الألعاب السينمائية: نسخة نتفلكس من الألعاب أم تهديد لهويتها؟
بقلمي: أحمد يسري وخالد عبد الخالق
بدأت فكرة الألعاب السينمائية التفاعلية في عام 2005 عندما قرر استوديو Quantic Dream تقديم نوع جديد كليًا من الألعاب وجعلها قريبة أكثر من الأفلام. مع مرور السنوات، أصبحت الألعاب السينمائية تُقدم تجارب رائعة للاعبين وحصلنا على ألعاب أكشن، غموض ورعب مميزة. الآن في 2022 يأتينا استوديو Supermassive Games بلعبة رعب سينمائية بعنوان The Quarry، والتي تُقدم فكرة جديدة ومختلفة تمامًا لم نرى مثلها من قبل. تلك الفكرة من المحتمل أن تنقل صناعة الألعاب للأمام، ولكنها في نفس الوقت من المحتمل أن تضر الصناعة بشكل ضخم!
أولاً دعونا نشرح ماهية الألعاب السينمائية لمن لا يعرفها
الألعاب السينمائية التفاعلية (كما هو واضح من الإسم) هي ألعاب هدفها الأساسي تقديم قصة قوية بشكل سينمائي مختلف عن الألعاب الأخرى. في الألعاب السينمائية أنت لا تتحكم بكل شيء مثل أي لعبة أكشن ومغامرات أخرى، بل التجربة تكون محكومة نوعًا ما. نعم أنت يكون لك تحكم في اللعبة بنسبة كبيرة من البداية للنهاية، ولكنها تسمح لك بالمشاركة / المساهمة في أوقات مُحددة سواء لاختيار طريقك، أو مثلاً لاختيار نقاشات مُعينة. اختياراتك لها دور أساسي لأنها تُغير بشكل رئيسي من مجرى الأحداث وتسمح لك بالوصول إلى نهايات مختلفة تمامًا عن اللاعبين الآخرين!
تلك النوعية من الألعاب أصبحت مُتقنة منذ فترة ليست ببعيدة حيث شهدنا لعبة مثل Until Dawn في 2015 تُقدم تجربة مميزة تُتيح لك التحكم بكل الشخصيات والحصول على متعة المغامرة، ولكن في نفس الوقت اللعبة لا تزال متمسكة بالطابع السينمائي البسيط. في 2018 عاد استوديو Quantic Dream بواحدة من أفضل (إن لم تكن الأفضل) الألعاب السينمائية على الإطلاق وهي Detroit Become Human. لعبة ديترويت لم تكن مجرد لعبة سينمائية عادي، بل قدمت قصة أسطورية برسومات خلابة، ومزجت بين أسلوب اللعب الحماسي والسينمائي بطريقة لم نرى مثلها.
في الوقت الذي يُقدم فيه Quantic Dream و Supermassive Games ألعاب سينمائية بالطريقة التقليدية، ظهرت لنا نوعية جديدة من الألعاب التفاعلية تحت عنوان (لعبة فيلم تفاعلي)، وأكثر الألعاب شهرة في تلك النوعية هي Erica. لعبة Erica هي عبارة عن فيلم تُشاهده بشكل مثل أي فيلم عادي (بشخصيات حقيقية)، ولكنه فيلم تفاعلي سيتوقف في لحظات مُحددة ليتُيح لك تقديم مساهمتك واختياراتك. كل اختيار تختاره سيؤثر على القصة ويؤدي إلى نهاية مختلفة في اللعبة بالطبع.
باختصار، نوعية الألعاب السينمائية أصبحت تنقسم إلى:
- ألعاب سينمائية تفاعلية: لعبة كاملة تتحكم فيها من البداية للنهاية، ولكنها بمنظور سينمائي يُتيح لك المشاركة في مواقف مُعينة لتحديد مصير الشخصيات
- لعبة فيلم تفاعلي: حرفيًا هي عبارة عن فيلم بشخصيات حقيقية ولكنه يطلب منك التدخل في مواقف مُحددة فقط.
إذًا ما الذي ستُقدمه لعبة The Quarry يجعلها تختلف عن الألعاب السابقة؟
لعبة The Quarry تأتينا من استوديو Supermassive Games الذي قدم لنا Until Dawn في 2015، ثم سلسلة The Dark Pictures في الفترة بين 2019 و2021. تلك الألعاب ينطبق عليها عنوان (ألعاب سينمائية تفاعلية) كما وصفنا سابقًا في المقالة. في 10 يونيو 2022 ستصدر لعبة The Quarry والتي ينطبق عليها نفس ذلك الوصف، ولكنها أيضًا ستكون أولى الألعاب التي يمكن تجربتها كـ(لعبة فيلم تفاعلي) من البداية للنهاية!
استوديو Supermassive قرر تقديم ما يُسمى بـ Movie Mode (نمط الفيلم) في لعبة The Quarry، وهو نمط يُتيح لك مشاهدة اللعبة من البداية للنهاية بدون ما تضغط على أي زر. هذا النمط حرفيًا يُحول اللعبة إلى فيلم سينمائي يمكنك مشاهدته كأي فيلم / مسلسل تُشاهده عبر Netflix أو HBO Max مثلاً.
بالطبع يمكنك الاستمتاع باللعبة كلعبة سينمائية مثل أي لعبة قدمها الاستوديو سابقًا، ولكن هذا النمط الجديد يُتيح لك إمكانية مشاهدة اللعبة بدلاً من تجربتها!
الفكرة مميزة، ولكن هل هي إيجابية على الصناعة؟
بالنسبة لي شخصيًا، فأنا أجد أنها فكرة رائعة لعدة أسباب:
وجود Movie Mode في The Quarry سيجعلها أكثر من مجرد لعبة حيث أستطيع وضعها على التلفاز الرئيسي في منزلي والاستمتاع بها مع عائلتي على هيئة فيلم بدلاً من لعبة. بهذا الأمر سنجعل أشخاص أكثر يهتمون باللعبة ويروا ما تُقدمه هذه الصناعة، ومع الوقت من المحتمل أن يقوموا بشراء جهاز منزلي للاستمتاع بألعاب أخرى، وهذا مكسب للصناعة.
الفكرة نفسها ستفتح المجال في المستقبل للتعاون بين Supermassive Games وشركات الإنتاج العملاقة مثل Netflix للقيام بعمل مسلسل تفاعلي أو مسلسل رعب كامل عادي عبر شبكة البثوث المباشرة. بالطبع مشاهدة مسلسل أو فيلم من صناعة Supermassive Games سيكون أفضل بمراحل من مشاهدة فيلم أو مسلسل رعب عادي مثل الذين نحصل عليهم في الوقت الحالي حيث شخصيًا لا أحصل على متعة من أي فيلم أو مسلسل رعب جديد!
ضف على ذلك أن استهداف الناس الـ Casual العاديين (الغير مهتمين بالألعاب) سيُفيد الصناعة في المستقبل. بعض الأشخاص الذين أعرفهم شخصيًا لا يقومون بتجربة الألعاب، ولكنهم يقومون بمشاهدة تختيمات على اليوتيوب وبثوث مباشرة على Twitch للحصول على متعتهم. إذا قدمنا لهم بعض الألعاب على هيئة أفلام مثلما سيفعل استوديو Supermassive Games مع The Quarry، فهذا سيجعلهم يشترون بعض الألعاب في المستقبل لغرض (مشاهدتها) مع أسرتهم مثلاً.
الأمر السلبي الذي أجده مع لعبة The Quarry هو أن الـ Movie Mode مُغلق خلف ثمن اللعبة الرئيسي (60 دولار)، ولذلك أنصح بأن يقوم الاستوديو بنشر هذا النمط وحده خارج إطار اللعبة بسعر 10 أو 20 دولار فقط للاعبين الذين يريدون مشاهدة اللعبة بدلاً من تجربتها.
على الرغم من أنني أرى الأمر إيجابيًا، إلا أن صديقي وزميلي خالد عبد الخالق له رأي مختلف تمامًا حيث قال:
لا أعتقد أنها فكرة جيدة بأي شكل من الأشكال، الأمر المزعج هو أن الفكرة تجرد اللعبة من مفهومها الأصلي، أتفهم جدًا أن ما نتحدث عنه هو مجرد نمط أو إضافة داخل اللعبة إذا أردت استعمالها ليكن وإذا أردت تجاهلها فيمكنك ذلك.
لكن لنسأل سؤال واحد، لماذا نلعب الألعاب، لماذا يوجد ألعاب أصلًا؟
تتميز الألعاب عن باقي وسائل الترفيه بـ القابلية على التفاعل معها، في الأفلام المباريات، والموسيقى التفاعل يقتصر على تلقي المحتوى والاستمتاع وبالتالي الشعور بمشاعر مختلفة حسب نوع المحتوى.
لكن في الألعاب يمكنك التفاعل مع الأحداث والتغيير فيها، أنت هنا من تتحكم بزمام الأمور ومن تتحكم في المجريات وهذا هو ما يميز الألعاب ويجعلها نوع فريد من وسائل الترفيه مختلف كثيرًا عن باقي الوسائل الترفيهية.
بالعودة إلى النمط الجديد في لعبة The Quarry نجد أنه يجرد اللعبة من مفهومها أصلًا، ما الفكرة من وجود فيلم سينمائي أو مسلسل مدته 8 ساعات داخل لعبة، لتأخذ قصتك الرائعة وتفردها في مسلسل سينمائي وتعرضه على أحد منصات البث ولكن لا تقحمها داخل لعبة.
إذا كانت الألعاب مبنية على التفاعل، فلماذا يوجد هذا النمط في The Quarry؟
الفريق المطور يقدم لعبة وبالتالي يستهدف جمهور اللاعبين فلماذا يلجأ إلى وضع هذا النمط وبذل مجهود ووقت وماليات لتضمينه داخل اللعبة، في الحقيقة من الواضح أن الفريق يستهدف جذف فئة جديدة إلى لعبته وهي فئة الأشخاص الغير مهتمين بالألعاب أصلًا
من الواضح أن الفريق يريد الاعتماد على بعض اللقطات الدعائية هنا وهناك التي قد تجذب أشخاص غير مهتمين باللعبة لشرائها لرؤية هذه القصة.
هنا يتجلى كيف تتجه الصناعة، صناعة الألعاب حيث بدأت تسعى في كل النواحي إلى جلب أكبر قدر من المال ليس لأن الألعاب مكلفة وتحتاج إلى المال بل لأن الصناعة أصبحت مصدرًا هامًا للمال، وبالتالي كل فرق التطوير وكل شركة نشر تسعى وراء أكبر قدر من المال.
هذا التوجه خاطئ جدًا لأن الألعاب في الأصل فن، من الضروري أن يُحصل الفن المال لأنه بدون المال لن يستمر ، ولكن إذا كان المال هو كل شيء في المعادلة فبكل تأكيد الفن لن يستطيع الاستمرار، يجب الاهتمام بالجوانب الفنية للعمل ومحاولة إضافة أكبر قدر من العناصر لمجرد جلب المال هو مجرد عبث.
هل تساءلت عن أهمية وجود حصان وحيد القرن قرمزي اللون داخل لعبة مثل Assassin's Creed!، بالطبع لا يوجد أي أهمية الأمر فقط منوط بجلب أكبر قدر من المال.
لكن في المقابل لدينا تدمير لعمل فني له شكل معروف جاد جدًا، قامت الشركة بتدميره لمجرد الحصول على الأموال عن طريق إضافة عناصر شكلية قابلة للبيع، كل هذا يحدث واللعبة نفسها ناجحة وتمكنت من تحقيق قدر من المال كبير جدًا وكافي للاحتفاظ بقيمة العمل الفني.
نفس الأمر يتكرر مع لعبة The Quarry، المطور يقوم بتجريد اللعبة من جوهرها الأساسي لمجرد تقديم طور لعب قد يحقق المزيد من المال ويجذب شرائح جديدة.
الخطير في الأمر هو حالة نجاح هذا الطور، لأن الطور هو مجرد إضافة في الوقت الحالي، ولكن في حالة نجاحه ستتجه إليه الكثير من شركات الألعاب وربما سنرى بعد ذلك الألعاب يتم تطويرها بهذا الشكل من البداية بحيث تكون هذه هي اللعبة أصلًا.
وإذا نجح الأمر قد نرى الكفة الغالبة هي كفة الألعاب السينمائية لأن من يشاهدون الأفلام أكثر بكثير من اللاعبين، إذا كنت تعتقد أنني أبالغ لتنظر عزيزي إلى أعداد الالعاب الخدمية وكيف يتم التركيز عليها بالمقابل مع الألعاب القصصية، وكيف بدأت شركات النشر تتحدث عن أن الألعاب الخدمية هي الشكل الأصلح لصناعة الألعاب في الوقت الحالي.
لذلك شخصيًا غير موافق تمامًا على وجود مثل هذا النمط داخل اللعبة، ويجب عدم الترويج له وكأنه نمط جيد يقدم فكرة مبتكرة، هذه الفكرة ليست مبتكرة ولا جديد فيها وما هي إلا محاولة بائسة لجلب المزيد من المال.
في النهاية
سواء كنت تتفق مع رأيي، أو مع رأي صديقي خالد، فلا يمكن إنكار أن مبدأ الألعاب السينمائية ومستقبل صناعة الألعاب سيتغير بشكل ضخم في السنوات المُقبلة. الميتافيرس سيفتح آفاقًا جديدة في الصناعة، ودخول الـ NFTs سيكون له تأثيرات كبيرة من المحتمل أن يكون معظمها سلبية، والآن من المحتمل أن نرى بعض الاستوديوهات تتبع نهج Supermassive Games مع ألعابها السينمائية. هوية صناعة الألعاب ستتغير عن أي وقت ماضي، ويجب علينا أن نواكب هذا التغير بأي حال من الأحوال!
?xml>