منذ أن استحوذت شركة فيسبوك على تطبيق المحادثات واتساب في عام 2014، تساءل المستخدمون وأصابهم القلق بشأن كمية البيانات التي ستتدفق بين المنصتين. وخلال الأيام القليلة الماضية، أدى إشعار جديد داخل تطبيق واتساب إلى لفت انتباه المستخدمين بالخطوة التي اتخذها التطبيق بالفعل لمشاركة المزيد من البيانات مع الشركة الأم فيسبوك، لكن تلك المشاركة لم تحدث فجأة أو منذ عدّة أيام، لكنها تحدث بالفعل منذ أغسطس عام 2016!

في عام 2017، فرضت سلطات مكافحة الاحتكار بالاتحاد الأوروبي غرامة قدرها 110 ملايين يورو (134 مليون دولار) على شركة فيسبوك لتضليل المنظمين خلال مراجعتهم لاستحواذ الشركة على واتساب، لأن الشركة أخبرتهم أثناء المراجعة أنه من الناحية الفنية لم يكن من الممكن دمج بيانات واتساب مع خدماته الأخرى. ومع ذلك، في أغسطس من عام 2016، أعلن تطبيق واتساب عن تحديثات لشروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة به، بما في ذلك إمكانية ربط أرقام هواتف مستخدمي التطبيق بهويات مستخدمي فيسبوك.

خلال الأيام الماضية، افترض المستخدمون وكذلك وسائل الإعلام أن ما حدث يعني أن واتساب قد تجاوز أخيرًا خطًا فاصلًا بانتهاك خصوصية المستخدم، خاصةً بعد طلبه أن يوافق المستخدم على تلك الشروط الجديدة مرغمًا، مما يتطلب مشاركة البيانات دون أي بديل آخر. لكن في الواقع، ما يحدث أن الشركة لم تضف شيئًا جديدًا على سياسة الخصوصية، وهذه المرة تخبر المستخدمين ببساطة كيفية مشاركة واتساب للبيانات مع الشركة الأم فيسبوك منذ عام 2016 للغالبية العظمى من مستخدميها، الذين يزيد عددهم عن 2 مليار مستخدم!

الأمر ليس جديدًا!

Whatsapp واتساب - Arabhardware Generic Photos

عندما أطلق واتساب تحديثًا رئيسيًا لسياسة الخصوصية في أغسطس 2016، بدأ في مشاركة معلومات المستخدم والبيانات الوصفية مع شركة فيسبوك. في ذلك الوقت، عرضت خدمة المراسلة على مليار مستخدم حينها مهلة 30 يومًا لإلغاء الاشتراك من بعض عمليات مشاركة المعلومات على الأقل. وإذا اخترت إلغاء الاشتراك في ذلك الوقت، فسيواصل واتساب احترام اختيارك. لكن تلك الميزة اختفت منذ فترة طويلة من إعدادات التطبيق، ويمكنك التأكد مما إذا كنت قد ألغيت الاشتراك من خلال وظيفة "طلب معلومات الحساب" في إعدادات التطبيق.

لم يؤثر أي من هذا على أهم ميزة في تطبيق واتساب: ميزة التشفير من طرف إلى طرف end-to-end encryption، إذ لا يمكن عرض الرسائل والصور والمحتويات الأخرى التي ترسلها وتستقبلها على التطبيق إلا على هاتفك الذكي وهواتف وأجهزة الأشخاص الذين تختار مراسلتهم. لا يمكن لشركة واتساب أو فيسبوك الوصول إلى محادثاتك. لكن هذا لا يعني أنه لا يزال هناك كثير من البيانات الأخرى التي يمكن للتطبيق جمعها ومشاركتها حول كيفية استخدامك للتطبيق نفسه، وتقول الشركة إنها تجمع معلومات المستخدم "لتشغيل خدماتنا وتوفيرها وتحسينها وفهمها وتخصيصها ودعمها وتسويقها".

من الناحية العملية، هذا يعني أن واتساب يشارك كثير من المعلومات مع فيسبوك، بما في ذلك معلومات الحساب مثل رقم هاتفك، وسجلات مدة وعدد استخدمك للتطبيق، ومعلومات حول كيفية تفاعلك مع المستخدمين الآخرين، ومعرف الجهاز ID، وتفاصيل الجهاز الأخرى مثل عنوان البروتوكول IP، ونظام التشغيل، وتفاصيل المتصفح، ومعلومات صحة البطارية، وإصدار التطبيق، وشبكة الهاتف المحمول، واللغة والمنطقة الزمنية. كما يشارك أيضًا بيانات المعاملات المالية والدفع وملفات تعريف الارتباط ومعلومات الموقع اعتمادًا على الأذونات التي تمنحها للتطبيق من الأساس.

اقرأ أيضًا: تحديث واتساب الجديد: هل رسائلك الشخصية في خطر؟

كلمة السر: البيانات الوصفية!

اعتاد تطبيق واتساب أن يمثل الأمان والخصوصية، ويُنسب إليه الفضل في تقديم خصوصية الرسائل المشفرة. لكن الخصوصية وأمن البيانات مجالات معقدة للغاية، أحيانًا لا يكون ما نقوله هو المهم، بل متى وأين ولمن! وهو تحديدًا ما تمثله البيانات الوصفية Metadata، والتي يمكننا أن نطلق عليها البيانات المتعلقة ببياناتك، وهي تعادل تقريبًا قوة البيانات الفعلية. من تعرف، ومن تراسل، ومتى، وكم مرة في اليوم، وما هي الأنشطة الأخرى التي يمكن تتبعها إلى معرف المستخدم الخاص بك. هذه البيانات الوصفية هي التي تحرك آلة التنقيب عن المعلومات الخاصة بشركة فيسبوك.

تلك البيانات الوصفية أهم لدى الشركات من أي معلومات أو رسائل أو صور، أو حتى "ستيكرز" و"ميمز"، تقوم بمشاركتها مع أصدقائك وعائلتك. ولهذا يمكنك الاطمئنان حاليًا على تلك الرسائل الخاصة، المشكلة أكثر تعقيدًا من ذلك! بمعنى إذا كان بإمكاني ربطك بالعديد من التطبيقات الأخرى من خلال معرّفاتك الشخصية، مثل رقم هاتفك أو معرّف جهازك، فيمكنني ربط بياناتك الوصفية بكل شيء آخر أعرفه!

وهذه المرة عرفنا بكل تلك المعلومات التي يقوم التطبيق بمشاركتها، ليس لأننا نقرأ سياسة الخصوصية، لكن لأن الشركة قررت أن تطلب الإذن بالموافقة وألغت خيار الاعتراض من جانب المستخدم، وهو ما يعني أن الخدمات الرقمية، بما في ذلك واتساب، تمنحنا خيارًا واحدًا صعبًا: إما أن نتخلى عن السيطرة على ما يحدث لمعلوماتنا الشخصية، أو نتوقف عن استخدام الخدمة، هذا هو الأمر ببساطة!

أمان واتساب كافٍ لجميع المستخدمين تقريبًا للمراسلة، لكن البيانات الوصفية منطقة رمادية، وكلما استخدمنا تلك المنصات للمراسلة، ستزداد قيمتها أكثر وأكثر. وفي الصورة التالية، ستجد مقارنة بين البيانات الوصفية التي يطلع عليها تطبيقات واتساب وماسنجر من فيسبوك، وتطبيق iMessage من أبل، وكذلك تطبيق سيجنال.

تحديث واتساب الجديد

لكن يظل التساؤل مطروحًا: لماذا قرر تطبيق واتساب فجأة مشاركتنا بتلك المعلومات إذا كان بالفعل يقوم بتلك الخطوة منذ عام 2016؟

اقرأ أيضًا: أفضل 5 بدائل لتطبيق واتساب لحماية الخصوصية في 2021

تحديث واتساب الجديد بدأ بسبب تدخل أبل!

إن كنت تتابع القصة على مدار الشهر الماضي، فسيبدو أن كل شيء قد بدأ مع تقديم أبل لملصقات الخصوصية لكل تطبيق في نظام التشغيل iOS 14، إذ تمثلت استجابة الشركة العملاقة لهذا التيار الجارف لجمع البيانات الوصفية في ملصقات الخصوصية الخاصة بها، والتي بدأت في استخدامها على متجر التطبيقات App Store. إذ توضح أبل أنه: "في صفحة كل تطبيق، يمكن للمستخدمين التعرف على بعض أنواع البيانات التي قد يجمعها التطبيق عنهم، وما إذا كانت هذه البيانات مرتبطة بهم أو يمكن استخدامها لتتبعهم".

https://twitter.com/tim_cook/status/1339720611313065984

تسبب إطلاق تلك الميزة في إثارة ضجة ومشاكل كبيرة بين شركة أبل ومطوري التطبيقات، ببساطة لأن ممارسات جمع البيانات الآن أصبحت مكشوفة بشدة. وكانت شركة فيسبوك في قيادة تلك الحملة، ونشرت إعلانات على صفحات كاملة من أشهر الجرائد لمعارضة خطوة أبل، قائلةً إن تلك الخطوة تسبب ضررًا للشركات الصغيرة. لكننا نعلم من هي شركة فيسبوك التي ربما تكون أكبر آلة لجمع البيانات حاليًا.

ما تنوي أبل تقديمه هو مجرد عرض لما يجمعه كل تطبيق من بيانات وصفية مرتبطة بك، وإن كان يمكن تتبعك شخصيًا بتلك البيانات أم لا، بجانب أن تملك كمستخدم الاختيار على الموافقة على مشاركة البيانات مع المطورين أم ترفض!

وربما لهذا قرر تطبيق واتساب الآن تحديث سياسات الخصوصية، والطلب من المستخدم أن يوافق على مشاركة البيانات مع فيسبوك، حتى يمكنه مشاركتها مع الشركات الأخرى، ويستهدف المستخدم بالإعلانات، كما يفعل مع تطبيقاته الأخرى ماسنجر وإنستجرام مثلًا.

اقرأ أيضًا: عاركني: لماذا تتقاتل أبل وفيسبوك حول خصوصيتك؟

هذا هو الثمن مقابل الخدمة المجانية!

Whatsapp واتساب - Arabhardware Generic Photos

هذا هو جوهر المشكلة حاليًا، واتساب تطبيق مجاني، ولكن الآن أصبح السعر الذي يجب أن ندفعه مقابل هذه الخدمة المجانية واضحًا. لا يتعلق الأمر بمشاركة واتساب لأي من بياناتك مع فيسبوك أكثر مما يفعل بالفعل، لكنه يتعلق باستخدام تلك البيانات ومشاركتها مع منصاتها الأخرى لتفعيل خدمات التسوق وخدمات الأعمال، لتوفير منصة حيث يمكن للشركات التواصل معك وبيع المنتجات لك، وكل ذلك مقابل ثمن يدفعونه لواتساب.

وإذا حسبتها بمبدأ فيسبوك، فستجد أن تطبيق واتساب يمكنه تحمل خسارة ملايين المستخدمين، ممن سيرفضون تحديثات سياسة الخصوصية، لأنهم ببساطة لن يمثلوا أي مكسب يُذكر للتطبيق؛ لأن بياناتهم الوصفية هي ما يحتاجه لكي يجني الأموال، وليست الصور والرسائل الشخصية أو الـ "مميز" والـ "ستيكرز"!

والآن، يجب أن يحدد واتساب ما إذا كانت أولويته هي التسويق التجاري أو تأمين قاعدة مستخدميه. لكن الحقيقة هي أن التطبيق يمكنه تحمل خسارة ملايين المستخدمين كمقايضة لخططه التجارية المستقبلية، مع العلم أنه غالبًا سيحتفظ بالأغلبية الواسعة غير المبالية بمشاكل الخصوصية والبيانات الوصفية.

إذن، هل يجب عليك التوقف عن استخدام تطبيق واتساب والبحث عن بديل آخر؟ الجواب باختصار: لا، لم يتغير شيئًا بالفعل. لم تتغير مشاركة بيانات التطبيق، ولم تتغير ميزات الأمان، ولا تزال أكبر منصة مشفرة من طرف إلى طرف بقاعدة مستخدمين ضخمة، ومن المرجح أن يستخدمها كل من تتواصل معهم. على الأقل واتساب أفضل كثيرًا من تطبيق ماسنجر، ويعمل عبر مختلف الأنظمة بخلاف iMessage الذي يعمل لأجهزة شركة أبل، ويأتي بميزة التشفير من طرف إلى طرف افتراضيًا، على عكس تطبيق تليجرام الذي يوفر الميزة ولكن ليس بصورة افتراضية.

هذه هي الإجابة المختصرة، لكن الإجابة الأطول أكثر تعقيدًا، لقد تحول واتساب إلى الزاوية التي طال انتظارها، فهو الآن بدأ في رحلة لتحقيق الدخل والأرباح بصورة أوضح باستغلال مستخدميه، كما تفعل تطبيقات فيسبوك. وفي حين أن رسائلك آمنة ومحمية من أعين المتطفلين، يمكن أن تصبح بياناتك لعبة تبني بها المنصة عروضها التجارية. بجانب أنك الآن لا تملك خيارًا للرفض، فإما أن تشارك تلك البيانات، أو تبحث عن بديل آخر!