسية بقدر ما هي رعب دموي أو مقزز ببعض الأماكن

لعبة Outlast 2 أُعيدت كتابتها من الصفر وإليكم أولى المعلومات عنها

ولكن لو أردت الرعب النفسي الحق فسلسلة الرعب "سايلنت هيل" تجلس فوق هذا العرش؛ فأنت هنا بداخل عالم مرعب بحق يعرف مخاوفك ويلعب على هذا الوتر .. فتظهر لك وحوش المدينة الصامتة والصاخبة بصرخاتهم والمؤثرات الصوتية والتي من نتاج عبقري الموسيقى "أكيرا ياماوكا" الذي عرف كيف يعزف على أوتار الرعب لتصيبك مؤثراته وعزفه بانقباض القلب .. الريبة .. التوجس والتوتر والخوف مع التلاعب بإضاءة المكان وألوانه وعلى الرغم من عدم وجود الوحوش الغريبة والمخيفة في بعض الأماكن من اللعبة ولكن الموسيقى والمؤثرات الصوتية الخاصة بالسيد "ياماوكا" كفيلة لتجعلك تغلق جهاز البلايستشن من الخوف .. ولهذا السبب أخبرتك أن الرعب نفسي فالوحوش الغريبة والموسيقى والضباب والمؤثرات والقصة وحتى الكتابات الغريبة على الجدران .. كل شيء بهذه اللعبة قد صمم لكي تلمس أعماقك النفسية، وحتى من بعد ما حدث من انفصال فريق سايلنت المسؤول عن اللعبة وانتقلت لمطورين آخرين حتى انتهت إلى هيديو كوجيما الذي انفصل هو الآخر عن كونامي، والذي كان سيخرج لنا كذلك الجزء الجديد من السلسلة التي نزل منها لعبة قصيرة أو ديمو باسم P.T or Playable teaser فتم إلغاء المشروع وهكذا ظلت سايلنت هيل معلقة .. فهل ستعود؟! لنأمل أنها بيومٍ ما ستعود من جديد.

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرةتطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرةتطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

وهكذا فإن تطور التكنولوجيا قد ساعد على صناعة هذه الألعاب .. وكلما يتقدم المستوى التقني تتقدم الرسومات والجرافكس والرعب يصبح أكثر واقعية وإخافة. ولكن العامل الأكبر في الرعب هو مخيلة الصانع أما التقنية فهي الوسيلة المساعدة لخلق عالمه المرعب .. فليست كل لعبة بمستوى تقني عالي هي مرعبة ولا كل لعبة رعب بجرافكس بسيط لا تستحق التجربة.

وحاليًا وصلنا لعصر نظارات الواقع الافتراضي VR والتي جعلت من انغماسك داخل العالم المرعب يتحقق بشكل أكبر؛ فالآن يا عزيزي بمجرد ما أن تضع نظارة وبكبسة زر ستدخل بنفسك داخل العالم المرعب ويتلاشى محيطك الآمن المتمثل في بيتك وأريكتك من حولك لتصبح مطاردًا من قِبل الأشباح أو الزومبي.

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

ولكن هل ساعد التطور التكنولوجي ألعاب الرعب بالفعل؟!

في هذه النقطة بالتحديد، هناك إجابتان؛ حيث أنه أجل كلما زادت الرسوم واقعية كما قلنا .. كلما كان الرعب أوقع وأضخم وأكثر إخافة، ولكن وأشدد على كلمة لكن .. حدث تدهورًا ملموسًا لألعاب الرعب في الآونة الأخيرة.

فأصبحت الشركات تتسارع على تكرار الألعاب من النوع Horror Walking Simulator .. لتلقليد Outlast و P.T Silent hills ، فأنتجوا لنا ألعابًا من قبيل أركض يا بطل من الشبح الذي سوف يفاجأك في الأماكن التي بحكم ماضيك العريق مع ألعاب الرعب العديدة ومشاهدة أفلام الرعب، أصبحت تعرفها وتعرف أين سيظهر الشبح، فالأماكن المفترض أن تكون غير متوقعة أصبحت متوقعة، فأصبحت تعرف من تلقاء نفسك أين منطقة ال Jump Scares ، وبالتالي لن تشعر بالخوف .. التكرار يولد التبلد واللا مبالاة وعدم الخوف.

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

وللأسف هناك عديد من الألعاب الحالية التي لم تعد حتى تقدم لك ألغازًا محترمة ترفع من نسبة نجاح ألعابهم، ومن أمثلتها نحدث ولا حرج؛ Blair Witch و Layers Of Fear و The Beast Inside وغيرها العديد من تلك الألعاب المعتمدة على السير والفزع من خلال Jump scares متوقعة!

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرةتطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرةblairwitch gameplay 4

وحتى الألعاب التي من المفترض لها أن تكون مبنية على روايات رعب كاتب الرعب الأشهر H.P.Lovecraft قد فشلت للأسف، فمثلًا لديك لعبة The Sinking City والتي هي بالمناسبة شبيهة بلعبة Call Of Cthulhu والمستوحاة هي الأخرى من رواية نداء الكوتولو للكاتب لافكرافت، من المفترض أن تقدم لك التجربة إحساسًا بالخوف المجهول من العوالم والأبعاد الأخرى، أن تشعر بأنك ضئيل في هذا العالم وأنك كلما انتقلت إلى مرحلة أو ازددت في المعرفة كلما واجهت وحوشًا ورعبًا أكبر .. هذه النقطة بالذات نجحت في تطبيقها لعبة Bloodborne على الرغم من أنها Action RPG وليست مصنوعة لتكون رعبًا بالكامل!

تطور ألعاب الرعب .. والتدهور الذي أصابها في الآونة الأخيرة

بينما The Sinking City جاءت مملة ووحوشها متكررة وحتى الموسيقى بها لم تكن جيدة ولم تعمل على إرعاب اللاعب، وكذلك المهمات والألغاز متكررة .. كدت أصاب بالنعاس بسببها، بل تمنيت لو أن تنتهي .. نعم رعبها الأكبر كان في طول اللعبة وعالمها المفتوح الذي تسبب في مشاكل تقنية وملل في الأحداث.

The Sinking city

بالنهاية أتمنى لو أن تعود ألعاب الرعب للصعود من جديد في عالم ألعاب الفيديو، أو على الأقل رؤية بعض الألعاب التي تنجح في إرعابنا وتطبيق خلطة الألعاب القديمة مثل Clock Tower و Haunting Ground و Silent Hill .. تلك الخلطة الموزونة ما بين ألغاز عديدة متنوعة تحتاج إلى تشغيل الدماغ والرعب من المجهول ومن الكائنات التي ترعبك بالفعل وليست مجرد Jump Scares رخيص.