في قلب الصراع المستعر بين إيران وإسرائيل، تتصاعد وتيرة المواجهات العسكرية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث لم تعد المعارك تقتصر على الحدود التقليدية أو ساحات القتال المعروفة، بل امتدت لتشمل ضربات دقيقة تستهدف العمق الاستراتيجي والتكنولوجي للطرفين. في هذا السياق، شكل الهجوم الصاروخي الإيراني على مركز "غاف يام نيغيف" التكنولوجي في مدينة بئر السبع جنوب إسرائيل، نقطة تحول دراماتيكية في مسار الحرب التي بدأت تتخذ أبعادًا جديدة وأكثر خطورة.

الدمار يغطي على أغلب مدن الاحتلال جراء الهجوم الإيراني - BBC

هذا المركز، الذي يُعتبر من أهم القلاع التكنولوجية والاستخباراتية في إسرائيل، ليس مجرد مجمع عسكري عادي، بل هو قلب شبكة متطورة تجمع بين وحدات القيادة والسيطرة والاستخبارات العسكرية، وشركات تكنولوجيا عالمية، ومختبرات بحثية متقدمة؛ ما يجعله هدفاً استراتيجياً ذا أولوية قصوى في الصراع بين البلدين. الهجوم الذي نفذته إيران باستخدام صواريخ باليستية متطورة ورؤوس حربية انشطارية، لم يكن مجرد رد فعل عسكري، بل رسالة واضحة تحمل في طياتها تحذيراً مباشراً لإسرائيل والعالم من تصاعد المواجهة وامتدادها إلى ما هو أبعد من الخطوط الأمامية.

في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل هذا الهجوم الذي هز أركان الأمن الإسرائيلي ونحلل الأبعاد العسكرية والتقنية له، ونستعرض تداعياته الإنسانية والسياسية مستندين إلى تحليلات خبراء في الشأن الإقليمي والدولي. كما سنلقي الضوء على كيفية تأثير هذا الحدث على مستقبل الصراع بين إيران وإسرائيل، وما يمكن أن يعنيه من تحولات جذرية في موازين القوى في الشرق الأوسط.

اقرأ أيضًا: إيران وإسرائيل على خط النار… لمن اليد العليا في التقنيات العسكرية؟

ما هو مركز غاف يام نيغيف؟

مركز "غاف يام نيغيف" هو حديقة تكنولوجية متقدمة تقع في مدينة بئر السبع جنوب إسرائيل، وتُعتبر من أهم مراكز البحث والتطوير في البلاد. تأسس المركز حديثًا ليكون منصة تجمع بين الابتكار العلمي والتقنيات المتطورة في مجالات عدة منها الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، وعلوم البيانات، والروبوتات، وإنترنت الأشياء.

يتميز المركز بموقعه الاستراتيجي بجوار جامعة بن غوريون في النقب، مما يتيح تعاونًا وثيقًا بين الباحثين الأكاديميين والشركات التكنولوجية، بالإضافة إلى قربه من مقر وحدات الجيش الإسرائيلي التكنولوجية المتخصصة في القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات (IDF C4i). هذا الارتباط بين الجيش والجامعة والصناعة يخلق بيئة فريدة تجمع بين البحث العلمي والتطبيق العملي في مجال التكنولوجيا المتقدمة.

المركز قبل الهجوم - المصدر: Ben Gurion University

يضم المركز أكثر من 70 شركة تكنولوجية إسرائيلية وعالمية، ويوفر وظائف لأكثر من 2,500 مهندس، مع توقعات بأن يصل عدد العاملين فيه إلى أكثر من 10,000 عند اكتمال المشروع. كما يشكل المركز جزءًا من مشروع حكومي وطني يهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والتكنولوجية في منطقة النقب، وتحويل بئر السبع إلى مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار.

يُعتبر "غاف يام نيغيف" مركزًا وطنيًا للأمن السيبراني في إسرائيل، ويحتضن مرافق متطورة تدعم البحث والتطوير في مجالات الأمن الرقمي والتقنيات العسكرية المتقدمة، مما يجعله هدفًا استراتيجيًا حساسًا في الصراع الإقليمي. كما أن تصميمه الحديث ومساحته الواسعة (حوالي 200,000 متر مربع) يوفران بيئة عمل متطورة تلبي متطلبات الصناعة العالمية.

باختصار، مركز "غاف يام نيغيف" هو قلب التكنولوجيا المتقدمة في جنوب إسرائيل، يجمع بين البحث الأكاديمي والصناعة والقدرات العسكرية في مكان واحد، كما يشكل محورًا رئيسيًا في استراتيجية إسرائيل لتطوير التكنولوجيا والقدرات الدفاعية. لذلك دعنا نتعرف على الأهمية التكنولوجية والإستراتيجية لهذا المركز:

مركز "غاف يام نيغيف" التكنولوجي في بئر السبع يُعد من أهم المراكز البحثية والتكنولوجية المتقدمة في إسرائيل، ويتميز بأهمية استراتيجية وتكنولوجية كبيرة على عدة مستويات:

  • مركز بحث وتطوير متقدم: يقع المركز بجوار جامعة بن غوريون ووحدات القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات (IDF C4i) التابعة للجيش الإسرائيلي، ما يخلق بيئة فريدة تجمع بين البحث الأكاديمي، والصناعة، والقدرات العسكرية المتطورة.
  • محور للأمن السيبراني والتكنولوجيا العسكرية: يُعتبر "غاف يام نيغيف" مركز الأمن السيبراني الوطني في إسرائيل، ويضم شركات تكنولوجية متخصصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، وعلوم البيانات، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، ما يعزز قدرات إسرائيل في الأمن الرقمي والدفاع.
  • دور استراتيجي في تعزيز الأمن القومي: يساهم المركز مباشرًا في تعزيز قوة الدولة وأمنها، ويشكل ركيزة أساسية في استراتيجية نقل وحدات الجيش التكنولوجية إلى النقب، مع توفير بنية تحتية متطورة تخدم آلاف الجنود في وحدات النخبة التكنولوجية.
  • شراكة فريدة بين القطاعين العام والخاص: يجمع المركز بين الحكومة، والجيش، وجامعة بن غوريون، وشركات تكنولوجية محلية وعالمية، مما يخلق نظاماً بيئياً متكاملاً للابتكار والتطوير، ويجذب آلاف المهندسين والخبراء، مع توقع توظيف أكثر من 10,000 مهندس عند اكتمال المشروع.
  • محرك اقتصادي وتنموي للمنطقة: يساهم المركز في تحويل بئر السبع إلى مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار، مع تأثير إيجابي على الاقتصاد المحلي والتنمية في النقب، ويشكل نموذجاً للتعاون بين البحث العلمي والتطبيق الصناعي والعسكري.

اقرأ أيضًا: بعد زيادة التوترات بالمنطقة: مصر تفعل شبكة رصد الإشعاعات النووية

الهجوم الصاروخي على المركز

في صباح يوم 20 يونيو 2025، شنت إيران هجوماً صاروخياً دقيقاً استهدف مركز "غاف يام نيغيف" التكنولوجي في مدينة بئر السبع جنوب إسرائيل، وهو مركز يضم مؤسسات عسكرية وسيبرانية نشطة، ويعتبر "عاصمة إسرائيل السيبرانية" بحسب الإعلام الإيراني. الصاروخ الإيراني الذي أُطلق كان يحمل رأساً متفجراً يزن أكثر من 300 كيلوجرام، مما تسبب في أضرار واسعة النطاق.

المركز بعد الهجوم - المصدر: Times of Israel

الهجوم أدى إلى اندلاع حرائق كبيرة في مبانٍ عدة داخل المجمع، منها مبنى تابع لشركة مايكروسوفت، كما أظهرت مقاطع فيديو متداولة أعمدة دخان كثيفة وتصاعد النيران في المكان. الصاروخ أصاب مرآب سيارات داخل المجمع، مما أدى إلى انفجار وإشعال النيران في عدد من المركبات، وتضررت مبانٍ مجاورة، إضافة إلى إلحاق أضرار بمحطة قطار بئر السبع الشمالية والجامعة التي أُغلقت مؤقتاً.

الجيش الإسرائيلي صرح بسقوط الصاروخ داخل بئر السبع دون اعتراضه من منظومات الدفاع الجوي، وهو ما أثار تحقيقات لمعرفة أسباب الفشل في الاعتراض. الهجوم أسفر عن إصابة سبعة أشخاص بجروح طفيفة، إضافة إلى عشرات حالات الهلع بين السكان، أُجلي السكان من المباني المتضررة.

يأتي هذا الهجوم في إطار موجة تصعيد عسكرية بين إيران وإسرائيل، حيث أطلقت إيران دفعات صاروخية متتالية على أهداف إسرائيلية في الجنوب، رداً على الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع في إيران. الهجوم على مركز "غاف يام نيغيف" يحمل دلالة استراتيجية كبيرة، إذ يستهدف مركزاً حيوياً للأمن السيبراني والاستخبارات الإسرائيلية، ويشكل جزءاً من شبكة الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة للدولة. فيما يلي رد الفعل الإسرائيلي على الهجوم الإيراني:

الاعتراف بسقوط الصاروخ وعدم اعتراضه

 أقر الجيش الإسرائيلي بسقوط صاروخ إيراني داخل مدينة بئر السبع دون اعتراضه من منظومات الدفاع الجوي، وهو ما أثار قلقاً كبيراً حول فعالية منظومة "القبة الحديدية" وقدرتها على صد الهجمات الصاروخية الإيرانية المتطورة.

فتح تحقيق شامل

أعلن الجيش الإسرائيلي عن إجراء تحقيق موسع لمعرفة أسباب فشل اعتراض الصاروخ، وسط تساؤلات حول نقاط الضعف في منظومة الدفاع الجوي، خاصة مع تزايد وتيرة الهجمات الصاروخية الإيرانية.

ردود سياسية وأمنية حادة

وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهجوم بأنه "اعتداء إرهابي من الطغاة في طهران ضد المدنيين"، مؤكداً أن إسرائيل سترد بقوة وحزم على هذه الضربات، مع تهديدات بمواصلة العمليات العسكرية ضد الأهداف الإيرانية.

تصعيد الخطاب الأمني

المتحدث باسم الجيش "أفيخاي أدرعي" اتهم النظام الإيراني باستهداف المدنيين والمستشفيات، واعتبر ذلك محاولة لتبرير "أفعاله الإرهابية" بأكاذيب. فيما وصف وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" الحملة الإسرائيلية ضد إيران بأنها "الأكثر عدالة في تاريخ البلاد".

دمار تل أبيب - المصدر: Axios

رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "نفتالي بينيت" وصف الهجوم بأنه "اعتداء خطير" يهدد أمن إسرائيل، مؤكداً أن الرد الإسرائيلي سيكون قوياً وحاسماً، مع تهديدات باغتيال قيادات إيرانية عليا إذا استمر التصعيد. كما حذرت إسرائيل من أن استمرار الهجمات الإيرانية سيؤدي إلى توسيع نطاق الرد العسكري الإسرائيلي، مع استعداد كامل لمواجهة طويلة الأمد.

رد الفعل الدولي على قصف المركز

رد الفعل الدولي على ضرب مركز "غاف يام نيغيف" التكنولوجي في بئر السبع كان متبايناً، مع قلق واسع من تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي والدولي:

  • الأمم المتحدة والدول الغربية: أعربت الأمم المتحدة وعدد من الدول الغربية عن قلقها العميق من تصعيد العنف بين إيران وإسرائيل، ودعت إلى ضبط النفس والعودة إلى الحوار لتجنب مواجهة شاملة في الشرق الأوسط، مع التأكيد على أهمية حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية.
  • الاتحاد الأوروبي: دعا الاتحاد الأوروبي إلى تهدئة الأوضاع، مشيراً إلى أن الهجمات المتبادلة تزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة، ويجب العمل على استئناف المفاوضات النووية مع إيران لتقليل المخاطر.
  • الولايات المتحدة: عبرت واشنطن عن دعمها لإسرائيل في حقها بالدفاع عن نفسها، لكنها حثت الطرفين على تجنب المزيد من التصعيد، مع استمرار الجهود الدبلوماسية للحد من التوترات.
  • الدول العربية والإقليمية: أبدت دول عربية وإقليمية مخاوفها من اتساع نطاق الصراع، ودعت إلى ضبط النفس، مع بعض الدول التي عبرت عن دعمها لإيران في مواجهة ما وصفته بالعدوان الإسرائيلي.
  • المنظمات الدولية الإنسانية: نددت بالهجمات التي طالت منشآت مدنية مثل المستشفى القريب، محذرة من تداعياتها الإنسانية الخطيرة على السكان المدنيين.

 ضرب المركز والقدرات السيبرانية لإسرائيل

الهجوم الصاروخي على مركز "غاف يام نيغيف" التكنولوجي في بئر السبع أثر بشكل مباشر وجوهري على القدرات السيبرانية والعسكرية للمؤسسات المستهدفة، وذلك للأسباب التالية:

  • تعطيل أنظمة القيادة والسيطرة والاستخبارات: المركز يضم وحدات عسكرية متقدمة متخصصة في القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات (IDF C4i)، والهجوم أدى إلى شلل جزئي في غرف العمليات المتقدمة، مما أثر على قدرة الجيش الإسرائيلي على جمع المعلومات وتحليلها واتخاذ القرارات الاستراتيجية بسرعة وفعالية.
  • تراجع القدرة على الأمن السيبراني: المركز هو قلب الأمن السيبراني الإسرائيلي، ويضم شركات ومرافق متخصصة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، وأمن الشبكات. تدمير بنية تحتية حيوية أدى إلى تقليل قدرة المؤسسات على صد الهجمات السيبرانية المضادة، وتعطيل أنظمة الحماية الرقمية التي تحمي الشبكات العسكرية والمدنية.
  • تعطيل البنية التحتية الرقمية العسكرية: الهجوم أثر على خدمات الحوسبة السحابية المتقدمة التي تعتمد عليها وحدات الجيش في تحليل البيانات واستخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات، ما أدى إلى ضعف في التخطيط العسكري والرد السريع على التهديدات.
  • زيادة نقاط الضعف أمام الهجمات السيبرانية: سقوط الصاروخ داخل مركز تكنولوجي حيوي كشف عن ثغرات في منظومة الدفاع، مما قد يشجع الخصوم على استغلال هذه الثغرات في هجمات إلكترونية مستقبلية تعطل أنظمة الاتصالات والمراقبة العسكرية.
  • تأثير على الثقة في الأمن القومي: تعطيل مركز بهذا الحجم يزعزع الثقة في قدرة المؤسسات الأمنية على حماية المعلومات الحساسة، ويؤثر على معنويات العاملين في القطاعات العسكرية والاستخباراتية، كما يفتح المجال لهجمات دعائية وسيبرانية مضادة تستهدف زعزعة الاستقرار.

التكامل بين المراكز التكنولوجية والقطاع العسكري

التكامل بين المراكز التكنولوجية في إسرائيل والقطاع العسكري يتميز بعمق وتطور غير مسبوق، ويعتمد على شبكة متشابكة من التعاون الوثيق بين الجيش الإسرائيلي، والجامعات، وشركات التكنولوجيا العالمية والمحلية، مما يعزز القدرات العسكرية والاستخباراتية بصورة كبيرة:

وحدة C4I كقلب التكامل التكنولوجي العسكري

وحدة القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات (C4I) التابعة لرئاسة أركان الجيش الإسرائيلي هي وحدة نخبوية متخصصة تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والعمليات العسكرية، وتعمل على تطوير أنظمة متكاملة للقيادة والسيطرة، وجمع المعلومات، وتحليل البيانات في الوقت الحقيقي. هذه الوحدة تقع في مركز "غاف يام نيغيف" وتعتبر مركزاً محورياً للتكامل بين التكنولوجيا والجيش.

وحدة C4I - المصدر: Times of Israel

التعاون مع الجامعات ومراكز البحث

قرب مركز "غاف يام نيغيف" من جامعة بن غوريون في النقب يتيح تعاوناً مباشراً بين الأكاديميين والباحثين العسكريين، حيث طُورت تقنيات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات التي تُستخدم في العمليات العسكرية والاستخباراتية.

شركات التكنولوجيا العالمية والمحلية

شركات مثل مايكروسوفت، وجوجل، وأمازون، ورافائيل، ورادا، وسايبر آرك تلعب دوراً أساسياً في دعم الجيش الإسرائيلي عبر توفير تقنيات الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وأنظمة الدفاع السيبراني. مثلاً، مايكروسوفت تقدم خدمات حوسبة سحابية متقدمة ونماذج ذكاء اصطناعي (مثل GPT-4) للجيش، مما يعزز قدراته في تحليل الأهداف واتخاذ القرار السريع.

اقرأ أيضًا: حرب غزة | كيف ساهمت الحرب في انهيار قطاع التقنية بالاحتلال

دمج التكنولوجيا المدنية والعسكرية

صُممت المراكز التكنولوجية مثل "غاف يام نيغيف" بحيث تجمع بين بيئة مدنية حديثة تضم شركات تكنولوجية متقدمة وبيئة عسكرية متطورة، مع مرافق تدريب متخصصة وقاعات مؤتمرات، ما يخلق نظاماً بيئياً متكاملاً للابتكار والتطوير العسكري المدني.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية

تستخدم إسرائيل أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة مثل "جوسبال" و"لافندر" لتحليل البيانات الاستخباراتية، وتصنيف الأهداف، وتوجيه الضربات بدقة عالية، مما يقلل من الخطأ البشري ويزيد من فعالية العمليات.

اقرأ أيضًا: كيف تشارك ميتا في مأساة الشعب الفلسطيني؟

الشراكة مع الولايات المتحدة

يشمل التعاون التكنولوجي بين إسرائيل والولايات المتحدة تطوير مشترك لأنظمة دفاعية متقدمة مثل منظومة "Drone Dome" للدفاع ضد الطائرات دون طيار، ويعتمد على تبادل الخبرات والابتكار لضمان تفوق عسكري مستدام.

وحدة 8200 والتجسس السيبراني

وحدة 8200 هي الذراع التكنولوجي والاستخباراتي في الجيش الإسرائيلي، وتعمل بالتعاون مع شركات مثل مايكروسوفت لتطوير أنظمة أمنية متقدمة، وتستخدم تقنيات متطورة للتجسس وجمع المعلومات، ما يعكس التكامل العميق بين التكنولوجيا والعمليات العسكرية والاستخباراتية.

تحليل مستقبل ضرب مركز غاف يام نيغيف على مسار الحرب

تحليل مستقبل الصراع وضرب مركز "غاف يام نيغيف" على مسار الحرب بين إيران وإسرائيل يكشف عن عدة أبعاد استراتيجية وتكنولوجية تؤثر بشكل عميق على تطور المواجهة:

تصعيد غير محدود وتراجع فرص خفض تصعيد الهجوم الصاروخي على مركز "غاف يام نيغيف" يمثل تصعيداً نوعياً في الحرب، إذ استهدفت إيران مركزاً تكنولوجياً وعسكرياً حساساً داخل إسرائيل، ما يعكس رغبة في توسيع نطاق المواجهة. التحليلات الإسرائيلية تشير إلى أن غياب سقف واضح للمواجهة يضعف فرص خفض التصعيد، مع توقع استمرار التصعيد العسكري لأسبوعين على الأقل، وربما أكثر، في ظل غياب مؤشرات نجاح جهود التهدئة الدبلوماسية.

تأثير الهجوم على القدرات التكنولوجية والعسكرية الإسرائيلية

ضرب المركز أدى إلى تعطيل أنظمة القيادة والسيطرة والاستخبارات (C4I) التي تعد قلب القدرات العسكرية الإسرائيلية، مما أثر على سرعة الاستجابة ودقة العمليات. كما أضعف الهجوم مؤقتاً الأمن السيبراني والاستخبارات العسكرية، ما قد يمنح إيران هامش مناورة أكبر في المرحلة المقبلة.

تغير ملامح الصراع وتزايد التوتر الداخلي الإسرائيلي

الهجمات الإيرانية الدقيقة على مواقع حساسة داخل إسرائيل، مثل بئر السبع ورحوفوت وحيفا، أثرت على تماسك الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وزادت من حالة القلق بين المدنيين، ما قد يضغط على الحكومة الإسرائيلية لتصعيد الردود العسكرية أو البحث عن حلول سياسية.

الرهان الإسرائيلي على ضرب المشروع النووي الإيراني

تركز إسرائيل في هجماتها على استهداف المنشآت النووية الإيرانية ضمن سياسة "كسر العتبة النووية"، لكنها تعترف بصعوبة تدمير البرنامج النووي بالكامل دون دعم أميركي مباشر، وهو ما لم يتوفر حتى الآن. هذا يضع إسرائيل في موقف تحدي مستمر مع إيران، مع احتمال استمرار المواجهة لفترة طويلة.

إن استمرار الصراع قد يؤدي إلى توسيع المواجهة لتشمل استهداف منشآت حيوية في الخليج، وقواعد عسكرية أميركية، أو تصعيد عبر وكلاء إيرانيين في المنطقة. في المقابل، تخشى الأطراف الدولية من انزلاق الصراع إلى حرب شاملة تؤثر على استقرار الأسواق العالمية للطاقة والاقتصاد.

سيناريوهات مستقبلية للصراع

  • تصعيد مستمر مع تبادل ضربات واسعة النطاق، مع احتمالية تدخل دولي محدود أو دعم لوجستي.
  • تثبيت حالة المواجهة مع محاولات دبلوماسية للتهدئة، لكن دون حل جذري للصراع.
  • انهيار محتمل للنظام الإيراني أو تغييرات جذرية تؤثر على موازين القوى الإقليمية، وهو سيناريو محفوف بالمخاطر وغير مؤكد بسبب تماسك الأجهزة الأمنية الإيرانية.

تأثير الهجوم على مسار الحرب باستهداف مركز "غاف يام نيغيف" يرفع من مستوى التوتر ويجعل المواجهة أكثر شمولية، حيث لم تعد الضربات تقتصر على مواقع عسكرية تقليدية بل تشمل مراكز تكنولوجية حيوية، مما يعمق من تعقيد الصراع ويزيد من احتمالات استمراره وتصعيده. كما أن الهجوم يضع إسرائيل أمام تحديات جديدة في حماية بنيتها التحتية الحيوية، ويجعل الرد الإسرائيلي أكثر حذراً وحسماً في آن واحد.

تدمير مكتب ميكروسوفت في بئر سبع - المصدر: TASNIM NEWS

يتضح أن ضرب مركز "غاف يام نيغيف" من وجهة نظري لم يكن مجرد عملية عسكرية تقليدية، بل نقطة تحوّل استراتيجية تعكس عمق التصعيد بين إيران وإسرائيل وتغير ملامح الصراع جذريًا. كشف الهجوم هشاشة منظومات الدفاع الإسرائيلية أمام الصواريخ الدقيقة، وأظهر قدرة إيران على الوصول إلى قلب العمق التكنولوجي والاستخباراتي الإسرائيلي، ما يضع تل أبيب أمام تحديات أمنية وتكنولوجية غير مسبوقة.

من الناحية التحليلية، هذا التصعيد يعكس أزمة استراتيجية لدى الطرفين: تحاول إسرائيل  كسر "العتبة النووية" الإيرانية عبر ضربات مركزة تستهدف مراكز القرار والتكنولوجيا، لكنها تواجه صعوبة في تحقيق حسم سريع بسبب تعقيد البنية الإيرانية ودعم القوى الإقليمية والدولية لطهران. في المقابل، إيران تراهن على استنزاف إسرائيل عبر ضربات متكررة تستهدف البنية التحتية الحيوية، وتلعب على عامل الوقت والضغط الداخلي على الحكومة الإسرائيلية.

رغم الدعوات الدولية للتهدئة، فإن غياب سقف واضح للمواجهة يجعل فرص خفض التصعيد ضئيلة في المدى القريب، خاصة مع تصاعد الخطاب العدائي من الطرفين، وتهديدات إسرائيل بضرب مناطق مدنية داخل إيران، وردود فعل طهران التي تؤكد استعدادها لحرب طويلة وشاملة. هذا الواقع يفتح الباب أمام سيناريوهات خطيرة قد تشمل توسع المواجهة إلى جبهات إقليمية أخرى، مع مخاطر على الأمن والاستقرار العالمي.

لذا، يمكن القول إن ضرب مركز "غاف يام نيغيف" هو أكثر من مجرد ضربة عسكرية؛ إنه إعلان عن بداية فصل جديد في الصراع الإيراني الإسرائيلي، فصل يتطلب قراءة دقيقة واستراتيجيات متوازنة من جميع الأطراف لتجنب انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة لا تحمد عقباها.