في تصريحٍ مفاجئ ومثير للتأمل، كشف سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "Open AI"، أن استخدام عبارات المجاملة مثل "من فضلك" و"شكراً" عند التحدث مع روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل "شات جي بي تي - Chat GPT"، يكلّف الشركة ملايين الدولارات سنويًا.

قد يبدو الأمر غريبًا، لكن الحقيقة أن كل كلمة يتم إدخالها إلى نموذج ذكاء اصطناعي تحتاج إلى عمليات حسابية تُنفذ على خوادم ضخمة. هذه الخوادم تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة، وكلما طالت الرسالة أو زاد تعقيدها، زادت كمية الطاقة المطلوبة لمعالجتها.

المجاملة تستهلك طاقة.. ولكن كيف؟

بحسب موقع TechRadar، أشار ألتمان إلى أن تكلفة هذه العبارات المجاملة بلغت "عشرات الملايين من الدولارات"، في إشارة إلى حجم استهلاك الطاقة المرتبط بها. هذا يدفعنا للتفكير: هل أصبح التهذّب عبئًا بيئيًا؟

عند التفاعل مع روبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مثل "شات جي بي تي"، يتم إرسال كل كلمة تكتبها إلى خوادم ضخمة تُحلل الرسالة باستخدام عمليات حسابية معقدة تعتمد على تقنيات تعلم الآلة. تحتاج هذه الخوادم إلى طاقة كهربائية كبيرة لتشغيلها، وكلما طالت الرسالة، مثلما يحدث عند إضافة كلمات مجاملة مثل "من فضلك" و"شكرًا"، زادت كمية البيانات التي يتعين معالجتها، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في استهلاك الطاقة.

وعندما يكرر ملايين المستخدمين هذه العبارات يوميًا، فإن ذلك يؤدي إلى استهلاك جماعي ضخم للكهرباء. الأسوأ من ذلك أن كثيرًا من مراكز البيانات التي تدير هذه الخوادم لا تزال تعتمد على مصادر طاقة تقليدية، مثل الفحم أو الغاز الطبيعي، مما يؤدي إلى انبعاثات كربونية تُفاقم أزمة تغير المناخ. لذا، فإن التهذّب الرقمي، رغم نبل مقصده، يحمل تكلفة بيئية حقيقية لا يُستهان بها.

70% من المستخدمين يتحلون باللباقة

في استطلاع رأي أجرته شركة Future PLC (المالكة لـTechRadar) في فبراير 2025، شمل أكثر من 1000 شخص حول آداب استخدام الذكاء الاصطناعي، وُجد أن حوالي 70% من المشاركين يُظهرون تهذّبًا عند التفاعل مع الذكاء الاصطناعي. من بين هؤلاء، أفاد 12% منهم بأنهم يتعاملون بلطف مع الذكاء الاصطناعي خوفًا مما أسموه  "ثورة الروبوتات". تدل هذه النسبة العالية إجمالًا على إدراك بشري فطري لأهمية السلوك الحسن، حتى مع كائنات غير بشرية، وهو ما يفتح بابًا للنقاش حول العلاقة النفسية والاجتماعية بين الإنسان والتكنولوجيا.

ورغم ما قيل عن التكلفة البيئية، يرى البعض أن التهذّب لا يزال مهمًا، وأن التوجيهات المهذبة والمنظّمة تؤدي في الغالب إلى استجابات أدق وأقل تحيزًا من الذكاء الاصطناعي. ينسجم ذلك مع ما ذكرته مذكرة داخلية من "Microsoft WorkLab" بأن لغة المستخدم المهذبة تدفع الروبوت إلى الرد بالمثل.

هل يمكن أن يتطور الذكاء الاصطناعي أخلاقيًا؟

من المثير التفكير في سيناريوهات مستقبلية يتم فيها تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على الاستجابة بشكل مختلف تبعًا لأسلوب المستخدم. ماذا لو أن  هناك نموذجًا يتجاوب بشكل أفضل مع المستخدم المهذب؟ ويقل اهتمامه أو دقته مع المستخدم العدواني أو المسيء! هل هذه خطوة نحو تكنولوجيا أخلاقية؟

يُمكن لهذا النوع من التدريب أن يشجّع على بيئة رقمية أكثر احترامًا، لا سيما في ظل ازدياد استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، والرعاية الصحية، وخدمة العملاء.

المجاملة تُرهق الكوكب بيئيًا!

لكن رغم الفوائد السلوكية، لا يمكن تجاهل الجانب البيئي؛ إذ أن استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي يستهلك طاقة كهربائية ضخمة، مصدرها في الغالب الوقود الأحفوري. ووسط أزمة المناخ العالمية، يجب أن نُعيد التفكير في كل ما يستهلك الطاقة، حتى وإن كان ببساطة عبارة "شكراً".

من هنا تبرز دعوات لجعل تقنيات الذكاء الاصطناعي أكثر استدامة، مثل الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الخوادم، واختصار الرسائل عند الإمكان دون التأثير على جودة التفاعل.

ما بين العقلانية والإنسانية

في النهاية، يظل سؤال: "هل يجب أن نكون مهذبين مع الذكاء الاصطناعي؟" بدون إجابة قاطعة. نعم، التهذّب يُحسن التفاعل ويعكس صورة أخلاقية راقية، لكنه أيضًا يُحمّلنا تكلفة بيئية ومالية باهظة. ربما يكمن الحل في تحقيق توازن ذكي: لا إفراط في المجاملة، ولا قسوة في التعامل.

ومع تطور الذكاء الاصطناعي، ربما نصل إلى نماذج تتفهم السياق دون أن تحتاج إلى خوارزميات أو عمليات حسابية معقدة، وفي الوقت نفسه تبقى إنسانيتنا محفوظة في كل تفاعل.. حتى مع الآلة.