"ريميك الألعاب": نوستالجيا جميلة أم خدعة استغلالية؟!
ريميك الألعاب،القضية التي لا تنام، مؤيد كنت أو ومعارض، لا يزال هذا الجدل قائماً حتى اللحظة وأعتقد شخصياً بأننا تحدثنا عن تلك القضية مراراً وتكراراً في عرب هاردوير، ولكن بعد الكشف عن ريميك Max Payne مؤخراً وبرغم أني عادةً لا أحب فكرة ألعاب الريميك وما شابه إلا أني وجدت نفسي متحمساً لهذا الخبر وحده بالذات. وهنا توقفت لبرهة لكي اسأل نفسي: لماذا وقع علي هذا الخبر بوقع إيجابي دوناً عن غيره؟ "اشمعنى يعني؟" ولأقرب لكم فكرتي وأجيب عن هذا السؤال تحديداً، سأحتاج للخروج معكم عن النص بعض الشيء لذا تحملوا معي قليلاً واعذروني!
بين معمعة مسلسلات رمضان 2022 ذات الانتاجية الضخمة والمشاهدة السريعة الهوليودية، أجد نفسي منجذبًا إلى مسلسل مثل لن أعيش في جلباب أبي والحاج عبد الغفور البرعي أو حتى مسلسل الزنكلوني ولمن لا يعلم فهو مسلسل مصري أردني تم إصداره عام 1987 بطولة الفنان الشهير محمد رضا، وخيرية أحمد وليلى طاهر.
أسماء قد لا يعرفها الكثير من الجيل الجديد ولكني أؤكد أنهم عظماء في تاريخ الفن المصري يكفي أن أقول لك الحلقة الواحدة من مسلسل الزنكلوني مدتها ساعة كاملة، تقدم لك وجبة درامية دسمة بينما نرى الآن الحلقة مدتها 15 دقيقة في المسلسلات الجديدة وأنا أود التركيز على مثال الزنكلوني لأنه مشابه لنفس الحالة التي نعيشها مع لن أعيش في جلباب أبي تماماً ولكن اعذروني، أنا أميل للزنكولني أكثر.
حتى هذه اللحظة كان الأمر طبيعيًا، فأنا شخص كبير في السن قليلًا وكان من المنطقي بالنسبة لي أن لا أهتم بنجوم ونجمات الجيل الحالي، ولكي توقفت جدًا عندما تركت العائلة تتابع أحد المسلسلات الرمضانية لأذهب أنا لأستمتع بحلقة أخرى من مسلسل الزنكلوني الموجود أصلًا على اليوتيوب ويمكن الوصول إليه في أي وقت.
[quote في هذه اللحظة توقفت لأسأل نفسي، ما الذي يُقدمه لي مسلسل تم إصداره في عام 1988؟]
وجدت أنني متعلق بكل تفاصيل المسلسل، الملابس التي يرتديها الممثلون تُذكرني بأيام الطفولة، أشعر أن الممثلين هم نفس الأشخاص الموجودين في ألبومات الصور العائلية الخاصة بي، ورق الحائط في منزل الزنكلوني مطابق لورق الحائط في منزل جدتي، بل أن الزنكلوني يستخدم أدوات منزلية مثل التي كنا نمتلكها قديمًا، ويمكن أن أزيد الأسباب حيث قام الزنكلوني بشراء ألعاب في أحد الحلقات والألعاب كان بها حصان صغير مطابق تمامًا لحصان كان عندي في طفولتي ولدي صورة فوتوغرافية وأنا ممسك به!
حتى موسيقى التتر أنجذب إلى سماعها بصوت المطربة الشهيرة أنغام على عكس المقدمات الموجود حاليًا في المسلسلات التي لا أهتم بسماعها على الإطلاق، وهنا توقفت مرة أخرى أتساءل لماذا أحب سماع هذا التتر ذو الأغنية القديمة؟
اكتشفت أولًا أنني لا أسمع تتر المسلسلات الجديدة أصلًا ،لدي القدرة الآن على تغيير القناة حتى ينتهي التتر، أو عدم سماعه في العموم إذا كنت أشاهد الحلقة عبر أحد المنصات الإلكترونية، ووجد أنني كنت أسمع التتر الخاص بالمسلسلات عندما كنت طفلًا فقط حيث كان يوجد ثلاث قنوات فقط ويجب مشاهدة الحلقة على التلفاز.
أما بالعودة إلى تتر مسلسل الزنكلوني وجدت أنه لحن قديم ولكن ليس قديم جدًا، يمكن أن نقول أنه لحن وطريقة أداء معاصرة لطفولتي، مرة أخرى أتحدث عن طفولتي!
أيعقل، هل أنا مصاب بنوستالجيا؟!
النوستالجيا يا صديقي هي كلمة مشتقة من اللغة اليونانية تُعني الحنين إلى الماضي، ولفترة زمنية طويلة تم تشخيص النوستالجيا على أنها أحد الأمراض النفسية التي يمكن اعتبارها أحد أشكال الاكتئاب.
حيث يشعر الشخص بالحنين إلى الماضي دائمًا وينجذب إلى الأشخاص، الأماكن، والملابس التي تمثل الماضي بالنسبة له وهذا الشعور قد يسبب الألم لأن الشخص يُدرك أنه لن يتمكن في أي وقت من الأوقات من تحقيق هذا الحلم والعودة إلى الماضي.
لكن مؤخرًا بدأت تظهر تقارير وتجارب علمية تؤكد أن النوستالجيا أمر أكثر تعقيدًا ولا يجب حصره في إطار المرض النفسي، فمثلًا لدينا تقرير من موقع psychologytoday بعنوان "ما الجميل جدًا في النوستالجيا".
هذا التقرير أظهر أن النوستالجيا قد يكون لها سبب علمي بحت مرتبط بظاهرة علمية تدعى reminiscence bump، وبدون الخوض في الكثير من التفاصيل المُعقدة فنحن في عرب هاردوير ولسنا في منتدى طبي، فهذه الظاهرة تجعل الإنسان يتذكر الذكريات الأولى من حياته ويبدأ العقل في خداع نفسه بأن هذه الفترة هي الفترة الأروع من حياته.
المراحل الأولى من الحياة بها أول قصة حب، أو مرتب، أول صديق تعرفت عليه، أول مرة تنزهت بمفردك مع أصدقائك، وكل هذه التجارب الأولى حُفرت في الدماغ وحُفر تأثيرها أيضًا وسيظل العقل يُقنعك أن هذه الفترة كانت الأروع في حياتك حتى وإن زرت أماكن أفضل في الحاضر.
الغريب في الأمر اكتشاف العلماء تأثيرات إيجابية للشعور بالنوستالجيا، عبر استرجاع العديد من الذكريات القديمة وجد العلماء أنها طريقة للشعور بالطمأنينة والاسترخاء.
أيضًا الحنين إلى الماضي يعمل على شحن الدماغ بطاقة إيجابية كبيرة لأن الشعور بالحنين إلى الماضي يثير العواطف بشدة، وهذه العواطف تكون في معظم الوقت محببة لدى الكثير لأنها تكون عواطف رومانتيكية تمزج بين الشجن، الحب، والحزن.
هذا هو ما يحدث عند مشاهدة مسلسل الزنكلوني، المسلسل يُعيد إلى الحالة القديمة التي عشتها في طفولتي بكل تفاصيلها، يُذكرني بمنزلي القديم والألعاب التي كنت امتلكها بل ويُذكرني بأول فتاة أعجبت بها في طفولتي، الكثير من المشاعر المتداخلة تغمرني كلما شاهدت حلقة من المسلسل، مشاعر متراكبة تمزج بين الخوف والطمأنينة في أن واحد، أعلم أن الجملة شاذة جدًا فكيف يجتمع الخوف والطمأنينة ولكن هذا ما يحدث معي.
كلما شاهدت حلقة من المسلسل شعرت بالخوف عند التفكير في المستقبل وأنه لن يكون بنفس متعة الماضي، ولكني أشعر بالطمأنينة لأن لدي هذه الذكريات الرائعة حتى وإن كان عقلي هو من يصور لي أنها كانت ذكريات رائعة فأنا لا أبالي وأتعامل معها على أنها فترات حياتي الأفضل.
أشعر أيضًا بالسعادة والاشتياق في نفس الوقت أثناء مشاهدتي للحلقة وكل هذه المشاعر المتضاربة لا يستطيع "مسلسل الكبير أوي" أن يمدني بها على الرغم من جودة المحتوى الموجودة بالمسلسل إلا أنه يقدم لي الضحكة فقط على عكس الزنكلوني الملئ بالمشاعر معتمدًا على النوستالجيا.
لعبة ماكس باين والنوستالجيا
بعودة لمرجوعنا ومربط الفرس، مؤخرًا تقوم شركات الألعاب بتقديم نسخ ريماستر من الألعاب، الأمر غير هام على الإطلاق ولا نتابعه خصوصًا وأن الفوارق الزمنية بين النسخة الأصلية والنسخة الريماستر تكون قصيرة جدًا.
حتى عندما تم الكشف عن ريماستر ثلاثية GTA لم تحظى بالاهتمام الكبير لأن عامل النوستالجيا لا يمكن تحقيقه بشكل كامل لأن اللعبة مستمرة معنا بالفعل مع أجزاء أحدث ولم نفتقدها.
الأمر مختلف تمامًا عندما تم الكشف عن نسخة Remake من لعبة ماكس باين، حيث أنقلب الإنترنت رأسًا على عقب، الجميع بدأ بتذكر ذكريات الطفولة مع اللعبة وشاهدنا من يصور جهازه القديم الذي كان يلعب عليه اللعبة.
من الواضح أن ماكس باين ريميك لها الجمهور الخاص بها حتى قبل أن تصدر، لأن اللعبة لها كل المقومات التي تجعلها واحدة من تجارب النوستالجيا الممتازة.
الجزء الأول من اللعبة صدر في 2001 أي مُنذ 21 عامًا كاملة والجزء الأخير في 2012 وهذا يعني أن اللاعبين لا يتحدثون عن ماكس باين مُنذ 10 أعوام على الأقل.
لذلك عندما تم الكشف عن اللعبة وعودتها بنسخة ريميك، الجميع تذكر اللعبة وتذكر ذاك الجو الأسري الدافئ في طفولتنا حيث كنا نلعب ماكس باين لساعات بجوار والدينا وهم يتابعون التلفاز في نفس الغرفة أو الغرفة المجاورة…
"وها هي النوستاليجا عادت لتضرب ضربتها من جديد تماماً وفعلت مع مُحبي ماكس بين مثلما فعل معي مسلسل الزنكلوني، هذه هي الزيتونة كما نقول هنا في مصر"
هل كل نسخ الريميك تقدم نوستالجيا جميلة؟
للأسف الشديد الكثير من ألعاب الريميك والريماستر تعمل على تحقيق أكبر قدر من المال مستغلة النوستالجيا، ولنا في ثلاثية GTA خير دليل، الثلاثية التي أصابت اللاعبين بإحباط كبير.
شعر الكثير أن الثلاثية كانت مجرد محاولة لجلب المزيد من الأموال من الشركة خصوصًا وأن المجهود المبذول على النسخة لم يكن على قدر التوقعات بأي شكل من الأشكال.
حتى اللاعبون القدامى شعروا أنهم أمام نسخة مسخ من اللعبة القديمة، الصورة تغيرت وأصبحت غير مطابقة للصورة الموجودة في الذاكرة وبالتالي فقدت اللعبة جمهورها القديم وبالطبع لم تتمكن الثلاثية من استقطاب الجيل الجديد الذي يرى أن اللعبة غير قابلة للعب أصلًا بسبب الرسوم الموجودة بها.
وجهة نظر
لدي رأي قد يصدم البعض قليلًا ، قد أكون قد ذكرت لكم في أول المقالة بأني تحمست لخبر ريميك ماكس بي وهو صحيح ولكني بيني وبين قراراة نفسي؟ أنا لا أريد أن أرى نسخة ريميك منها، ببساطة، الألعاب تجربة متفردة جدًا لها العناصر الخاصة بها.
وجود نسخة ريميك من اللعبة يضرب للوهلة الأولى مشاعر النوستالجيا لدينا ولكن عند تجربة اللعبة هل سنشعر بالفعل بالنوستالجيا؟ أم سنشعر أننا أمام لعبة جديدة تمامًا علينا؟
تعلقنا بلعبة ماكس باين لا يرتبط فقط باللعبة بل يرتبط بالفأرة ذات البلية، أو لوحة المفاتيح البيضاء، مع شاشة الـ CRT كل هذه الأشياء جلبت التجربة.
أتفهم أن مسلسل الزنكلوني كنا نشاهده على تلفاز قديم وليس شاشة حديثة ومع ذلك شعرت بالنوستالجيا أثناء مشاهدته، ولكن يا عزيزي أنا لم احتك بالتلفاز أصلًا بل تعلقت بالصورة، ومازلت أتلقى الصورة النمطية للمسلسل بأخطاء المونتاج والمونتير، وخطوط الألوان التي تظهر على الشاشة حتى وأنا أشاهده عبر تلفاز حديث.
لا أتصور أن ألعب ماكس باين برسوم قوية ومع حركة تحاكي الواقع بشكل كبير، هذه ليست صورة اللعبة في ذهني، ونحن هنا نتحدث عن لعبة ريميك فكان من الأجدر من وجهة نظري تطوير جزء جديد من السلسلة يُعيد لنا بعض الذكريات من اللعبة القديمة وفي نفس الوقت لا يهز صورة اللعبة في مخيلتنا.
لذلك شخصيًا أرى أن نسخ الريميك من الألعاب خدعة كبيرة، لأنها تعمل على إثارة مشاعر اللاعبين بالنوستالجيا للوهلة الأولى ولكن عندما تصدر اللعبة يتفاجئ اللاعبون أنه لا يوجد أي نوستالجيا في الأمر لأنه ببساطة اللعبة تغيرت أصلًا ومعها التجربة كلها.
وهنا سنبدأ نرى تعليقا مثل: اللعبة جيدة ولكنها ليست كالأصلية، في الماضي كنا نتمتع أكثر بالألعاب، في الماضي كنت ألعب ماكس بين لساعات ولكن الآن فقدت الشغف وإلخ..إلخ
صديقي أنت لم تفقد الشغف ولا أي شيء كل مافي الأمر أنك تختبر لعبة جديدة تمامًا وتضعها في مقارنة غير عادلة مع نسخة قديمة لعبتها في أفضل فترات حياتك وعقلك سيصر على أن تلك التجربة كانت أفضل في الماضي.
أتمنى أن تترك شركات الألعاب النسخ القديمة كما هي، أكبر ميزة قد تفعلها الشركات هي إتاحة هذه الألعاب على أنظمة التشغيل الجديدة بدون أي إضافات أو تعديلات، دعونا نستمتع بهذه الألعاب بالنوستالجيا الخاصة بها كما هي، وبالمناسبة هذا ما أفعله يوميًا مع لعبة مثل Age of Empires فماذا عنك عزيزي القارئ ما هي اللعبة التي تعيش معها حنينك إلى الماضي؟
?xml>