في خطوة استراتيجية هادئة لكنها بالغة الأهمية، كشفت تقارير صحفية أن شركة Apple قد استحوذت على شركة WhyLabs الناشئة المتمركزة في سياتل، والتي تعتبر واحدة من الشركات الرائدة في مجال "مراقبة الذكاء الاصطناعي" (AI Observability) التي تضمن عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي المعقدة بكفاءة وموثوقية بعد إطلاقها. 

ووفقاً للمعلومات، فإن صفقة الاستحواذ هذه تهدف إلى "استحواذ على المواهب"، حيث انضم مؤسسو WhyLabs الثلاثة - Alessya Visnjic (الرئيسة التنفيذية) و Sam Gracie و Andy Dang بالإضافة إلى عدد من موظفيهم الرئيسيين للعمل ضمن فرق الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في Apple.

لماذا WhyLabs مهمة لـ Apple؟

في خضم الضجة الهائلة التي تحيط بإطلاق "Apple Intelligence"، ومع الوعود الطموحة التي قطعتها Apple بتغيير طريقة تفاعلنا مع أجهزتنا، تخوض الشركة حرباً أخرى صامتة وخفية، حرب لا تدور رحاها في مختبرات البحث والتطوير، بل في العالم الحقيقي، على مئات الملايين من أجهزة آيفون وماك التي ستشغل هذه الأنظمة المعقدة - إنها حرب ضد الفوضى، ضد الأخطاء غير المتوقعة، وضد "هلوسة" الذكاء الاصطناعي التي قد تحول الميزة الثورية إلى كارثة علاقات عامة. 

في خضم هذه المعركة الحاسمة، قررت Apple الاستحواذ على شركة WhyLabs الناشئة في صفقة قد تكون من أهم الاستثمارات التي قامت بها الشركة لضمان نجاح مستقبلها في الذكاء الاصطناعي، ولفهم أهمية هذه الصفقة؛ يجب أولاً فهم الخطر الخفي الذي تواجهه كل شركة تطلق نماذج ذكاء اصطناعي على نطاق واسع. 

النماذج اللغوية والبصرية - مهما كانت متقدمة - لا يمكن وصفها ككائنات "مستقرة"، بل إنها أشبه بالكائنات الحية الدقيقة التي يتغير سلوكها وأداؤها عند تعرضها لبيئة العالم الحقيقي الفوضوية، وتلك المشكلة تُعرف تقنياً باسم "Data Drift" (انحراف البيانات). 

تخيل أنك دربت نموذجاً على التعرف على أنواع السيارات باستخدام ملايين الصور للسيارات القديمة والمتعارف عليها، من ثم أطلقته في مدينة مليئة بالسيارات الجديدة التي لم يرها من قبل، ما سيحدث حينها هو أن أداء النموذج سيبدأ في التدهور وقد يقدم نتائج خاطئة أو غير منطقية.

هذا الانحراف يحدث باستمرار وبأشكال لا حصر لها، ما قد يؤدي إلى تحيز النموذج أو تراجع دقته أو حتى توليده لمعلومات ضارة ومنافية، بالنسبة لشركة مثل Apple (التي تضع الخصوصية والأمان والموثوقية في صميم علامتها التجارية) فإن حدوث مثل هذا الانحراف على نطاق عالمي قد يكون مدمراً لها، وهنا يأتي دور WhyLabs وفرق الذكاء الاصطناعي اللاتي يعملون معها.

من هي WhyLabs وماذا تقدم؟

تأسست WhyLabs في قلب معهد ألين للذكاء الاصطناعي "Allen Institute for AI" المرموق في سياتل (الذي أسسه بول آلين، الشريك المؤسس لـ Microsoft)، وتتخصصت هذه الشركة في بناء ما يُعرف بأنظمة الـ "AI Observability" أو "مراقبة الذكاء الاصطناعي"، والتي يمكن القول أنها مثل نظام إنذار مبكر يراقب النماذج بعد إطلاقها، وتقوم بتحليل المدخلات والمخرجات باستمرار، وفي حال اكتشاف أي نمط غريب أو انحراف عن السلوك المتوقع؛ تقوم بتنبيه المطورين فوراً للتدخل وإصلاح المشكلة قبل أن تؤثر على ملايين المستخدمين.

لماذا الآن؟

يأتي هذا الاستحواذ في توقيت حاسم جداً، فمع الإطلاق العالمي لمجموعة ميزات "Apple Intelligence" تضع Apple رهاناً تاريخياً، وإن فشل هذه الميزات أو ظهورها بشكل غير معتمد لن يكون مجرد عيب تقني بسيط بالنسبة للشركة، بل سيهز ثقة المستخدمين في أنظمة وأجهزة الشركة بأكملها، وستنتج فوضى إعلامية قد تُسقط الشركة.

تحتاج Apple إلى ضمان أن الذكاء الاصطناعي الذي يعمل على جهازك سيظل دقيقاً وآمناً ومفيداً اليوم، وغداً، وبعد سنوات، ويمثل انضمام فريق WhyLabs لشركة Apple حلاً جاهزاً لهذه المشكلة المعقدة، فبدلاً من قضاء سنوات في بناء هذه البنية التحتية للمراقبة من الصفر، حصلت Apple على واحد من أكثر الفرق خبرة في العالم في هذا المجال، وعلى منصة ناضجة ومختبرة. 

رغم أن Apple لم تعلق رسمياً على الصفقة، إلا أن هذا الاستحواذ - وإن كان صغيراً من الناحية المالية مقارنة بصفقات عمالقة التكنولوجيا الأخرى - يُعتبر خطوة استراتيجية ذكية جداً، ويُظهر نضج رؤية Apple للذكاء الاصطناعي وتركيزها على التحديات طويلة الأمد خلال عملية بنائها للميزات التي تنوي تقديمها. 

رؤية آبل في سباق الذكاء الاصطناعي تحوم حول أن الفائز قد لا يكون من يبني أسرع نموذج، بل من يبني النموذج الأكثر موثوقية واعتمادية على المدى الطويل.