لنفترض أنك تريد إنشاء محتوى فيديو احترافي - سواء كان بودكاست مرئي مثل «جو روغان»، أو بث مباشر على يوتيوب وتويتش، أو حتى مقابلات وحلقات نقاشية. لتنفذ ذلك ستحتاج إلى شراء معدات متعددة ومكلفة مثل جهاز تبديل الفيديو (Video Switcher)، واجهة صوتية (Audio Interface)، معالجات صوتية، جهاز بث وتسجيل وبالطبع حاسوب بعتاد قوي.

هذا يعني إعدادات معقدة، وأخطاء متكررة. نهيك أن التكلفة الإجمالية قد تتجاوز بسهولة ألفي دولار. هذا بالطبع دون احتساب الوقت المهدر والإنهيار الذي قد تتعرض له نتيجة التعامل مع معدات متعددة.

لكن ماذا لو قلت أن هناك جهاز جهاز واحد بحجم لابتوب صغير يجمع كل هذه المعدات والوظائف، ويعمل بشكل مستقل دون الحاجة لكمبيوتر، وبسعر 499 دولار فقط؟!

هذا الجهاز هو "RØDECaster Video S" من تصنيع شركة "RØDE" الأسترالية. هذا الجهاز هو النُسخة المُصغّرة من النسخة الأكبر "RØDECaster Video"، الذي تم إطلاقه في عام 2024 بسعر 1,199 دولار وأحدث ضجة في عالم الإنتاج المرئي. والآن تقدم نسخة أصغر وأرخص موجهة لصناع المحتوى الأفراد ومنشئي البودكاست المرئي.

التصميم

أول ما يلفت انتباهك عند رؤية RØDECaster Video S هو حجمه الصغير. فهو أصغر بحوالي 20-25% من شقيقه الأكبر، ما يعني أنه سيتسع بسهولة على أي مكتب دون أن يأخذ مساحة كبيرة. يمكنك وضعه أمامك مباشرة والتحكم فيه بيد واحدة أثناء تقديم المحتوى.

الهيكل مصنوع من البلاستيك المتين بدلاً من المعدن الكامل في النموذج الأكبر. قد يبدو هذا تنازلًا على الورق، لكن في الواقع البلاستيك المستخدم صلب للغاية ولا يعطي أي إحساس بالرخص. الوزن الأخف يجعل نقل الجهاز من مكان لآخر أسهل بكثير - يمكنك وضعه في حقيبة لابتوب عادية والتنقل به.

اللون أسود مطفي بالكامل مع لمسات حمراء مميزة لشعار RØDE - التصميم الذي أصبح علامة مميزة للشركة. جميع الأزرار مضاءة بإضاءة RGB قابلة للتخصيص، مما يجعل معرفة حالة كل شيء سهلة للغاية حتى في الإضاءة المنخفضة. الزر الأحمر يعني "على الهواء" أو "نشط"، والأزرار الخضراء تعني "جاهز"، وهكذا.

اللوحة الأمامية

اللوحة الأمامية منظمة بذكاء، حيث نجد أربعة أزرار مضيئة كبيرة، كل واحد يمثل مصدر فيديو (كاميرا 1، كاميرا 2، كاميرا 3، أو كمبيوتر). تضغط على الزر وتبدل فورًا لذلك المصدر.

ثم خمسة أزرار أخرى تسمى "المشاهد" (Scenes).

كل مشهد عبارة عن إعداد كامل جاهز - مثلاً "المشهد 1" قد يكون مقدمة البرنامج مع فيديو ترحيبي وموسيقى، "المشهد 2" كاميرا واحدة كاملة الشاشة عليك، "المشهد 3" كاميرتان جنبًا إلى جنب (أنت والضيف) إلخ... كل هذا محفوظ مسبقًا، وبضغطة زر واحدة ينتقل الجهاز للمشهد الكامل.

يوجد أيضًا تسعة أشرطة منزلقة (Faders) قابلة للتخصيص كل واحد يتحكم في مستوى صوت مصدر معين. ترفع الشريط لزيادة الصوت، تنزله لتخفيضه، أو تضغط الزر فوقه لكتم الصوت تمامًا (Mute). وأخيرًا شاشة لمس صغيرة 2 إنش محاطة بمشفر دوار (عجلة تدور) للتنقل بين القوائم بسرعة.

قررت RØDE دمج الهوائيات اللاسلكية داخل الهيكل بدلاً من الهوائيات الخارجية البارزة الموجودة في النسخة الأكبر. هذا يعطي الجهاز مظهرًا أنظف ويحميها من الكسر أثناء النقل. اختبرت المدى اللاسلكي ووجدته أكثر من كافٍ للاستخدام العادي - وصل الاتصال حتى 20 مترًا تقريبًا مع جدار واحد بين الجهاز والراوتر.

المنافذ الخلفية

  • 3 مداخل HDMI: لتوصيل حتى ثلاث كاميرات أو أجهزة، يمكنك أيضًا توصيل كمبيوتر أو تابلت لعرض شاشته.
  • مخرج HDMI واحد: لتوصيل شاشة تعرض البث النهائي أو معاينة لكل الكاميرات في نفس الوقت (Multiview).
  • مدخلين XLR/TRS: لتوصيل ميكروفونات احترافية. XLR هو المدخل القياسي للميكروفونات الاحترافية - الميكروفون الذي تراه في الاستوديوهات والمسارح.
  • منفذ USB-C: لتوصيل كاميرات ويب USB أو ميكروفونات USB.
  • منفذ Ethernet: لتوصيله مع NDI من أي Switcher آخر، كتلك التي يكون مُوصّل فيها كاميرات NDI ككاميرات الـ PTZ على سبيل المثال.
  • مخرجين لسماعات الرأس: واحد بمقاس 3.5mm (السماعات العادية) وآخر بمقاس 6.35mm (سماعات الاستوديو الاحترافية).
  • منفذ USB للتسجيل: لتوصيل فلاش ميموري أو قرص صلب خارجي لحفظ التسجيلات.

يوجد تنازل واضح مقارنة بالنسخة الأكبر حيث ثلاثة مداخل HDMI بدلاً من أربعة، ومخرج HDMI واحد بدلاً من اثنين. لكن بصراحة، لمعظم صناع المحتوى الأفراد، ثلاث كاميرات أكثر من كافية - كاميرا رئيسية عليك، كاميرا على الضيف، وكاميرا واسعة أو عرض شاشة الكمبيوتر.

الشاشة

شاشة اللمس 2 إنش قد تبدو صغيرة جدًا، لكنها تؤدي وظيفتها الأساسية بشكل ممتاز، وهو التحكم في إعدادات الجهاز والتنقل في القوائم - ولهذا الغرض، حجمها كافٍ تمامًا.

الشاشة عالية الدقة ومشرقة، يمكنك رؤيتها بوضوح حتى في الإضاءة القوية. اللمس سريع الاستجابة ولا يتأخر. RØDE صممت الواجهة بأيقونات كبيرة واضحة وقوائم بسيطة - حتى لو كانت هذه أول مرة تستخدم فيها جهازًا من هذا النوع، ستفهم كيف تستخدمه في دقائق معدودة.

المشفر الدوار حول الشاشة يسهل التنقل كثيرًا. بدلاً من الضغط على الشاشة عشرين مرة لتغيير قيمة معينة، تدير العجلة وتنتهي بسرعة. هذا التصميم يقلل الإجهاد ويجعل العمل أسرع.

الأداء

داخل هذا الجهاز الصغير يوجد معالج ثماني الأنوية - نفس المعالج المستخدم في النموذج الأكبر الذي يكلف ضعف السعر. هذا يعني أنك تحصل على نفس القوة المعالجة بالضبط دون أي تنازلات. المعالج قوي بما يكفي للقيام بعدة مهام في نفس الوقت مثل خلط الفيديو، معالجة الصوت أو الترميز.

كل هذا يحدث في نفس اللحظة دون أي تأخير أو تقطيع. خلال أسبوع الاختبار، استخدمت الجهاز في جلسات بث طويلة (حتى 3 ساعات متواصلة) ولم يتلعثم أو يتوقف ولو لثانية واحدة. الجهاز يصبح دافئًا بعد فترة طويلة من الاستخدام، لكن ليس حارًا بشكل مقلق.

جدير بالذكر أن الجهاز صامت تمامًا. يعتمد على التبريد السلبي بدون مراوح، مما يعني لن تسمع أي أصوات ضوضاء تفسد تسجيلاتك الصوتية.

ميزات متقدمة

واحدة من أذكى المزايا هي "Inspect" (المعاينة). لنفترض أنك على الهواء مباشرة وتريد التأكد من شكل المشهد التالي قبل التبديل إليه. تضغط بشكل مطول على زر المشهد، ويفتح وضع معاينة خاص حيث تستطيع رؤية المشهد وتعديله دون أن يظهر للمشاهدين. عندما تتأكد أن كل شيء صحيح، تضغط ضغطة عادية وتنتقل للمشهد.

هذه الميزة توفر عليك الكثير من الأخطاء المحرجة - لن تبدل عن طريق الخطأ لكاميرا مغلقة أو مشهد غير جاهز أمام آلاف المشاهدين.

كذلك يوجد ميزة "التبديل التلقائي" (Auto Switching). لنفترض أنك تجري مقابلة مع ضيف ولديك كاميرتان - واحدة عليك والأخرى على الضيف. في الوضع العادي، ستحتاج لشخص ثالث يراقب من يتكلم ويضغط الأزرار للتبديل بين الكاميرات.

هذه الميزة تحول الإنتاج من مستحيل (تحتاج فريق) إلى سهل (تستطيع العمل بمفردك). لم تعد مضطرًا لاستئجار مخرج أو مشغل كاميرات - الجهاز يقوم بالعمل نيابة عنك.

نظام الصوت

هنا تتألق RØDE حقًا. الشركة متخصصة في معدات الصوت منذ أكثر من 50 عامًا، ومنتجاتها تُستخدم في استوديوهات هوليوود وبرامج تلفزيونية كبرى. هذه الخبرة واضحة جدًا في RØDECaster Video S.

المدخلان الصوتيان XLR مزودان بما تسميه "RØDE Revolution Preamps" - مكبرات صوت احترافية من نفس النوع المستخدم في معدات الاستوديوهات المحترفة. وظيفة المكبر هي تضخيم الإشارة الضعيفة القادمة من الميكروفون إلى مستوى مناسب للتسجيل والبث.

المشكلة في المكبرات الرخيصة أنها تضيف "ضوضاء" (هسهسة أو طنين) للصوت عند رفع المستوى. مكبرات Revolution نظيفة للغاية - حتى عند رفع المكسب لأعلى مستوى، لا تسمع أي ضوضاء إضافية، فقط صوتك واضحًا ونقيًا.

ميكروفون "Shure SM7B" الأكثر شهرة في عالم البودكاست (جو روغان يستخدمه). معروف بأنه يحتاج تضخيم قوي، وأغلب الواجهات الرخيصة تفشل في تشغيله بشكل صحيح. مع RØDECaster Video S، الصوت كان مثاليًا - نظيف، واضح، دافئ، وبدون أي ضوضاء خلفية.

هذا مستوى جودة تتوقعه من واجهة صوتية متخصصة بثلاثمئة دولار، وليس من جهاز بخمسمئة دولار يفعل كل شيء آخر أيضًا.

معالجات APHEX

لماذا يبدو صوتك في البودكاست المنزلي "عاديًا"، بينما صوت المذيعين المحترفين يبدو "دافئًا" و"واضحًا" و"قويًا"؟ السر ليس في الميكروفون فقط - بل في المعالجة الصوتية.

كل قناة صوت في RØDECaster Video S تحتوي على مجموعة كاملة من معالجات APHEX - وهي تقنيات معالجة أسطورية تُستخدم في استوديوهات التسجيل الكبرى منذ عقود. هذه المعالجات تتضمن EQ (المعادل) و Compressor (الضاغط) و Noise Gate (بوابة الضوضاء) و De-esser و Aural Exciter و Big Bottom

كل هذه المعالجات تعمل تلقائيًا في الوقت الفعلي. الفرق بين تشغيلها وإيقافها واضح جدًا - صوتك ينتقل من "تسجيل منزلي" إلى "استوديو راديو احترافي" بضغطة زر واحدة.

نظام الفيديو

ثلاثة مداخل HDMI تسمح لك بتوصيل حتى ثلاث كاميرات أو أجهزة مختلفة. المداخل تدعم دقة Full HD (1080p) حتى 60 إطار في الثانية - وهي الدقة القياسية لمعظم محتوى اليوتيوب والبث المباشر (4K ليست مدعومة، لكن بصراحة معظم المشاهدين لن يلاحظوا الفرق).

إذا كانت كاميرا تعمل بـ 30 إطار في الثانية وأخرى بـ 60 إطار، الجهاز يوحّدهما تلقائيًا. لن تحتاج لضبط أي إعدادات معقدة - فقط وصّل الكاميرات واضغط الأزرار للتبديل بينها.

إذا كان لديك كاميرات احترافية تدعم تقنية NDI (أو كمبيوتر على نفس الشبكة)، يمكنك توصيلها لاسلكيًا عبر Wi-Fi أو Ethernet. NDI تقنية نقل فيديو عالية الجودة عبر الشبكة - بدلاً من كابلات HDMI في كل مكان، الكاميرات ترسل الفيديو عبر الشبكة.

نظام المشاهد المبرمجة

خمسة أزرار مشاهد قابلة للبرمجة بالكامل. كل مشهد يمكن أن يحتوي على طبقات فيديو متعددة، Chroma Key لإزالة الخلفية الخضراء، رسومات وشعارات، انتقالات مخصصة، وإعدادات صوتية محددة مسبقًا.

المشهد الأول قد يكون "مقدمة" مع فيديو intro وموسيقى خلفية، والثاني "كاميرا واحدة كاملة الشاشة"، والثالث "صورتان جنباً إلى جنب"، والرابع "عرض شاشة اللابتوب" مع صورتك في الزاوية. كل هذا محفوظ مسبقًا ويُطلق بضغطة زر واحدة.

ميزة Chroma Keying مدمجة ولا تحتاج أي إعدادات معقدة. اختر المصدر، فعّل Chroma Key، اضبط الحساسية إذا احتجت، وانتهيت. الجهاز ذكي بما يكفي لاكتشاف اللون الأخضر وإزالته تلقائياً، والنتيجة كانت نظيفة جدًا مع حواف طبيعية في اختباراتي.

كيف يقارن بالمنافسين

ATEM Mini Pro من Blackmagic يكلف 295 دولار فقط، ولكنه جهاز فيديو بحت بدون أي مداخل صوت احترافية. لتحصل على صوت بجودة مقبولة ستحتاج لشراء واجهة صوتية منفصلة بثلاثمئة دولار على الأقل، وهنا تصل للسعر نفسه تقريبًا مع فارق أنك ستتعامل مع جهازين منفصلين ومزيد من الكابلات.

YoloBox Ultra يكلف 1,299 دولار ويأتي بشاشة كبيرة مدمجة وبطارية، مما يجعله مثاليًا للبث الميداني من الشارع والفعاليات. لكن الصوت فيه أضعف بكثير من RØDECaster، والسعر أعلى بثمانمئة دولار. للاستخدام الاستوديوهي أو من المكتب، RØDECaster Video S خيار أفضل وأرخص.

البرمجيات مثل vMix أو OBS مجانية أو رخيصة، لكنها تحتاج كمبيوتر قوي بألف دولار على الأقل، بالإضافة لواجهة صوتية وواجهة فيديو ووقت طويل للإعداد والتعلم. بحساب التكلفة الكاملة والوقت المهدر، RØDECaster Video S يصبح خيارًا أكثر منطقية لمن يريد الجاهزية الفورية.

الخلاصة: استوديو كامل بخمسمئة دولار

رغم اعتباره نسخة "أرخص" من شقيقه الأكبر، RØDECaster Video S مصمم بذكاء لفئة محددة من المستخدمين وينجح بتفوق.

معظم صناع المحتوى الأفراد لا يحتاجون أربع كاميرات وسبعة مشاهد وتخزين غير محدود. ما يحتاجونه فعلًا هو صوت ممتاز، فيديو احترافي، سهولة استخدام، وسعر معقول - وهذا بالضبط ما يقدمه الجهاز.

بسعر 499 دولار، تحصل على ما يعادل ألفي دولار من المعدات: خلاط فيديو احترافي، واجهة صوتية بـ Revolution Preamps، معالجات APHEX التي تكلف مئات الدولارات منفردة، مستقبلين لاسلكيين، encoder للبث، وrecorder احترافي. كل هذا في جهاز واحد مضغوط لا يصدر أي ضوضاء ويعمل بدون كمبيوتر.