تميل الثورات التقنية إلى الحدوث بسرعة كبيرة نسبيًا في الغالب، وما عليك سوى النظر إلى ثورة الإنترنت مثلًا.. كيف هذا؟ لنرى معًا!

إن نظرنا إلى شبكة الإنترنت في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية، في ذلك الوقت كانت تُثار ضجة كبرى حول هذا الشيء الجديد الذي يجعل أجهزة الكمبيوتر تتحدث مع بعضها البعض!

حينها كان جيف بيزوس قد أسس شركته أمازون، وكانت جوجل في بداية طريقها للاستيلاء على السوق من أمثال شركة ياهو، كما بدأت بعض الشركات تحقق تقييمات اقتصادية ومالية ملفتة للنظر. أما بالنسبة لمن لم يستخدم الإنترنت حينها، ظهر كل شيء رائعًا ومثيرًا للاهتمام ولكنه لم يكن يمثل أي أهمية أو صلة بالنسبة لهم، فما مدى فائدة التواصل عن طريق الكمبيوتر ونحن نملك الهواتف بالفعل؟

لكن الإنترنت، مثل كل التقنيات الجديدة الناجحة، لم يتبع مسارًا خطيًا للسيطرة على العالم، ولم يتطور تدريجيًا ليمنحنا الوقت الكافي للتخطيط للمستقبل. لكنه انفجر فجأة في النمو، وسحق في طريقه شركات كانت قائمة وراسخة بالفعل، وغير الطريقة التي نفعل بها كل شيء في حياتنا تقريبًا.

النمط الذي سار عليه الإنترنت في مرحلة النمو هو نمط مألوف في عالم التقنية والشركات وهو منحنى الدالة السينية S-curve.

في الواقع كان المنحنى ممتد أو مطول؛ الفكرة هي أن الابتكارات الجديدة تبدأ ببطء، ويستفيد منها المهووسون بالتقنية فحسب. وبالنسبة للإنترنت، بدأ الرسم البياني في 29 أكتوبر عام 1969، وذلك عندما اتصل جهاز كمبيوتر في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بجهازٍ آخر في معهد ستانفورد للأبحاث على بعد بضع مئات من الأميال، حين كتب الباحثون حرف L، ثم O، ثم G، وتعطل النظام قبل أن يتمكنوا من إكمال كلمة "Login".

دعنا نتعرف على هذا المنحنى S-curve، وما هي مراحله تحديدًا وكيف يقيس تطور التقنية؟

منحنى قياس تطور التقنية

يمكن توضيح الدورة الزمنية للابتكار في التقنية، بالإضافة إلى سلوك السوق، بمنحنى الدالة السينية S-curve.

في حالة المنتج مثلًا، يمكن رسم مقياس كفاءته كدالة في الزمن حينما تم تقديم كل منتج، بمعنى أن المقارنة ستكون بين الزمن على المحور X وبين أداء المنتج على محور Y، وسيكون المنحنى الممثل حينها هو S-curve.

يمكننا تقسيم المنحنى إلى ثلاثة أجزاء كما نرى في الصورة:

منحنى S-curve

1) الجزء السفلي: هي بداية منحنى S-curve للابتكار، عندما يكون المنتج أو الصناعة جديدة تمامًا. ونتيجة لذلك، لا يظهر تصميم مهيمن على السوق بعد. وبالتالي فإن المنافسة بين مختلف اللاعبين في هذه الصناعة ستكون شرسة في بدايتها. ولهذا، عادةً في هذه المرحلة، تُنفق معظم الموارد على البحث والتطوير، وغالبًا لن يكون هناك كثير من الابتكار، والتغييرات قليلة ويفصل بينها فترات زمنية متباعدة.

2) الجزء الأوسط: في هذه المرحلة يمكن للمنتج التغلب على عقبات تقنية كبيرة أو يملك القدرة على تلبية طلب السوق، بجانب اعتماد المنتج أو الصناعة من قبل الأغلبية الأولى وتمكنه من تجاوز الاختلافات وظهور تصميم مهيمن على الصناعة بالفعل. ولذلك، فإن السوق ستتميز بالنمو السريع في الإنتاج، وسيتحرك المنتج بسرعة نحو قبول السوق بالكامل. ومن ثمّ ستحدث وفرة سريعة من الابتكار، وهو الجزء الذي يرتفع فيه المنحنى إلى أعلى، خلال تلك الفترة، ويتم إطلاق عديد من المنتجات وينضم عديد من المنافسين إلى السوق.

3) الجزء العلوي: وهي مرحلة النضوج، فعندما يصل المنتج إلى هذه المرحلة يكون قد اعتمده المجتمع بالكامل تقريبًا، وعادةً ما يقترب من الحد الأقصى لتطوره. ونظرًا للمنافسة القوية بين الشركات الرئيسية في السوق، التي تُحدد بوضوح في هذه المرحلة، تُنفق معظم الموارد على تحسين وزيادة عمليات الإنتاج وجعلها أرخص. لذلك، في أغلب الأحيان تصبح المنتجات في هذه المرحلة موحدة تمامًا ولا يوجد بينها اختلافات كبيرة، وتصبح الابتكارات تدريجية.

بالعودة إلى حالة نمو الإنترنت، وبعد مرور عقد من الزمان، لم يكن هناك سوى بضع مئات من أجهزة الكمبيوتر على الشبكة، ولكن وتيرة التغيير كانت بدأت في التسارع بالفعل. وخلال التسعينيات بدأ مهوسون أكثر بالتقنية في شراء أجهزة الكمبيوتر الشخصية. ومع نمو السوق أكثر، انخفضت الأسعار بسرعة، وتحسن الأداء وزادت الكفاءة، مما شجع المزيد والمزيد من الأشخاص على تسجيل الدخول إلى الإنترنت.

منحنى S-curve

كانت تلك هي بداية انطلاق وصعود منحنى S بسرعة جنونية، والتحول إلى النمو الأسي، وبحلول عام 1995 كان هناك حوالي 16 مليون شخص على شبكة الإنترنت، بينما بحلول عام 2001 كان هناك 513 مليون شخصًا، والآن يوجد أكثر من ثلاثة مليار شخص. ما سيحدث بعد ذلك هو أن المنحنى يبدأ في التوقف قليلًا لأعلى ويسير في خط أفقي، ويبدأ معدل النمو في التباطؤ.

لقد رأينا نفس نمط التطور من البداية البطيئة ثم النمو المتسارع للغاية ثم التباطؤ في أسواق ناضجة أخرى مثل سوق الهواتف الذكية والتصوير الفوتوغرافي وحتى في المضادات الحيوية.