إنفيديا والذكاء الاصطناعي | رحلة من الابتكار إلى التريليون دولار
تُعد صناعة الألعاب كما نشهدها اليوم برعاية العملاقة التكنولوجية إنفيديا؛ إذ شكلت المعالجات الرسومية GeForce الكثير من ملامح صناعة الألعاب وممارستها أيضًا. لكن رغم النجاح الهائل للمعالجات الرسومية (GPU) لإنفيديا في صناعة الألعاب؛ فرؤية الشركة الواسعة تحت مظلة المؤسس والرئيس التنفيذي، جنسن هوانغ، بالإضافة إلى خبرتها الهائلة دفعتها لتطوير منتجات تساهم في مجال الذكاء الاصطناعي.
في 2007؛ طورت إنفيديا CUDA وهي منصة حوسبة متوازية ونظام برمجي يتيح للمطورين استخدام وحدات معالجة الرسومات (GPUs) لأغراض الحوسبة العامة والتي تتجاوز عرض الرسومات؛ مثل المحاكاة العلمية وتحليلات البيانات وتعلم الآلة. وشكل هذا تحولًا كبيرًا في تركيز الشركة من معالجة الرسومات فقط إلى مجموعة أوسع من التطبيقات. وفي عامي 2012 و2014 على التوالي؛ صممت الشركة معماريتي كبلر وماكسويل، وقدمت وحدات معالجة الرسومات تلك تحسينات كبيرة في كفاءة الطاقة والأداء وعرض النطاق الترددي للذاكرة؛ ما جعلها مثالية لتطبيقات مركز البيانات والحوسبة السحابية.
وأصدرت الشركة معماريتي باسكال وفولتا، في عامي 2016 و2017؛ وقدمت تلك المعماريات من إنفيديا تقدمًا كبيرًا في قدرات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق؛ إذ قدم باسكال أول مُسرع للذكاء الاصطناعي قائم على وحدة معالجة الرسومات؛ فيما قدم فولتا Tensor Cores، والتي تسرع حسابات التعلم العميق بشكلٍ كبير؛ ما يقلل من وقت التدريب والاستدلال للنماذج اللغوية الكبيرة (LLMs).
في عام 2017؛ لفتت شركة OpenAI الناشئة الأنظار إلى شركة Nvidia ومعالجاتها، عندما طلبت معالجات رسومية لتدريب نموذج GPT الأول. ازداد الطلب بشكلٍ كبير بعد إصدار ChatGPT (GPT-3.5) في عام 2022، والذي أحدث ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ إذ أدى نجاح GPT-3.5 إلى خلق منافسة شرسة بين الشركات التقنية العملاقة لإنشاء بوت دردشة بقوة GPT-3.5؛ ما تسبب في زيادة الطلب على معالجات Nvidia بشكلٍ هائل. وكانت تلك هي بداية القفزة التاريخية والنجاح الغير مسبوق لشركة إنفيديا.
ولكن ليست تلك السابقة الأولى لإنفيديا؛ إذ تبحث إنفيديا دائمًا عن أسواق المستقبل؛ مثل سوق العملات المشفرة. شهد الإقبال على معالجات إنفيديا ذروته خلال فترات ارتفاع أسعار العملات المشفرة؛ ما تسبب في إقبال هائل من المُعدنين للحصول على أفضل المعدات لزيادة أرباحهم. وقد أدى هذا إلى ارتفاع أسعار معالجات إنفيديا ونقص في المعروض في بعض الأحيان.
Nvidia مستعدة للذكاء الاصطناعي قبل أن يخرج للحياة
ساهمت الرؤية الاستباقية للمؤسس والرئيس التنفيذي جنسن هوانغ في احتلال إنفيديا الجزء الأضخم من خارطة مستقبل الذكاء الاصطناعي الحديث؛ على الرغم من شهرة إنفيديا بوحدات المعالجة الرسومية للألعاب، أدرك هوانغ أن المستقبل يتطلب مرونة تضمنت الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يحققها الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات؛ مثل السيارات آلية القيادة والرعاية الصحية والروبوتات.
وجهت إنفيديا استثمارات ضخمة في البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، قبل أن يصبح المجال شائعًا أو توجه عالمي من قِبل الشركات التقنية؛ إذ عملت الشركة على بناء منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي من البرمجيات، والأدوات، والمكتبات، والبرامج الوسيطة التي تعمل معًا بسلاسة لتسهيل وتسريع عملية تطوير ونشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وتشمل المنظومة برمجيات CUDA ومكتبات cuDNN؛ وهي مكتبة برمجية متخصصة في تسريع الشبكات العصبونية العميقة والتي تُعد رئيسية في العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي. كما أنشأت العديد من أدوات التطوير الآخرى؛ مثل Nvidia Nsight Systems وNvidia Nsight Compute، التي تساعد المطورين على تحليل وتصحيح أخطاء تطبيقات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم. أدت المنظومة إلى تبسيط عملية التطوير وتحسين الأداء بالإضافة إلى تحقيق أقصى استفادة من قدرات وحدات معالجة الرسومات الخاصة بإنفيديا.
دخول إنفيديا نادي التريليونات
في 2023؛ ارتفعت القيمة السوقية لإنفيديا من 364 مليار إلى 1.2 تريليون دولار! مُحققةً ارتفاع هائل بنحو 235% في العام المُسمى "بعام الذكاء الاصطناعي". شهد عام 2023 منافسة شرسة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ إذ تسبب الطلب المتزايد على معالجات إنفيديا إلى نقص في وحدات معالجة الرسومات.
وانضم عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل، وميكروسوفت، وميتا، وأمازون في سباق تطوير الذكاء الاصطناعي، مستثمرين مبالغ طائلة في بناء البنية التحتية اللازمة لتقديم منتجات متطورة في هذا المجال. وتسبب التوجه العالمي في ظهور آلاف الشركات الناشئة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى توسع استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاعاتٍ أخرى؛ مثل الرعاية الصحية، والأمن السيبراني، وتحليلات البيانات، والزراعة، والتنقل الذكي والمركبات آلية القيادة، فعلى سبيل المثال؛ استثمرت شركة تسلا في شراء 10 آلاف وحدة من معالجات H100 من شركة إنفيديا لتطوير نظام القيادة الآلية الخاص بها.
وشهدت صناعة مراكز البيانات والحوسبة السحابية ازدهارًا هائلاً في الآونة الأخيرة، مدفوعة بعدة عوامل رئيسية؛ فشركات الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى كميات هائلة من البيانات والقدرات الحاسوبية العالية لتدريب وتطوير نماذجها، وهو ما توفره مراكز البيانات بكفاءة. بالإضافة إلى ذلك؛ يساهم التوجه العالمي نحو الرقمنة في زيادة الطلب على مراكز البيانات لتلبية احتياجات البنية التحتية الرقمية المتنامية. ومن جانب آخر، تتيح الخدمات السحابية للشركات والأفراد الوصول إلى موارد حاسوبية ضخمة دون الحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية الخاصة بهم؛ ما يعزز من جاذبية هذا القطاع.
إنفيديا هي المستفيد الأكبر من ثورة الذكاء الاصطناعي حتى الآن.
وفي النصف الأول من 2024 ارتفعت القيمة السوقية لإنفيديا من 1.2 تريليون إلى 2.9 تريليون؛ ما شكل ارتفاعًا بنحو 141.9% لتصل الشركة بذلك إلى الترتيب الثالث عالميًا للشركات الأعلى قيمة في العالم، متأخرةً عن أبل بنحو 20 مليار دولار فقط؛ لذا يمكن أن نرى إنفيديا في المركز الثاني في وقتٍ قريب. وحققت أسهم إنفيديا قفزة بنسبة 500% خلال عام ونصف بدايةً من عام 2023 تزامنًا مع ارتفاع الإيرادات والأرباح بشكلٍ هائل. وحققت إنفيديا في نتائج الربع الأول للعام المالي 2024؛ نحو 86% من الإيرادات لصالح مبيعاتها لمراكز البيانات.
ويرجع ذلك إلى الاستمرار في تعزيز وتطوير المجالات الناشئة عن الذكاء الاصطناعي؛ إذ ازدادت استخداماته في شتى المجالات؛ مثل الرعاية الصحية للتشخيص المبكر وابتكار الأدوية. وبرزت العديد من المجالات الأخرى في الذكاء الاصطناعي مثل؛ التعليم، والبيئة والاستدامة، والألعاب والترفيه، والخدمات المالية، بالإضافة إلى توجه شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنتاج ذكاء اصطناعي عام (AGI)؛ مثل شركة xAI الناشئة على سبيل المثال؛ إذ أعلنت عن إنشاء كمبيوتر خارق بـ 100 ألف وحدة H100 من إنفيديا.
أعلنت شركة إيلون ماسك الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي xAI أنها جمعت 6 مليارات دولار في جولة تمويل من السلسلة B؛ ما أدى إلى ارتفاع سهم إنفيديا بنسبة تصل إلى 8% في يوم التداول التالي، ليتجاوز سهم الشركة حاجز 1100 دولار للمرة الأولى على الإطلاق.
شهد قطاع الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي تطورات كبيرة مؤخرًا، يشار لها في حصول OpenAI على كمبيوتر خارق من إنفيديا بتقنية المعالجات الجديدة H200، وإعلان ميكروسوفت عن إنشاء كمبيوتر خارق آخر لـ OpenAI في مؤتمرها الأخير Microsoft Build 2024. ويعكس هذا النمو المتسارع مكانة إنفيديا الرائدة في هذا المجال؛ إذ تستثمر الشركات الكبرى مثل أوراكل مليارات الدولارات في معالجاتها.
رأى إيلون ذلك "الكمبيوتر الخارق لـOpenAI"، وقال لي "أريد واحدًا من هؤلاء" (الرئيس التنفيذي جنسن هوانغ في قمة DealBook)
وتُعد شركات التكنولوجيا العملاقة مثل أمازون وميتا وميكروسوفت وألفابيت (جوجل) من أكبر عملاء إنفيديا، إذ يساهم العمالقة الأربعة بما يقرب من 40٪ من إيراداتها، بالإضافة إلى أهمية عملاء مثل تسلا وOpenAI. وتؤكد هذه التطورات على الدور المحوري الذي تلعبه إنفيديا في دفع عجلة التقدم في مجالات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، وتلبية الاحتياجات المتزايدة لهذه التقنيات المتطورة.
حققت شركة إنفيديا نجاحًا باهرًا في عالم التكنولوجيا خلال العام والنصف الماضيين. وفي حين أثار ChatGPT من OpenAI طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن إنفيديا هي التي حصدت معظم المكاسب حتى الآن؛ لذا من شبه المؤكد أن أي شركة تستثمر في مجال الذكاء الاصطناعي هي عميل لشركة إنفيديا.
المخاطر التي تحيط بإنفيديا
تشكل اعتمادية إنفيديا الكبيرة على عدد قليل من شركات التكنولوجيا العملاقة كعملاء رئيسيين تهديدًا محتملًا لاستقرارها ونموها على المدى الطويل؛ إذ تصبح الشركة عرضةً لأداء هؤلاء العملاء، وقد تسعى شركات التكنولوجيا العملاقة إلى تنويع مورديها أو تطوير حلول مماثلة داخليًا؛ ما قد يؤدي إلى خسارة إنفيديا لحصتها في السوق وانخفاض إيراداتها. وترتبط مبيعات إنفيديا ارتباطًا وثيقًا باستثمارات عملائها الرئيسيين في مجالات مثل الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، إذا تغيرت أولويات هذه الشركات أو تباطأ نمو هذه الأسواق، فقد تتأثر نتائج إنفيديا.
في لقاء مع الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، السيد جنسن هوانغ، تحدث عن التحديات التي تواجه اعتماد إنفيديا على شركة TSMC لتصنيع رقاقاتها؛ إذ تخشى الشركة من خطر غزو الصين لتايوان وقطع سلاسل التوريد عنها؛ ما يمكن أن يؤثر بشكل فوري على إنفيديا نظرًا لاستمرارية نفاذ مخزونها بسبب زخم الطلب على منتجاتها.
وعبر السيد جين سون هوانغ في نوفمبر 2023؛ أنه يدرك أن هناك منافسين في السوق يحاولون التفوق على شركته وتقنياتها. ومع ذلك، فهو يثق في قدراته وقدرات فريقه، ولا يشعر بالتهديد من هذه المنافسة. بل يعتبرها حافزًا يدفعه إلى بذل المزيد من الجهد للحفاظ على مكانة شركته الرائدة في مجال تطوير وحدات معالجة الرسومات وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وتحدث الرئيس التنفيذي عن التحديات التي تواجه إنفيديا بسبب المنافسة؛ إذ تستثمر شركات أخرى مثل إنتل وAMD بكثافة في الذكاء الاصطناعي وتحاول تطوير رقاقاتها باستمرار. على سبيل المثال؛ طورت إنتل سلسلة معالجات Nervana Neural Network (NNP) المصممة خصيصًا لأحمال عمل الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التدريب والاستدلال. كما تقدم إنتل مجموعة واسعة من المعالجات المحسنة للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك سلسلة Xeon Scalable. تقدم AMD معالجات EPYC المحسنة للذكاء الاصطناعي والمصممة لخوادم مراكز البيانات، وتتعاون AMD أيضًا مع شركاء في النظام البيئي، مثل جوجل وميكروسوفت، لتحسين أداء أجهزتها في حالات استخدام الذكاء الاصطناعي.
تحاول شركة إنتل، التي تجاوزتها إنفيديا العام الماضي من ناحية الإيرادات، ترسيخ وجودها في مجال الذكاء الاصطناعي؛ إذ أعلنت الشركة مؤخرًا عن الإصدار الثالث من مسرع الذكاء الاصطناعي الخاص بها Gaudi 3 والذي قارنته إنتل مباشرةً بـH100 من إنفيديا، واصفة إياها بأنها بديل أكثر فعالية من ناحية التكلفة وأفضل في تشغيل الاستدلال وأسرع في تدريب النماذج. وعلى الرغم من ذلك قدر محللو بنك أمريكا مؤخرًا أن إنتل ستمتلك أقل من 1٪ من سوق رقائق الذكاء الاصطناعي هذا العام.
تشير تقديرات Mizuho Securities إلى أن إنفيديا تسيطر على ما بين 70% و 95% من سوق رقائق الذكاء الاصطناعي المستخدمة في تدريب ونشر نماذج مثل GPT من OpenAI.
وصف بعض الخبراء إنفيديا بـ "الخندق". ويعني ذلك أن إنفيديا بنت لنفسها موقعًا حصينًا يصعب على المنافسين اختراقه أو تجاوزه؛ إذ تتمتع بميزة تنافسية قوية في سوق رقائق الذكاء الاصطناعي، نظرًا لتحقيق بداية مبكرة وتفوق كبير على منافسيها في سوق رقاقات الذكاء الاصطناعي. وهذا التفوق يجعل من الصعب على العملاء والشركات التفكير في التحول إلى بدائل أخرى، حتى لو كانت هذه البدائل أرخص أو تقدم بعض المميزات الإضافية.
تُعد العقبة الرئيسية التي قد تواجه الشركات المنافسة لإنفيديا في مجال رقاقات الذكاء الاصطناعي هي البرمجيات. تعتمد نفيديا على برنامج CUDA الخاص بها للتحكم في وحدات معالجة الرسومات (GPUs) وتنفيذ عمليات الذكاء الاصطناعي. هذا البرنامج قوي وشائع الاستخدام بين المطورين؛ ما يجعل من الصعب على الشركات الأخرى منافسة إنفيديا دون توفير بديل قوي ومجاني لـ CUDA.
وللتغلب على هذه العقبة، تتعاون شركتا AMD و Intel مع Google وشركات أخرى في إطار مؤسسة UXL لتطوير بدائل مجانية لبرنامج CUDA. وتهدف هذه المبادرة إلى تسهيل استخدام وحدات معالجة الرسومات من AMD و Intel في تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ ما يزيد من المنافسة في هذا السوق ويخفض التكاليف على المطورين والمستخدمين النهائيين. والذي بدوره يمكن أن يسمح لإنتل وAMD بمشاركة إنفيديا في حصتها الهائلة في سوق الرقاقات.
ومع ذلك، فإن المنافسة المتزايدة من إنتل وAMD، إلى جانب ظهور بدائل مفتوحة المصدر مثل RISC-V، يمكن أن تعيد تشكيل ديناميكيات السوق في السنوات القادمة. سيؤدي الابتكار المستمر والاستثمار من جانب جميع اللاعبين الرئيسيين إلى تسريع وتيرة التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي؛ ما يفيد الصناعة والمجتمع ككل.
في يونيو الماضي، بالغ إيلون ماسك في وصف إنفيديا بأنها احتكارية، ردًا على منشور على X اتهم إنفيديا "برفع سعر" وحدات معالجة الرسومات الخاصة بها.
يمكن أن تفتح عملية الانتقال من مرحلة تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة الاستدلال (وهي مرحلة تطبيق النماذج التي دُربت بالفعل على بيانات جديدة) الباب أمام الشركات لاستبدال وحدات معالجة الرسومات (GPUs) باهظة الثمن التي تنتجها إنفيديا. وتكمن إمكانية التحول في أن مرحلة الاستدلال تتطلب عادةً قوة حاسوبية أقل من مرحلة التدريب وبالتالي؛ يمكن للشركات استخدام رقاقات أقل قوة وتكلفة في هذه المرحلة؛ ما يوفر لها الكثير من المال. تُعد رقاقات إنفيديا مُكلفة جدًا؛ إذ تصل الشريحة إلى 30 ألف دولار أو أكثر؛ ما قد يدفع الشركات إلى البحث عن بدائل أرخص.
انضمام إنفيديا للسباق COMPUTEX2024
تواجه إنفيديا أخطار سوق الرقاقات بانضمامها إلى سباق الذكاء الاصطناعي؛ إذ أعلنت عن العديد من المفاجآت في مؤتمر كومبيوتكس 2024؛ أعلنت إنفيديا عن منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ وهي مجموعة من الأنظمة والبرامج والخدمات الجديدة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي التوليدي، بما في ذلك NVIDIA AI Enterprise 4.0 وNVIDIA NeMo framework.
وأعلنت عن تقنية Earth-2 وهو توأم رقمي للأرض والذي سيمكننا من محاكاة كوكب الأرض. Earth-2 هو نظام حوسبة فائق مصمم خصيصًا لمحاكاة مناخ الأرض بدقة عالية؛ ما يسمح للباحثين بمحاكاة التفاعلات المعقدة بين الغلاف الجوي والمحيطات والأرض والأنشطة البشرية. ويستخدم Earth-2 الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لمعالجة كميات هائلة من البيانات المناخية وإنشاء نماذج تنبؤية مفصلة. وتصل القدرات الحاسوبية لـEarth-2 لأكثر من 100000 وحدة معالجة رسومات (GPU) من إنفيديا؛ ما يجعله أحد أكثر المحاكاة المناخية طموحًا وحسابيًا في العالم.
ستعمل محاكاة Earth-2 على Omniverse، وهي منصة إنفيديا للتعاون والمحاكاة ثلاثية الأبعاد في الوقت الفعلي. في كلمته الرئيسية في COMPUTEX 2024، عرض السيد جنسن هوانغ روبوتات تستخدم في النقل والرعاية الصحية والتصنيع الصناعي. في أحد العروض، عرضت Foxconn، أكبر شركة مصنعة للإلكترونيات في العالم، مصنعًا مستقلًا مُحاكى بالكامل في NVIDIA Omniverse، والذي يضم أساطيل من الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والتي طورها شركاء NVIDIA في مجال الروبوتات، بناءً على NVIDIA Isaac.
أعلنت NVIDIA أن الشركات الرائدة في مجال تطوير الروبوتات في العالم تتبنى منصة NVIDIA Isaac للروبوتات للبحث والتطوير والإنتاج للجيل القادم من الآلات والروبوتات ذاتية التحكم المدعومة بالذكاء الاصطناعي. تطبيق مرجعي لمحاكاة واختبار والتحقق من صحة الروبوتات في بيئات تعتمد على الفيزياء، ولتوليد بيانات تركيبية، استنادًا إلى منصة NVIDIA Omniverse تعد BYD Electronics وSiemens وTeradyne Robotics و Intrinsic من بين أكثر من اثني عشر شركة رائدة في صناعة الروبوتات على مستوى العالم.
والتي تدمج مكتبات NVIDIA Isaac المتسارعة والمحاكاة القائمة على الفيزياء ونماذج الذكاء الاصطناعي في أطر عملها البرمجية ونماذج الروبوتات الخاصة بها لجعل المصانع والمستودعات ومراكز التوزيع أكثر كفاءة وأمانًا لزملائها من البشر، وتعمل كمساعدين أذكياء للمهام المتكررة أو الدقيقة للغاية.
قال رولاند بوش، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة Siemens AG، أن الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي ستعمل على تسريع التحول الرقمي للصناعة وتولي المهام المتكررة التي كان من المستحيل أتمتتها من قبل حتى نتمكن من إطلاق العنان للإمكانات البشرية للقيام بعمل أكثر إبداعًا وقيمة.
لا تعد هذه الخطوات من إنفيديا بتحسين الكفاءة والإنتاجية عبر مجموعة واسعة من الصناعات فحسب، بل ستمكننا أيضًا من معالجة بعض أكثر التحديات إلحاحًا التي تواجه عالمنا، مثل تغير المناخ من خلال تسخير قوة الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة؛ إذ يمكننا اكتساب رؤى جديدة، وإنشاء حلول مبتكرة، وإحداث تأثير إيجابي على نطاق غير مسبوق. إن انضمام إنفيديا إلى سباق الذكاء الاصطناعي ليس مجرد خطوة استراتيجية للشركة؛ بل إنه يمثل لحظة فارقة في تطور التكنولوجيا، نظرًا لإمكانياتها الهائلة. كما تؤكد مكانة إنفيديا كلاعب رئيسي في سباق الذكاء الاصطناعي. لكن هل من الممكن أن يذهب الذكاء الاصطناعي إلى الفضاء؟ هل يمكن أن نرى يومًا تتعاون فيه إنفيديا مع ناسا لنحاكي بذلك الكون الواسع!
إنفيديا تفاجئ الجميع بقفزة هائلة أخرى
بعد أيام من مؤتمر كومبيوتكس 2024؛ قفز سعر سهم Nvidia بأكثر من 5% يوم 5 يونيو في بورصة ناسداك، ليغلق اليوم عند 1224 دولارًا. وقد تجاوزت قيمة الشركة حاجز الـ 3 تريليون دولار لأول مرة في تاريخها؛ لتحتل بذلك المرتبة الثانية في أكثر الشركات قيمة في العالم! مُتجاوزةً بذلك آبل التي تقترب من النزول مرتبة أخرى بعد تفوق ميكروسوفت عليها بفضل الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي أيضًا.
وصفت Wall Street Journal الارتفاع غير المسبوق بأنه بدعم من الدور الذي تلعبه رقائق إنفيديا في تعزيز الذكاء الاصطناعي، الذي يهدد بتعطيل كل صناعة كبرى تقريبًا. تمكنت Nvidia من اللحاق بموجة تلو الأخرى من النمو. بدءًا من الطلب على الألعاب، ثم العملات المشفرة، والآن الذكاء الاصطناعي، تمكنوا من الجمع بين الابتكار والطلب بشكل مثالي وهذا ساوى نموًا هائلًا.
هل نرى إنفيديا تحتل مكان ميكروسوفت أيضًا في المستقبل؟
هل تمثل إنفيديا فقاعة اقتصادية؟
بلغ إجمالي إيرادات NVIDIA للربع الأول من عام 2025 (الفترة من 29 يناير إلى 28 أبريل 2024)، 26 مليار دولار بزيادة 262% على أساس سنوي. كانت توقعات الإيرادات الجماعية عند 24.7 مليار دولار "وهي متوسط توقعات المحللين الماليين لإيرادات شركة معينة خلال فترة زمنية محددة". وقد تعززت البيانات المالية بشكل كبير من خلال إيرادات مراكز البيانات، التي وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بلغ 22.6 مليار دولار، بزيادة 427% عن نفس الفترة من العام الماضي.
ونما صافي ربح الشركة بنسبة 628٪ إلى 14.9 مليار دولار مقارنة بالربع الأول من السنة المالية 2024، وكان هامش صافي الربح 57٪، وهو رقم غير مسبوق لشركة ضخمة مثل NVIDIA، للمقارنة فقط كان هامش صافي ربح ميكروسوفت للربع الأخير من عام 2023 حوالي 35٪، بينما بلغ هامش أبل 26%.
تبدأ السنة المالية لبعض الشركات في وقت مختلف عن السنة التقويمية. في حالة NVIDIA، تبدأ سنتها المالية في 29 يناير، لذا فإن الربع الأول من سنتها المالية 2025 يقع في الفترة من 29 يناير إلى 28 أبريل 2024.
هذا يعني أن السنة المالية 2025 لشركة NVIDIA تشمل جزءًا من عام 2024 وجزءًا من عام 2025. هذا هو السبب في أن الربع الأول من عام 2024 يُشار إليه على أنه الربع الأول من السنة المالية 2025 للشركة.
تتمتع إنفيديا بقوة تسعير كبيرة في السوق؛ إذ يبلغ هامش الربح الإجمالي للشركة 78٪. وهذا رقم مرتفع بشكل غير عادي بالنسبة لشركة تصنع وتشحن منتجات مادية؛ ما يشير إلى أن إنفيديا قادرة على فرض أسعار عالية على منتجاتها بسبب الطلب الكبير عليها. وارتفعت أسهم Nvidia بنسبة 13% تقريبًا منذ أن توقعت الشركة إيرادات الربع الثاني أعلى من توقعات وول ستريت وأعلنت عن تجزئة الأسهم؛ ما أثار حماس المستثمرين الذين يواصلون المراهنة على شركة الذكاء الاصطناعي الرائدة.
وتضاعفت أسهم الشركة بأكثر من الضعف حتى الآن هذا العام بعد أن تضاعفت أكثر من ثلاثة أضعاف في العام الماضي. وتتداول أسهم إنفيديا مؤخرًا بـ 37 ضعف لتقديرات أرباحها الآجلة، مقابل 38 ضعف لـ AMD و21 ضعف لشركة إنتل.
مضاعف الربحية الآجل هو مقياس يستخدم لتقييم سعر سهم الشركة مقارنة بأرباحها المتوقعة في المستقبل (الآجلة)؛ هذا المقياس يساعد المستثمرين في تحديد ما إذا كان سعر السهم مبالغ فيه أو منخفض بناءً على توقعات الأرباح المستقبلية. وفي حالة إنفيديا يعني هذا أن سعر السهم يتداول بمضاعف ربحية آجل قدره 37؛ ما يعني أن المستثمرين على استعداد لدفع 37 ضعفًا للأرباح المتوقعة للسهم في السنة المقبلة.
لنفترض أن الأرباح المتوقعة لكل سهم لشركة إنفيديا في السنة المقبلة هي 10 دولار ومضاعف الربحية الآجل 37، فإن سعر السهم الحالي يكون 370. بمعنى آخر، المستثمرون يعتقدون أن قيمة الأرباح المستقبلية للشركة تستحق دفع سعر يعادل 37 مرة تلك الأرباح المتوقعة؛ ما يعكس ثقتهم في نمو أرباح الشركة في المستقبل ويشير إلى مستوى التفاؤل لديهم تجاه أدائها.
لم يتفق الخبراء على رأي محدد؛ إذ قال ديرين ناثان، رئيس قسم تحليل الأسهم في Hargreaves Lansdown، أن السوق يواجه صعوبة في تقييم إنفيديا بشكلٍ صحيح بسبب نموها السريع والمستمر. وأشار أن "مضاعف الأرباح الآجلة في منتصف الثلاثينات" مرتفع مقارنةً بأرباح إنفيديا المتوقعة. ومع ذلك، يعتقد ديرين ناثان أن هذا لا يشير بالضرورة إلى وجود فقاعة اقتصادية؛ إذ أن نمو الشركة القوي يبرر هذا التقييم المرتفع.
وقال دان كوتسورث، محلل الاستثمار في AJ Bell، عندما سئل عن ارتفاع السهم؛ أن الأعمال تسير بشكل جيد بشكل لا يصدق إشارة إلى قوة أداء Nvidia والذي فاق التوقعات، وصرح عن وجود العديد من الفرص لمواصلة النمو، وأن مجال الذكاء الاصطناعي لديه قوة دفع. وشبه الأمر بقوله "عندما تكون الأغنية جذابة للغاية، يريد المستثمرون الاستمرار في ترديدها طوال اليوم".
وحذر جيسي فيلدر، محلل مالي مخضرم ومؤسس "تقرير فيلدر" (The Felder Report)، وهو نشرة إخبارية مالية متخصصة في التحليل المالي والأسواق، من أن جنون شراء الرقاقات لن يستمر، وأن العوائد الضخمة للسوق ستجف، وقد يغرق الاقتصاد في الركود التضخمي. وحذر من أن الأسهم أصبحت باهظة الثمن للغاية لدرجة أن عوائدها المستقبلية من المؤكد أن تكون مخيبة للآمال.
أصبحت Nvidia أسرع شركة تنمو من تريليون دولار إلى 2 تريليون دولار في عام 2024، متجاوزة أمازون وألفابيت الشركة الأم لجوجل وأرامكو السعودية.
وأشار إلى أن التوقعات باستمرار هذه الأصول في تحقيق عوائد عالية هي توقعات غير واقعية ومستندة إلى معطيات غير مستدامة؛ ما يشير إلى أنها فقاعة. الفقاعة هنا تعني أن الأسعار قد ارتفعت بشكل غير منطقي وستنخفض بشكل حاد عندما تواجه الأسواق تصحيحات كبيرة في المستقبل. وقال فيلدر أن صناعة أشباه الموصلات دورية؛ ما يعني أنها تتأرجح بين الازدهار والانهيار بمرور الوقت. والشركات المتحمسة للغاية للذكاء الاصطناعي طلبت ضعف أو ثلاث مرات الكمية التي تحتاجها من الرقاقات من موردين مثل إنفيديا في سعيها لتأمين نفسها؛ ما يعني أن السوق ستكون مشبعة.
ما بعد التريليونات - ماذا نتوقع لإنفيديا؟
لا شك أن NVIDIA دليل على النمو الهائل للذكاء الاصطناعي وتأثيره العالمي. وكما قال الرئيس التنفيذي للشركة، يبدو أننا نشهد بالفعل ثورة صناعية جديدة. ومع ذلك، وحده الزمن سيحدد ما إذا كانت الشركات ستكون قادرة على تحقيق الربح من هذه التكنولوجيا على المدى الطويل وما إذا كانت استثماراتها بمليارات الدولارات ستكون منطقية. ولكن على الرغم من العقبات العديدة، يبدو أننا أمام مستقبل مثير مع الذكاء الاصطناعي.
تُعد إنفيديا قصة نجاح استثنائية في عالم التكنولوجيا، مدفوعةً برؤيتها الاستباقية وتبنيها للذكاء الاصطناعي. إن مكانتها الرائدة في سوق رقائق الذكاء الاصطناعي، جنبًا إلى جنب مع منظومتها المتكاملة للذكاء الاصطناعي، قد عززت مكانتها كلاعب رئيسي في هذا المجال. ومع ذلك، تواجه الشركة أيضًا تحديات كبيرة، بما في ذلك احتمالية حرب صينية - تايوانية والمنافسة المتزايدة من شركات مثل إنتل وAMD.
ويثير التقييم المرتفع لأسهم إنفيديا تساؤلات حول ما إذا كانت تمثل فقاعة اقتصادية أم لا. وبعد تخطي قيمتها السوقية لأبل هل تحافظ على ذلك التخطي وتبدأ في التسلل لمرتبة ميكروسوفت؟ لكن على الرغم من المخاطر التي تواجهها، فإن استثمارات إنفيديا المستمرة في البحث والتطوير، إلى جانب توسعها في العديد من المجالات، وشراكتها مع شركات التقنية العملاقة، بالإضافة إلى استثماراتها في الشركات الناشئة الواعدة في مجال الذكاء الاصطناعي تشير إلى أنها مستعدة لمواصلة الابتكار والنمو في المستقبل.
في النهاية، سيعتمد نجاح إنفيديا على المدى الطويل على قدرتها على التكيف مع مشهد التكنولوجيا المتغير باستمرار والتغلب على التحديات التي تنتظرها وهو ما أثبتت نجاحها فيه مرارًا وتكرارًا.
?xml>هل تمثل إنفيديا فقاعة اقتصادية؟
رغم النمو الهائل الذي حققته إنفيديا مؤخرًا مدفوعةً بالطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك مخاوف من عدم استدامة هذا النمو على المدى الطويل بسبب المبالغة في تقييم سعر السهم مقارنة بالأرباح وطبيعة صناعة أشباه الموصلات الدورية.
لكن نجاح إنفيديا يبدو مبنيًا على أسس قوية من الابتكار والاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وهي في وضع تنافسي جيد رغم احتمالية تباطؤ وتيرة نموها الحالية لمعدلات أكثر استدامة مستقبلاً.
هل تتقدم إنفيديا على أبل بشكلٍ دائم؟
فقدت آبل مركزها الأول لصالح ميكروسوفت في وقتٍ سابق من هذا العام؛ إذ تعاني الشركة التي كانت ذات يوم عالية الأداء من ضعف الطلب على أجهزة iPhone والمنافسة الشديدة في الصين بسبب هواوي. وبلغت قيمتها الأخيرة 3 تريليون دولار. ومن الجدير بالملاحظة بالتأكيد أن شركة Apple كانت مهيمنة لفترة طويلة، خاصة في مجال النمو والابتكار. لكن في الآونة الأخيرة، يبدو أن منحنى ابتكار آبل قد استقر؛ ما يُظهر نموًا مستقبليًا أبطأ.
من ناحية أخرى، تمكنت إنفيديا من اللحاق بموجة تلو الأخرى من النمو. بدءًا من الطلب على الألعاب، ثم العملات المشفرة، والآن الذكاء الاصطناعي، محققةً بذلك الجمع بين الابتكار والطلب بشكل مثالي؛ ما ساوى نموًا هائلاً.