هل تفوقت على ويكيبيديا؟ تجربة عرب هاردوير لموسوعة "جروكيبيديا"!
في مطلع شهر أكتوبر المنصرم، أعلن إيلون ماسك عن منصة "جروكيبيديا Grokipedia"، الواضح من اسمها أنها ستشتبك مع "ويكيبيديا Wikipedia". وبالفعل، أُطلقت المنصة قبل أيامٍ قليلة بهدف منافسة المشروع المعرفي الأضخم على الإنترنت.
قبل إطلاق المنصة، التي لم يُبذَل في تسميتها أي مجهود يُذكَر مثل بقية منصات ماسك، ادُعيَّ أنها ستحمل "تحسينًا ضخمًا مقارنةً بويكيبيديا"، وخمن مصدر هذا الادعاء.. بالضبط: المثير للجدل إيلون ماسك، الذي رأى أن الموسوعة الأشهر متحيزة لليساريين.
وكان ماسك قد عرض شراء ويكيبيديا في 2023 مقابل مليار دولار، شريطة أن يحول اسمها إلى "اسمٍ غير لائق" لا يمكنني أن أذكره على هذا الموقع المُحترم! كما وصفها بـ "المنصة المعطوبة" لمجرد أنها ناقشت احتمالية أن يكون ترامب فاشيًا (وقت شهر العسل بينهما)!
عمومًا، أعتذر عن هذه المقدمة الطويلة، لكن صدقوني أنها كانت ضرورية للإجابة على السؤال الآتي:
هل جروكيبيديا أفضل من ويكيبيديا حقًا؟
كشخص محب لويكيبيديا ومُقدّر للمجهود الجبار الذي بُذل في تأسيسها، كان من الصعب، بل من المستحيل، أن أُرجح عليها كفة مشروعٍ مسروق -منها-، اسمًا ومضمونًا. لكن لا تقلقوا، أنا شخص حيادي جدًا، ولذلك لم أكتفِ بالاطلاع على تجارب وآراء الخبراء وجرّبت هذه المدعوة جروكيبيديا بنفسي، ويبدو أنكم تعرفون إلى أين تتجه هذه المقالة من نبرة كلامي!
على الهامش: لئلا نظلم جروكيبيديا، نحتاج أن نعرف أنها أُطلقت قبل أيامٍ قليلة، ولهذا من الطبيعي أن تكون الفروقات والميزات ضخمة بينها وبين ويكيبيديا، وعليه، ستكون المقارنة بين الأشياء الأساسية فقط.

لكن قبل أن نغوص في التجربة والمقارنة، دعونا نتحدث سريعًا عن الآلية التي تعمل بها كلُ منصة:
- ويكيبيديا: تعتمد بالكامل على المجهود البشري التطوعي، إذ تُكتَب المقالات وتُراجَع من قِبل المستخدمين حول العالم. كل تعديل يُسجَّل وأي شخص يمكنه أن يُعدل على هذا التعديل بشكل لا مركزي وشفاف.
 - جروكيبيديا: على الجانب الآخر، تعتمد منصة إيلون ماسك المعرفية على الذكاء الاصطناعي بشكل شبه كلي، حيث تُنتَج المقالات تلقائيًا وعلى ما يبدو أنها تُراجَع تلقائيًا أيضًا بواسطة الذكاء الاصطناعي، هذا ما استنتجته من عبارة "التأكد بواسطة جروك Fact-Checked by Grok" الموضحة بالصورة أعلاه.
 
الفروقات كثيرة جدًا ويمكننا أن نفرد لها مقالًا خاصًا، لكن هذا ما أحتاج منك معرفته الآن، والباقي سيتضح تباعًا...
تجربتي الشخصية لجروكيبيديا

بمجرد أن سمعت عن إطلاقها، لم أُكذّب خبرًا وانطلقت لأجربها بنفسي. دخلت إلى موقع الموسوعة الرسمي، وبصراحة أعجبني. الخلفية السوداء بنقاطها البيضاء التي تُشبه النجوم الباهتة أراحتني كثيرًا وجعلتني أحب استخدام جروكيبيديا وأكتب أي شيء في المستطيل الذي يتوسط الصفحة.

على الجانب الآخر، تُركز واجهة ويكيبيديا على فكرة المعرفة العالمية المفتوحة، حيث يتوسط الصفحة شعار الموسوعة الشهير -وأسفله مستطيل البحث-، المتمثل في قطع الأحجية التي تكون كوكبًا غير مكتمل، في إشارة إلى أن معرفتنا قاصرة دائمًا، لكنها تتطور.
بسهولة شديدة يمكنك ملاحظة الفرق بين الواجهتين وتفضيل إحداهما على الأخرى. بالنسبة لي، وعلى الرغم من إشادتي بواجهة جروكيبيديا، فإنني أفضل واجهة حبيبتي ويكيبيديا -مفاجأة، أليس كذلك؟- والسبب ببساطة أنني أقدر الفكرة، وواجهة ويكيبيديا تُجسد فكرة رائعة بطريقة لا تقل روعة، بعكس جروكيبيديا الخالية من الروح والتي تعكس مدى التكاسل الذي أصبحنا عليه بسبب الذكاء الاصطناعي.
ملحوظة: بالنسبة لواجهة جروكيبيديا، فأنا أتحدث عن واجهة الوضع الداكن Dark Mode، وذلك لأن الواجهة الفاتحة مملة لأقصى حد، وإن كانت بسيطة وتؤدي الغرض!
عدد المقالات وعامل الدقة
الشيء الثاني الذي لفت انتباهي في جروكيبيديا كان عدد المقالات المنشورة، فالواجهة الرئيسية لموسوعة الذكاء الاصطناعي هذه تقول (حتى تاريخ 11 نوفمبر 2025) إن هناك 885,279 مقال، وهذا رقم ضخم قياسًا على أننا نتحدث عن الإصدار الأول v0.1.

أعتقد أن معظم الموسوعات المعرفية على الإنترنت لم تستطع الوصول إلى هذا الرقم أو حتى تقترب منه، لكن مهلًا، نحن نتحدث عن ويكيبيديا، صاحبة الـ 7 مليون مقال باللغة الإنجليزية فقط، وأكثر من 60 مليون مقال عبر جميع اللغات!
وعلى الرغم من أن جروكيبيديا قد تصل إلى هذه الأرقام وربما تتجاوزها، فإنني لن أنبهر، لأنها في نهاية المطاف ستكون مقالات مولَّدة بالذكاء الاصطناعي، وحتى الآن تظل مسألة التحقق والدقة محل اختبار، بعكس ويكيبيديا التي تمر مقالاتها على الكثير من الأعين البشرية التي تحرص على دقة المعلومة، وإن كان هذا لا يعني أن كل ما تقرأه على ويكيبيديا صحيح بالطبع!
التجربة الفعلية وجودة المقالات
نأتي الآن للنقطتين الأهم ونبدأ بجروكيبيديا، التي تُمكنك -مشكورةً- من استخدامها دون أي حساب إلكتروني، وحقيقةً هذا ما يجب أن تفعله، حيث إن تسجيل الدخول لن يفيدك بأي شكل، ولا أعرف ما فائدته، هل هو لجمع البيانات مثلًا؟ أنا لست متحاملًا على المنصة، لكن حاولت أن أعرف فائدة هذا الخيار ولم أستطع؛ لا يوجد سجل لعمليات البحث مثلًا أو أي خدمة أخرى تبرر حث المنصة لك على تسجيل الدخول.
في المقابل، نحن نعرف أن تسجيل الدخول بحسابك على ويكيبيديا يعطيك بعض الصلاحيات المهمة مثل المشاركة والتعديل على المقالات، وحتى التواصل مع الآخرين وغيرهم.
ملحوظة: اكتشفت ميزة وحيدة لتسجيل الدخول لاحقًا، وهي إمكانية اقتراح تعديلات على أي مقال تريده، وذلك من خلال تحديد النص ثم الضغط على "Suggest Edit".
ثانيًا، بحثت عن اسم "إيلون ماسك" هنا وهناك لأختبر جودة ومحتوى المقالات؛ لم تظهر لي نتيجة على "جروكيبيديا" لأنها لا تدعم العربية أساسًا، فاتجهت للإنجليزية، وقارنت بين النتيجتين، وكما توقعت:
مقال جروكيبيديا كان مكتوبًا بأسلوب آلي جاف محايد، ليس فيه انحياز سياسي ولا أحداث مثيرة للجدل، بعكس ويكيبيديا؛ الذي اتخذ مقاله طابعًا تحليليًا وإخباريًا، ناهيك أنه أضاف طبقةً سياسية صريحة تتحدث عن علاقته باليمين المتطرف ودعمه لترامب وخلافه مع الإدارة الأمريكية، وأشياء مُحدَّثة كثيرة تُفسر وجود أكثر من 500 مرجع في مقابل 200 مرجع فقط في مقال جروكيبيديا، رُغم أن هذا كتبه بشري والآخر آلة!
ومع ذلك، كانت أقسام المقال مُرتبة بشكل أفضل -بالنسبة لي على الأقل- في جروكيبيديا، لكن المأخذ هنا هو عدم وجود أي صورة بعكس ويكيبيديا التي تحاول تعزيز وتوثيق المحطات المهمة بالصور.
انتقلت بعد ذلك للبحث عن كارل ماركس، أحد الآباء المؤسسين للفكر الاشتراكي واليساري لدرجة قف! قلت في نفسي لعل جروكيبيديا كتبت بحياد عن ماسك لأنه ببساطة صاحب المنصة وصاحب الشركة المطورة للمنصة، ولعل بحثي عن شخص اشتراكي يساري يرينا الوجه الحقيقي لجروكيبيديا، المنسوبة لماسك المعروف بمواقفه اليمينية، رُغم أنه لا يعرف نفسه على أنه يميني.
هذه المرة، كانت لهجة كلتا الموسوعتين محايدة، ربما ويكيبيديا هي من تحب إثارة الجدل! أمزح! هي فقط تحاول تناول الموضوعات التي تُهم القارئ. ومرة أخرى، عدد مراجع هذا المقال في ويكيبديا يُقدر بضعف عدد المراجع في نظيره على جروكيبيديا!
كلمة أخيرة وميزة جروك التي قد تقلب الكفة!

حتى لا أطيل عليكم، ومن واقع تجربتي المتواضعة للموسوعتين، فأنا أفضل ويكيبيديا في معظم الأشياء، لكن جروكيبيديا تمتلك ميزة استثنائية، وهي إمكانية تحديد النصوص والتفاعل مباشرةً مع Grok وسؤاله عن أي شيء يخطر في بالك. صحيحٌ أنك تستطيع أن تنسخ نصوص ويكيبديا وتلصقها في ChatGPT مثلًا لتناقشه فيها، لكن هذه خطوة إضافية قد تكون ثقيلة على قلب البعض، خصوصًا ممن يتصفحون الموسوعة على الهاتف.
جدير بالذكر أن منصة جروكيبيديا تواجه انتقادات حالية لتشابه كثير من مقالاتها مع ويكيبيديا، لدرجة أن البعض يدعي وجود مقالات منسوخة حرفيًا من الموسوعة الشهيرة، لكن أقصى ما توصلت إليه كان وجود تشابه كبير في بعض المقالات وليس نسخًا حرفيًا.
بانتظار تطور جروكيبيديا ورؤية ما يمكن أن تصل إليه!
?xml>