أعلنت شركة Meta، عن عقد شراكة استراتيجية جديدة مع شركة Anduril Industries، وهي شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا الدفاعية أسسها رائد الأعمال بالمر لوكي.

يهدف هذا التعاون إلى تطوير أجهزة تعتمد على تقنيتي الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) لاستخدامها من قِبل الجيش الأمريكي، في خطوة تعكس توجهًا جديدًا لعمالقة التكنولوجيا نحو القطاع العسكري.

من الخلاف إلى التعاون: عودة لوكي إلى أحضان Meta

يحمل هذا الإعلان أبعادًا تتجاوز الجانب التقني، إذ يعيد ربط الخيوط بين بالمر لوكي، مؤسس شركة Oculus VR، وشركة Meta، التي استحوذت على Oculus عام 2014 مقابل 2 مليار دولار. لكن العلاقة بين الطرفين لم تكن دائمًا سلسة، فقد غادر لوكي الشركة بطريقة مثيرة للجدل في عام 2017، وألمح لاحقًا إلى أن تبرعه لمجموعة مؤيدة لدونالد ترامب قبل انتخابات 2016 قد لعب دورًا في إنهاء تعاونه مع الشركة.

ورغم هذا الماضي المتوتر، يعود لوكي اليوم من خلال شركته الجديدة Anduril للتعاون من جديد مع Meta، ولكن هذه المرة في مشروع يتجاوز الألعاب والترفيه، ويغوص عميقًا في تقنيات الدفاع والأمن القومي.

تطوير نظام EagleEye: قفزة تقنية في ميدان المعركة

تركّز الشراكة الجديدة على تطوير نظام يحمل اسم EagleEye، وهو عبارة عن منظومة ذكية مخصصة لتحسين قدرات الجنود في الميدان. يتضمن هذا النظام مجموعة من الحساسات المتقدمة التي تساعد الجنود على تحسين مستوى السمع والرؤية في ظروف القتال المعقدة.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فقد تقدّمت Meta وAnduril بعرض مشترك للفوز بعقد عسكري أمريكي تصل قيمته إلى 100 مليون دولار لتطوير هذه المنظومة. وعلى الرغم من أن نتيجة هذا العرض لم تُحسم بعد، إلا أن الشركتين أكدتا عزمهما على مواصلة المشروع، سواء فازتا بالعقد أم لا.

Meta توسّع حضورها في القطاع الحكومي والعسكري

يأتي هذا التعاون كجزء من تحرك أوسع لشركة Meta نحو دعم المؤسسات الحكومية والعسكرية بتقنياتها المتقدمة. فقد أعلنت الشركة في نوفمبر الماضي أنها ستتيح نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر من سلسلة LLaMA للوكالات الحكومية التي تعمل في مجالات الدفاع والأمن القومي، وكذلك للشركات المتعاونة معها.

وصرّح الرئيس التنفيذي لشركة Meta، مارك زوكربيرغ، قائلاً:

"لقد قضينا السنوات العشر الماضية في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز، ونحن فخورون بالشراكة مع Anduril لتقديم هذه الابتكارات إلى الجنود الذين يحمون مصالحنا في الداخل والخارج."

تقنيات مدنية بتكلفة أقل لأغراض عسكرية

تشير الشركتان إلى أن هذه الشراكة ستمكّن الجيش الأمريكي من الحصول على تقنيات عالية الأداء، طُوّرت أساسًا للاستخدام المدني، ولكن بتكلفة أقل بكثير من التقنيات العسكرية التقليدية.

وترى Meta وAnduril أن هذا الأسلوب الجديد في تطوير أنظمة الدفاع يمكن أن يوفّر مليارات الدولارات على الحكومة الأمريكية، مع الحفاظ على التفوق التكنولوجي في ميادين المعارك الحديثة.

سابقة مع مايكروسوفت وشراكة موازية مع OpenAI

لا يُعدّ هذا المشروع الأول من نوعه لشركة Anduril، فقد أعلنت في فبراير الماضي عن تعاون مع شركة مايكروسوفت لاستلام مسؤولية برنامج نظارات الواقع المعزز العسكرية التي كانت الشركة تطورها لصالح الجيش الأمريكي.

كما كشفت Anduril في ديسمبر عن شراكة مع OpenAI تهدف إلى تطوير مبادرات في الذكاء الاصطناعي مخصصة لمهام الأمن القومي. وتؤكد هذه التحركات أن Anduril لم تعد شركة ناشئة عادية، بل باتت لاعبًا أساسيًا في رسم ملامح الجيل القادم من التكنولوجيا العسكرية في الولايات المتحدة.

مستقبل الدفاع في يد التكنولوجيا التجارية

تُبرز هذه الشراكة توجهًا عالميًا جديدًا يتمثل في دمج التكنولوجيا التجارية في التطبيقات العسكرية، والاستفادة من سرعة الابتكار ورخص التكلفة مقارنة بالمشاريع العسكرية التقليدية. فمع تسارع وتيرة التطور التقني، لم يعد من الممكن الاعتماد فقط على الموردين التقليديين.

وبالرغم من أن إدماج هذه التقنيات في ساحات المعارك يُعدّ إنجازًا تقنيًا لافتًا، إلا أنه يفتح في المقابل بابًا واسعًا للتساؤلات الأخلاقية الحسّاسة. فحين تتحوّل أدوات مصممة في الأصل لأغراض مدنية وتعليمية أو ترفيهية إلى وسائل تُستخدم في النزاعات المسلحة، يصبح من الضروري التوقف عند الحدود الفاصلة بين الابتكار والمسؤولية.

وهنا يبرز تساؤلًا هامًا: هل يجوز استخدام هذه الابتكارات لخدمة الأهداف العسكرية؟ وهل ستُستخدم هذه الأنظمة بطريقة تحفظ حياة البشر أم أنها قد تُفاقم من حجم الخسائر البشرية؟ لا تمس هذه الأسئلة فقط حدود الأخلاقيات، بل تلامس جوهر العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا في زمن أصبحت فيه الآلة أكثر حضورًا من الضمير.

ويبقى السؤال الأهم: هل تكون هذه الخطوة بداية لتحالفات أكبر بين شركات التكنولوجيا العملاقة والمؤسسات العسكرية؟ أم أنها مجرّد تجربة قد تُعيد تعريف العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والأمن العالمي؟ الأيام القادمة وحدها ستحمل إجابة هذه التساؤلات.