الحرب ضد خوارزميات فيسبوك وعلاقتها بطبق البطاطس على الغداء!
مشهد رقم 1، ليل داخلي: مهندس برمجيات، يعمل لدى إحدى شركات التقنية العملاقة، يجلس داخل غرفة تحكم رقمية بالكامل، ويضغط على بضع أزرار أمامه، ليظهر على الشاشة العملاقة أمامه هاتف شاب صغير يجلس في غرفة نومه!
مشهد رقم 2، نهار داخلي: تنتقل الكاميرا سريعًا لنرى شابًا صغيرًا في سن المراهقة، يجلس في غرفة نومه، ويمسك بهاتفه الذكي ويظهر أمامه على شاشة الهاتف ما يريد المهندس أن يعرضه، متحكمًا بالشاب الصغير في كل شيء!
يحاول فيلم نتفليكس الوثائقي "المعضلة الاجتماعية - The Social Dilemma" أن يعرض مثل هذا السيناريو الخيالي عن تحكم الخوارزميات وشركات التقنية العملاقة وشبكات التواصل في عقولنا!
والآن، تخيل أن شركات التقنية الكبرى أنشأت نظامًا هائلًا للمراقبة يسمح لهم بالتلاعب بمواقف وآراء ورغبات الناس حول العالم بالفعل!
في تلك السيناريوهات المظلمة، يتم تصوير الناس كضحايا عاجزين، سُرقت منهم إرادتهم الحرة.. فجأة، أصبح البشر مجرد عرائس "ماريونت" تتلاعب بخيوطها أنظمة الخوارزميات لدى شبكات التواصل الاجتماعي.. لكن هل هذا صحيح حقًا؟ هل بدأت الآلات في الاستحواذ علينا فعلًا؟ هل نخسر الحرب ضد الخوارزميات الذكية؟
خوارزميات فيسبوك واختيارك للبطاطس على الغداء!
دعنا من ذلك الآن، ولنتخيل معًا أنك في طريق عودتك إلى المنزل، حينها اتصلت بك زوجتك لتسألك كالمعتاد "هنتغدى إيه النهاردة؟". فترد أنت بالرد المتعاد: "أي حاجة!"..
المهم، أنها تطلب منك اختيار وشراء بعض الأشياء من السوق، لذا تستجمع شجاعتك وما تملك من أموال وتذهب لاختيار مكونات الطعام، بالطبع ستختار الأشياء التي تحبها وتكون سعيدًا بأكلها، ربما تختار المعكرونة ولا تختار الأرز مثلًا، أو تختار البطاطس ولكن ليست البازلاء!
والآن، عندما تصل إلى المنزل، تبدأ زوجتك في استخدام تلك المكونات لكي تطهو لكم وجبة الغداء، وهي بالطبع من تحدد نوع الوجبة، وأي من المكونات يمكن استخدامها وبأي كميات.. عندما تجلس على الطاولة، فإن الغداء أمامك هو نتاج جهد مشترك، وهو قراراتك في السوق وقرارات زوجتك في المطبخ.
العلاقة بين مستخدمي الإنترنت والخوارزميات التي تقدم لهم المحتوى الخاص تشبه قصة تحضير وجبة الغداء، لا يوجد تشبيه مثالي بالطبع ولا نقصد هنا التشبيه حرفيًا، لأنه ببساطة هناك أشخاص آخرين يقومون بكل شيء من إنتاج الطعام لتصميم العبوات والتغليف وترتيب أرفف السوبر ماركت وغيرها من الأحداث التي تؤثر على وجبتك النهائية.. ولكن ما نقصده أن تصنيف المحتوى الذي يظهر أمامك هو شراكة ديناميكية بينك وبين تلك الخوارزميات الذكية!
شكل "العالم" الخاص بصفحتك الرئيسية على فيسبوك يأتي بناءً على اختياراتك أنت، إذ يتكون في الأساس من المحتوى الذي يأتي من الأصدقاء والعائلة ممن اخترت أنت التواصل معهم ومتابعتهم على المنصة، ثم من الصفحات التي تختار متابعتها، ثم المجموعات التي تختار الانضمام إليها. ثم يأتي بعد ذلك تصنيف المحتوى، وهو عملية استخدام الخوارزميات لترتيب هذا المحتوى المعروض أمامك.
ربما هذه هي الميزة الرئيسية لوسائل التواصل الاجتماعي، ما يميزها عن الأشكال والمواقع التقليدية لوسائل الإعلام الأخرى، إذ لا يوجد محرر صحفي يكتب الخبر ليقرأه المستخدمين، لكن الأخبار هنا تأتي من المستخدمين أنفسهم، المليارات من صفحات المستخدمين الرئيسية، كل صفحة تعكس ذوق وتفضيلات الشخص، كما تعكس شبكته الفريدة من الأصدقاء والصفحات والمجموعات على فيسبوك.
اقرأ أيضًا: عاركني: لماذا تتقاتل أبل وفيسبوك حول خصوصيتك؟
الخوارزميات لم تنتصر بعد!
بالنسبة للشخص العادي ربما تظهر أمامه آلاف من المشاركات في أي لحظة من الزمن، وهنا لمساعدته في العثور على المحتوى الأكثر ملائمة وارتباطًا به، يستخدم فيسبوك عملية تُسمى الترتيب أو التصنيف، وهنا يأتي دور الخوارزمية التي تقوم بترتيب المنشورات في صفحتك الرئيسية، وتضع أمامك الأشياء التي ترى أنك ستجدها أكثر صلة وأكثر قربًا منك في أعلى الصفحة. الفكرة هي أن يُعرض المحتوى من صديقك المقرب الذي تتفاعل معه كثيرًا في الأعلى، في حين أن المحتوى من شخص آخر، كنت قد قابلته منذ عدة سنوات، غالبًا ما يختفي في الأسفل.
أي جزء من المحتوى، بما في ذلك المشاركات التي لم ترها من أصدقائك، والصفحات التي تتابعها، والمجموعات التي انضممت إليها، يمر بعملية التصنيف والترتيب. يتم تقييم الآلاف من الإشارات لهذه المشاركات، مثل من نشرها ومتى، سواءً كانت صورة أو فيديو أو رابط لموقع آخر، ومدى شعبيتها وانتشارها على المنصة، أو نوع الجهاز الذي تستخدمه.
ومن هنا، تستخدم الخوارزمية هذه الإشارات للتنبؤ بمدى احتمالية أن يكون المحتوى مرتبط بك ويهمك، على سبيل المثال، مدى احتمالية إعجابك بهذا المنشور أو ذاك، أو أن يعرض لك محتوى يتوقع أنك ستقضي وقتًا لمتابعته حتى تظل أطول فترة ممكنة على المنصة.
لذا قبل أن ننسب كل الفضل للخوارزمية وذكاءها، علينا أن نعرف أن من وضعها هم بشر مثلنا، وأنها تعتمد علينا وعلى اختياراتنا في المقام الأول. اختياراتك وإعجاباتك بالمنشورات هي من تجعل الخوارزمية تظهر لك محتوى مشابه. الخوارزميات لم تنتصر بعد، على الأقل ليس حتى وقتنا هذا!
وفي المرة القادمة عندما تحضر الطعام لا تنسى الطماطم حتى تحضر لك زوجتك السلطة مع الوجبة!
?xml>