مع الأسف، صار كل شيئٍ في العالم قابلٌ للإدمان. أعلم أنك على دراية بأن إدمان المخدرات كارثة منذ قرون، وأعلم أيضاً أنك على دراية بإدمان ألعاب الفيديو أيضاً. أعني…..يمكنك أن تدمن أي شيء، وهذا لأن تعريف الإدمان، من ناحية إرتباطه بالسلوك، هو فعل أي نشاط قد يكون ممتعاً بالنسبة لك يعود عليك بالمتعة واللذة، وهذا ما يتسبب في العديد من المشاكل مع مرور الوقت. 

كيف تهرب من إدمان تحديث الهاردوير المستمر!

في حالتنا، إدمان تحديث الهاردوير يقع تحت إدمان التقنية بشكل عام. هذا الإدمان سلوكي بحت ولا يرتبط بالتعاطي أو ما شابهه، وهنا يكون الضرر العائد عليك دائماً ضرر مادي وليس ضرر جسدي بالشكل الذي نراه في الحالات الأخرى، والتي لا نتمناها لأي شخصٍ في العالم. 

لكن إن أردنا تعريف إدمان تحديث الهاردوير بشكل شامل، كيف يمكننا فعل هذا؟

ما هو إدمان تحديث الهاردوير؟

إدمان تحديث الهاردوير يندرج تحت إدمان التقنية بشكلٍ عام. إدمان التقنية له أكثر من فرع، مثل إدمان ألعاب الفيديو، إدمان وسائل التواصل الإجتماعية وإدمان الأجهزة التقنية بشكلٍ عام. عند بحثنا بشكل متمعن، نجد أيضا أن إدمان تحديث الهاردوير مقارب أيضاً لإدمان التسوق. 

نعم، هناك من يدمن التسوق، وهذه ليست ترهة بأي شكل من الأشكال. هناك من يعشق الذهاب أسبوعياً لمراكز التسوق الكبيرة لشراء أشياء جديدة، خصوصاً لو أن هذا الشخص المصاب بهذا الإدمان يقوم بشراء أشياء لن يحتاجها ولن يستخدمها بشكل مكثف، بل يستخدمها مرة أو مرتين وقد لا يستخدمها من الأصل ويريد أن يمتلكها فقط لا غير. 

إذاً، فهو إدمان مركب. إدمان الحصول على أحدث ما تم إصداره في عالم التقنية، وأيضاً إدمان شراء قطع جديدة من باب التحديث الذي قد لا يكون مفيداً في جميع الحالات. هذا لا يعني أيضاً أن الأمر صار أكثر تعقيداً، لكن يمكن تصنيفه في هاتين الجزئيتين. 

الفكرة هنا أن من يدمن القيام بهذا الشيء يدمنه لسببين، السبب الأول هو امتلاك أفضل ما في السوق حتى لو لن يستغله بأكمله، أو الحصول على أفضل ما في السوق أيضاً حتى لو لن يرفع من تجربته. المثال الأكثر شيوعاً في عالم التقنية هو تحديث الهواتف المستمر، وعلى سبيل المثال، هواتف الأيفون. 

كل عام يتم إصدار هاتف أيفون جديد تقريباً، ويبدأ مالك الأيفون ببيع هاتفه القديم والحصول على إصدار العام الجديد من باب التحديث فقط لا غير، وفي النهاية قد لا يكون مستغلاً لكل ما يوفره الأيفون في الأصل. على سبيل المثال، اهتمامه كله ينصب في تطبيقات وسائل التواصل الإجتماعي ولا يستهلك كل ما يقدمه الهاتف، لكنه سيحصل في النهاية أيضاً على هاتف أيفون القادم لأنه، ومع الأسف، لا يستطيع أن يتوقف عن التحديث. 

نفس الأمر يحدث مع الهاردوير، لكن الأزمة أكبر من ناحية الهاردوير لأن هناك بعض التحديثات التي تحتاج منك أن تقوم بتحديث باقي القطع بدورك. 

التحديث يتبعه تحديثٌ أخر

إدمان تحديث الهاردوير

القطع الأكثر عرضة للتحديث هي البطاقة الرسومية والمعالج المركزي. هذا صحيح، فنادراً ما نرى أحدهم يقوم بتحديث الذواكر العشوائية التي تعيش لسنواتٍ طويلة بنفس الأداء ولا تتغير معاييرها في شيء، ونادراً أيضاً ما نرى شخصاً يقوم بتحديث صندوق الكمبيوتر الخاص به إلا في حالة الضرورة مثل الحاجة إلى مساحةٍ أكبر من أجل بطاقة رسومية أو لوحة أخرى. 

على سبيل المثال، إن نظرنا لاستهلاك الطاقة الخاص ببطاقات AMD وNVIDIA هذا العام، سنرى قفزة واضحة قد تسفر عن تحديث مزود الطاقة أيضاً. هناك العديد من ملاك بطاقة GeForce RTX 2080 Ti رأوا أن بطاقتهم صارت ضعيفة أمام بطاقات الجيل الجديد، وهذا أيضاً ما حدث معهم عندما تم إصدار نفس البطاقة وهو يمتلكون بطاقة مثل GTX 1080 Ti، وهنا فكروا في الحصول على بطاقة مثل GeForce RTX 3080 Ti من باب التحديث فقط لا غير، وهنا احتاجوا لشراء مزود طاقة جديد بسعة الـ 750 واط عوضاً عن مزوداتهم الحالية. 

نفس الأمر يحدث مع من اعتمد على Intel من أجل الحصول على معالج من خطوط إنتاجها، حتى لو لم تكن الأفضل بشكلٍ واضحٍ وصريح. عانت الشركة مع توفير منصات طويلة الأجل، واحتاج العديد من روادها إلى تحديث اللوحة مرتين من أجل مواكبة المنصات الجديدة، وها هم الآن يحتاجون لتحديث هذه اللوحات مرة أخرى لتشغيل معالجات الجيل الثاني عشر القادمة قريباً. 

حتى مع البطاقات الرسومية، تحتاج أيضاً للحصول على أفضل المعالجات لتوفير أفضل أداءٍ ممكن. إن نظرنا إلى مراجعات معالجات Ryzen 5000، سنجد أنها قدمت طفرة في الأداء مع الألعاب بالذات، وهنا قرر العديد من الناس شراء معالجاتٍ جديدة من هذه السلسلة للحصول على أفضل أداء مع بطاقتهم الرسومية، حتى لو كانت هذه المعالجات من سلسلة Ryzen 3000 التي سبقت المذكورة أعلاه. 

لا ننسى أيضاً أنك ستفكر في الأغلب في تحديث الشاشة لمواكبة الأداء الخارج من البطاقة الرسومية الخاصة بك، وهذا يضع حملاً أخر على حسابك البنكي الذي صار لا يستقبل إلا عمليات السحب ولم يشم رائحة الإيداع بسبب ما تقوم به من تحديثات قد لا تستغلها بالكامل أيضاً. 

تشعر أنك قريبٌ من هذه الأزمة، لكن تفاديها أو التخلص منها ليس بالصعب إن سألتنا

هذا صحيح. دائماً، وعند صدور أي جيل جديد من أي شيء، تشعر بأنك تريد شرائه. تبدأ بحساب مدخراتك، وتبدأ أيضاً بالتفكير في بيع العتاد الذي تمتلكه لتستطيع التحديث إلى العتاد الجديد، وقد تفكر في العمل لدوامين في اليوم لتوفير أموال هذا التحديث الذي تفكر فيه. 

لأنني لا أريد أن أخيفك كثيراً ولا أريدك أن تكره الهاردوير بشكلٍ عام، سأدخل في صلب الحل الذي يجب أن تعرفه لحل هذه المشكلة أو تفاديها بالاعتماد على نفسك بالكامل، وبدون القيام بالاعتماد على أحدهم بأي شكل من الأشكال. 

حدد لنفسك معياراً موحداً للأداء في الأعوام القادمة

المعايير الرسومية

شكل معيار الأداء الخاص بك على حسب ميزانيتك في الوقت الحالي أو ما تستطيع الحصول عليه خلال عامٍ كامل من بداية التحديث القادم أو التجميع الذي ستقوم به. على سبيل المثال، يقوم الكثيرون بتبني معيار الـ 1080p مع معدل إطارات الـ 120 إطاراً في الثانية الواحدة. 

هنا سيجدون الكثير من الحلول في أجيال GTX-10 وRTX-20، وبالطبع بطاقات الجيل الجديد توفر نفس التجربة أيضاً من سلسلة مثل RTX-30. العديد يقومون بالتحديث إلى الجيل الجديد، مع العلم أنهم سيحصلون على نفس التجربة الرسومية الخاصة بمعيار الأداء الذي يستهدفونه سواء هنا أو هناك، مما يجعل التحديث بدون أي فائدة. 

لنفكر في الجيل الحالي على سبيل المثال. إن فكرت في تبني معيار مثل الـ 1080p مع معدل إطارات الـ 120 إطاراً في الثانية، فبطاقة مثل RTX 3060 ستكون كافية للغاية لهذه الحاجة. سيأتي الجيل القادم وأنت مرتبط بنفس المعيار الرسومي، وستظل تتعامل بنفس البطاقة، نفس المعالج ونفس الشاشة. وقتها ستظهر بطاقة أخرى، فهل تحتاجها بالفعل؟

ستحتاجها في حالة واحدة، إما إن كانت بطاقتك الرسومية أو معالج المركزي غير قادر على مجاراة أحدث العناوين التي تراها وقتها أو إن كنت تريد التحديث من أجل الوصول إلى معيارٍ أعلى من المعيار الحالي الذي تستهدفه. حتى لو كانت هناك بطاقةً أحدث من البطاقة التي تمتلكها، قد تكون أعلى من احتياجك ولن تحصل على أي منفعة منها بسبب ارتباطك بميزانية لن توفر لك أعلى من هذا، والتي قمت بوضعها في الشاشة والمعالج للحصول على هذا المعيار بشكلٍ كامل. 

هذا ببساطة لأنك لن تستفيد من الحصول على بطاقة مثل RTX 3080 موجهة في الأصل لدقة الـ 4K، ولن تستفيد بما تقدمه بأي شكلٍ من الأشكال إن كنت لا تمتلك معالج جيد وشاشة تأتي بهذه الدقة الرسومية من الأصل، ولهذا لا ننصح بالتحديث من باب الفراغ لأن الأمر يتحول إلى عادة لن يمكنك التخلص منها بأي شكلٍ من الأشكال. 

في خلال هذه الأعوام قد يختلف الأمر

كيف تهرب من إدمان تحديث الهاردوير المستمر!

في خلال هذه الأعوام قد تظهر بعض العناوين التي تحتاج منك إلى عتادٍ أفضل مع مرور الزمن. قد تظهر أيضاً بطاقات أقوى بأسعارٍ جيدة لكي تظل على نفس المعيار إن أردت أو إن كنت تريد أيضاً تبني معيارً أفضل بالنسبة لك، مثل الـ 1440p ومعدل إطارات الـ 120 إطاراً في الثانية على سبيل المثال. 

ولا ننسى أيضاً أنك قد تقوم بإدخار بعض الأموال التي ستساعدك على هذا، ولن تحتاج إلى القيام بنفس المجهود كل عام لكي تشتري أعلى العتاد المتواجد في السوق الذي لن يكون رحيماً بك عندما تقوم بشرائه، خصوصاً وأنه مع حل أزمة التزويد والتصنيع الخاصة بالهاردوير بشكلٍ عام، ستسقط أسعار البطاقات التي تأتي من الأجيال الماضية في سوق المستعمل وستخسر قيمة مادية كبيرة كان يمكنك الاستمتاع بها حتى توفر المبلغ الذي تحتاجه للتحديث عوضاً عن التخلص من عتادك وقتها. 

وتذكر أنه قد يكون من أضعف أنواع الإدمان، وأن هناك أشياءٌ أهم من اللعب والكمبيوتر

 

هذا ما يجب أن تعرفه دائماً.  إدمان تحديث الهاردوير هو من أضعف أنواع الإدمان، وهذا لأن العنصر الأساسي الذي يتحكم فيه قد لا يكون متوفراً معك دائماً، وهو وفرة المال الزائد الذي قد يكون من الأفضل أن تضعه في أشياءٍ أخرى أهم بكثير من جهاز كمبيوتر من أجل الألعاب. 

أنا لست "لايف كوتش"، لكن أنا متأكد أن حياتك بها أشياءٍ أهم من تحديث الكمبيوتر الخاص بك، فلما لا تفكر في ضخ أموالك في هذه الأشياء عوضاً عن إنفاقها بشكلٍ مستمر في الكمبيوتر الخاص بك، خصوصاً إن كنت مرتبطاً بمعيار رسومي محدد في الوقت الحالي؟ 

في النهاية، أنت المسؤول الأول والأخير عن قراراتك، وما علينا إلا النصح في ما نجده خاطئاً أمامنا لا غير، وهذه كانت نصيحة اليوم لك. التحديث المستمر لا جدوى منه إن لم يغير من تجربتك، فلا تدعه يأخذك إلا ما لا يحمد عقباه.