• التحول الأمريكي المفاجئ يدعم Apple في معركة التشفير القوي.
  • FTC تطالب الشركات بعدم إضعاف التشفير تحت ضغط القوانين الأجنبية.
  • ترامب يهدد بريطانيا لإجبارها على التراجع عن قيود التشفير.
  • الخصوصية الرقمية تتحول إلى محور رئيسي في السياسات الدولية.

تشهد الولايات المتحدة تحولًا لافتًا في مواقفها تجاه مسألة التشفير القوي، بعد سنوات من الجدل الطويل الذي وضع شركة Apple في مواجهة مفتوحة مع أجهزة إنفاذ القانون الأمريكية وعلى رأسها FBI.

فقد أعلنت لجنة التجارة الفيدرالية FTC عن دعمها الصريح لنهج Apple في حماية التشفير، بل وطلبت من عمالقة التقنية الأمريكيين رفض أي محاولات لإضعافه حتى لو جاءت من تشريعات دولية كبرى مثل Digital Services Act الأوروبي.

جذور الصراع بين Apple وFBI

بدأت المعركة منذ سنوات عندما أصرت أجهزة الأمن الأمريكية على ضرورة وجود ثغرات أو ما يعرف بالـ backdoors داخل أنظمة التشفير الخاصة بأجهزة iPhone من أجل الوصول إلى بيانات المشتبه بهم.

وفي عام 2019 صرح مسؤولون في FBI بأن التشفير من طرف إلى طرف يمثل عائقًا خطيرًا للتحقيقات، بل وصفوه بأنه يصيب عمل الأجهزة الأمنية بالشلل. وفي عام 2020 اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفًا مشابهًا حين طالب Apple بالرضوخ لمطالب الشرطة الفيدرالية.

لم يكن الصراع مجرد خلاف تقني، بل شكَّل معركة سياسية وفكرية حول حدود الخصوصية في العصر الرقمي، وحول مدى قدرة الشركات على الصمود أمام ضغوط الحكومات التي تسعى للنفاذ إلى بيانات المستخدمين.

الموقف البريطاني والأوروبي

لم تقتصر التحديات التي واجهتها Apple على الولايات المتحدة وحدها. فقد اصطدمت الشركة بتشريعات المملكة المتحدة التي حاولت فرض قيود على التشفير، وهو ما دفعها إلى سحب ميزة أساسية من السوق البريطاني حتى لا تضطر للتنازل عن معاييرها العالمية.

كما واجهت Apple أيضًا معضلة مع الاتحاد الأوروبي من خلال Digital Services Act الذي يلزم الشركات العملاقة باتخاذ خطوات صارمة لمنع انتشار محتوى الاستغلال الجنسي للأطفال. بعض التفسيرات لهذا القانون رأت أن تنفيذه يتطلب فتح ثغرات في أنظمة التشفير، الأمر الذي كانت Apple ترفضه بشدة.

التحول الأمريكي المفاجئ

ما حدث مؤخرًا كان بمثابة انعطافة مثيرة. إذ أعلن البيت الأبيض دعمه الكامل للتشفير القوي، وذهب ترامب نفسه إلى التهديد بإلغاء صفقة تجارية مع بريطانيا إذا لم تتراجع عن موقفها المتشدد تجاه Apple.

وبالفعل استجابت لندن وتراجعت عن بعض الضغوط، ما اعتبره كثيرون انتصارًا لشركة Apple وللمبدأ الأساسي المتمثل في حماية الخصوصية الرقمية.

FTC تدخل على الخط

لم تكتف الولايات المتحدة بإعلاء المواقف الدبلوماسية، بل تدخلت لجنة التجارة الفيدرالية لتوجه رسائل واضحة للشركات الأمريكية. فقد أرسلت FTC خطابات مباشرة إلى Apple وغيرها من عمالقة التقنية تطالبهم بعدم الاستجابة لأي قوانين أجنبية تفرض إضعاف التشفير.

وأكدت أن الشركات التي تدعي أن خدماتها آمنة أو تعتمد على التشفير لكنها في الواقع تترك ثغرات يمكن استغلالها، قد تُتهم بممارسات خادعة تنتهك القانون الأمريكي لحماية المستهلك.

إضافة إلى ذلك، فقد شدد رئيس اللجنة Andrew Ferguson على أن FTC لن تتردد في فرض القانون إذا تبين أن أي شركة تضلل المستخدمين بشأن مستوى الحماية الذي توفره.

المفارقة في المواقف الأمريكية

اللافت في المشهد هو التناقض الصارخ في مواقف الولايات المتحدة نفسها. فمنذ سنوات كانت واشنطن تهدد Apple إذا لم توافق على فتح التشفير، أما اليوم فهي تهددها إذا رضخت وسمحت بوجود أي ثغرة.

يعكس هذا التحول طبيعة الصراع بين الأمن القومي وحقوق الخصوصية، لكنه في الوقت نفسه يظهر مدى نفوذ Apple وقدرتها على تغيير اتجاهات السياسات عندما يتعلق الأمر بثقة المستهلكين.

دلالات التحول على مستقبل الخصوصية

رغم الطابع الكوميدي للمشهد كما يراه البعض، إلا أن النتيجة تصب في مصلحة المستخدمين حول العالم. إذ بات من الصعب على أي إدارة أمريكية أن تتراجع مجددًا عن دعم التشفير القوي من دون أن تواجه اتهامات بالنفاق أو التلاعب.

كما أن تدخل FTC يضع حاجزًا قانونيًا أمام أي محاولة مستقبلية لفرض تنازلات على الشركات، ويمنح Apple وغيرها من عمالقة التقنية غطاءً رسميًا للدفاع عن سياساتهم الصارمة في حماية بيانات المستخدمين.

معركة حماية الخصوصية

تؤكد هذه التطورات أن الخصوصية الرقمية لم تعد قضية ثانوية بل تحولت إلى محور رئيسي في السياسات الدولية وفي علاقة الشركات التقنية بالحكومات. ومع دخول الولايات المتحدة في صف Apple، يبدو أن معركة التشفير القوي ستشهد مرحلة جديدة أكثر توازنًا لصالح المستهلكين، وهو ما قد يغير المشهد التقني بأكمله في أوروبا أيضًا.

بهذا، يمكن القول أن موقف واشنطن الأخير لم يعد مجرد دعم لشركة أمريكية كبرى، بل تحول إلى إعلان سياسي يعيد رسم ملامح مستقبل الخصوصية الرقمية على المستوى العالمي.