عندما تنظر لأي صورة في وقتنا الحالي يطرح عقلك بصورة تلقائية تساؤل منطقي، هل هذه الصورة حقيقية أم مزيفة؟

فكرة باتت أساسية عند الجميع نظراً للعدد المهول من الصور المزيفة التي أصبحت منتشرة في عالمنا. حدة الأمر تزداد عندما يطلب منك أحدهم تصديق شيئاً ما من خلال صورة، عقلك سيرفض الأمر بدعوى أنها قد تكون "Photoshop" مثلما يطلق عليها الجميع وستطلب منه مقطع فيديو للتأكد، ففي النهاية لا يمكنك تعديل الفيديو ليصبح مزيف دون أن يلاحظ أي شخص هذا التعديل.

للأسف هذا الاعتقاد الذي ساد خلال العقدين الماضيين بدأ في التلاشي سريعاً خلال الأعوام الخمسة الماضية. تزييف مقاطع الفيديو  بصورة احترافية عالية لدرجة صعوبة التمييز بينها وبين المقاطع الحقيقة أصبح أمراً واقع بفضل تقنية Deepfake أو التزييف العميق مثلما نطلق عليه بالعربية. فما هو الـ ديب فيك؟ وكيف تتمكن هذه التقنية من تزييف مقاطع الفيديو بصورة يصعب على البشر تمييزها؟ وكيف يمكن إيقافه؟

ما هو التزييف العميق Deepfake؟ وفيما يستخدم؟

الـ Deepfake أو التزييف العميق هي تقنية تستخدم في تزييف مقاطع الفيديو بصورة يصعب على البشر تمييزها والتفرقة بين ما هو حقيقي وبين ما هو مزيف.

تعود تسمية الـ Deepfake إلى مصطلح الـ AI Deep Learning Algorithm وهو ما يعني بالعربية خوارزميات التعلم العميق للذكاء الاصطناعي. هذه الخوارزميات تتميز بأنها قادرة على حل أي مشكلة عندما نزودها بقدر مهول من البيانات عن الأمر. سنشرح هذه النقطة بالتفصيل لاحقاً.

حالياً يستخدم التزييف العميق في إنشاء مقاطع فيديو تم استبدال فيها أوجه الأشخاص الحقيقيين بآخرين أو في إنشاء مقاطع فيديو يقول فيها سياسيون  ومشاهير كلمات لم ينطقوا بها قط.

المقطع التالي هو واحد من أولى المقاطع التي تم تزييفها باستخدام التزييف العميق DeepFake للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما خلال عام 2017.

قد تلاحظ أن المقطع ليس بالسلاسة الطبيعية وقد تشك أنه ليس حقيقي بنسبة 100%. أنت محق ففي ذلك الوقت لم يكن التزييف بنفس القدر الذي وصل إليه اليوم. لذا أكمل قراءتك للموضوع وسنعرض عليك بعض المقاطع التي ستوضح لك الصورة بشكل أكبر.

 

أقرأ أيضا: الذكاء الإصطناعي ماهو وماهي تطبيقاته في حياتنا اليومية و التعلم العميق.

 

كيف يعمل التزييف العميق (ديب فيك)؟

هناك عدة طرق تستخدم في إنشاء مقاطع فيديو مزيفة بهذه التقنية ولكننا سنشرح في السطور التالية أكثر الطرق أنتشاراً.

ولنفترض أن هناك شخصين (أ) و (ب) ونريد أن نصنع مقطع مزيف يتواجد فيه (أ) مكان (ب) أو يقول ما يقوله (ب). الطريقة الأشهر للقيام بهذه العملية ستعتمد على تزويد خوارزم ذكاء اصطناعي يسمى Encoder بآلاف الصور والمقاطع تحت ظروف إضاءة وتعابير وجه مختلفة لـ (أ) و (ب).

سيقوم الـ Encoder بالتعرف على نقاط التشابه بين (أ) و (ب) ثم يقوم بضغط ملايين الصور ومقاطع الفيديو لكل منهما لينشئ ما يمكننا تبسيطه بأنه نموذج لكل منهما. قد يأتي في ذهنك سؤال منطقي، قد لا يتشابه (أ) و (ب) من الأساس! ماذا سيحدث إذا؟

سؤالك منطقي نوعاً ما ولكن في الحقيقة الإثنين متشابهين فكلاهما يمتلك عينين، أنف، فم، أذنين، حاجبين، مقدمة للرأس وذقن. الاختلافات في اللون والحجم ستكون مهمة الذكاء الاصطناعي في التغلب عليها.

بعد ذلك سنتجه إلى نوع آخر من الخوارزميات يُسمى Decoder. سنحتاج 2 من هذا النوع من الخوارزميات لإعادة بناء الصور المضغوطة لكل شخص. مثلاً Decoder 1 سيتولى مهمة إعادة بناء (أ) و  Decoder 2 سيتولى بناء (ب).

بعد تكرار هذه العملية عدد ضخم من المرات سيكون كل Decoder قادر على إعادة بناء وجه الشخص وكأن الصور ومقاطع الفيديو تم تصويرها للتو ولم يتم التأثير عليها بأي شيء. هنا سنقوم بتبديل البيانات المضغوطة لكل Decoder ببيانات الشخص الآخر أي وفي المثال الذي استعرضنا سيتم تزويد Decoder 2 بقاعدة الصور والبيانات (أ).

هناك طريقة أخرى لإنشاء مقاطع الفيديو المزيفة باستخدام تقنية Deepfake. تعتمد هذه الطريقة على خوارزميات من نوع آخر. تزود هذه الخوارزميات بأي صور وتقوم بتحويلها إلى أوجه. هنا يتم استخدام هذه القدرة عبر وضع صورة الشخص المراد وسط مجموعة من الصور والمقاطع للشخص الذي يراد استبداله. بعد تكرار هذه العملية لعدد ضخم من المرات وإجراء تعديلات على نتائجها في كل مرة يمكن الحصول على منتج نهائي من الصعب تمييزه لعامة الناس.

الطريقة السابقة تستخدم بصورة أكبر في الصور حيث تحتاج لعمل كبير في ضبط جودة المحتوى النهائي ما يجعل استخدامها في إنشاء مقاطع الفيديو أمر معقد نوعاً ما.

هل مقاطع الـ ديب فيك يمكن تمييزها بسهولة؟

شاهدت بالتأكيد المقطع المعروض للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والمقطع الآخر للمدير التنفيذي لشركة ميتا. قد ترى أنهما ليس بالجودة المطلوبة. كلامك صحيح لأن هذه المقاطع قديمة. ألق نظرة على المقطع التالي ثم عد لنخبرك ما هي قصته.

هذا المقطع هو مقطع ضمن مجموعة من المقاطع نشرت على تيك توك للممثل الأمريكي توم كروز. حقيقة هذا ليس توم كروز بل مقاطع تم تزييفها بتقنية التزييف العميق. صاحب الحساب خرج منتحلاً شخصية توم كروز وبدأ في نشر عدد من المقاطع التي نالت تفاعل ضخم من التابعين لوصول الممثل لتيك توك.

لم يكتشف أي أحد أن هذه المقاطع مزيفة سوى عندما أعلن توم كروز أن هذا الحساب لا يتبع له وأنه لم يتواجد قط على هذه المنصة ليكشف صاحب الحساب أنه ليس توم كروز وأن الحساب مزيف.

 

اقرأ أيضاً: "وداعًا للاجتماعات" تقنية التزييف العميق: من الإباحية إلى أماكن العمل!

 

كيف يمكن أن يكون التزييف العميق في المستقبل؟

التزييف العميق في المستقبل

للأسف في ظل التقدم الكبير الذي تحققه هذه التقنية يصبح التنبؤ بالمستقبل أمراً مخيفاً. قدرة هذه الخوارزميات في تزييف مقاطع الفيديو قد يأخذ منحنى خطر خارج مجال الترفيه. التزييف سيصل إلى السياسيين ورجال الاقتصاد وقد تندلع حروباً أو تنزهم دولاً بسبب مقطع.

 

أقرأ أيضا: ثورة الذكاء الاصطناعي ودورها في تحسين تجربة التعلم

 

كيف يمكن تمييز تقنية التزييف العميق؟

مع انتشار المقاطع المزيفة باستخدام تقنية التزييف العميق Deepfake اكتشف المحللون عدد من الدلائل التي يمكن استغلالها لاكتشاف هذه المقاطع والتي يأتي على رأسها أن الأشخاص لا يرمشون بصورة طبيعية. يعود ذلك لأن أغلب الصور المستخدمة في عملية التزييف تكون فيها أعين الأشخاص مفتوحة وليست مغلقة.

هذه الملاحظة تم تداركها سريعاً من قبل صناع هذا النوع من المقاطع ليبقى الحل الوحيد حالياً هو استخدام برمجيات متخصصة في اكتشاف هذا النوع من الفيديوهات.

ميتا ومايكرسوفت من ضمن كبرى الشركات العاملات في هذا المجال وكلتاهما استثمر أكثر من 10 مليار دولار بصورة منفصلة من أجل تقديم برمجيات قوية وفعالة في الكشف عن هذا النوع من المقاطع.

السؤال الأهم الآن في رأي هو تفاعل عامة الناس مع هذه التقنية الجديدة. هل سيفقد الناس ثقتهم في مقاطع الفيديو مثلما فقدوا ثقتهم في الصور أم أن التطور السريع للتزييف العميق Deepfake قد يقلب كافة الموازين قبل حتى أن يدرك عامة الناس هذا الأمر؟ هكذا نكون تناولنا بالشرح كل ما تحتاج الي معرفته حاليا عن تقنية ال ديب فيك.

 

أقرأ أيضا: ما الذي قد يحدث إن طورنا ذكاءً اصطناعيًا يملك خيالًا؟