تيك توك تتوصل إلى اتفاق مع مستثمرين لإدارة أعمالها في الولايات المتحدة
- توصلت تيك توك لاتفاق مع مستثمرين لتأسيس مشروع مشترك لإدارة أعمالها داخل الولايات المتحدة.
- ضمت الصفقة أوراكل وسيلفر ليك وإم جي إكس وسط ضغوط سياسية وقانونية.
- سعت أمريكا لإعادة هيكلة المنصة بعد تصاعد مخاوف التأثير الاجتماعي والسياسي.
- أبرزت الصفقة جدلًا حول حرية الرأي وازدواجية المعايير الأمريكية.
أبلغت شركة تيك توك موظفيها بتوصلها إلى اتفاق مع مجموعة من المستثمرين لتأسيس مشروع مشترك يدير أعمال التطبيق داخل الولايات المتحدة، وفقًا لما نشرته منصة بيزنس إنسايدر. وجاء هذا التطور بعد مسار طويل من الضغوط القانونية والسياسية التي واجهتها الشركة خلال العامين الماضيين، في ظل مطالب أمريكية متصاعدة بفصل عملياتها المحلية عن الشركة الأم الصينية بايت دانس.
تفاصيل صفقة تيك توك مع المستثمرين
أكدت المذكرة الداخلية أن مجموعة المستثمرين المشاركين في الصفقة ضمت شركة أوراكل، وشركة سيلفر ليك المتخصصة في الاستثمار الخاص، إضافة إلى شركة إم جي إكس، وهي شركة استثمارية تتخذ من أبو ظبي مقرًا لها. وأوضحت أن الصفقة من المتوقع إتمامها خلال شهر يناير المقبل، وهو ما يمنح تيك توك مساحة زمنية محدودة لترتيب انتقالها إلى هيكل تشغيلي جديد داخل السوق الأمريكي.
جاء هذا الاتفاق بعد أكثر من عام على إقرار الكونجرس الأمريكي قانونًا ألزم شركة بايت دانس ببيع عمليات تيك توك في الولايات المتحدة أو مواجهة حظر شامل للتطبيق. وصنفت السلطات الأمريكية تيك توك حينها على أنها شركة خاضعة لسيطرة جهة أجنبية معادية، وهو توصيف أثار جدلًا واسعًا حول حرية التعبير والحدود الفاصلة بين التنظيم والحظر.
أفادت المذكرة الصادرة عن المدير التنفيذي لشركة تيك توك شو تشيو أن المشروع المشترك الجديد سيعمل بشكل مستقل في ملفات حساسة مثل حماية بيانات المستخدمين الأمريكيين، وتدريب خوارزميات توصية المحتوى داخل الولايات المتحدة. وأشارت في الوقت ذاته إلى استمرار ارتباط هذا الكيان الجديد بالبنية العالمية لمنتج تيك توك وخطوط أعماله الدولية، مثل التجارة الإلكترونية والإعلانات الرقمية.
جسدت هذه الخطوة ذروة معركة طويلة خاضتها تيك توك من أجل البقاء في السوق الأمريكي. وشهد شهر يناير الماضي توقف التطبيق مؤقتًا داخل الولايات المتحدة، التزامًا بالقانون الذي فرض خيار البيع أو الحظر، وهو ما شكل سابقة غير مألوفة لتطبيق اجتماعي يضم عشرات الملايين من المستخدمين داخل البلاد.
محاولة بايت دانس الاحتفاظ بتيك توك
سعت تيك توك وشركتها الأم بايت دانس إلى الطعن في القانون عبر المسار القضائي، وركزت حججها على أن التشريع المعروف باسم قانون حماية الأمريكيين من التطبيقات الخاضعة لسيطرة خصوم أجانب ينتهك التعديل الأول من الدستور الأمريكي المتعلق بحرية التعبير. وقد بتَّت المحكمة العليا الأمريكية في القضية، وأقرت دستورية القانون، وهو ما أغلق الباب أمام أي مسار قانوني بديل أمام الشركة.
دخلت تيك توك بعد هذا الحكم في سباق مع الزمن لإيجاد مشترِ أمريكي يلبي متطلبات الإدارة والكونجرس معًا. وبقي مستقبل التطبيق معلقًا لعدة أشهر، في ظل تمديد متكرر للمُهل الزمنية من قبل البيت الأبيض، ومحاولات مكثفة من مسؤولي الإدارة لصياغة صفقة تحقق التوازن بين الاعتبارات الأمنية والمصالح الاقتصادية.
شهد شهر سبتمبر الماضي توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا وافق بموجبه على بيع عمليات تيك توك في الولايات المتحدة مقابل نحو 14 مليار دولار. وأشار ترامب آنذاك إلى مشاركة أوراكل ورئيسها التنفيذي لاري إليسون في الصفقة، مع تلميحات إلى احتمال انضمام شخصيات بارزة أخرى مثل مايكل ديل وروبرت مردوخ.
أوضح نائب الرئيس جي دي فانس في تصريحات لاحقة أن مجموعة المستثمرين ستضم أربعة أو خمسة مستثمرين من الطراز العالمي، في إشارة إلى الرغبة في تشكيل تحالف استثماري قادر على إدارة واحدة من أكثر المنصات الرقمية تأثيرًا داخل المجتمع الأمريكي.
امتنع ممثلو تيك توك عن التعليق رسميًا على الصفقة عند طلب ذلك، كما لم يصدر البيت الأبيض بيانًا تفصيليًا جديدًا بشأن الخطوات التالية. ومع ذلك، عكس مضمون المذكرة الداخلية توجهًا واضحًا نحو طي صفحة من الصراع السياسي والقانوني، وفتح مرحلة جديدة تركز على الاستقرار التشغيلي واستعادة ثقة المستخدمين والمعلنين داخل السوق الأمريكي.

سبب اهتمام واشنطن بالاستحواذ على المنصة
رأي شخصي: تعكس هذه الصفقة في رأيي حقيقة أعمق من الخلاف القانوني أو التجاري، فقد كشفت عن خوف أمريكي متراكم من التأثير الحقيقي الذي صنعته منصة تيك توك داخل المجتمع الأمريكي. برز اهتمام دونالد ترامب والمؤسسات الأمريكية بالاستيلاء على المنصة نتيجة تحولها إلى مساحة مؤثرة في تشكيل الوعي العام، خصوصًا بين الأجيال الشابة، إلى جانب كونها منصة صينية خرجت عن السيطرة التقليدية للهيمنة التكنولوجية الأمريكية.
سمحت طبيعة تيك توك المفتوحة بتداول محتوى سياسي وإنساني واسع النطاق، وبرز ضمنه محتوى داعم لنضال الشعب الفلسطيني وموثق لمعاناته اليومية، الأمر الذي أضعف الخطاب الإعلامي الأمريكي الذي سعى لسنوات إلى تسويق بروباجاندا معينة داخل المجتمع.
وقد كشفت هوية المستثمرين الجدد مفارقة واضحة، حيث ظهر المستثمر «اليهودي المنشأ» لاري إليسون إلى جانب شركة استثمارية إماراتية في صفقة تهدف إلى تغيير توجه المنصة، وهو ما أبرز تناقضًا صارخًا في الخطاب الأمريكي حول حرية الرأي.
فالإدارات الأمريكية تدعم حرية التعبير طالما انسجمت مع توجهاتها السياسية، بينما تسعى إلى محاصرة تلك الحرية إذا حاولت كسر احتكار السردية السائدة وفتحت المجال لأصوات مغايرة. وتجسد قضية تيك توك بذلك نموذجًا واضحًا لازدواجية المعايير، حين تتحول حرية الرأي من قيمة ومبدأ إلى أداة مشروطة تخضع لموازين القوة والمصلحة.