تأسست شركة بينانس عام 2017، كمنصة عالمية لتداول العملات الرقمية، وبرزت Binance كلاعب رئيسي في عالم التداول؛ إذ تمكنت من الوصول إلى قمة الهرم في مجالها، مُحققةً أحجام تداول هائلة تُقاس بتريليونات الدولارات. أسس عملاقة التداول المبرمج الصيني صاحب الرؤية تشانغبيج تشاو؛ والذي يُعد الآن من أقوى وأشهر الشخصيات في عالم التداول.

وُصِف تشانغبيج تشاو والمُلقب بـ CZ بذكائه الحاد وخبرته الواسعة في عالم التداول؛ إذ سبق له إنشاء برمجيات للتداول عالي التردد؛ وهي نوع من البرامج المتطورة تُستخدم في الأسواق المالية لتنفيذ أوامر البيع والشراء، بسرعة وكفاءة عالية. وتمكن CZ بفضل إمبراطوريته بينانس، من جمع ثروة طائلة وصلت إلى 33 مليار دولار.

واجه CZ العديد من التحديات منذ تأسيس شركته في الصين؛ إذ حظرت الصين وجود منصات عملات التداول؛ ما تسبب في خروج بينانس منها. ولكن تُعد أكبر الصعوبات والتحديات والغرامات أيضًا التي واجهها تشاو، كانت في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ واجه الرئيس التنفيذي لشركة Binance حكم عقوبة بالسجن لمدة 4 أشهر، وغرامة قدرها 50 مليون دولار وغرامة أخرى لشركته بينانس قدرها 4.3 مليار دولار.

منصة بينانس لتداول العملات الرقمية

بينانس تُراقَب عن كثب

تواجه بينانس منذ عام 2021 العديد من التحقيقات من قِبل الجهات الرقابية المالية الأمريكية؛ إذ أفادت التقارير أن بينانس كانت قيد التحقيق من مصلحة الضرائب الأمريكية ووزارة العدل، بشأن مزاعم غسيل الأموال والمخالفات الضريبية. وقدمت اللجنة الفيدرالية لتجارة السلع الآجلة (CFTC)؛ دعوى قضائية ضد تشاو ورئيس قسم الامتثال صامويل ليم، مُتمثلة في سبعة تهم بشأن انتهاكات تجارية وتلاعب في السوق.

وفي عام 2022 وجهت وزارة العدل الأمريكية تهمة بانتهاك بينانس للعقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية؛ إذ رفض CZ الرئيس التنفيذي لبينانس حظر المستخدمين الروسيين، مُتمسكًا بالحرية المالية للمستخدمين على حد تعبيره. وتبعًا لرفض CZ مارست الحكومة الأمريكية ضغوطها المعتادة على الشركات الأجنبية؛ ما أدى إلى تخفيف بينانس في وقتٍ لاحق من لهجة معارضتها السياسية، وأشارت إلى تبرعها بـ10 ملايين دولار للاحتياجات الإنسانية في أوكرانيا.

وفي عام سبتمبر 2023 أعلنت Binance عن خروجها من روسيا وبيع أعمالها إلى منصة CommEX، مبتعدةً بذلك عن مواجهة تهمة انتهاك العقوبات. وفي شهر نوفمبر من نفس العام؛ أدانت السلطات الأمريكية بينانس بتهم متعددة؛ مثل انتهاكات قانون السرية المصرفية، ومخططات لغسيل الأموال، ونقل الأموال بدون ترخيص، وانتهاكات العقوبات مجددًا. وقرر تشاو الإقرار بالذنب والتنحي عن منصبه كرئيس تنفيذي لبينانس كجزء من التسوية على التهم الموجهه له؛ بالإضافة لدفع الغرامة المُشار إليها سابقًا.

ورُفعت دعوى قضائية أخرى في يناير 2024 ضد بينانس؛ من قِبل أمريكيين كانوا متواجدين في دولة الاحتلال أثناء الحرب على غزة، بزعم تسهيل آلية التمويل للمقاومة الفلسطينية.

محاكمة CZ

صرح المدعون أن تشاو انتهك القانون بشكلٍ غير مسبوق! وفقًا لمذكرة إصدار الحكم الخاصة بهم في المحكمة؛ واتهموه أيضًا "بالتجاهل المتعمد" لمسؤوليات بينانس القانونية. وقال القاضي أن تشاو كان يمتلك القدرات المالية والقوة البشرية للتأكد من الالتزام بكل اللوائح التنظيمية؛ ولكنه فشل في استغلال تلك القدرات.

وطالب المدعين في مذكرتهم بالحكم 3 سنوات على تشاو؛ أي ضعف الحد الأقصى لنطاق الإرشادات "لتعكس خطورة جرائمه" وفقًا للمذكرة. وأشار محامو الدفاع إلى آرثر هايز مؤسس منصة BitMEX للتداول، بارتكابه جرائم مماثلة لتلك الموجهه لتشاو ولم يُحكم عليه إلا بالمراقبة. وأقر CZ بالذنب مجددًا؛ وعبر عن فشله في تنفيذ برنامج فعال لمكافحة غسيل الأموال على النحو المطلوب في قانون السرية المصرفية؛ وأخبر القاضي بأسفه عن ذلك.

وتضمنت المذكرة أيضًا على مراهنة تشاو بأنه لن يُقبض عليه، أو على الأقل لن تكون العواقب وخيمة في حال حدوث ذلك، وأنه أفترض أن المحكمة ستكتفي بتحديد غرامة مالية كتعويض عن جرائمه. وفي المقابل طالبت هيئة الدفاع لتشاو بخمسة أشهر من المراقبة؛ فيما أصر القاضي على دخول CZ السجن. وحُكِمَ على مؤسس بينانس بـ 4 أشهر في سجن مُشدد الحراسة؛ وأشار محامو الدفاع بأن عدم حبسه بالسجون الفيدرالية عالية المستوى قد تعرض حياته للخطر.

تشانغبيج تشاو في يوم المحاكمة

CZ يزداد ثراءً خلف القضبان

قاد تشاو بينانس لتصبح واحدة من أقوى اللاعبين في منصات تداول العملات المشفرة؛ إذ احتفظت بينانس بأصول تزيد عن 65 مليار دولار بحلول وقت استقالة تشاو في 2023. وعالجت المنصة العملاقة حجم تداول هائل يقدر بـ18.1 تريليون في نفس العام؛ على عكس منصة FTX لتداول العملات المشفرة، والتي أفلست عندما أتُهم مؤسسها سام بانكمان.

ووفقًا لشركة بيانات blockchain Nansen؛ بلغ إجمالي الأصول على منصة بينانس 122 مليار دولار لهذا العام، مُحققةً بذلك قفزة هائلة بنحو 88%، بسبب الارتفاع الحاد في العملات المشفرة في الأشهر الأخيرة.

ويظل تشاو، صاحب سيطرة مطلقة على ثروته الهائلة برغم وجوده خلف القضبان؛ بفضل حصته المسيطرة على Binance، والتي تبلغ 90% من أسهمها؛ ليحافظ بذلك على مكانته كأغنى رجل في عالم العملات المشفرة. ونظرًا إلى إقرار تشاو بالذنب في تهمة واحدة واعتباره مجرمًا لأول مرة؛ فقد استطاع التوصل إلى تسوية تفيد عدم تنازله عن حصته في الشركة أو تجميد أصوله.

وصرح تشاو سابقًا؛ بأنه يمتلك استثمارات في عملة البيتكوين والعملة الرقمية الخاصة ببينانس BNB؛ ولكنه لم يكشف عن قيمة تلك الاستثمارات، وعلى الرغم من الدعاوى القضائية التي يواجهها تشاو وبينانس، ارتفعت عملة BNB بنسبة 83% حتى الآن هذا العام ووصلت إلى 576 دولار.

تثير قضية تشانغبينج تشاو تساؤلات عميقة حول دوافع السلطات الأمريكية في ملاحقته وإصدار أحكام تعسفية تجاهه؛ على الرغم من الاتهامات الموجهه لتشاو، تطفو احتمالات أخرى تتجاوز تطبيق القانون.