إدمان الألعاب الإلكترونية: ما هي الأعراض؟ وما هي طرق العلاج؟
يركض مسرعًا بعد انتهاء اليوم الدراسي ليصل إلى غرفته ويجلس على الأريكة ليلعب الألعاب الإلكترونية منعزلًا وبدن حتى أن يقوم بتغيير ملابسه، يستمر اللعب حتى الساعات الأولى من اليوم الجديد ليذهب إلى النوم منهكًا بدون أي إنجاز حقيقي.
إذا كان إبنك يقوم بهذه الأفعال فربما يعاني من إدمان الألعاب الإلكترونية، نعم الألعاب الإلكترونية يمكن إدمانها بشكل ما وفي الحقيقة يمكن القول بأن أي شيء في الحياة يمكن إدمانه: المخدرات، الكحوليات، الدخان، وحتى الطعام يمكن إدمانه ولا تأخذ كلمة يا ألف نهار أبيض التي وضعناها في عنوان المقال على محمل الجد، نحن بالتأكيد كنا نأخذ الأمر بشكل ساخر بعض الشيء ولكن لنتحدث بشكل جاد قليلاً عن أبرز أعراض إدمان الألعاب الإلكترونية بجانب أهم طرق علاج إدمان الألعاب الإلكترونية، سواء للمراهقين أو الأطفال أو حتى الكبار.
قامت منظمة الصحة العالمية بإدراج إدمان الألعاب كأحد أنماط الخلل النفسي وهو الأمر الذي كان بمثابة إعلان عن خلل نفس جديد في عالم الأمراض النفسية يدعى "اضطراب ألعاب الفيديو".
في نفس الوقت نجد أن الجمعية الأمريكية للطب النفسي لا تصنف إدمان الألعاب كأحد الاضطرابات النفسية وتصفه بأنه ظاهرة قد تؤدي إلى مشاكل اجتماعية كبيرة.
إدمان الألعاب الإلكترونية لا يقتصر على الألعاب الجماعية
على الرغم من مرور أكثر من 50 عامًا في مجال صناعة الألعاب، إلا أن الأبحاث في مجال إدمان الألعاب مازالت في بدايتها جدًا ومازالت تتحسس خطواتها الأولى بسبب نقص الاهتمام بهذا المجال في الماضي ولكن مع تطور صناعة الألعاب واحتلالها عرش الصناعات الترفيهية بدأت تظهر الأبحاث العلمية التي تتصدى لمشكلة إدمان الألعاب.
في مرحلة ما كان يعتقد أن إدمان الألعاب يقتصر على الألعاب الجماعية وبالتحديد ألعاب الـ MMORPG فهذه النوعية من الألعاب لا يوجد بها قصة محددة تنتهي بانتهاء اللعبة، بل تتفرع القصة وتتشعب كلما استمر اللاعب بها كما أنها تُلعب بشكل جماعي عبر الإنترنت وهو ما جعل الكثير يقضي أمامها ساعات طويلة جدًا، لذلك ربط الكثير بينها وبين إدمان الألعاب.
لكن أظهرت الأبحاث أن إدمان الالعاب لا يقتصر على نمط معين من الألعاب الإلكترونية، بل يمكن أن يحدث الإدمان نتيجة لعبة جماعية أو فردية مهما كان نوعها، لذلك فإن نوع اللعبة التي يلعبها إبنك ليست مقياس على الإطلاق، في نفس الوقت يجب التقيد بالتحذيرات العمرية الخاصة بكل لعبة.
هنا نتطرق إلى مشكلة فرعية هامة جدًا وهي أنه لا يوجد رقابة أبوية على نوع المحتوى الذي يتلقاه الأطفال من الألعاب، لكل لعبة تصنيف عمري معين وهذا التصنيف العمري لم يتم وضعه بشكل عشوائي لذلك من الأجدر التمسك به.
أقرأ أيضا: اضرار الهاتف على الاطفال و طرق الحماية
لماذا قررت منظمة الصحة العالمية إدراج إدمان الألعاب كاضطراب نفسي؟
لدى منظمة الصحة العالمية تصنيف دولي للأمراض (ICD) وتحرص المنظمة على تحديث هذا التصنيف بشكل دوري وفي النسخة الحادية عشر من التصنيف قررت المنظمة إدراج إدمان الألعاب تحت تصنيف اضطراب ألعاب الفيديو.
هذا التصنيف جاء من خلال عدد كبير من الخبراء والأطباء التابعين لمنظمة الصحة العالمية في بلاد مختلفة، وهذا الرأي جاء بعد ملاحظة العديد من الأفعال العنيفة والاضطرابات التي كان سببها المباشر الإفراط في ألعاب الفيديو.
كيف تتحول الألعاب الإلكترونية إلى إدمان؟
هناك بعض الأبحاث التي تصدت إلى هذا السؤال، وللإجابة عن هذا السؤال اتخذت الأبحاث الألعاب الأونلاين كمادة للبحث ووجدت أن اللاعب أثناء اللعب تنتبه لديه بعض المسارات المعينة في المخ كما هو الحال تمامًا مع الأشخاص المصابين بإدمان المخدرات.
هذه المسارات المعينة في المخ تحفز الاستجابات العصبية للإنسان وتساعده على الشعور بالسعادة والإنجاز مثلما يحدث مع الإدمان تمامًا، ومع المراحل المبالغ فيها من هذه الحالة تتجلى الأعراض الإدمانية.
بالمناسبة يمكننا هنا أن نُشير إلى معنى الإدمان عمومًا، الإدمان هو اضطراب في مركز المكافأة في المخ ونحن هنا نتحدث عن العملية البيولوجية التي تحدث عند الإدمان وليس الظروف والمسببات الاجتماعية.
لكي يدمن الشخص يجب توافر عنصرين المحفز والمكافأة، المحفز يتمثل في تعرض الشخص المتكرر لنشاط معين، أما المكافأة هو اقتناع الشخص بأن هذا المحفز هو شيء إيجابي في حد ذاته ويشعر بالسعادة.
مع التعرض للمحفز بشكل مكثف لفترة طويلة من الوقت مع اعتقاد المخ بأن المحفز مكافأة يبدأ الإنسان في إدمان هذا المحفز مثل الطعام، المخدرات، أو حتى لعب القمار.
نفس الأمر يحدث مع الألعاب الإلكترونية حيث يتعرض لها الشخص لفترات طويلة جدًا من الوقت مع اعتقاد المخ بأن هذه الألعاب مكافأة تسبب السعادة والشعور بالإنجاز وبالتالي يحدث الإدمان ويصبح العقل في حاجة إلى الألعاب الإلكترونية بشكل مستمر للشعور بالسعادة.
ما أهم أعراض إدمان الألعاب الإلكترونية؟ (للمراهقين والأطفال)
للأسف لا يوجد طريقة محددة لاكتشاف الإصابة باضطراب ألعاب الفيديو ولكن يوجد بعض الأعراض التي إذا تحققت يفضل استشارة الطبيب النفسي في أسرع وقت وهي:
- التفكير في الألعاب الإلكترونية طوال الوقت وعلى مدار اليوم.
- الحاجة لتمضية المزيد من الوقت للعب الألعاب الإلكترونية للشعور بالتحسن.
- الشعور بالسوء عند عدم التمكن من اللعب.
- عدم القدرة على تقليل ساعات اللعب.
- الانسحاب من نشاطات كنت تقوم بتأديتها في الماضي للتفرغ للألعاب.
- انعدام الرغبة في القيام بأشياء أخرى إلى جانب اللعب.
- ظهور مشاكل في الدراسة أو العمل بسبب اللعب لفترات طويلة.
- الاستمرار في اللعب على الرغم من وجود مشاكل حياتية جسيمة.
- استخدام الألعاب الإلكترونية للتخلص من الاكتئاب والمزاج السيء
- الكذب حول المدة التي تقضيها أثناء اللعب.
بالطبع وجود أحد هذه الأعراض السابق ذكرها لا يعني أنك مصاب باضطراب ألعاب الفيديو ولكن وجود 5 أعراض مجتمعة لمدة عام على الأقل ينذر بوجود مشكلة كبيرة ويجب اللجوء إلى الطبيب النفسي على الفور.
على سبيل المثال لا ضرر في استخدام الألعاب الإلكترونية للتخلص من المزاج السيء ولكن إذا وجدت طفلك يترك هواية يحبها مثل كرة القدم بسبب الاستغراق في العاب الفيديو فهذا يعني وجود مشكلة، كذلك إذا وجدت أن طفلك يعاني أثناء القيام بالواجبات المدرسية بسبب الاستغراق في ألعاب الفيديو فهذا يعني وجود مشكلة أيضًا وإذا اجتمعت كل هذه المشاكل مع بعضها فيجب الاستعانة بالطبيب النفسي على الفور.
أيضًا ما سبق ذكره هي مجرد أمثلة وليست قواعد حصرية، فمثلًا إذا وجدت طفلك يتهرب من الزيارات والتجمعات العائلية للتفرغ إلى الألعاب فهذا يعني وجود مشكلة، نفس الأمر إذا بدأ إبنك في الابتعاد عن أصدقائه للتفرع لألعاب الفيديو.
يمكن القول بأن الأعراض متمثلة في أي نتائج سلبية تكون بسبب الألعاب، لذلك يجب على الوالدين مراقبة تصرفات الأطفال بشكل كبير وكيف تتغير سلوكياتهم بسبب ألعاب الفيديو.
كيف يمكن علاج إدمان الألعاب الإلكترونية للأطفال والمراهقين؟
بالطبع إذا ظهرت الأعراض السابق ذكرها على أبنك أو بنتك فيجب الإسراع والذهاب إلى الطبيب أو المعالج النفسي على الفور وعدم الاعتماد على الإجراءات العادية التي قد يتخذها أي شخص مثل إجبار الطفل على تقليل ساعات اللعب.
- الطبيب النفسي سيكون لديه العديد من الوسائل العلاجية التي يمكن اتباعها وأشهر هذه الوسائل نظام "العلاج السلوكي المعرفي" وهو نظام يعتمد على الكلام في تقديم المعونة الطبية النفسية لمساعدة المريض على إدراك حقيقة الأمر والتحكم في المشكلة التي لديه، ويتم تقديم هذه النوعية من العلاج عبر جلسات فردية أو جماعية.
- العلاج السلوكي المعرفي يعتبر وسيلة ممتازة للتحكم في إدمان الألعاب وفي نفس الوقت مساعدة المريض على عدم الانتكاس والعودة من جديد لإدمان الألعاب، كما أنه علاج لا يحتوي على مخاطر تقريبًا حيث تتمثل مخاطره في عدم الارتياح النفسي للمريض فقط ولكن لا يوجد له مضاعفات عضوية.
- أيضًا أظهرت بعض الأبحاث العلمية أن مشاركة الوالدين في الخطة العلاجية دائمًا ما يكون لها أثر إيجابي بشكل كبير، وكذلك اكتشاف الحالة الإدمانية في مرحلة مبكرة يكون أمر مساعد بشكل كبير في الخطة العلاجية مثل علاج أي حالة إدمانية أخرى.
أقرأ أيضا: أفضل 8 تطبيقات لمراقبة الاطفال مجانا
كيف نتجنب إدمان الألعاب الإلكترونية من البداية؟
يمكننا تجنب إدمان الألعاب من البداية حتى لا نقع في المشكلات العديدة التي قد تحدث بسبب إدمان الألعاب، ولكي نتجنب هذا الأمر لا يمكننا ذكر طرق محددة ولكن يمكن ذكر بعض الأنشطة التي قد تساعدنا على تجنب هذه المشكلة من البداية:
الانخراط في نشاط آخر بجانب الألعاب الإلكترونية، فنحن لا نقول بأن اللاعب عليه ترك الألعاب إلى الأبد ولكن وجود عدة أنشطة أخرى إلى جانب الألعاب الإلكترونية أمر ضروري جدًا، هذه الأنشطة قد تتمثل في هواية نافعة مثل القراءة أو الصيد أو بالطبع رياضة مفيدة للصحة العقلية والجسدية.
إذا كنت تلعب بشكل مكثف حاول دائمًا وضع جدول لعدد الساعات التي تمضيها أثناء اللعب وحاول في نفس الوقت تقليل هذه الساعات من حين لآخر وبالتأكيد أحرص على عدم تخطي الحد الذي وضعته لنفسك من البداية.
النصيحة الثالثة قد تكون صعبة بعض الشئ ولكنها مفيدة جدًا عن تجربة، حيث يمكنك وضع أدوات اللعب والهاتف المحمول في غرفة أخرى غير غرفة النوم الخاصة بك وهو ما يضمن لك النوم مباشرة وعدم الانسياق في اللعب قبل النوم لمدة طويلة.
هذه النصائح السابق ذكرها ليست نصائح على سبيل الحصر ولكنها مجرد أمثلة ويمكن أن نقول حاول دائمًا أن تكون منشغلًا بعدة أشياء إلى جانب الألعاب الإلكترونية ولا تجعلها هي محور حياتك الوحيد.
هل إدمان الألعاب مرض واسع النطاق؟
هذه المرة لدينا أخبار جيدة، إدمان الألعاب الإلكترونية يعتبر مرض نادر إلى حد ما، ولا يحدث لنسبة كبيرة من اللاعبين، فعلى أقصى تقدير المرض يصيب 9% من اللاعبين وهناك بعض التقارير أشارت إلى أن النسبة لا تتجاوز أكثر من 1% فقط.
لكن في نفس الوقت جميع التقارير أشارت أن هذا النوع من الإدمان يُصيب الكبار والأطفال على حد سواء، كما أنه ينتشر أكثر بين الذكور بالمقارنة بالنساء.
هل العيب في الألعاب الإلكترونية؟!
الإجابة بشكل قاطع هي لا، كما رأينا الإدمان عمومًا هو حالة بيولوجية عامة يمكن أن تُصيب الإنسان بسبب أي محفز، يمكن أن يُدمن المرء كرة القدم، الأفلام، الموسيقى، بل وحتى نوع معين من السكاكر.
فكرة الإدمان ليست قاصرة على المشروبات الكحولية والمخدرات فقط، لذلك يجب الانتباه من أي سلوك متكرر يكرس المرء له حياته.
بالعودة إلى الألعاب نجد أنها هواية رائعة تنمي الكثير من القدرات مثل قدرات التفكير والذاكرة العضلية وسرعة رد الفعل، إلى جانب الفوائد الترفيهية الأخرى والتعرف على الأصدقاء عبر الألعاب الجماعية بل وفي بعض الأوقات تكون الألعاب مصدرًا لتنمية اللغات الأجنبية عند البعض.
لا ننسى أيضًا أن الألعاب لها جانب علاجي أيضًا، فقد تطرقنا سابقًا إلى استخدام الألعاب في علاج أمراض مثل الطيف التوحدي، حيث أظهرت الأبحاث العلمية نتائج إيجابية جدًا في الحد من أعراض الطيف التوحدي عبر استخدام بعض الألعاب التي تساعد على رفع التركيز وزيادة انسيابية حركة العين.
الألعاب مثلها مثل أي محفز في الحياة، يمكن أن تكون الألعاب مصدرًا للسعادة بشكل كبير وهو أمر جيد ولكن يجب الحذر من اقتصار سعادة الإنسان على الألعاب الإلكترونية.
بالعودة إلى الإحصائيات العلمية نجد أن إدمان الألعاب يحدث على نطاق محدود جدًا وبالتالي فهي محفز بالفعل ولكن ليست بخطورة محفزات أخرى مثل المواد المخدرة.
نصيحة هامة وأخيرة للتعامل مع إدمان الألعاب الإلكترونية
في الكثير من الأحيان يكون السبب في إدمان الألعاب هو كسل الوالدين، حيث يلجأ الوالدان إلى الألعاب الإلكترونية لتلهية الأطفال أو عدم قدرتهم على مشاركة أطفالهم نشاطاتهم اليومية.
ننصح جميع الأباء مشاركة الأولاد النشاطات اليومية التي يقومون بها، لا يجب دائمًا أن تترك لطفلك يد التحكم لتلهيته بل يمكنك قراءة كتاب بصحبته أو رسم لوحة بسيطة أو اللعب بالمكعبات، وكما نرى جميعها أنشطة سهلة يمكن القيام بها داخل المنزل وبدون أي عناء.
بغض النظر عن توصيف إدمان الألعاب الإلكترونية وهل هو اضطراب نفسي أم لا، إلا أنه يوجد العديد من المشكلات التي تحدث بسبب هذا الإدمان أو الارتباط المبالغ فيه بألعاب الفيديو. وهذا ما تناولناه بالشرح مثل أعراض وأسباب وعلاج إدمان الألعاب الإلكترونية للأطفال والمراهقين وحتى الكبار!
?xml>