برامج انقرضت تحت سطوة التكنولوجيا: هوتميل Hotmail
لا يهم كم كان عمرك حينها، ولكن من المحتمل أن يكون أول بريد إلكتروني لك عبر خدمة هوتميل Hotmail، أتذكر عندما كان لدي أكثر من بريد إلكتروني على هوتميل في الماضي، هل تتذكرون الإيميلات التي قمتم بإنشائها عبر الخدمة؟
كانت أوقاتا رائعة حينها، في ذلك الوقت ظهرت خدمة Hotmail في 4 يوليو عام 1996، بعد يوم واحد فقط من عرض فيلم يوم الاستقلال Independence Day في السينما، والآن بعدما أعدت تلك الذكريات الجميلة لأذهانكم، قد يتبادر سؤال منطقي لديكم، أين خدمة البريد الشهيرة هوتميل، وكيف فقدت كل شيء وأصبحت من الماضي؟
تابع قراءة هذا المقال لأننا سوف نتعرف إلى قصة هوتميل Hotmail وماذا حدث له وأين هو الآن ضمن سلسلة برامج انقرضت تحت سطوة التكنولوجيا.
خدمة هوتميل Hotmail
في منتصف التسعينيات، كان بإمكانك أن تُثير إعجاب الآخرين عندما تمتلك إيميل مميز أو قصير جدا، ولكي تحصل على عنوان بريد إلكتروني رائع، كان عليك التخلي عن العنوان التقليدي الذي تحصل عليه من موفر خدمة الإنترنت الخاص بك، في ذلك الوقت، كان العديد من المستخدمين يبحثون عن خدمة بريد إلكتروني تابعة لجهة خارجية، ولم يكن هناك أفضل من خدمة هوتميل Hotmail التي جذبت إليها الكثير من المستخدمين حينها.
فكرة و4000 دولار
تم إنشاء خدمة البريد الإلكتروني المجانية هوتميل بواسطة زملاء الدراسة في جامعة ستانفورد، جاك سميث وصابر بهاتيا. لقد جمعوا 4000 دولارًا أمريكيًا لبناء نموذج أولي في عام 1995 مما أدى إلى استثمار بقيمة 300000 دولار من صاحب رأس المال الاستثماري درابر فيشر وتم إطلاق Hotmail بعد فترة وجيزة في 4 يوليو عام 1996، الذي يصادف عيد الاستقلال الأمريكي، ليرمز حينها إلى الحرية من الخدمات المستندة إلى مزود خدمات الإنترنت ISP.
وتم اختيار اسم HoTMaiL تكريمًا لـ HTML، وهي لغة الترميز المستخدمة في إنشاء صفحات الويب. وكأحد خدمات البريد الإلكتروني الأوائل على الويب، سمح Hotmail للمستخدمين بالوصول إلى صندوق الوارد الخاص بهم من أي مكان في العالم طالما كان لديهم اتصال بالإنترنت. أولئك الذين قاموا بالتسجيل للحصول على حساب كانوا أحرارًا أيضًا في ابتكار بادئة خاصة بهم أو سلسلة من النصوص قبل الرمز @.
حقق هوتميل نجاحًا فوريًا حتى مع حد التخزين البالغ 2 ميجابايت، وهو أمر مثير للضحك وفقًا لمعايير اليوم ولكن تلك المساحة بدت مناسبة في ذلك الوقت وفي غضون الثلاثين يومًا الأولى، اجتذب هوتميل أكثر من 100000 مشترك وبعد أقل من ست أشهر وصل هوتميل لأول مليون مشترك.
عصر مايكروسوفت
بمجرد شهرته واجتذابه لملايين المستخدمين، بدأت شركة مايكروسوفت في محادثات للاستحواذ على هوتميل في أواخر عام 1997 تقريبًا، حينها كان لدى هوتميل حولي 10 ملايين مشترك على مستوى العالم ولديه حصة تصل إلى ربع سوق بريد الويب في العالم، وكان AOL أكبر مزود للبريد الإلكتروني في العالم في ذلك الوقت مع قاعدة مستخدمين وصلت إلى 12 مليون مشترك.
وافق مؤسسي هوتميل على عملية البيع إلى مايكروسوفت في صفقة يُقال إن قيمتها وصل إلى 400 مليون دولار وهذا جعل المؤسسين من أوائل المليونيرات في ذلك الوقت.
بمجرد إتمام الصفقة، حاولت مايكروسوفت الاستفادة من هوتميل، حيث أدخلت البريد الإلكتروني ليكون ضمن مجموعة خدمات MSN الخاصة بها (أصبح الاسم MSN Hotmail)، كانت المبادرة ناجحة بشكل كبير، حيث نمت قاعدة مستخدمي الخدمة بشكل سريع وبحلول أوائل عام 1999، كان لدى MSN Hotmail أكثر من 30 مليون مستخدم وكان يجذب 150000 مستخدم جديد يوميا.
وزادت شهرة هوتميل حيث كن البريد الإلكتروني هو النشاط الأكثر شيوعًا عبر الإنترنت في ذلك الوقت واعتمد عليه أكثر من 80% من مستخدمي الإنترنت. ومع إم إس إن هوتميل، قدمت مايكروسوفت خدمة سريعة ومجانية وموثوقة والأهم من ذلك أن بالإمكان الوصول إليها من أي جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت ومع وجود عدد قليل من المنافسين، نمت الخدمة بشكل سريع وقوي.
ثغرات أمنية
في عام 1999 ظهرت أول مشكلة لخدمة هوتميل حيث نشر بعض الهاكرز ثغرة أمنية تسمح لأي شخص بتسجيل الدخول إلى حساب Hotmail باستخدام كلمة المرور "eh". أنكرت مايكروسوفت إحدى النظريات التي أشارت إلى أنه كان بابًا خلفيًا تركه المطورون في مكانه عن طريق الخطأ، وبدلاً من ذلك أشارت إليه على أنه "مشكلة أمنية غير معروفة". أيا كان السبب، كانت تلك المشكلة الحادث الأمني الأكثر انتشارًا في تاريخ الويب.
وبعد عامين وتحديداً في 2001، تم اكتشاف أنه يمكن لأي شخص تسجيل الدخول إلى حساب هوتميل الخاص به وإنشاء عنوان URL مخصص لقراءة الرسائل الخاصة من حسابات أخرى دون الحاجة إلى كلمة مرور. كل ما يحتاجه المرء للتركيز على هدف معين هو اسم المستخدم الخاص ورقم رسالة ويمكن تخمين الأخير باستخدام برنامج مخصص لذلك.
بالرغم من مشكلات الأمان والثغرات التي ظهرت في هوتميل، لم تُركز مايكروسوفت على إيجاد حلول لتلك المشاكل حيث كان لديها أمور أخرى، ففي عام 2001، تم اطلاق ويندوز إكس بي ومتصفح إنترنت إكسبلورر 6، فضلا عن حرب المتصفحات الأولى ضد Netscape، كما واجهت مايكروسوفت دعاوي قضائية من الحكومة التي اتهمتها بأنها تمارس أساليب احتكارية للهيمنة على سوق أجهزة الكمبيوتر، كل تلك الأسباب ساهمت في تشتيت انتباه الشركة لعدة سنوات، إلا أن المشكلات الأمنية كانت قد بدأت في التناقص في خدمة هوتميل ولكن كان الآوان قد فات.
ظهور خدمة جيميل Gmail
في أبريل عام 2004 انتهت هيمنة هوتميل على خدمات البريد الإلكتروني وذلك حينما أطلقت جوجل خدمتها جيميل Gmail كمشروع تجريبي والذي كان يقدم 1 جيجابايت من السعة التخزينية المجانية.
كان العرض رائعًا من منظور تسويقي وبدا أن سعة الجيجابايت الكاملة تبدو وكأنها مساحة تخزين مجانية غير محدودة مقارنةً بما تقدمه خدمات بريد الويب الأخرى، وهذا أجبر اللاعبين الرئيسيين الآخرين وبالتحديد هوتميل وياهو على تصعيد الأمر وزيادة العروض والميزات والمساحة لإيقاف تقدم جيميل لكن دون فائدة، حيث اكتسبت خدمة جوجل الزخم في الوقت الذي انشغلت فيه مايكروسوفت ولم تقم بتحديث خدمة البريد الإلكتروني الخاص بها.
من هوتميل إلى Outlook
لم تكن مايكروسوفت قادرة على تطهير خدمة هوتميل من السمعة السيئة التي اكتسبها، حيث كانت الخدمة ملاذا للبريد العشوائي "spam"، حتى الجهود المبذولة لمعالجة البريد العشوائي بما في ذلك تحديث سياسة مكافحة البريد العشوائي والاحتفاظ بالحق في إنهاء أي حساب ينتهك شروط الخدمة، لم تقدم في النهاية سوى القليل لمعالجة المشكلة.
وبسبب السمعة الملطخة للخدمة، قررت الشركة تغيير الاسم ليتحول من هوتميل إلى Outlook، وتم اطلاق إصدار تجريبي من Outlook.com في يوليو 2012 بتصميم نظيف وحديث وتم منح مستخدمي هوتميل الحاليين خيار الاحتفاظ بامتداد hotmail.com @ أو تحويله إلى عنوان @ outlook.com.
وبمجرد التغيير، استطاعت الخدمة تحقيق نجاح فوري حيث قام أكثر من 10 ملايين مستخدم بالتسجيل في Outlook.com خلال أول أسبوعين. وبحلول شهر مايو من العام 2013، خرجت خدمة البريد من الإصدار التجريبي لتكون متاحة بشكل تجاري، وفي ذلك الوقت قالت مايكروسوفت أن لديها 400 مليون حساب Outlook.com نشط مقارنة بحوالي 300 مليون لخدمة هوتميل ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا للاسم والمنتج الجديد.
تعزيز خدمة البريد
استمرت مايكروسوفت في تعزيز خدمة Outlook.com بميزات جديدة على مر السنين بما في ذلك التكامل مع سكايب ودعم IMAP والوظائف الإضافية لجهات خارجية، كما وصل الوضع المظلم بعد بضعة أشهر مما زاد من عمر البطارية وساعد في تقليل إجهاد العين لمن اختاروا استخدامه. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، لم يكن هناك أي إعلانات تحسينات أو ميزات رئيسية أخرى بخصوص خدمة بريد الويب من مايكروسوفت.
أخيرا، منذ أن قامت مايكروسوفت بنقل هوتميل إلى Outlook، فإن الانتقال إلى www.hotmail.com يعيد توجيهك إلى خدمة بريد الويب في Outlook التي تعمل حاليًا على الدومين outlook.live.com. ومع ذلك، لا تزال الملايين من عناوين البريد الإلكتروني لخدمة هوتميل موجودة وما زالت قيد الاستخدام جنبًا إلى جنب مع العديد من الأشكال الأخرى (live وmsn وpassport وبالطبع outlook). حتى اليوم لا يزال بإمكانك إنشاء عنوان بريد إلكتروني جديد على هوتميل.
?xml>