حب بالمجان: لماذا نرى أسعار الألعاب مبالغ بها في مصر والدول العربية؟
كثيراً ما ننادي بعمل متجر مُخصص لمصر وبعض الدول العربية على منصات الألعاب لأننا نرى أنه ليس من العدل أن يدفع أحدهم ربع مرتبه في منتج ترفيهي بحت. لكن، وحتى لو كان المرتب أعلى من متوسط دخل الفرد، فهل تزال ألعاب الفيديو باهظة الثمن بالنسبة للاعب المصري؟
الأمر لا يتعلق بالمرتب أيضاً فقط، بل هناك جزءٌ من الثقافة المصرية التي تنظر إلى المنتجات الترفيهية الرقمية وكأنها يجب أن تتواجد بالمجان مهما حدث، سواءٌ كانت منصات البث المباشر للمسلسلات والأفلام أو حتى ألعاب الفيديو نفسها. فماذا يحدث عندما تختلط هذه الثقافة بالأسعار المرتفعة؟
لنتحدث عن العنصر الأهم: المال!
أغلب المصريين يأتون من الطبقة المتوسطة، الطبقة المتوسطة التي تجد البالغ منها، حديث التخرج أيضاً، قد يجني ما يمكن أن يكون في منطقة الـ 6000 جنيهاً مصرياً، أي ما يعادل تقريباً 300 دولار وبعض الكسور.
رقم الـ 6000 جنيهاً هذا قد يكون رقماً جيداً بالنسبة لشابٍ مثل هذا. يكفيه مصاريفه الشخصية في بداية حياته ويستطيع أن يفعل به عدة أشياءٍ في مصر، مع العلم أنه سيحتاج إلى شهورٍ لكي يقوم بشراءٍ شيئاً مكلفاً قليلاً مثل هاتفٍ ذكي جديد أو أي جهازٍ مستورد من الخارج.
لكن تظل فكرة أن ألعاب الفيديو الآن تكلف ما قد يصل إلى 70 دولاراً لأقل نسخة من اللعبة يعني أنه يقترب من ربع مرتبه قليلاً. هذا تقريباً مرتب أسبوع من العمل مقابل الحصول على لعبة، في النهاية هي لعبة.
إذاً، فعند النظر إلى التكلفة مقابل الدخل، أسعار ألعاب الفيديو مبالغ فيها عندما تسعر بالدولار الأمريكي. رقمٌ كبير أن تدفعه في لعبةٍ واحدة، ناهيك عن الذكر أن هذا الشاب قد يريد أن يلعب أكثر من لعبة على مدار العام، مما قد يجعله يتوجه دائماً إلى حلولٍ أرخص….أو حلولٍ مجانية….فهمت قصدي؟
لكن على الأقل هذا الشاب يعمل، وبما أنه حديث التخرج فهو في الأغلب يسكن مع عائلته. نحييه إن كان مستقلاً بذاته، وإن كان فعلًا مستقلاً بذاته، فلن يكون هناك مساحة في الأغلب لشراء لعبة فيديو مع مصاريف السكن والمعيشة، وهذا سيجعله أيضاً يتوجه للحلول الأرخص أو المجانية.
على الأقل هو شابٌ يعمل، لكن إن كان مراهقاً يعيش مع أهله ولا يعمل؟ صدقني، أن تطلب 70 دولاراً من والديك من أجل لعبة فيديو، لن يكون الرد رحيماً.
الأمر يعود لسببين في حالة الرفض إن كنت صغيراً؛ الأول هو أن تكلفة اللعبة مرتفعة والثاني أن هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تفعلها بمثل هذا المبلغ. ببساطة، هي ليست حجة مقنعة بالنسبة للأهالي.
ببساطة، هناك جزئية مهمة في ثقافتنا المصرية تجعلنا نرى أن هذه الأسعار مبالغ فيها، وأنه في بعض الأحيان شراء الألعاب نفسه أمرٌ سخيف. أي نعم، جزئية الأسعار المبالغ فيها مبررة بشكلٍ واضح، ولكن شراء الألعاب نفسه هو أمرٌ صحيح.
لماذا ثقافتنا المصرية لم تقبل دفع مبالغٍ كبيرة في الألعاب أو لم تقبل الدفع من الأساس؟
مبدأياً لأننا نعلم بشكلٍ واضحٍ أن أسعار الألعاب مبالغٌ فيها. لا يوجد أي إنكارٍ لهذا، ولكن عدم قبول الدفع أمرٌ مختلفٌ قليلاً.
نحن المصريين لم نعتاد أن ندفع مبالغ كبيرة من المال في الأمور الترفيهية المبنية على المحتوى المبثوث أو التفاعلي.
فكر في الأمر قليلاً. عد إلى أيام دخول "طبق الدش" في مصر وستجد أن معظمنا لم يدفع إلا التركيب فقط ثم أصبحنا نستمتع بمحتوى مجاني من مئات القنوات التي أصبحت الآن على جهاز الاستقبال الخاص بنا، بل ووقتها كان سعر الباقات الخاصة بـ ART جيداً بالنسبة للمشتركين الجدد، فشجعت الكثير من الناس على الأجهزة الخاصة بهم بقنواتهم التي تبث المحتوى الحصري الخاص بها.
ثم جئنا نحن لكي نكتشف عالم "السايبر". هذا المكان الذي يكتظ بعشرات الأجهزة التي تقدم جميع الألعاب لك مقابل جنيهاً في الساعة الواحدة. وقتها ألعابٌ مثل Need for Speed: Underground وMedal of Honor تحتل هذه الأجهزة، وكان صاحب المكان يعرض عليك أن تدفع له عشرة جنيهات لكي تأخذ هذه الألعاب على "فلاشة" وتضعها على جهازك في المنزل.
الأمر كان مغرياً، وأنت لم تسمع وقتها عن أن الألعاب كانت متاحة للبيع بشكل قانوني. فكرتك عنها أنها كانت في هذا السايبر وكفى، ولم تعرف وقتها أن ما يحدث هنا هو قرصنة وإعادة توزيع لألعابٍ مقرصنة، أي سرقة.
أنت لم تظن أنها سرقة بدورك، بل أنت تدفع المال بالفعل للحصول على هذه الألعاب. حتى ملاك PlayStation 2 كانوا يشترون الألعاب بعشرة جنيهاتٍ للأسطوانة الواحدة لأنهم قاموا بتعديل جهازهم مسبقاً من المتجر الذي رشح لهم هذه الخطوة، فحتى الألعاب بالنسبة لك كانت رخيصة للغاية.
حتى جاء جيل PlayStation 3 وXbox 360 اللذان لم يقبلان إلا الألعاب الأصلية عند إصدار الثنائي. هنا عرفت أنت أن هناك متاجرٌ قانونية لألعاب الفيديو، وهذه المتاجر توفر لك هذه الألعاب بمقابلٍ كان يصل وقتها إلى 400-500 جنيه، وهذا لم يكن مبلغ جيداً أيضاً لأنها كانت ألعابٌ مستوردة وقتها فستدفع ثمنها الحقيقي مع هوامش الربح وما إلى ذلك.
هناك من عدل PlayStation 3 وXbox 360، وهذا ليس لأنه بالفعل يريد أن يسرق بمعنى الكلمة، بل هو ليس مقتنع من الأساس بهذه الأسعار التي يراها. ثقافة القرصنة هي الثقافة الرائجة وقتها، وهي ليست الثقاقة التي تشعر أنت بأنك تتبعها.
إن كان الجميع يفعل هذا حولك، فالأمر طبيعي إن فعلته أنت. لا ينظر للأمر وكأنه سرقة، بل ينظر له أنه العادي. الجميع يفعل هذا، والسرقة بالنسبة لمن يقوم بهذا الأمر هو مطالبة المحلات بأسعار الألعاب المرتفعة للغاية.
تمحورت الثقافة مع تمحور الأمان
هل قلت معدلات القرصنة؟ نعم، لكن ظهرت معدلاتٌ أخرى يجب أن نتحدث عنها قليلاً. قلة القرصنة الآن ليست بسبب الوعي أو ما شابه، بل بسبب توفر سبل حماية أقوى لألعاب الفيديو وأن معظم الألعاب التي نراها في السوق حالياً ألعاب تعاونية أو تنافسية تخسر قيمتها إن قرصتنها لأنك ستكون محظوراً عن الإنترنت بسبب قرصنتها.
[quote ما تراه في الأعلى هو خريطة Steam في العالم، وكما ترى، تركيا والأرجنتين من أكثر الدول التي تملك حسابات على المنصة، لكن في الواقع، هذه ليست حسابات مملوكة لأناسٍ من هذه الدول!]
إذاً الدفع صار لازماً، مما يعني أنك ستفتح المحفظة. هنا تريد أن تخرج محفظتك بأقل ضرر، وبالفعل يقوم الكثيرون بأخذ خطواتٍ مختلفة للوصول إلى هذه الغاية. هناك من قد يغير منطقته على Steam حتى يحصل على الألعاب بسعرٍ أقل من متاجر الدول النامية، وهناك أيضاً من يقوم بشراء الألعاب على حسابٍ واحد ومشاركته مع أكثر من مستخدم على بعض المنصات.
كلها حلول دهائية بحتة لصرف أقل مبلغ ممكن في هذه الألعاب، وهي حلول لا يجب الإعتماد عليها. أنت تكسر سياسة الاستخدام الخاصة بهذه المنصات التي سيحق لها أن تحظر حسابك ولا تلعب أي لعبة قد اشترتيها من قبل من خلال نفس المنصة.
كل هذا يأخذنا إلى نفس النقطة، نقطة التسعير. أسعار الألعاب تظل عالية بالنسبة للدخل في مصر وهي السبب في كل ما يحدث هنا. أسعار المتاجر الخاصة بالدول الأخرى مثل تركيا على سبيل المثال مناسبة للمصريين ومناسبة لدخلهم، خصوصاً وأن هذه الدول تتشابه كثيراً في مستويات المعيشة والدخل، فلماذا لا نحصل على متاجر خاصة بنا؟
متاجر خاصة بنا؟ هل هذا ممكن؟
بلى! ألا تظن أن هذا ممكن بالفعل؟ تسعير الألعاب على حسب الدخل الخاص بالمصريين الذين يستخدمون المنصات المختلفة لتوزيع الألعاب من خلال الإنترنت سيكون هو أسلم حل.
سنحصل على الألعاب بأسعارٍ مناسبة لدخلك، وستكون الأسعار أفضل بالنسبة للألعاب التي لا تكلف سعر لعبة كاملة أيضاً. لا ننسى أيضاً أن كل هذا سيكون قانوني. لا يوجد خرق لأي قانون، وهذا بالفعل ما تقوم به الكثير من الشركات حالياً التي تبث المحتوى الرقمي.
على سبيل المثال، شبكات Netflix وDisney+ و Amzon Prime تضيف مصر في قائمتها للتسعير بشكلٍ مناسب للدخل المصري. هذا جعل نسب الإشتراك القانونية في مصر ترتفع بشكلٍ محلوظ وبدون الحاجة للجوء إلى أي شيءٍ أخر قد يخرق سياسة الاستخدام.
هذا هو الحل السليم الذي يجب أن يطبق. لا نرى أي سبب يمنع هذا من ناحية تقنية. من ناحية قانونية قد نرى مشكلة، لكن من ناحية التطوير وما إلى ذلك، فالأمر ممكن. تظل هذه هي أمنيتنا هنا في الأراضي المصرية، أن نرى ما يناسبنا وما لا يجعلنا نأخذ حلولاً غير قانونية لحل هذه المشكلة.
?xml>