لماذا أصبحت الألعاب المُستقلة أفضل من الـ AAA؟

الألعاب ال AAA من الاستوديوهات العملاقة كانت تمثل أساس الصناعة في الأجيال السابقة. كل استوديو يحاول تقديم أفضل تجربة ممكنة، والكل يتنافس ليجذب أكبر قدر ممكن من اللاعبين. وقتها كنا ندفع أموالاً في الألعاب ونحصل في المقابل على محتوى وجودة يبرران المبلغ المدفوع. لكن في الآونة الأخيرة، اتخذت كل الشركات الكبيرة الطريق السهل، فبعضهم يحاول إصدار أكبر كم ممكن من الألعاب في فترةٍ بسيطة، والآخرين يحاولون إضافة أكثر قدر من المشتريات المدفوعة لتحقيق عائد مادي سريع، وقد فقدت الألعاب ال AAA هويتها.

في الجهة الأخرى، يوجد آلاف المطورين المستقلين الذين يحاولون الارتقاء في الصناعة، وهدفهم الأساسي هو تقديم تجربة لا تُنسى للاعبين. إنها ألعاب مصنوعة من اللاعبين الشغوفين، لأجل اللاعبين الشغوفين. اليوم نُلقي نظرة على صناعة الألعاب بشكلها الحالي، ولماذا أصبحت الألعاب المستقلة أفضل بكثير من الألعاب الـ AAA.

استوديوهات الـ AAA لا تتعلم من الأخطاء!

مشكلة رئيسية أصبحت متواجدة الآن في الاستوديوهات الكبيرة هي عدم التعلم من أخطاء الآخرين. إذا رجعنا للماضي قليلا لعامي 2016 و 2018، سنجد أن الصناعة انقلبت رأسًا على عقب بعد إصدار ألعاب مثل No Man's Sky و Fallout 76. لعبتان مليئتان بالمشاكل خرجتا للنور قبل أن يكتمل نضجهما في الفرن بالشكل المطلوب، والنتيجة كانت كارثية بالطبع مع النقد الهائل الذي وجه لاستوديوهات مثل Hello Games و Bethesda بسبب ما فعلوه.

بالطبع لعبة مثل No Man's Sky أصبحت أفضل بكثير الآن مع استمرار استوديو Hello Games في دعمها، لكن المشكلة لا تكمن هنا. مشكلتي الرئيسية تكمن مع الاستوديوهات الأخرى التي لم تتعلم أي شيء مما حدث، واستمرت في استغلال إسمها لطرح لعبة غير كاملة إلى الأسواق.

لعبة Battlefield 2042

استوديو آخر لم يتعلم من أخطاء الماضي كانت EA DICE. كل لعبة من سلسلة Battlefield سابقًا كانت قد صدرت بالكثير من الأخطاء التقنية، ولكن اللاعبين كانوا يتجاوزون الأمر بسرعة خاصةً وأن اللعبة نفسها كانت جيدة ومليئة بالمحتوى القوي ويتم دعمها بالكثير من التحديثات.

للأسف هذا الأمر لم يستمر مع لعبة Battlefield 2042 حيث صدرت بكمية ضخمة من المشاكل تجعل أي شخص لا يود دفع الـ 60 دولار لتجربة اللعبة بأي شكل من الأشكال، وقد خسرت اللعبة أكثر من 99% من عدد اللاعبين خلال الأشهر الأولى من الإطلاق. هذه المرة كان قد نفذ صبر اللاعبين. اللعبة ليست سيئة وحسب، بل لا يوجد بها محتوى كافٍ وقت الإطلاق. من كان لديه الفكرة الغريبة بإطلاق اللعبة بسبعة خرائط فقط لطور الأونلاين Multiplayer مع عدم وجود أي محتوى قصصي؟ كيف تطلب من اللاعبين دفع 60 دولار في هذا المحتوى البسيط!

الأمر الذي دفع اللاعبين لكُره اللعبة وتركها بعد فترة بسيطة من إصدارها، هو تغيير أساس Battlefield لإتباع الألعاب الأخرى. الاستوديو تخلى عن الـ Classes (لكنه سيُعيدها قريبًا بعد نقد اللاعبين) مقابل تقديم نظام عملاء سيء. الاستوديو قرر أيضًا إتباع ألعاب الباتل رويال في تقديم نظام Battle Pass لم يُعجب اللاعبين لأن الجوائز لم تكن شيقة مقابل الـ 10 دولار المطلوب دفعها.

المثال الذي ذكرته مع لعبة Battlefield 2042 هو مجرد مثال بسيط على حال الصناعة. توجد الكثير من الاستوديوهات الأخرى التي اتبعت نفس النهج في تقديم ألعاب غير كاملة وقت الإصدار، وتطلب من اللاعبين دفع سعرها الكامل. ولسببٍ ما، لا تتعلم الاستوديوهات من أخطاء السابقين!

الكل يبحث عن أكبر قدر ممكن من الأموال

لعبة Cyberpunk 2077

لعبة مثل Cyberpunk تأتينا من استوديو CD Projekt RED العريق الذي أثبت بالفعل كفاءته في صناعة ألعاب RPG عملاقة مثل The Witcher 3، ولذلك لا يوجد شخص على الكرة الأرضية لم يكن متحمسًا ليرى Cyberpunk. للأسف الاستوديو استغل اسمه واستغل وجود اسم Keanu Reeves ليُصدر اللعبة في الأسواق وهي تُعاني من كمية ضخمة من المشاكل على أمل أن اللاعبين والنُقاد سيجعلون الأمر يمر مرور الكرام. بالطبع المُطورين ليس لهم ذنب في أي شيء، فهم كانوا يعلمون أن اللعبة غير جاهزة، لكن الإدارة كان لها رأي آخر…

الإدارة أرادت أن تستغل موسم أعياد الكريسماس وتُطلق اللعبة سريعًا حتى تضمن تحقيق أكبر كم ممكن من الأرباح، ولكن هذا الأمر انقلب على رأسهم حيث أنه على الرغم من بيع اللعبة ملايين النسخ، إلا أن المشاكل التي وجدت فيها جعلت جزء كبير من اللاعبين يطالبون الحصول على تعويض وارجاع اللعبة مقابل الحصول على أمواله مرة أخرى.

شركة مثل Sony Playstation أزالت اللعبة تمامًا من متجرها، وشركة مثل Microsoft Xbox سمحت لكل اللاعبين بعمل استرجاع للعبة. ضفّ على ذلك أن أسهم استوديو CD Projekt RED أصبحت تقل قيمتها يوما بعد يوم خاصةً وأن الاستوديو احتاج وقتًا طويلاً في البداية حتى يخرج بأول تحديث قوي يحل مشاكل اللعبة!

لعبة Marvel's Avengers

هذه المرة استوديو Crystal Dynamics استغل اسم Marvel و Avengers لصناعة لعبة أكشن ومغامرات من المفترض أن تأخذنا في رحلة أبطال خارقين قوية. ألعاب مثل Batman Arkham Knight و Marvel's Spider-Man كانتا قد وضعتا أنفسهما في مستوى عالٍ، وأي لعبة أبطال خارقين تأتي بعدهما يجب أن تنافسهما بالطبع.

للأسف لعبة Avengers لم تستطع حتى الاقتراب منهما، وكانت تجربة سيئة بكل المقاييس:

• أداء تقني سيء
• أسلوب لعب مُكرر، وكل الشخصيات تشعر وأنها مُصممة بنفس الطريقة
• نظام جمع غنائم لا يعمل بالطريقة المطلوبة ومن أسوأ ما قُدم في الصناعة
• إضافة مشتريات مدفوعة كثيرة و Battle Pass لكل شخصية
• قصة سيئة لا تليق بعالم Marvel وشخصيات الـ Avengers

حتى بعد الإصدار، دعم اللعبة كان سيئًا وكل الإضافات لم تُصلح اللعبة أو تضيف أي شيء يجعل اللاعبين يريدون العودة لتجربتها. ها نحن ذا بعد أكثر من عامين من إطلاق اللعبة، وقد أعلن استوديو Crystal Dynamics عن وقف دعمها للأبد في 30 سبتمبر 2023. اللعبة لن يصدر لها أي تحديثات، وسيتم إزالتها من المتاجر الرقمية لكل المنصات، وهذا أكثر قرار منطقي خاصةً أن عدد اللاعبين لا يتخطى 300 لاعب في وقت كتابة هذه المقالة.

استوديو Crystal Dynamics وشركة Square Enix كان هدفهما الحصول على أكبر قدر ممكن من الأموال من عنوان Marvel's Avengers، ولكن هذا أيضًا لم يحدث في الوقت المطلوب. تم صرف حوالي 180 مليون دولار على اللعبة، ولم تستطع تحقيق هذا الرقم خلال أول ثلاثة أشهر من الإصدار.

المطورين المُستقلين لديهم الشغف المطلوب

هنا نأتي للمطورين المُستقلين، الذين يبحثون دائمًا عن تقديم تجارب رائعة يتحدث عنها اللاعبين لسنواتٍ طويلة. على الرغم من أننا نعلم أنه بالتأكيد يوجد شغف عند المطورين الذين يعملون في استوديوهات AAA، إلا أن الإدارة والمستثمرين لا يهتمون بذلك، وهدفهم الرئيسي هو إصدار الألعاب لتحقيق الأموال المطلوبة.

الأمر يختلف تمامًا مع المطورين المُستقلين، فهم الذين يعملون على اللعبة ويديرون المشروع بأكمله من الألف للياء بدون أي تدخل خارجي. دائمًا ما نرى المُطورين المُستقلين يُبدعون في تقديم أفكار مُبتكرة ومميزة. إنهم لا يسيرون بجوار الحائط لضمان تحقيق الأرباح، بل يريدون دومًا خوض تجارب جديدة ومختلفة تجعلهم يتميزون بسرعة في الصناعة.

لعبة Stray

أقرب مثال يُمكن ذكره ستكون لعبة Stray. تلك اللعبة كانت في التطوير منذ عام 2015، وظل يعمل عليها شخصين فقط حتى جاءهم عرض، دعم، واستثمار مُناسب من شركة Annapurna Interactive. شغف هؤلاء الشخصين هو الذي دفع لعبة Stray للأمام بتقديم أفكار مُبتكرة وتجربة اللعبة كقطة في ديستوبيا مُدمرة تسكنها الروبوتات في كل مكان. 

لعبة Stray لم تكن فقط لعبة مُستقلة قوية في عام 2022، بل كانت واحدة من أقوى الألعاب التي صدرت في العام، وتمكنت من الوقوف أمام Elden Ring و God of War Ragnarok كأحد الألعاب المُرشحة لجائزة لعبة العام في حفل The Game Awards 2022. يمكنكم الإطلاع على مراجعتنا للعبة من هنا.

لعبة Tunic

لعبة أخرى من الألعاب المُستقلة القوية التي صدرت خلال عام 2022 هي Tunic، وتلك اللعبة لم يعمل عليها فريق كامل، بل ظل يعمل عليها مُطور واحد فقط لمدة 7 سنوات اسمه Andrew Shouldice.

هذا الشخص الرائع كان يعمل لمدة 6 سنوات في الاستوديو الكندي Silverback Productions، ثم قرر في عام 2015 قرر بدء العمل على مشروعه الشخصي بشكل فردي تمامًا. خلال السنوات التي سبقت 2015، كان Andrew يعمل على لعبة Tunic في الإجازات الأسبوعية فقط، لكن عندها قرر أن يبدأ العمل على لعبته بشكلٍ كامل. اللعبة مستوحاة من تجارب عمالقة أمثال The Legend of Zelda، وبعد بدء العمل على اللعبة لفترة، جاءت شركة Finji وعرضت عليه نشر اللعبة حيث سيستفيد بالطبع من خبرتهم الكبيرة في الصناعة ونشرهم لألعاب مثل Night in the Woods و Overland.

تم الكشف عن اللعبة خلال عام 2017، ثم تم استعراضها مرةً أخرى في عام 2018 خلال Microsoft Xbox في حدث E3 2018. حصل Andrew على دعم من Microsoft مقابل إصدار اللعبة كحصرية مؤقتة لأجهزة Xbox وإضافتها لخدمة Xbox Game Pass من اليوم الأول. جاء عام 2022 وصدرت اللعبة كما اتفق Andrew مع Microsoft، وحققت نجاحات باهرة. حصلت اللعبة على تقييمات مرتفعة من اللاعبين والنُقاد، وتم ترشيحها لجائزة أفضل لعبة مُستقلة لعام 2022، لكنها خسرت أمام الأسطورية الأخرى Stray.

ما أود أن أقوله هو أن المُطورين المُستقلين أصبح لديهم شغف كبير لصناعة عناوين مختلفة ومميزة، مع ابتكار الكثير من عناصر اللعب التي تجعلنا نود إلقاء نظرة على تلك التجارب. لقد مللنا من الألعاب الـ AAA المُتشابهة في كل شيء حرفيًا. الصناعة أصبحت مملة في السنوات الأخيرة، ولعل المُطورين المُستقلين هم السبب الرئيسي في إنقاذها بمشاريعهم الرائعة.

الألعاب المُستقلة هي من اللاعبين، لأجل اللاعبين!

أحد أكثر الأمور التي تُميز الألعاب المُستقلة هي اهتمام المُطورين بمجتمع اللاعبين. إنهم يستمعون لكل نقد يُوجه لهم ويحترمون آراء اللاعبين، بل ومعظم الوقت يُعدلون سريعًا على كل شيء حتى يُلائم اللاعبين ويجعلهم سعداء وهو يُجربون اللعبة.

لعبة Hades

أفضل مثال على ذلك هو استوديو Supergiant Games مع لعبة Hades. صدرت اللعبة على متجر Steam كنسخة دخول مُبكر في ديسمبر 2018، وظلت على هذا الوضع لمدة عامين إلا ثلاثة أشهر. خلال تلك الفترة ظل استوديو Supergiant يأخذ آراء اللاعبين، يُزيل أشياء، يُضيف أشياء، ويُعدل الكثير من الأشياء وعناصر اللعب حتى تتناسب مع أفكار اللاعبين. صدرت بعد ذلك النسخة الكاملة من Hades في سبتمبر 2020 لتُصبح واحدة من أقوى ألعاب الـ Rogue-like في التاريخ بتقييمات 98% من مجتمع اللاعبين و94% من النُقاد. حققت اللعبة مبيعات عملاقة وتمكنت من الوقوف أمام DOOM Eternal و The Last of Us Part II في جائزة لعبة العام 2020.

أرقام اللعبة كانت عملاقة بطريقة لم يتوقعها استوديو Supergiant Games، ولذلك قرر إعادة التجربة مرةً أخرى بالكشف عن لعبة Hades II في حفل The Game Awards 2022. تلك ستكون أول مرة نرى فيها استوديو Supergiant Games يعمل على جزء ثاني من ألعابه. لعبة Hades II هي الأخرى من المُقرر إصدارها كنسخة دخول مُبكر على متجر Steam حتى يتم تطويرها بمساعدة مجتمع اللاعبين.

لعبة The Forest

لعبة The Forest كانت مستوحاة من أفلام مثل The Descent و Cannibal Holocaust، وتم قبولها ضمن برنامج Steam Greenlight في عام 2013. اللعبة من تطوير استوديو مُستقل إسمه Endnight Games بدأ العمل عليها ليُقدم تجربة رعب، بقاء، واستكشاف مختلفة ومميزة. العاملين في الاستوديو كان عندهم خبرة بالفعل في صناعة الأفلام حيث كانوا يعملون في أقسام المؤثرات البصرية على أفلام مثل The Amazing Spider-Man 2 و Tron: Legacy. حصلوا على بعض الدعم في البداية مما جعل ميزانية اللعبة تصل لـ 125 ألف دولار، لكن سُرعان ما زادت تلك الأموال عندما صدرت اللعبة كنسخة دخول مُبكر في 2014.

ظلت اللعبة في نسخة الدخول المُبكر لمدة أربعة أعوام. خلال تلك الفترة استمر فريق Endnight Games في إضافة الكثير من المحتوى وتحسين اللعبة بناءً على آراء اللاعبين الذين اشتروا نسخة الدخول المُبكر. هذا أدى في النهاية إلى تحقيق اللعبة لنجاحات عملاقة عندما صدرت بنسختها الأخيرة في أبريل 2018. الآن، الاستوديو بصدد إصدار الجزء الثاني من السلسلة تحت عنوان Sons of the Forest. هذه المرة، الاستوديو لم يحتاج مساعدة اللاعبين حيث يعلمون ما الذي يريده مجتمع اللاعبين، وستصدر اللعبة كنسخة كاملة ونهائية في 23 فبراير 2023. جهزوا أنفسكم لقصة شيقة جديدة في عالم البقاء المظلم والمخيف!

ما أود توضيحه من المثالين المذكورين هو أن الاستوديوهات المُستقلة تضع آراء اللاعبين كرقم 1 بالنسبة لها. تلك الاستوديو مليئة بالمطورين الشغوفين، وعندما يجتمع الشغف مع الاستماع للمجتمع، تُصبح التجارب المُقدمة "من اللاعبين، ولأجل اللاعبين". أظن أن الاستوديوهات الـ AAA يجب أن تتعلم قليلاً مما يفعله المُطورين المُستقلين حتى يروا الأمور من منظور اللاعبين أنفسهم.

بعض الألعاب المُستقلة التي صدرت قريبًا ونُرشح تجربتها

على الرغم من أن عام 2022 لم يكن الأفضل بالنسبة للألعاب الـ AAA بوجود الكثير من العناوين المُخيبة للآمال أمثال The Callisto Protocol، Gotham Knights، وغيرهما، إلا أنه كان عامًا رائعًا لكل مُحبي الألعاب المُستقلة حيث حصلنا على عشرات الألعاب المميزة والرائعة التي تستحق التجربة.

بعض الألعاب المُستقلة التي ننصح بتجربتها:

• Stray
• Tunic
• MADiSON
• Cult of the Lamb
• Norco
• Neon White
• Sifu
• Return to Monkey Island 
• Signalis
• Rogue Legacy 2
• Immortality
• Nobody Saves the World
• Vampire Survivors

كل تلك الألعاب المذكورة هي جزء من الألعاب المُستقلة التي جاءتنا خلال عام 2022 وأنقذت صناعة الألعاب من الإصدارات السيئة والمُخيبة للآمال. شاركونا آرائكم في التعليقات حول القائمة، وما الألعاب التي جربتموها منها. لا تنسوا أيضًا مناقشة موضوعنا اليوم، وهل تتفقون في أن الألعاب المُستقلة أصبحت هي أساس صناعة الألعاب؟