أصبحنا في عالمٍ صارت فيه ألعاب الفيديو مساحة لتضمن جميع الفئات، العروق والشخصيات. ألعاب الفيديو التي صارت ثقافة مستقلة بذاتها مشت على خطى صناعة الأفلام في الأعوام الماضية، والتي تحاول أن ترضي جميع الأطراف حتى لا تتعرض لأي انتقادات ممكنة. نحن نتحدث هنا عن جميع الأشخاص في العالم، وأريدك أن تركز على كلمة جميع الأشخاص هنا.

أريدك أن تركز على هذه الكلمة لأننا لسنا من هؤلاء "الجميع". أنا وأنت من شباب الشرق الأوسط حتى الآن لا نملك مكاناً بين قصص صناع الألعاب. أعني….أشعر بالغيرة كثيراً عندما أرى ذوي البشرة السمراء يحتفلون بشخصياتٍ رائعة في عالم الألعاب من نفس العرق، وهذا يبهجنا نحن العرب أيضاً عندما نرى من لم يسلط عليه الضوء من قبل يلمع نجمه في سماء الصناعة.

في الماضي أيضاً لم نرى الكثير من الفتيات في عالم الألعاب يمكن أخذ قصصهم بجدية إلا "لارا كروفت" من سلسلة The Tomb Raider، والآن صار للسيدات مركزاً أعلى في الصناعة. هذا أيضاً جعلنا في قمة سعادتنا لأننا نعرف أن المرآة كان يجب أن يوفر لها مساحة أكبر في السرد القصصي داخل ألعاب الفيديو. لكن، هل صادف وأن صارحتك بشيءٍ ما؟

الصراحة أفضل من الخداع، هذا ما تربينا عليه

Spider-man

كل مرة نسعد فيها بوجود وجهٍ جديد يتصدر عناوين الصحافة التي تشابه "أخيراً صار هناك بطلاً من ذوي البشرة السمراء" أو "أول بطل مكسيكي في لعبة نأخذه بجدية"، نشعر نحن بالغيرة أيضاً. نشعر بالغيرة لأننا لم نرى عربي يتم وضعه في سياق قصصي يشابه هذه الشخصيات.

حتى عندما يتم وضعنا في ألعاب الفيديو، نعرف الأدوار التي سنلعبها عن ظهر قلب. لا نلعب الأدوار الأساسية لأنها في الأغلب لم تصمم من أجلنا، ولا نلعب أدواراً قوية في القصة إلا عند أشد الظروف التي تفرض على مخرج اللعبة الاستعانة بنا. كل هذا أصبح محفوظاً، لدرجة أنك ستتذكر شخصية ما من الثلاث شخصيات التي عادةً ما نراها في ألعاب الفيديو.

ثلاثة لا يظهر لهم رابعٌ إلا في الشدة مع الألعاب التي يظهر فيها العرب

بدايةً بالأمر، يتجول البطل في الصحراء. في الأغلب ستراه في المغرب أو في الجزائر وهو يحاول الوصول إلى دليلٍ مهم في سياق اللعبة. لا تظهر هذه المناطق إلا عند الحاجة فقط تقريباً. رأينا هذا في ألعابٍ مثل Uncharted، Tomb Raider وHitman. الغريب في الأمر أنك ترى هناك سوقاً في الصحراء ونحن في عام 2022.

العرب في الألعاب مع لعبة Uncharted 4

لن أخذ من وقتك في التحدث عن مشاريع التنمية في دولنا العربية، لكن دعني أقول لك أن هذه المناطق والأسواق لا يتبقى منها الكثير ولا أعرف السبب وراء لجوء الشخصية الرئيسية إلى هذه المناطق دائماً. هناك المئات من المدن العربية التي تشد الإهتمام، لكن لا، هذا القالب لا يتغير حتى لو من بداخله تغير.

بالحديث عن من بداخله، دعني أذكرك بأن بدو المغرب، وهم من يسكنون الصحراء ويقيمون أسواقهم بها وما إلى ذلك، لا تصل نسبتهم إلى 5% من شعب المغرب الشقيق، وهذا بالطبع لا يعكس الجزء الطاغي من الثقافة المغربية الآن. أنا لا أقصد أي شيء تجاه البدو، لكنهم ظهروا في ألعابٍ كثيرة من قبل، فهل حان الوقت للتغيير؟ لا أظن هذا.

العرب في الألعاب هدير من لعبة Call of Duty

لكن حتى لو تغير الأمر، ما الذي سيحدث؟ سأقول لك. هناك نزاعٌ داخلي بداخل إحدى البلاد، وهذا يعتبر من أفضل السيناريوهات بالنسبة للمطورين. شخصية أمريكية بحتة من الـ Navy Seals، أو أياً كانت الفرقة العسكرية، ستظهر من العدم لكي تنقذ هذه الأرض من الطغيان، فإما ستحارب هذه الشخصية بجانب إحدى الجماعات التي تحارب بعضها البعض، كما رأينا مع "هدير" في Call of Duty، أو سيقوم الأمريكي البطل بالتخلص من جميع "الإرهابيين" بمفرده. سيناريوهات محفوظة.

لكن بالطبع، التنوع مطلوب، أليس كذلك؟ أنت لست بإرهابي؟ أوه، لا تسكن في الصحراء. حسناً، لا مشكلة. تظن أن النسخة القادمة منك هي النسخة الصحيحة التي ستلعب فيها دوراً أساسياً في القصة وأنت مجرد عربيٌ عادي؟ هاها. لا.

Arab Hitman 3

أنت الآن من سكان دبي. صرت تمتلك أحدث وأغلى السيارات، لكنتك ليست بعربية بالطبع لكنني سأحضر مؤدي صوت أمريكي يبدأ في التلعثم أثناء الحديث بالإنجليزية ليعكس فقرك اللغوي. أنت غنيٌ هنا، ولهذا هناك من يريد أن يقتلك من بلدٍ أخرى أو من يريدون التخلص منك من أجل نتائج استثمارية أفضل بالنسبة لهم.

في الأغلب سيكون اسمك في اللعبة "الشيخ X بن Y" أو سيسمونك بملك البترول، وهذا لأن هذه الصورة هي ما يروه بالفعل في الإعلام الخاص بهم. إن لم نكن إرهابيين، فنحن في الأغلب أغنياء بسبب البترول الذي ولدنا وجدناه تحت أراضينا، وهذا لا يعيبنا. أعني…هناك من أعلن الحرب لكي يسرقه، أليس كذلك؟

هل العرب في الألعاب لهم مكان في المستقبل؟

أنا أتحدث عن العربي العادي، أنا وأنت. نحن شباب نهتم تقريباً بما يهتم به شباب البلاد الأخرى. هل يعرفون هذا؟ هل يعرفون بأن هناك طبقاتٍ متوسطة في عالمنا؟ هل فكرتهم ستتغير في المستقبل ويعلموا بأننا لا نمتطي الجمال في الصراح على أغانٍ تسطير عليها نغمات وتقسيمات "أمان أمان أمان" مع موسيقى العود؟

Camel Riders

أنا لا أمشي في الجوار حاملاً الـ AK-47 التي أرستلها لي داعش في البريد وأنا لا أعيش في الصحراء، وأنا متأكدٌ أيضاً أنني لا أملك بئر بترول في حديقة منزلي. يمكنني أن أضع لك مئات الروابط الخاصة بتطور الدول العربية على مدار السنين، لكن نحن هنا، في النهاية، لكي نتحدث عن ألعاب الفيديو بين بعضنا البعض، وأنا وأنت دليلٌ على أن هذه الأيام قد ذهبت وأن معظمها من وحي الخيال.

لا أقول أن الإرهاب ظاهرة غير موجودة، ولن أقول أيضاً أن أهالي الصحراء صاروا من الماضي وبالطبع لن أقول أن لا يوجد هناك أغنياء في الدول العربية. ما أريده أن يصل إلى المطورين هو أن هناك بطلاً عربياً يمكن أن يخرج من أي منطقة للعبتكم. قد يكون مصرياً، جزائرياً، سعودياً أو حتى من موريتانيا. هو في الأغلب شخص عادي في بداية اللعبة ويتطور مع الوقت كما تطورت شخصياتٍ كثيرة.

في الأغلب يستخدم سيارة فيرنا أو مازدا قديمة، يشرب الماء من الصنبور ولا يشربه من الآبار ويمتلك هاتفاً ذكياً من الفئة المتوسطة مثل معظم أبطال ألعاب الفيديو. لكن، يظل السؤال، هل سأرى هذا الشخص؟ هذا الشخص الذي سيبتعد كل البعد عن الطائر بن لا أحد، والذي أعتبره من أفضل الشخصيات العربية في ألعاب الفيديو، وهو نفس الشخص الذي سيبتعد عن دائرة الإرهاب الدولية التي رأيتها في لعبة سبع أيام في الفلوجة؟

كيف سيتطور العرب في الألعاب؟

أنا لست مصمماً لألعاب الفيديو ولست أنا صانع الفرار في غرف صناعة الألعاب. لا أحتاج ل أن أقول ل ك أنني لست من سيتحدث مع مصمم الشخصيات لكي يضع شخصية عربية في لعبته القادمة كإرهابي ولست أنا من سيقول له أنه عليه وضع شخصية ثانوية بحتة تلعب دور المرشد البدوي في الصحراء.

لكن، على الأقل، يجب أن يتم وضع الشخصية العربية في إطارٍ طبيعي. العرب في الألعاب يمكنهم أن يكونوا النسخة القادمة من ناثان دريك، يمكنهم أن يكونوا أحد الظباط الذين يطاردون المجرمين لأننا لسنا ملائكة في بلاد العرب، هناك مجرمين عرب والجميع يعلم هذا. اللعبة القادمة لا يجب أن تخرج أتربة الصحراء من شاشتي ولا يجب أن تشعرني بأن هناك تفخيخاً قادماً لسيارة.

لا يجب أيضاً أن أسمع نفس الموسيقى العربية التي سمعناها في كل مكان، هل سمعتم عن أغاني التراب العربية؟ لا أعلم إن وصلت لكم أم لا، لكنني أراها في جميع لوحات الإعلان الخاصة بسبوتيفاي أثناء ذهابي إلى العمل في السادس من أكتوبر. كل هذا يمكن أن يتم، لكن هل يريدون هذا بالفعل؟ هذا ما سنراه بعد سنواتٍ أو عقود، لا أعلم كيف سيظهر العرب في ألعاب الفيديو لأن الصورة، بكل بساطة، غير واضحة مثل الترحال في الصحراء التي حجرونا فيها في ألعابهم.