مُنذ الصغر وأنا شخص يعشق الألعاب الإلكترونية بكل تفاصيلها وأنواعها، وكنت دائماً شغوفاً بالحاسب الشخصي وأراه جهاز به الكثير من الأسرار التي لا أفهمها بحكم سني الصغير، وحتى عندما قمت بشراء أول منصة منزلية لم أشعر تجاهها بنفس الشغف والإعجاب الموجودة لدى تجاه الحاسب الشخصي.

معلومة أخرى شخصية قد يعرفها من يتابعني باستمرار وهو أنني قاربت على الثلاثين عاماً، وهذا الأمر على الرغم من أنه يؤرقني ولكن له جانب مضئ قليلاً وهو أنني اختبرت معظم عناوين صناعة الألعاب وأهمها ومررت بالتقلبات الخاصة بها وقمت بتجربة كل الأنواع السائدة تقريباً.

في بداية دراستي الجامعية بدأت تظهر ألعاب جديدة تماماً تعتمد على الإنترنت بشكل كامل، ألعاب جماعية تمكنك من اللعب مع الملايين من حول العالم، بعد أن كانت الألعاب الجماعية مقتصرة فقط على ألعاب الشبكة المحلية التي نلعبها مع الأصدقاء في أي مقهى إنترنت أو كما نطلق عليه في مصر الحبيبة "سايبر".

في هذه الفترة بدأت أتعرف على لعبة League of Legends، كنت سبق ولعبت البعض من Dota وهي مجرد طور داخل لعبة Warcraft ولكن League of Legends كانت هي أول لعبة حقيقية ألعبها باستمرار عبر شبكة الإنترنت بجانب سيلك رود، وهي أول لعبة جعلتني أقرر أن أقوم بتحسين جودة اتصال الإنترنت المنزلي لكي أحظى بتجربة أكثر متعة.

في هذه الفترة كنت من المعدودين جداً الذين يعرفون اللعبة أصلاً، خصوصاً وأن هذه الفترة انتشرت ألعاب الـ MMORPG مثل كونكر وسيلك رود أكثر وكانت هي الأهم في مقاهي الإنترنت، أما ألعاب الـ MOBA فكان يلعبها قلة قليلة جداً.

رياضات إلكترونية

وفي هذا الوقت كنا نلعب لأجل اللعب فقط، بل يمكن أن نقول أن اللعب في هذا الوقت كان عبارة عن إضاعة للوقت في نظر الأهل والمجتمع بل وفي نظري حتى لأكون صريح، فلم أكن أعلم أن الألعاب الإلكترونية قد تشكل مستقبل وظيفي في يوم من الأيام ولم أكن أتخيل أنه يوجد أصلاً من يعمل في مجال الألعاب.

الآن أصبحت أعمل في مجال الألعاب بشكل كامل ومتفرغ له، وبحكم عملي بدأت أرى تغير نظرة المجتمع بشكل كبير جداً تجاه هذا المجال، حالياً عندما أقول لشخص ما أنني مراجع ألعاب أو محرر مختص في مجال الألعاب أصبحت أجد من يشعر أن وظيفتي هي الأفضل وحتى من لم يفهم الوظيفة بشكل دقيق لا يقلل من أهميتها على الإطلاق.

هذا التغير الكبير في نظرة المجتمع جعلني أفكر بشكل عميق جداً في التطور الكبير الذي حدث في مجال الألعاب وكيف أثر هذا الأمر بالتحديد على مجتمع الرياضات الإلكترونية.

الرياضات الإلكترونية أصبحت الآن في وضع أخر تماماً بالمقارنة مع الخمس سنوات الماضية، بالفعل المنطقة لم تصل بعد إلى الهدف المنشود ولكن بكل تأكيد حدث تطور ضخم جداً، واليوم سنتحدث بنظرة تحليلية قليلاً عن الأسباب التي أدت إلى هذا التطور الملحوظ في مجال الرياضات الإلكترونية بالتحديد.

الوظائف الرقمية أصبحت واقع لا يمكن إنكاره.

رياضات إلكترونية

في الحقيقة الفضل كله يعود لمواقع التواصل الاجتماعي، إذا تحدثنا عن الأمر من البداية سنجد أن نقطة الانطلاق كانت عند مواقع التواصل الاجتماعي.

لفترة قريبة كان يرى الأهل والمجتمع أن الكمبيوتر ضياع للوقت في المقام الأول، خصوصاً وأن الأهل يعلمون أن الأبناء يستخدمون الحاسب في وسائل ترفيهية أكثر، ولكن جاءت وسائل التواصل الاجتماعي وتمكنت هذه الوسائل من جذب الأهالي وكل فئات المجتمع للتقنية بشكل عام.

بعد ذلك بدأ الناس يستخدمون هذه المواقع في أعمالهم اليومية وبالتحديد في الدعايا والإعلان والترويج للمنتجات، وهنا بدأت تظهر وظائف معتمدة اعتماد كلي على الإنترنت وبدأت وظيفة صانع المحتوى تظهر بشكل كبير وتنتشر في مختلف المجالات.

حتى المشاكل المجتمعية التي تظهر مرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي تكون دائماً مربوطة بأرباح كبيرة، فمثلاً نجد من كان لا يملك المال وأصبح الآن يمتلك سيارة فارهة ومنزل عن طريق الإنترنت.

هذه الأمثلة حتى وإن كانت استثناء ولكنها ساعدت على ترويج الفكرة في المجتمع، وأصبح الجميع يعلم أن الإنترنت قد يكون مصدر دخل ممتاز حتى وإن كان لا يعرف الطريقة.

بسبب هذا التغير أصبح من المنطقي جداً أن نجد أب يدعم أبنه في مجال الألعاب أو صناعة المحتوى، بل بدأنا نرى أباء كبار في السن يقدمون محتوى على الإنترنت، وأتحدث هنا عن محتوى من كل الفئات العمرية ومن كل التصنيفات: تقنية، ألعاب، ترفيهي وحرفياً كل المجالات تقريباً.

شركات الألعاب بدأت تهتم بالمنطقة العربية.

 

جدول الموسم الثاني اليوم الأخير للأسبوع الثالثكأس العربكأس العرب

منطقتنا العربية لها وضع خاص طوال الوقت، جزء كبير منها يعاني من أزمات اقتصادية وبالتالي يلجأ إلى الألعاب المقرصنة بشكل كبير، والجزء الذي يشتري الألعاب دائماً يمتلك حسابات أجنبية للشراء.

لهذه الأسباب فإن منطقتنا كانت منطقة عمياء تماماً لشركات الألعاب وسوق غير مستهدف ولا تعلم عنه الشركات أي شيء، ولكن مع ظهور ألعاب الأونلاين بشكل كبير بدأ اللاعبون العرب في استخدام هذه الألعاب بشكل كبير، وبدأت تحدث عمليات شراء ضخمة على هذه الألعاب.

الأمر ازداد جداً مع تحسن خدمة الإنترنت في كثير من البلاد العربية وبدأ اللاعبون يتركون برامج الـ VPN وبالتالي بدأت منطقتنا تظهر على خوادم شركات الألعاب.

هذا الرواج الكبير جعل شركات الألعاب تنتبه إلى المنطقة وأصبحنا نرى دعم كبير للوطن العربي، فأصبحنا نرى ترجمة باللغة العربية، ألعاب مدبلجة وحتى خوادم مخصصة لمنطقة الشرق الأوسط.

أما بالنسبة للرياضة الإلكترونية فلدينا الآن عدد كبير من البطولات الهامة في ألعاب مختلفة مثل بطولة كأس العرب، كأس الريفت وبطولك سترايك أرابيا، وفي الحقيقة سنجد أن شركة Riot Games واحدة من أكثر الشركات التي تدعم المنطقة إلى جانب لعبة PUBG وFortnite.

لدينا الآن العديد من البطولات وكل بطولة تحتوي على مبالغ مالية وجوائز ضخمة، والبطولات أصلاً تحاول تغطية كل الفئات بداية من بطولات المحترفين ووصولاً إلى بطولات المجتمع والهواة، بل ورأينا حتى بطولة Miss Esports المخصصة لفتيات المجتمع العربي فقط.

اهتمام كبير من المنظمات الحكومية.

رياضات إلكترونية

أحد أفضل الأشياء التي حدثت في مجتمعنا خلال الأعوام القليلة الماضية هو اهتمام المؤسسات الحكومية بفكرة الألعاب الإلكترونية والرياضات الإلكترونية خصوصاً، فحالياً يوجد اتحاد رسمي للألعاب والرياضات الإلكترونية في معظم البلاد العربية.

في جمهورية مصر العربية نرى وزارة الشباب والرياضة تنفق ميزانيات ضخمة جداً لدعم الرياضات الإلكترونية وإعداد الفرق المحترفة إلى جانب الدعم المعنوي الكبير جداً فقد رأينا معالي وزير الشباب والرياضة المصري في أكثر من موقف وهو يكرم اللاعبين أو يُعلن عن بطولة جديدة، وهو الأمر الذي انعكس بشكل كبير على بطولة مثل كأس العرب.

مرحلة دوري أبطال كأس العرب تضم حالياً ثلاث فرق من أصل ثمانية وهو رقم كبير جاً خصوصاً مع وجود فريقين بين المراكز الأربعة الأولى.

هذه الأرقام والنتائج تعكس حجم التطور الذي حدث في مشهد الرياضات الإلكترونية خلال العامين السابقين، وتبشر بمستقبل ممتاز لهذه الرياضة والصناعة الممتازة.

الخلاصة.

الرياضات الإلكترونية واحدة من أكثر المجالات التي يمكن أن ننافس فيها باقي دول ومناطق العالم، لأن هذا المجال هو جديد نسبياً في كل بقاع العالم ونحن دخلنا في وقت مناسب، لسنا في البداية ولكن أيضاً لسنا متأخرون جداً.

أعتقد أن المجتمع العربي سيزداد في النمو عاماً بعد عام بفضل الكثير من العوامل مثل اهتمام المؤسسات الحكومية، تغيير نظرة المجتمع وبالطبع نحن المحررون وصناع المحتوى الجنود المجهولون الذين يحملون هذه الصناعة على أكتافهم حرفياً.