في مشهدٍ ساخر، عُرِض في فيلم فارس الظلام في عام 2008، كان يجلس بروس وين على الطاولة مع هارفي دينت ومجموعة من الأصدقاء، ومع زيادة العدد، قال بروس وين "دعونا نضع بعض الطاولات جنبًا إلى جنب"، لتُجيبه الشقراء الروسية الجالسة بجواره بأن المكان لن يسمح لهم بهذا، فما كان رد بروس وين عليها سوى أنه يمتلك هذا المكان.

مشهدٌ قصير، لا يزيد عن ثوان، استطاع به المُخرِج كريستوفر نولان أن يُوضِّح لنا ماهية شخصية بروس وين، ذلك الفتى الذهبي في مدينة جوثام، أغنى أغنيائها، والذي لا يسمح لأي شيء بمنعه عما يُريد، ما دام ذلك يُمكن أن يُحل بواسطة المال.

كان ذلك جليًا في ديسمبر من عام 2016، عندما نشر إيلون ماسك تغريدة يشكو فيها من الإزدحام المروري، وأعلن فيها أنه سيقوم ببناء ماكينة حفر أنفاق تحت الأرض وسيبدأ في الحفر في الحال.

المال، ذلك الشيء الذي يُحرِّك العالم، ومن يملكه، يستطيع أن يفعل الكثير، يستطيع حتى أن يُغيِّر من آراء الناس فيه، مثلًا، بامتلاكه المنصة التي تُعد واحدة -إن لم تكن أهم منصة لمشاركة الآراء في العالم، تويتر.

[quote الشيء الوحيد الذي يعجبني في الأغنياء هو مالهم. نانسي آستور.]

أخيرًا; تمت عملية الاستحواذ، عملية جاءت في المركز الثالث من حيث ضخامة الصفقة كأكبر الصفقات التقنية على مر التاريخ خلف صفقتي استحواذ Dell على EMP وميكروسوفت على شركة Blizzard، ولكنها تظل الأكبر في مجال التواصل الاجتماعي.

لم تكن عملية الاستحواذ هذه سهلة، كما لم تتم بين ليلةٍ وضُحاها مِثلها مثل الصفقات الأُخرى التي تفاجئنا بخبر إعلانها فقط مع بعض الشائعات في البداية، فهذه الصفقة استمر الجدل فيها لشهورٍ عِدة، حتى أنها وصلت إلى المحاكم الأمريكية، لك أن تتخيل عزيزي القارئ أن تذهب لشراء شيءٍ ما، فترفع قضية على أصحابه تدّعي فيها عدم صِدقهم في توفير البيانات عن المُنتج الذي ستشتريه، لما ليس ببساطة لا تشتريه؟ 🤔 لأنك إيلون ماسك، الأول من اسمه، رئيس TESLA ومُؤسس Neuralink، حامي الحُريات، ومُخترق الفضاء ... الذي لا يبدو عليه ذلك.

[quote: "لذا، فدعونا نضع بعض الطاولاتِ جنبًا إلى جنب!"]

أقرأ أيضا: كيفية حذف حساب تويتر نهائيا من الجوال والكمبيوتر

إيلون ماسك

إيلون ماسك وصناعة المُحتوى

بالعودة إلى تاريخ إيلون، فإن بدايته كانت في عام 1996، عندما أسس مع أخوه شركة Zip2، تِلك الشركة التي تُقدم خدمات للمواقع على الانترنت، الذي كان غريبًا وقتها، تلك الخدمات كانت كُلّها قائمة على المُحتوى، كعمل إعلانات مُبوبة لهذه المواقع، أو انشاء أدلة لعروض السيارات والعقارات وغيرها، إذًا، فإن بِداية إيلون ماسك كانت من المُحتوى، وها نحن نشهد النهاية، أو أنها ليست النهاية بعد، ولكنها مُجرد مرحلة من مراحل حياة إيلون ماسك، وهي الأخيرة حتى هذه اللحظة وتتمثل أيضًا في المحتوى.

كانت بداية الأمر في الرابع عشر من مارس/آذار من العام الحالي، عندما أعلن إيلون ماسك عن استحواذه على النسبة الأكبر من بين كافة المُساهمين من أسهم تويتر، بنسبة وصلت إلى 9.2 بالمائة بإجمالي 73.5 مليون سهم. ليرتفع سعر سهم تويتر بعد هذه الصفقة بنسبة تزيد عن 27 بالمائة، وليُصبح استثماره ب 2.89 مليار دولار.

لم يكن الأمر بهذه البساطة ومُجرد ملايين الدولارات، فإن الأمر أعمق من ذلك بكثير.

وِفقًا للقانون، فإنه إذا زادت نسبة المُساهم عن 10%، يُصبح المُساهم نشطًا أي يُصبح صاحب صوت وعُضوًا في مجلس إدارة الشركة التي يُساهم بها، أما إذا قلت النسبة عن هذا الرقم، فهو مُساهم سلبي، أي أنه فقط يُشارك بنسبة من الأسهم ويأخذ حِصته من الأرباح لا أكثر.

لعل ماسك كان ينوي شراء تويتر منذ البداية في قرارة نفسه، وهو الأمر الذي جعله يتوقف عند نسبة 9.2 بالمائة فقط، دون نية للانضمام إلى مجلس الإدارة، ذلك المقعد الذي كان سيُجبره على عدم زيادة نسبته عن 14.9 بالمائة، مما يعني إلغاء أية خُطط للاستحواذ على المنصة اللبنية وِفقًا لاتفاقية تُدعى التوقف التام "StandStill"، وهي اتفاقية تمنع استحواذ أحد أعضاء مجلس الإدارة على الشركة المُساهم بها.

أما ما حدث من ناحية تويتر كان مُختلف، لا نعلم الحقيقة إذا ما كان ذلك بسبب تواجد Jack Dorsey مُؤسس تويتر في مجلس الإدارة، والذي هو أحد أصدقاء وأهم داعمي إيلون ماسك ومواقفه من حُرية التعبير، وذلك بجانب باراج آجارول .. الرئيس الذي لم يكُن، والذي كان أيضًا مُتفقًا مع إيلون ماسك في الكثير من النقاط. أم أن الشركة هي من أرادت أن تحمي نفسها من جنون إيلون ماسك، وإذا ما كانت لديه نوايا للاستحواذ على تويتر، فوجوده ضمن مجلس الإدارة سيمنعه من هذا.

باراج أجاروال الرئيس التنفيذي لـ تويتر سابقًا

ولكن; هل يوجد على كوكب الأرض ما يُمكن أن يمنع إيلون ماسك من تنفيذ ما يُريد؟

إيلون ماسك يُعلِن رغبته في الاستحواذ على تويتر

عِدة أيام كانت كافية للغاية ليحدث فيها الكثير، بدايًة من شراء إيلون حصة من أسهم تويتر، وعمل أحد أكبر الاستطلاعات الجماهيرية ليرى إذا ما كان مُستخدمو تويتر راضون عن الخدمة أم لا، ومن ثم دخوله لمجلس الإدارة وبعد ذلك خروجه من المجلس، كُل هذا كان قد حدث في مُدة قصيرة للغاية، حتى جاء الرابع عشر من أبريل.

في صباح الرابع عشر من أبريل، أعلن إيلون ماسك بشكلٍ رسمي عن رغبته في الاستحواذ الكامل على منصة تويتر، تلك المنصة التي قُدِّرت قيمتها في ذلك الوقت ب 37 مليار دولار، ليكون بذلك عرضه سخيًا، حيث قدّم العرض "الأفضل والنهائي" وِفقًا له، وذلك بقيمة 43 مليار دولار.

كما أعلن في ذلك الوقت عن أن تويتر يجب أن يكون شركة خاصة، وذلك بغرض تحقيق عِدة أشياء وهي:

  • خاصية تعديل التغريدات بعد نشرها التي لاطالما أرادها المُستخدمون وإيلون نفسه.
  • خوارزمية مفتوحة المصدر ليسمح لأي شخص بمعرفة الكود المصدري للمنصة وتجربته ليُؤدي ذلك في النهاية إلى سهولة أكثر من ناحية عملية التطوير، كما أنه كان قد أعلن في وقتٍ سابق عن قلقه بشأن حقيقة الخوارزمية وحقيقة ما يتم عرضه على المنصة.
  • إشراف أقل على المحتوى للزيادة من مساحة حُرية التعبير.
  • قيود أقل على التغريدات وشروط أعلى لحذفها.

كيف جمع إيلون ماسك قيمة الصفقة؟

للوهلة الأولى قد تتعجب من هذا السؤال، فلماذا يحتاج إيلون ماسك -أغنى رجل في العالم بثروة تتخطى المائتي مليار دولار- إلى دعمٍ كي يُتم صفقة صغيرة بقيمة 44 مليار دولار؟ ومن هؤلاء الذين قد يُقدِّمون الدعم المادي إلى أغنى رجل في العالم، ولماذا؟

أنا مُتأكد أن كُل هذه الأسئلة قد جالت بخاطرك فور قراءتك لعنوان هذه الفقرة، ولكن دعني أُفاجئك بأن إيلون ماسك بنفسه تواصل مع الكثيرين كي يُقدِّموا له الدعم لإتمام هذه الصفقة، وإليك التفاصيل.

مبدئيًا، لا، ليس الأمر كما تظُن، العشرة الأوائل على سبيل المِثال في قائمة أغنى أغنياء العالم، لا يمتلكون ثرواتهم في أيديهم أو في حساباتهم البنكية، إنما هي ثروة، مما تعني أنها تجمع بين الأموال السائلة والأصول التي تتمثل في الشركات أو البنوك التي يستثمرون بها، نعم إيلون ماسك هو أغنى رجل في العالم في الوقت الحالي، ولكنه لا يمتلك نسبة 100% من ثروته الشخصية في حساباته البنكية أو في منزله.

ودعني أؤيد كلامي هذا بحقيقة ما قام به إيلون ماسك مُؤخرًا، وهو بيع نسبة كبيرة من أسهم شركته الأُخرى لصناعة السيارات الكهربية Tesla بما قد وصل قيمته إلى 6.9 مليار دولار، وذلك قبيل إتمامه للصفقة، حيث غرّد حينها أنه من المُهم أن يتفادى بيع أسهُم شركة تيسلا بشكلٍ طارئ، وذلك لتوقعه الهزيمة (المحتملة غير المرغوبة) في القضية المُتنازع عليها في أي وقت.

إذًا، فهؤلاء تقريبًا سبعة مليارات، أصبحوا مُتاحين في يد مالك شركة تسلا من بيع نسبة من أسهمه فيها، وقد كان يأمل إيلون ماسك أن يتجنب المُساهمة بما يزيد عن 15 مليار دولار من أمواله الخاصة في الصفقة، ولكنه اضطر إلى ذلك، حيث أن عملية بيع أسهم تسلا لم تكن هي الوحيدة، فقد سبقتها واحدة أُخرى في أبريل الماضي عند بداية الحديث عن الصفقة، بما يُساوي 15.5 مليار دولار فقط من بيع أسهمه في شركة تسلا على مرحلتين.

بجانب ذلك، فإن ماسك كان يمتلك في ذلك الوقت بالفعل نسبة 9.6 بالمائة من أسهم شركة تويتر التي بدأ بها كل شيء.

أما بالنسبة لبقية المبلغ، فقد قام إيلون ماسك بالتواصل مع العديد من المُستثمرين والمُهتمين بالتقنية وأصدقائه الأغنياء ليجمع ما تبقى، حتى أن بعضهم من دول أُخرى أجنبية، وهو ما قد تسبب في تخوف البيت الأبيض من هذه الصفقة وأسبابها الحقيقية.

من ضمن أهم المُساهمين في هذه الصفقة هو Larry Elisson، المُؤسس المُشارك لشركة Oracle، والذي قدّم لإيلون شيكًا بقيمة ملياري دولار وذلك بعدما عرض على إيلون مليار واحد، وأقنعه إيلون ماسك بملياري دولار وِفقًا للمُحادثة المُسربة بين الاثنين.

لاري آليسون .. الرئيس التنفيذي لشركة Oracle

  • إيلون: هل أنت مُهتم بالمُشاركة في صفقة تويتر؟
  • إليسون: نعم .. بالتأكيد
  • إيلون: ما الحجم الدولاري تقريبًا؟ لا أجبرك على أي شيء ، ولكن الصفقة زائدة عن الحد ، لذلك يجب أن أقوم بتقليل أو طرد بعض المشاركين.
  • إليسون: مليار .. أو أيًا كان ما تقترح
  • إيلون: أيًا كان ما يُناسبك. أنا أوصي ب 2 مليار دولار أو أكثر. هذه الصفقة لديها طموح عالي للغاية، وأنا أُفضِّلُ الحصول عليك أكثر من أي شخصٍ آخر.
  • إيلسون: أنا اتفق على أنها طموحة للغاية، وسوف يكون هناك الكثير من المُتعة

لم يكتفي إيلون ماسك بدعم المُستثمرين والأصدقاء فقط، انضمت إلى الصفقة أيضًا شركة Sequoia Capital، واحدة من أكبر شركات رأس المال المُخاطر، وقد جاءت في مركز مُتقدِّم بعد Larry Ellison من حيث الداعمين للصفقة.

قد تُفاجئ إذا أخبرتك أن أحد أكبر المُساهمين في الصفقة هي شركة Vy Capital، وهي شركة أسسها المُستثمر الألماني Alexander Tamas على أرض الإمارات العربية المُتحدة، وتحديدًا في دبي، بدعم وصل إلى 700 مليون دولار.

أما المُفاجأة الكُبرى فهي الأمير الوليد بن طلال، حيث يُعد أيضًا أحد أكبر المُساهمين في صفقة تويتر بقيمة تجاوزت 1.9 مليار دولار، برغم أنه كان أحد أكبر المُعارضين لاستحواذ إيلون ماسك على تويتر.

كذلك قدّم صديق إيلون ماسك المُقرب ومؤسس موقع تويتر جاك دورسي ما قيمته 978 مليون دولار تقريبًا، وذلك في مقابل أسهم في شركة X Holdings، وهي الشركة القابضة التابعة لـ إيلون ماسك، والتي سنتحدث عنها بعد قليل.

جديرٌ بالذِكر أنه بعد أن تمت العملية، أبدى جاك دورسي أسفه على ما يحدث داخل مقر شركة العُصفور الأزرق، بل وقال إنه يرى أنه المسؤول الأول عن حملة الإقالات التي تحدث داخل المنصة، وذلك برغم أنه كان أحد أكبر الداعمين للصفقة، بل وقد وردت تقارير تُشير إلى أن Dorsey كان يُحاول إقناع إيلون ماسك بالاستحواذ على تويتر منذ العام الماضي.

أخيرًا وليس آخرًا، فإن الصفقة قد تمت أيضًا بدعمٍ من أحد الشركات التابعة لصُندوق قطر السيادي، والتي ساهمت بمبلغ وصلت قيمته إلى 375 مليون دولار، وذلك أيضًا مُقابل أسهم في شركة X Holdings !

إذًا، فلم يقُم إيلون ماسك بالتكفل بالمبلغ كُله وحده، وهذا قد يُوضِّح لنا ببساطة قُدرة هذا الرجل على التأثير والوضع الخاص به الذي يسمح للكثيرين بالثقة فيه عندما يطلب منهم الدعم، فالأسماء السابقة قد تكون عددًا من المُساهمين، ولكنها ليست كل الأسماء التي دعمت إيلون ماسك ماديًا في صفقة الاستحواذ على تويتر، وقد نُشِرت العديد من المُحادثات الأُخرى والتي وصلت إحداها إلى Satya Nadella الرئيس التنفيذي لشركة ميكروسوفت، ولكن يبدو أنها لم تنتهي نهاية سعيدة كالبقية مما جعل بقية المُحادثة تختفي.

أسباب رغبة إيلون ماسك في الاستحواذ على تويتر

كانت النِقاط الأربعة السابق ذِكرها عددًا من الأسباب بالتأكيد، ولكن; بالتأكيد ليست أسبابًا كافية لإتمام صفقة بقيمة 44 مليار دولار! صديقي لما لا تكتفي بما يُفرض على غيرك؟ حسنًا، أنت إيلون ماسك إذًا حيث المال والطموح، يُمكننا الآن الحديث.

تكاثر الحديث حول أسباب رغبة إيلون ماسك في شراء منصة تويتر، بل قد وصل البعض إلى ربط الصفقة بقضية جوني ديب وآمبر هيرد عندما قاموا بتزييف مقطع فيديو لإيلون ماسك يقول فيه أنه سيشتري تويتر خصيصًا من أجل حبيبته السابقة آمبر، وذلك لحذف كل الإساءات التي وُجِّهت إليها خلال مُلابسات القضية.

طالع أيضًا: خفايا وأسرار عائلة إيلون ماسك: أب سيء السمعة وأم ناجحة وأطفال أنابيب!

يكفي سُخرية، دعنا ننتقل للحقائق.

مما لا شك فيه ..

عفوًا، أرى أني قد اتجهت قليلًا لأسلوب أسئلة التعبير في امتحانات اللغة العربية! دعونا نعود إلى صُلب الموضوع.

إيلون ماسك، رجل الأعمال الجنوب الأفريقي الأصل، لا حاجة لي لأذكُر قدر ثروته، ولكن يكفي أن أُخبِرُك بأنه في الوقت الحالي أغنى شخص في العالم.

هو لا ينتظر بالتأكيد أرباح منصة تويتر، تلك المنصة التي وصلت لأقصى أرباحها في الربع الأخير من العام الماضي، لتُحقق مليار ونصف المليار دولار، وهو رقم كان قد وقّع عليه إيلون ماسك كغرامة في حالة عدم إتمام الصفقة، لك أن تتخيل عزيزي القارئ، فرقم مليار دولار يُستخدم هُنا كغرامة، مثلها مثل المُخالفة بمبلغ مائتي وخمسون جنيهًا التي تدفعها عند الوقوف حيثُما لا يُسمح بالوقوف بسيارتك، نحن هنا كما قُلت، نتحدث عن أغنى رجل في العالم.

ولكن: هذا الرجل، يمتلك الكثير من الطموح، ويمتلك الكثير من الرغبة في وجود منصة شاملة، تضمن حُرية التعبير، خاصًة مع التطور الذي نسير باتجاهه كُل لحظة.

من ناحية أُخرى، فإن تويتر، وبرغم أن عدد مُستخدميها لا يزيد عن نصف مليار مُستخدم، وهو رقم لا يُقارن بعدد مُستخدمي منصات شركة Meta المملوكة لمارك زوكبربيرج مُجتمعة، بل حتى لا يصل سوى إلى خُمس مُستخدمين منصة Facebook وحدها، إلا أنها تُعد المنصة الأهم والأكثر تأثيرًا في السياسة الأمريكية، وذلك بسبب استخدامها الأكبر من قِبل الشخصيات السياسية والعامة، كما أنها -وِفقًا لاستفتاء قد تم في الولايات المُتحدة- تُعد المصدر الأول للأخبار في أمريكا!

كذلك، فأثناء الحرب الروسية الأوكرانية، ومن بين العديد من منصات التواصل الاجتماعي، قامت الحكومة الروسية بحظر تويتر، وذلك لتضييق النطاق على المواطنين وزيادة صعوبة التداول الحر للمعلومات فيما بينهم وبين العالم، فكان تويتر هو الخيار الأول للحظر حتى تم إنشاء أداة لفتح تويتر عبر خدمة Tor Onion.

كُلِ هذا، أعطى هذه المنصة قيمة فوق قيمتها السوقية الاعتيادية وحتى فوق قيمة الأرقام، فبلغة السياسة، يُساوى نصف المليار مُستخدم على منصة تويتر ما قد يزيد عن المليارين ونصف مُستخدم على منصة Facebook، وخاصًة، في الولايات المُتحدة، موطن إيلون ماسك الحالي.

Statistic: Most popular social networks worldwide as of January 2022, ranked by number of monthly active users (in millions) | Statista
Find more statistics at Statista

ولكن; بالنسبة لإيلون ماسك، هل هذه الأسباب كافية؟

بالطبع لا، ولكننا مازلنا لا نعرف السبب الحقيقي الأوحد لهذه الصفقة، لعل ذلك لأنه ليس موجود، ليس الأسباب، ولكنه السبب الأوحد، فلدفع مبلغ يصل إلى 44 مليار دولار في صفقةٍ ما، بالتأكيد ستحتاج إلى أكثر من سبب لتُبرر ذلك لنفسك، ولمن شاركوا في إتمام الصفقة، والذين سنتحدث عنهم لاحقًا.

وِفقًا لإيلون، وفي إحدى تغريداته، فقد قال أنه لا يُريد الاستحواذ على منصة تويتر من أجل المال، ولكن من أجل الانسانية.

سببٌ مُبهم للغاية، ما الذي قد يُقدمه استحواذ إيلون ماسك على تويتر للانسانية؟ هل يُحاول بطريقٍة ما استعطاف الجماهير؟ فتويتر في كل الأحوال هو منصة تواصل اجتماعي ليس أكثر، لا تُقدِّم حلولًا للقضاء على المجاعات هُنا، ولا يستخدمها البعض في إخماد الحروب، بل على العكس تمامًا، فهي واحدة من أكثر المنصات التي تُثير الجدل سياسيًا، ومع القيود الجديدة التي يُريد إيلون ماسك تطبيقها، والتي تضمن للجميع حُرية الحديث غير المشروط، فإنها قد تكون خطرًا على الانسانية وليست مُفيدة لها كما يزعم، برغم أن قد أشار إلى هذه النُقطة تحديدًا في تغريدته التي وجهها إلى مُعلني تويتر عندما قال أن تويتر لا يُمكن أن يكون مجانًا للجميع حيثما يُمكن لأي شيء أن يُقال دون أية عواقب.

وكل ذلك، برغم أنه أعلن توقعه بوصول أرباح تويتر إلى 10 مليارات دولار في عام 2028، كما توقع زيادة عدد المُستخدمين ليُصبحوا 600 مليون مُستخدم في عام 2025، و 931 مليون مُستخدم بحلول عام 2028. إذاً فهو يتحدث عن المال، لا عن الانسانية!

زاد على هذا السبب أيضًا بصيغة مُبالغة أُخرى عندما قال أن عملية شرائه لتويتر هي خُطوة مُهمة في مُستقبل الحضارة، فقط من خلال امتلاك مدينة رقمية مُشتركة حيث يتم مُناقشة المُعتقدات بطريقة صحية.

أما ما هو أكثر منطقية بالنسبة إلي وبالنسبة للكثيرين، فهو مشروع X.com !

تطبيق كل شيء، حُلم إيلون ماسك الحقيقي

في الماضي، كانت بدايات إيلون ماسك تتمثل في موقع x.com، كان هذا عبارة عن موقع للدفع عبر الإنترنت باستخدام البريد الالكتروني، والذي أسسه مع صديقه جريج كوري، وفي عام 2000، تم دمج موقع x.com مع موقع Confinity، ليخرج من هذا الانصهار موقع PayPal، أكبر بنك ألكتروني في العالم.

ولكن: لم تغِب فكرة موقع x.com عن بال إيلون ماسك حتى لحظة قرائتك للمقال، فهو مازال موهوم بفكرة المنصة الشاملة، تحت اسم X، والتي تُقدِّم كُل شيء للمُستخدم فور دخوله إليها، وكثيرًا ما قد ضرب إيلون ماسك المثال بتطبيق WeChat الصيني، الذي يراه أفضل مثال للتطبيق الشامل، ولكن ماسك يطمح إلى ما هو أبعض من ذلك.

الشركة X .. إيلون ماسك وتطبيق كل شيء

تخيل معي عزيزي القارئ، إذا ما قد قُمت بتحميل تطبيق X.com، وقُمت بتسجيل الدخول إليه من خلال حسابك على موقع تويتر، لتضغط على زر القائمة الموجود في أحد الجانبين أعلى التطبيق، وترى الخيارات التي أمامك:

  • شراء سيارة كهربائية ذاتية القيادة من شركة Tesla.
  • التعرف على طُرُق الوصول إلى الأنفاق فائقة السرعة من The Boring Company.
  • معرفة مواعيد القطارات فائقة السرعة من Hyberloop.
  • إمكانية حجز رحلة إلى الفضاء عبر شركة SpaceX.
  • الاشتراك في حزمة الانترنت الفضائي عبر Starlink.
  • أو ببساطة الدخول إلى منصة تويتر ومشاهدة آخر التغريدات.

هذه الخدمات ليست خدمات مُعتادة حتى على إيلون ماسك نفسه، ولكنه يرى المستقبل فيها، في تطبيقٍ شامل، يضُم كُل هذا، وبغض النظر عن كافة الخدمات الأُخرى التي يُمكنك إجرائها عبر التطبيق، فإن وجود منصة تواصل اجتماعي تحديدًا مثل Twitter، يُعد نُقطة قوية للغاية في تطبيق x.com، خاصًة مع الرؤية المُستقبلية للتطبيق التي يرى فيها إيلون أنه سيوُفِّر خدمات دفع إلكتروني من خلال منصة تويتر، بالإضافة إلى خدمات شراء وتبادل الـ NFTs عبر المنصة، ولا مانع من دخوله في مضمار سباق الميتافيرس في وقتٍ ما من المستقبل، كُل هذا كان يتطلب أن يكون لإيلون ماسك تواجدًا حقيقًا على شبكة الإنترنت، ولا مجال بالتأكيد للمُنافسة بمنصة جديدة. كُل هذه العوامل تجمعت سويًا، لتجعل من تويتر الخيار المُناسب والأفضل بالنسبة لإيلون ماسك.

أخيرًا، فإنه من المُنتظر في الوقت الذي تقرأ فيه المقال، وبعد إعلان استحواذ إيلون ماسك على تويتر بعِدة أيام، عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ذلك الرئيس الذي رأته منصة تويتر مُشاغبًا حتى أنها قررت حظره من المنصة، فوِفقًا لإيلون ماسك وحرية التعبير التي لا يتوقف عن الحديث عنها، فإن عودة دونالد ترامب للمنصة أصبح أقرب من أي وقتٍ مضى، وذلك قبل عامٍ واحد من البدأ في مراسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، والتي كان مُتوقعًا ترشُّح دونالد ترامب لها مرة أُخرى.

ولكن; وبرغم هذا، فإن دونالد ترامب كان قد أعلن في وقتٍ سابق أنه لن يعود إلى منصة تويتر حتى إذا سُمِح له بالعودة، ولكن الأمر لا يقتصر على دونالد ترامب فقط، فإذا سُمِح له هو بالعودة، سيعني هذا تخفيف السياسات التي أدت إلى حظره بشكلٍ كبير، وهذا يعني الكثير من التغيُّرات في جميع أنحاء العالم وليس فقط بالنسبة لدونالد ترامب.

ولكن: كُل هذه الأسباب لم تعني شيئًا في السابع عشر من مايو/آيار من العام الحالي.

إلغاء صفقة الاستحواذ على تويتر

بعد مُفاوضاتٍ لم تدُم طويلًا، وذلك بسبب السعر الذي عرضه إيلون ماسك، والذي زاد عن القيمة السوقية الحقيقية لموقع تويتر بما يُقارب سبعة مليارات دولار، سيستفيد منها مالك كُل سهمٍ في المنصة، أعلن إيلون ماسك عن تراجعه في الصفقة، وذلك بحجةٍ واحدة مُعلنة، وهي عدم مصداقية تويتر في عدد المُستخدمين الوهميين أو المزيفين على المنصة.

لعلك بالتأكيد قد سمعت عن هذه القضية، ولكني سأسرُدها لك ببساطة.

القضية المرفوعة على Elon Musk

عند إبرام التعاقد الأولي، وضعت شركة تويتر غرامة قيمتها مليار دولار، وذلك لحماية نفسها من تقلبات إيلون ماسك المُعتادة، فقد كان مُتوقعًا رجوعه في الصفقة بعدما أُثير الكثير من الجدل حول تويتر. ولكن; كان إيلون ماسك كثير الطلبات، فقد كان يطلب الكثير من البيانات طوال فترة المُفاوضات، وكانت الشركة تقوم بتوفير هذه البيانات عند طلبها، وذلك حتى وصلوا إلى نسبة المُستخدمين الوهميين أو الحسابات المُزيفة من العدد الكُلي لمُستخدمي تويتر.

ببساطة، قامت شركة تويتر بالإعلان عن أن نسبة المُستخدمين الوهميين لا تتخطى الـ 5%، وهي نسبة مُنخفضة للغاية إذا كانت حقيقية، ولكن ذلك الإعلان لم يتم تدعيمه بأية أوراق رسمية، لذلك، لم يعتبر إيلون ماسك هذه النسبة حقيقية، واعتبر ان الشركة تقوم بخداعه، وقام بنفسه بجمع عينة عشوائية مُكونة من مائة عُضو، ليرى كم هي نسبة المُستخدمين المُزيفيين الحقيقية، وليجد في النهاية -وِفقًا لعينته العشوائية- أن النسبة تصل إلى 23 بالمائة.

برغم ادعائات إيلون ماسك في البداية بأن هذه الصفقة من أجل الانسانية، ولكنه ذكر كثيرًا الجزء الإعلاني من المنصة، فهو الجزء الربحي والذي سيعود عليه بالمبلغ الذي استثمره فيها بالتأكيد، بالإضافة إلى أن نسبة المُستخدمين المُزيفين يُؤثِّر بشكلٍ مُباشر على القيمة الكُلية للخدمة. وهو ما جعله يتراجع عن فكرة الشراء في مايو الماضي.

لم يكُن لدى إيلون ماسك أيضًا الأوراق الرسمية التي تُقوِّي موقفه، على عكس تويتر التي امتلكت العقد الأولي الذي يحمل الغرامة على إيلون ماسك، لكن ذلك لم يدُم طويلًا.

مُطلِق الصفير Peiter Zatko، الموظف السابق بشركة تويتر المعروف ب Mudge، والذي تم توظيفه بواسطة Jack Dorsey في عام 2020 ليُصبح قائدًا لتوجهات الشركة الأمنية لحماية المعلومات، ولكن تم طرده في يناير من عام 2022 على يد المدير التنفيذي الجديد Parag Agrawal.

اتهم Peiter Zatko شركة تويتر بأنها تقوم بالكذب حيال مجهوداته للتحكم في الحسابات المُزيفة، كما أعلن بشكلٍ رسمي أن الشركة تكذب على إيلون ماسك نفسه حول الحسابات المُزيفة وحسابات الروبوتات، وكان هذا الإعلان بمثابة الدعم الذي كان يحتاجه إيلون ماسك في القضية التي رفعتها عليه شركة تويتر لتُجبره على إتمام عملية الشراء.

ليس هذا فقط، بل قام Zatko بالمزيد من الادعاءات التي تضمنت وصول عملاء الحكومات الأجنبية إلى بيانات المُستخدمين في تويتر بمعلومية الأخيرة، كما ادعى أن تويتر كان يخدع اللجنة الفيدرالية حيث خالف بروتوكول 2011 FTC الذي يفرض على الشركة استخدام بروتوكولات أمنية بعينها، وهذه القضية كانت تُسبب ضغطًا كبيرًا على الشركة خاصًة بعد ما حدث لشركة فيس بوك عندما تم تغريمها خمسة مليارات دولار عند خسارتها في قضية مُشابهة أمام اللجنة الفيدرالية.

كُل هذه الادعاءات زادت من قوة موقف إيلون ماسك ضد شركة تويتر، جميعها قد تكون سببًا في ربحه القضية، وقد يعود ذلك عليه بالنفع من ناحية تقليل قيمة الصفقة. ولكن; كيف تغير كُل هذا بين ليلةٍ وضُحاها؟

عودة إيلون ماسك في قرار الإلغاء!

لعلك الآن تتساءل لماذا مع كُل هذه النِقاط القوية في صالح إيلون ماسك، مازال يُريد إلغاء الصفقة، ولكنه عاد وأتممها؟

الإجابة ببساطة، تكمن في إيلون ماسك نفسه، وفي عدة مُصطلحات، وأولها هو المُخطط الهرمي.

بجانب نسبة المُستخدمين المُزيفين على المنصة، يبدو أن إيلون ماسك لم يكن قد فكّر مرتين قبل أن يعرض 44 مليار على شركة تويتر للاستحواذ عليها، ويبدو أنه عندما فكّر لمرة ثانية، لم يجد أن الأمر يُجدي نفعًا، تمامًا مثلما يحدث معك عزيزي القارئ عند الإقدام على شراء أي شيء كأن يكون هاتف ذكي أو حتى بضعة ملابس، فعند التفكير لأكثر من مرة، قد تجد أنك تحتاج المال أكثر من المنتج في الوقت الحالي.

بالتأكيد الأمر مُختلف هُنا، فنحن نتحدث عن رجل يمتلك ثروة هائلة، وهو بصدد شراء منصة تواصل اجتماعي وليس هاتفًا أو ما شابه، نعم، قد يُفكِّر الأغنياء أكثر من مرة في قراراتهم، فكُلما زادت ثروتك، ازدادت مسؤولياتك.

كان هذا سببًا بديهيًا، أما ما هو ليس بديهي فهو المُخطط الهرمي.

بدون الدخول في الكثير من التفاصيل، فإن اسم إيلون ماسك ارتبط كثيرًا بالعملات الرقمية، وبالتحديد عُملة Dogecoin، التي قام بالتغريد باسمها في عدد من المرات على منصة تويتر.

مُنذ فترة ليست بالبعيدة، قام أحد المُستثمرين الأمريكيين برفع دعوى قضائية ضد إيلون ماسك يُطالبه فيها بتعويض قدره 258 مليار دولار، هذا تقريبًا يُعادل كامل ثروة إيلون ماسك إلا القليل منها.

ذلك حيث قام كيث جونسون باتهام إيلون ماسك بأنه يقوم بالترويج إلى عملة دوجكوين ليرفع سعرها، كما اعتدنا من خلال تغريداته التي تُؤثِّر في الملايين، ومن ثم لا يتحدث عن العملة حتى ينخفض سعرها بعد ذلك.

بهذه الطريقة تمكن إيلون ماسك والمُروجين لعملة دوجكوين -حسب كيث جونسون- من الترويج للعملة التي لا قيمة لها، وذلك للتربح من تداولها في مُخطط هرمي غير قانوني.

رُفعِت هذه الشكوى في محكمة اتحادية في مانهاتن، وقد طالب بتعويضات وصلت قيمتها أيضًا إلى 86 مليار دولار، وهو قيمة الانخفاض في قيمة العملية السوقية مُنذ مايو من عام 2021، بل وطالب بمُضاعفة هذا التعويض لثلاث مرات.

أما السبب الذي يلي المُخطط الهرمي فهو تدهور شركة تسلا -الشركة التي يُديرها إيلون ماسك بنفسه- في الفترة الأخيرة، وذلك بسبب أزمة انقطاع سلاسل الإمداد الشهيرة، والتي أثرت على المصانع نفسها وتسببت في خسائر قُدِّرت بمليارات الدولارات، وتحديدًا مصانع Tesla في ألمانيا وتكساس -وِفقًا لإيلون ماسك.

أخيرًا، فإن آخر القضايا المرفوعة على الملياردير الأمريكي هي قضية مُضيفة الطيران التي لاحقته قضائيًا بتهمة التحرش بها ومُحاولة الاعتداء الجنسي عليها.

وقد أثرت هذه القضية بشكلٍ كبير على إيلون ماسك وتحديدًا شركته تسلا التي انخفضت أسهمها بشكلٍ كبير، جنبًا إلى جنب مع شركة SpaceX المملوكة لـ إيلون أيضًا، ودعنا لا ننسى أنه إذا كان قد خسر القضية في النهاية، فسيضطر إلى شراء المنصة مع توقيع الغرامات عليه، مما قد يرفع سعرها عن 44 مليار دولار المعروضة.

كُلِ هذه الأسباب التي جاءت واحدة تُلو الأُخرى كانت بالتأكيد سببًا في عدم مُحاولة إيلون ماسك خوض المزيد من المُفاوضات والمُحاكمات والتحقيقات، فمن جانب تخسر شركته تسلا الكثير مُؤخرًا سواءً بسبب الأزمات الاقتصادية أو القضايا التي يُذكر فيها اسمه، أو بسبب القضايا الأُخرى التي بدورها تُضعِف موقفه أمام المحكمة.

ولكن; دعنا نتفق على أن إيلون ماسك إذا كان لا يُريد أن يشتري تويتر، فقد كان بإمكانه ذلك، وبدلًا من دفع 44 مليار دولار في المنصة، كان بإمكانه الاكتفاء بدفع الغرامة التي كانت قيمتها مليار دولار فقط، وهو رقم ضئيل للغاية بالنسبة لثروة إيلون ماسك، ولكن يبدو أنه كان يُريد إثارة بعض الضجة كما اعتدنا منه.

الاستحواذ - تحرر العُصفور

نحن في أكتوبر، وقد مر وقت طويل على بدء الحديث عن صفقة استحواذ إيلون ماسك على منصة تويتر، حتى أن البعض قد اقتنع أنها لن تحدث.

الكثير قد حدث في خلال هذا الوقت، فعلى سبيل المِثال، كان البيت الأبيض على وشك التدخل لإلغاء الصفقة، وذلك بعدما رأي المُساهمون في إتمامها والذين كان من بينهم دول عربية مثل قطر والسعودية، ودول أُخرى أجنبية -غير أمريكية- مما جعلهم يتخوفون من الصفقة ومن تأثيرها خاصًة بعدما أصبحت الانتخابات الرئاسية الأمريكية قاب قوسين.

كثيرون مُعترضون، وكثيرون مُتخوفون، وإيلون ماسك لا يتحدث إلا قليلًا عن الصفقة، تبقت عِدة أيام على بدء المُحاكمة التي كان مُحددًا لها أن تبدأ في السابع عشر من أكتوبر، ليُفاجئ الجميع بإتمام إيلون ماسك صفقة الاستحواذ على تويتر، وما تبع ذلك، ليُصبح في النهاية Chief Twitt كما وصف نفسه على منصته المملوكة له شخصيًا.

قد نستغرب ذلك، خاصًة أنه قبل المُحاكمة بعِدة أيام، وهي المُحاكمة التي كان من المُمكن أن تُقلل تكاليف الصفقة أو تُزيدها حسب النتيجة النهائية لنسبة المُستخدمين المُزيفين على المنصة. ولكن ما هو أغرب، هو ما ستقرأه في الأسطُر التالية.

كلمة السر .. البوتوميتر!

استخدم إيلون ماسك إحدى الأدوات المجانية غير المشهورة للتعرف على نسبة مُستخدمي تويتر المُزيفين، وهي أداة اسمها Botometer، قام بتطويرها Kaicheng Yang وهو باحث في جامعة Indiana، وهي عبارة عن أداة تقوم بتحليل حسابات المُستخدمين على منصة تويتر، لا تقوم بالطبع بتأكيد إذا ما كان الحساب يُستخدم بواسطة برمجيات أو Bot، ولكنها تقوم بتحليل عددًا من المعلومات مثل مُعدل النشر على الحساب ومواعيد النشر وغيرها من المعلومات، ومنها تقوم باستنتاج على مقياس من 1 إلى 5 إذا ما كان الحساب مُستخدمًا بواسطة إحدى البرمجيات أم أنه مملوك لشخص حقيقي.

أداة Botometer لتحديد حقيقة حسابات Twitter

يُذكر أن مُطوري الأداة نفسهم قد تعجبوا من استخدام ملياردير مثل إيلون ماسك لأداتهم المجانية والمتاحة للعامة بدلًا من تعيين فريق كامل قادر على تطوير أداة خاصة به لإعطائه المزيد من البيانات الدقيقة، إلا أن هذه الأداة قد أوضحت في النهاية أن نسبة الحسابات المُزيفة أو الوهمية أو التي يتم إدارتها بواسطة Bots قد يصل إلى 33%، من بينهم ما يزيد عن 10 بالمائة من المُستخدمين المُستهدفين بواسطة الإعلانات، والذين يعتمد عليهم إيلون ماسك في استعادة قيمة الصفقة في أقصر وقتٍ مُمكن.

ولكن; لعلها الأسباب ذاتها التي ذكرتها في البداية، والتي تخُص أسباب إقدام إيلون ماسك للحصول على الصفقة من الأساس، قد يكون حقًا مُجرد طموح لامتلاك منصة تواصل اجتماعي يستطيع من خلالها أن يضمن حُرية التعبير للجميع، لتُصبح منصة التواصل الاجتماعي اللامركزية الأولى في التاريخ.

ردود الفعل على الاستحواذ

كما ذكرت سلفًا، فإن صفقة استحواذ إيلون ماسك على تويتر تُعد واحدة من أكبر الصفقات التقنية على مر التاريخ، وأهمهم في العقد الحالي، وذلك لمكانة إيلون ماسك الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى تأثير موقع تويتر على العالم وكونه المصدر الأول للأخبار بالنسبة للشعب الأمريكي. كُلِ هذه الأسباب وغيرها سببت الكثير من ردود الفعل السلبية تُجاه الصفقة.

من بين هذه الردود، هو قيام عدد كبير من الفنانين والمُمثلين وغيرهم بإعلان استغنائهم عن موقع تويتر، وإغلاقهم لحساباتهم، ومن بين هؤلاء الأشخاص Mia Farrow، المُمثلة الأمريكية الشهيرة والحائزة على الكثير من الجوائز، كانت قد أعلنت استيائها من صفقة الاستحواذ، وقالت أنه إذا أصبح تويتر أكثر سُمية بسبب الأكاذيب ونشر الكراهية، فلن يُؤخذ على محمل الجد، وأن أُناس مثلها سيعزفون عنه لراحة البال.

كذلك خرج Ken Olin، المُنتج التنفيذي لأحد برامج NBC، ليُعلن عن رحيله أيضًا عن تويتر لحماية الديمقراطية ولعِدة أسباب تراها في تغريدته الأخيرة:

أما أكثر ردود الفعل إثارة فكانت من قِبل شركات السيارات الكهربائية المُنافسة لشركة Tesla المملوكة لإيلون ماسك، فعلى سبيل المِثال، غردت شركة سيتروين تغريدة في غاية القوة عندما قالت:

[quote مرحبًا بكم في منصة التواصل الاجتماعي المملوكة بواسطة أحد مُنافسينا]

كما أعلنت الشركة عن إيقافها لكافة الحملات الدعائية التي كانت تقوم بها على موقع Twitter، وأنها ستُحول الحساب الرسمي الخاص بها لمجرد حساب لتوفير الدعم للعملاء، وذلك لإيمانها بعدم قُدرتها على المنافسة داخل منصة مملوكة لإيلون ماسك نفسه.

ما بعد الاستحواذ

لا يختلف اثنان على أن استحواذ إيلون ماسك على منصة تويتر هو الحدث الأكبر في هذا العقد، ولكن الأمر لا ينتهي عند الاستحواذ، فكي تتمكن من تحقيق رُؤياك، عليك التضحية بالكثير، وإذا ما كان هُناك تعارُضًا بين رؤياك ورؤيا الآخرين، وانت هو المالك، فلابد من التخلص من المُعارضين، وأول مراحل هذا التخلص هو تحويل تويتر إلى شركة خاصة، وشطبها من بورصة NASDAQ، وهو ما قام به إيلون ماسك بالفعل، فقد أصبحت تويتر Private Company، لها رئيس تنفيذي واحد وهو إيلون ماسك، دون مجلس إدارة مُكون من كِبار المُساهمين مثلما سبق.

ولكن، لتحويل الشركة إلى شركة خاصة، يجب عليه كما ذكرت أن يقوم ببعض التضحيات والتخلص من المُعارضين، وكان هؤلاء المُعارضين هم مجلس الإدارة الأسبق، مُتمثلين في باراج آجاراوال، الرئيس التنفيذي السابق والذي جاء مُنذ عِدة أشهر بعدما استقال مُؤسس تويتر Jack Dorsey سابقًا في هذا العام.

جاك دورسي .. الرئيس التنفيذي السابق لتويتر ومُؤسسه

كذلك المُدير المالي نيد سيجال، الذي صعّب على إيلون ماسك إجراء المُفاوضات وتمسك بسعر السهم الذي عرضه إيلون في بداية عملية الاستحواذ، بالإضافة إلى المدير القانوني فيجايا جادي، الذي رأى إيلون ماسك أنه سببًا قويًا من ضمن أسباب عدم وجود حرية التعبير داخل تويتر، كما أنه كان المسؤول عن القضية التي رُفعِت ضد إيلون ماسك ليدفع الغرامة التي وقّع عليها في حالة إلغاء الصفقة، وأخيرًا المفوض العام شون إيدجيت.

لكن لا تهرع، فلا يوجد واحد من هؤلاء ممن تم رفدهم لم يحصل على قدر كافي من الأموال تُمكنه من إطلاق شركة مُشابهة حتى لتويتر نفسه، فعلى سبيل المِثال، حصل الرئيس التنفيذي الأسبق أجاراوال على 38.7 مليون دولار، كما حصل نيد سيجال على 25.4 مليون دولار، ووُزِّعت بقية الـ 88 مليون دولار على شون إيدجيت وفيجايا جادي!

ولكن ما حدث بعد ذلك، كان أكثر إثارة.

رفع إيلون ماسك شعار حرية التعبير لفترةٍ طويلة، وأكد على حرصه على تحقيق هذا المبدأ وأنه هو السبب الرئيسي لاستحواذه على تويتر، ولكن; لا تأتي الرياح كما تشتهي السُفن دائمًا، أو أبدًا.

في الاثنا عشرة ساعة الأولى من إتمام صفقة الاستحواذ، وبشكلٍ مُفاجئ، ارتفعت نسبة استخدام الكلمات النابية على المنصة بنسبة وصلت إلى 500% -وِفقًا لدراسة قام بها معهد NCRI لبحوث عدوى شبكة الانترنت، وذلك بغرض اختبار أقصى حدود قيود الاستخدام والسياسات الجديدة في المنصة الزرقاء.

ولكن، وبغض النظر عن هذه الردود وما يُشبهها، ما الذي سيتغير حقًا في تويتر في الأيام المُقبلة؟

تويتر الأزرق - Twitter Blue

خدمة توثيق الحسابات الجديدة في تويتر - Twitter Blue

أول القرارات التي تم اتخاذها بعد عملية الاستحواذ من ناحية الموقع هي إطلاق خدمة Twitter Blue، وهي خدمة جديدة لتوثيق الحسابات على تويتر للحصول على العلامة الزرقاء، فبجانب الأوراق المطلوبة لتوثيق الحسابات، قرر إيلون ماسك أن يكون التوثيق بتكلفة 20 دولار، ولكن لاقى هذا القرار الكثير من الانتقادات بالإضافة إلى الردود من الجانبين، سواءً من ناحية إيلون ماسك نفسه أو المُعارضين والذين كان من بينهم المخرج الكبير Stephen King الذي أبدى اعتراضه، وبعد الكثير من الحديث والقيل والقال، استقر إيلون على أن تكلفة توثيق الحسابات على تويتر ستكون 8 دولار فقط

هذا القرار وبرغم أهميته الاقتصادية، ولكنه قد يكون سببًا في فُقدان العلامة الزرقاء لقيمتها إذا أصبح الحصول عليها فقط يتطلب دفع بعض المال بصورة شهرية، مما سيجعلها مُتاحة أمام الجميع ولن يُصبح سهلًا بعد ذلك على المُستخدمين التعرف على من هو الشخص الذي عليهم مُتابعته من الشخص الذي يجب أن لا يُتابعوه.

عدم فرض تسجيل الدخول لتصفح Twitter

في الماضي، كان مُجرد كتابة عنوان Twitter.com في المُتصفح يتطلب منك امتلاك عضوية في الموقع أو تسجيل عُضوية جديدة لمُشاهدة التغريدات والكلمات الأكثر انتشارًا، وكثيرًا ما ضايقت هذه الخاصية الكثيرين، حتى جاء إيلون ماسك، الذي كان أول قرارته هو اتاحة استخدام تويتر لغير المُسجلين لفترة من الزمن، ليتصفحوا بهذه الكيفية التغريدات الأكثر انتشارًا والكلمات الشائعة، وذلك حتى وقتٍ مُعين يطلب بعدها الموقع منهم أن يقوموا بتسجيل الدخول أو تسجيل عضوية جديدة في حالة لم يمتلكوا واحدة.

زيادة مُدة الفيديوهات وعدد أحرف التغريدات

أخيرًا، فآخر ما تم الإعلان عنه بعد إتمام صفقة الاستحواذ هو زيادة عدد الأحرف المُتاحة للاستخدام في التغريدات لتُصبح أكثر من 280 حرف، بالإضافة إلى زيادة مُدة الفيديوهات التي يُمكن مُشاركتها عبر المنصة عن 140 ثانية، وذلك بجانب ميزة جديدة لتقييم التغريدات، لتُصبح التغريدات مُصنفة حسب السن المُناسب لها، كي لا يظهر ما هو زائد 18 لمن هم دون ذلك، ليُصبح بإمكان الجميع كتابة أيُما كان ما يُريدون دون التقيد بعمر من يُتابعهم ودون مُضايقة من يُتابعونهم بظهور مُحتوى غير مُناسب لهم.

الختام

إلى هُنا أكون قد وصلت إلى نهاية هذه المقالة التي حاولت أن أجمع فيها كل ما يخُص صفقة استحواذ إيلون ماسك، الملياردير الأمريكي الكندي جنوب الأفريقي الأصل، على موقع تويتر، أحد أكبر منصات التواصل الاجتماعي، لعل عقلك الآن يمتلئ بالكثير من الأسئلة، شاركنا بها في التعليقات بالأسفل.

تتساءل عن رأيي في الصفقة؟ دعني أحتفظ به حتى إشعارٍ آخر، وحتى يمر عِدة أشهُر على الأقل من انتهاء الصفقة حتى أستطيع أن أُعطي حُكمًا حكيمًا فيما يخُص هذا الأمر.

أما الآن، فقد حان وقت تصفح تويتر لبعض الوقت، ذلك لأنني قد أخذت في هذه المقالة وقتًا طويلًا، انعزلت فيه عن العالم، لعل هُناك ما قد حدث أثناء كتابتي لها، وإذا حدث هذا، فتأكد أنك ستجده في هذه المقالة الشاملة والمُحدثة باستمرار.