في أبريل عام 2015، تحدث بيل جيتس، بمظهره المتواضع، إلى الجمهور على المسرح مع منصة TED في فانكوفر ليحذر العالم من خطر الأمراض الفيروسية والأوبئة التي قد تسببها، وما سيترتب على ذلك من عدد هائل من الإصابات والوفيات.

"إن كان أي شيء سيقتل أكثر من 10 ملايين شخص على مدى العقود القليلة المقبلة، فمن المرجح أن يكون فيروسًا معديًا للغاية، وليس الحرب. ليست الصواريخ، لكنها الميكروبات".

لم تلقَ كلماته أي اهتمام بصورة جدّية في حينها. ولكن الآن، شُوهد مقطع الفيديو لحديث بيل جيتس في TED على يوتيوب ما يقرب من 30 مليون مرة، لكن المفارقة هنا أن العديد من الأشخاص أظهروا اهتمامًا أكبر بالأسباب وراء هذا الحديث، بدلًا من التركيز على الحديث نفسه، وما يحمله من تحذيرات مهمة!

https://youtu.be/6Af6b_wyiwI

وهنا انفتحت أبواب الجحيم، نظريات مؤامرة لا تنتهي؛ مثلًا البعض يتهمه بقيادة فئة من النخبة العالمية، والتي تريد السيطرة على العالم، أو هي تسيطر بالفعل، حسب توجه ومبالغة القائل، بينما يعتقد آخرون أنه يقود جهود حثيثة لحذف وتقليل عدد سكان العالم، وكأنه سوف يضغط على Shift+Delete ليمحي بضع مليارات من السكان، أو ربما سيرتدي قفاز ثانوس، بأحجار الأبدية، ويفرقع أصابعه لينتهي الأمر!

حتى أن البعض يؤمن أنه سوف ينتج لقاحًا لفيروس كورونا المستجد، لكن ليس لعلاج وتجنب المرض، بل ليفرضه على مواطني العالم، وبداخل هذا اللقاح شريحة، البعض يقول إنها سوف تتحكم بك بالكامل، وآخرين يؤمنون أن تلك الشريحة سوف تتعقب كل تحركاتك ونشاطاتك في كل الأوقات!

بيل جيتس.. الهدف المفضل لنظريات المؤامرة!

بيل جيتس

تخلى بيل جيتس، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت، عن منصبه في مجلس إدارة الشركة ليتفرغ بالكامل للأعمال الخيرية، من خلال مؤسسة بيل ومليندا جيتس الخيرية.

وفي الفترة الأخيرة، أصبح بيل جيتس هدفًا مفضلًا لنظريات المؤامرة المتعلقة بوباء فيروس كورونا، وربما لم يكن الأمر مفاجئًا بالكامل لأنه كان دائمًا وجهًا للصحة العامة، ومعظم مبادرات مؤسسته الخيرية تتعلق بأمور الصحة والبحث عن علاج للأمراض والأوبئة.

وفقًا لبيانات جمعتها صحيفة نيويورك تايمز وشركة Zignal Labs، وهي شركة تعمل في تحليل بيانات وسائل الإعلام، ربطت نظريات المؤامرة بين اسم بيل جيتس وفيروس كورونا نحو 1.2 مليون مرة على برامج التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، منذ شهر فبراير إلى شهر أبريل، بنسبة أكبر 33% من ثاني أكثر نظرية مؤامرة شعبية وهي ربط شبكات الجيل الخامس 5G مع انتشار الوباء، وبلغت ذروة ذكر اسم بيل جيتس بنحو 18 ألف مرة يوميًا خلال شهر أبريل الماضي.

انتشرت نظريات المؤامرة حول بيل جيتس في مختلف منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وفيسبوك وتويتر. حيث وجدت صحيفة نيويورك تايمز 16 ألف منشور على فيسبوك خلال العام الحالي حصلت على إعجابات وتعليقات أكثر من 900 ألف مرة. كما كانت أكثر 10 مقاطع فيديو على يوتيوب تنشر معلومات مضللة عن جيتس وفيروس كورونا قد تمت مشاهدتها ما يقرب من خمسة ملايين مرة في شهري مارس وأبريل.

تختلف الأكاذيب التي تُنشر حول بيل جيتس، ولكن يركز أغلبها على أنه السبب وراء تخليق فيروس كورونا المستجد ليستفيد بعدها من بيع اللقاح، أو أنه عضوا في مؤامرة لإفناء البشرية أو وضع نظام المراقبة العالمي.

كما كانت هناك بعض النظريات الأخرى الغريبة أيضًا، وهي تشمل ادعاءات بأن مؤسسة بيل ومليندا جيتس قد قامت باختبار اللقاحات ضد الأطفال في أفريقيا والهند بالفعل، مما أدى إلى وفاة الآلاف ولإصابات خطيرة. حتى أن إحدى المنشورات يؤكد أن بيل جيتس يواجه المحاكمة في الهند!

وتشير نظرية أخرى إلى اتهامه بنشر لقاح ضد التيتانوس في كينيا حيث يتضمن هذا اللقاح عقار للإجهاض! وبالطبع الاتهام الأشهر حاليًا، وهو أنه يصنع اللقاح لكي يزرع شرائح ويطبق نظامًا عالميًا للمراقبة!

كيف تحول بيل جيتس لأخطر رجل في العالم؟

بيل جيتس

إذا كيف تحول مؤسس مايكروسوفت، والذي تبرع بالفعل بمليارات الدولارات في مجال الرعاية الصحية العالمية، من خلال المؤسسة الخيرية التي يديرها مع زوجته مليندا، إلى أخطر رجل في العالم؟

جوزيف أوسينسكي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميامي ومؤلف عدّة كتب عن نظريات المؤامرة، يعتقد ببساطة لأن بيل جيتس غني ومشهور!

حيث كما يذكر أوسينسكي أن نظريات المؤامرة تتعلق غالبًا باتهام أشخاص أقوياء بالقيام بأعمال شريرة للغاية. النظريات هي نفسها في الأساس، ولكن تتغير الأسماء فحسب في كل مرة. وفي حين أن أغلب نظريات المؤامرة تذهب أدراج الرياح، فإن تلك التي تبقى لأطول فترة هي التي تقدم أشرارًا عمالقة، وتتحدث عن قضايا يهتم بها الناس فعلًا.

ووفقًا لأوسينسكي، ليس من المستغرب أن يتم اتهام الأغنياء والشركات الكبرى بالتآمر علينا، لوضع شرائح في أعناقنا، لأن هذا شيء نخشاه فعلًا. حيث كانت هذه ذخيرة نظريات المؤامرة لفترة طويلة جدًا من الزمن!

وبينما يعتقد أن مثل هذه النظريات ليس لها صلة بالحقيقة على الإطلاق، إلا أن كثير من الأشخاص ما زالوا ينخدعون بها. وكانت قد وجدت دراسة استقصائية جديدة أن 44% من الجمهوريين في أمريكا يؤمنون بأن بيل جيتس يخطط لاستخدام لقاح فيروس كورونا ليزرع شرائح داخل المليارات من الأشخاص حول العالم، من أجل رصد ومراقبة تحركاتهم.

من الصعب البحث والتأكد من جذور نظريات المؤامرة، لكن الأمر الأكيد أن الإنترنت يساهم في انتشارها أكثر وأكثر!

وقد ازدهرت نظريات المؤامرة بشكل خاص خلال هذا الوباء العالمي، لأن معظمنا في حالة نفسية سيئة، وهذه الأزمة لم يسبق لها مثيل من حيث الحجم والنطاق العالمي، وحتى عدم اليقين، حيث تتغير مشورة المؤسسات الصحية باستمرار مع نشر دراسات جديدة. نحن في فترة زمنية من عدم اليقين والشك، والبشر يكرهون عدم اليقين، ويفضلون السيطرة والمعرفة دائمًا.

ولكي نتعامل مع ذلك، يلجأ الأشخاص إلى ما يُعرف بصنع المعنى الجماعي. حيث نتمسك بأي معلومات متاحة، لنصنع نوع من المعنى والمنطق والنظام للأحداث، وهنا تبدأ طاحونة الشائعات في العمل. ونظريات المؤامرة، وخاصة نظريات المؤامرة المتعلقة بـ بيل جيتس، تملء هذه الفراغات المعرفية لدينا!