هناك مقولة شهيرة لستيف جوبز، مؤسس شركة أبل، يذكر فيها أن:

[quote الإبداع هو ربط الأشياء ببعضها. عندما تسأل المبدعين كيف نفذوا أمرًا ما، قد يشعرون بالذنب قليلًا لأنهم لم يخترعوا ذلك. لكنهم لاحظوا شيئًا ما، بدا واضحًا لهم بعد فترة من الزمن.]

أحد التفسيرات الشهيرة للإبداع والخيال البشري هي أنه عملية خلق شيء جديد عبر دمج بين العناصر الموجودة فعلًا، لكن بطريقة مبتكرة وجديدة.

قد يكون لحنًا سمعته في مكان ما، ربما سمعت بعض الأصوات والإيقاعات المعتادة التي تسمعها يوميًا، وفجأة تجد أن هناك علاقة لا يراها غيرك، هنا يتحول كل هذا الخليط إلى أغنية جديدة. أو ربما ترى مواقف مختلفة أمامك، مع أجزاء متفرقة من المعرفة السابقة والقراءات المختلفة في عدة مجالات، قد لا يجمعها أي صلة، لكنك تنتج منها رواية جديدة.

الذكاء الاصطناعي

استخدام خيالنا يأتي لنا بصورة افتراضية، نحن نُولد بهذا الخيال، ونفعل ذلك في كل الأوقات والمواقف. أما بالنسبة للذكاء الاصطناعي، فإن الأمر يختلف.

عملية إعادة تجميع عناصر الأشياء من حوله تعتبر عكس ما يأتي به هذا الذكاء افتراضيًا. ببساطة، لأن الآلات تتعلم من خلال تجزئة المعلومات إلى أجزاء صغيرة وفهرسة الصفات الموجودة لعنصر ما بهدف التعرف عليه. لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يخلط ويطابق العناصر الموجودة في البيئة بطرق جديدة لكي ينتج لنا مقطوعة إبداعية.

ولكن ما الذي قد يحدث إن طورنا ذكاءً اصطناعيًا يملك خيالًا؟

هذا تحديدًا ما أعلن عنه فريق بحثي من جامعة جنوب كاليفورنيا، في محاولتهم لتطوير نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه التخيل.

كيف يمكن أن تعطي الذكاء الاصطناعي خيالًا؟

الذكاء الاصطناعي

يحدث تعلم الآلة عادةً عبر الفحص الدقيق للصور وتسجيل الخصائص والسمات المتقاربة، مثل ألوان البكسل. الهدف هو أن تتمكن الخوارزمية من التعرف على صورة جديدة لنفس العنصر أو لعنصر مشابه فيما بعد. لا يحاول الذكاء الاصطناعي هنا أن يفهم ما هو هذا العنصر تحديدًا أو كيف يعمل، ولا يهمه ذلك أصلًا، تعلم الآلة في الغالب هو التعرف على الأنماط المشابهة!

ومع ذلك، كان يحلم العلماء منذ فترة طويلة بتطوير ذكاء اصطناعي يمكنه أن يستنبط مما تعلمه عبر الاستدلال من التفاصيل الصغيرة لعنصر ما، ويعرف من خلاله ما هو العنصر، بما في ذلك كيفية عمله. فمثلًا تحديد صورة لطائرة أمر جيد، بينما تحديد لماذا وكيف تطير فهو أمر أفضل بكثير.

يرى الفريق البحثي أن منح الذكاء الاصطناعي للخيال يمكن أن يحدث عبر عملية "التفكيك - Disentanglement"، وهي فكرة فصل وتفكيك الخصائص المميزة للعنصر.

إن لم تسمع بهذا المصطلح من قبل، أو كنت ترى أن الأمر مستحيل، فبالتأكيد قد سمعت أو شاهدت مقاطع فيديو التزييف العميق Deep Fake المنتشرة على شبكة الإنترنت!

عملية "التفكيك" هي المفهوم الكامن وراء تقنية التزييف العميق، على سبيل المثال، في هذه المقاطع تُفصل حركة الوجه عن هويتها الأصلية للشخص، وهو ما يسمح لصانع الفيديو بتجميع الصور ومقاطع الفيديو الجديدة التي تحل محل هوية الشخص الأصلي وتستبدله بشخص آخر، ولكن مع الحفاظ على حركة الوجه الأصلية.

يحاول باحثو جامعة جنوب كاليفورنيا تعليم الخوارزمية بنفس الطريقة، وبدلًا من أن يتم تغذية العناصر منفصلةً ليتم فهرستها، يُعطى الذكاء الاصطناعي مجموعة من الصور ذات الصلة بهدف تحليلها حتى يكتشف في النهاية الصورة الأكبر التي تجمع بين تلك العناصر. ثم يمكن بعدها فصل السمات الفردية عن الخصائص الأساسية التي تحدد العنصر. وتمكن الفريق من تطوير مجموعة بيانات تتكون من 1.56 مليون صورة لتدريب خوارزمية الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم.

اقرأ أيضًا: منصة Twitch مثالًا.. لماذا نفشل في التنبؤ بالتقدم المستقبلي؟

كيف يمكن أن نستفيد من مخيلة الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي

وفقًا للفريق البحثي فإن التعلم العميق أظهر بالفعل أداءً مميزًا وواعدًا في العديد من المجالات، ولكن في أغلب الأحيان يحدث هذا من خلال التقليد الضحل، ودون فهم أعمق للسمات المنفصلة التي تجعل كل عنصر فريد من نوعه.

وأشاروا إلى أنه يمكن تطبيق نموذجهم على العديد من أنواع البيانات المختلفة، ويتوقع الباحثون أن الذكاء الاصطناعي قادر على التغلب على قصر النظر الحالي الذي يعيبه. فمثلًا، قد يساعد العلماء على اكتشاف مجموعات جديدة من المركبات الموجودة حولنا بناءً على تحليل خصائصها المنفصلة. خوارزميات القيادة الذاتية يمكنها أن تكون أكثر فائدة وآمنًا إذا تمكنت من تخيل، وبالتالي توقع، سيناريوهات القيادة الخطرة، كما يفعل الإنسان عندما يقود سيارته.

وفي الطب يمكن أن يساعد تعلم الآلة في تقليل أخطاء الرعاية الأولية للمرضى، فمثلًا تعتبر خوارزمية تشخيص الأعراض مهمة في توفير المعلومات الطبية وبعض النصائح الآمنة للمستخدمين، ومع ذلك لا تقوم بإجراء التشخيص مثلما يفعل الطبيب.

فعلى عكس الأطباء، تقدم الخوارزميات الحالية المشورة على أساس الارتباطات السابقة وحدها، وكما نعرف أن الارتباط لا يعني السببية. وهنا تدخل معارف وخبرات الطبيب في التشخيص، لذا فإن امتلاك الذكاء الاصطناعي لمخيلة، أو لمبادئ التفكير السببي، قد تمكنه من تشخيص حالات طبية أصعب.

ربما لن يملك الذكاء الاصطناعي القدرة أو المخيلة على كتابة روايات مذهلة، أو مقطوعات موسيقية ملحمية، لكنه قد يملك القدرة على الربط بين الأشياء في المستقبل.

من يعرف، ربما في يوم ما يتعلم أن يكتب تلك الرواية أو هذه المقطوعة، ونجد أن جائزة نوبل في الأدب تذهب إلى خوارزمية إحدى الجامعات!