
تسلا تطوي صفحة مشروع Dojo وتقرر الاعتماد على شرائح NVIDIA
اتخذت شركة تسلا قرارا استراتيجيا مثيرا للجدل بإغلاق مشروع Dojo، الحاسوب الفائق الذي كان من المفترض أن يشكل العمود الفقري لتدريب أنظمة القيادة الذاتية عبر الذكاء الاصطناعي. لم يقتصر القرار على وقف التطوير فحسب، بل شمل أيضا تفكيك الفريق المخصص لهذا المشروع.
فقد غادر بيتر بانون (قائد المشروع)، الشركة بشكل نهائي، بينما جرى توزيع بقية أعضاء الفريق على مشاريع أخرى تتعلق بمراكز البيانات والحوسبة داخل تسلا.
هجرة العقول وتأسيس شركات جديدة
لم يأت هذا القرار بمعزل عن تحولات داخلية وخارجية. فقد شهدت الفترة الأخيرة مغادرة نحو عشرين مهندسا من فريق Dojo لتأسيس شركة جديدة باسم DensityAI.
تعمل هذه الشركة الناشئة، التي لم تعلن عن تفاصيلها الكاملة بعد، على تطوير شرائح ومعالجات وأجهزة وبرمجيات موجهة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، لتخدم تطبيقات الروبوتات، والأنظمة الذكية، والمركبات ذاتية القيادة.
ويقود هذه المبادرة غانيش فينكاتارامانان، المدير السابق لمشروع Dojo، إلى جانب بيل تشانغ وبن فلورينغ، وكلاهما من موظفي تسلا السابقين.
التوقيت الحرج لإغلاق المشروع
يأتي هذا التحول في وقت حساس للغاية بالنسبة لتسلا؛ إذ يسعى إيلون ماسك منذ فترة إلى إقناع المستثمرين بأن شركته ليست مجرد شركة سيارات كهربائية، بل شركة ذكاء اصطناعي وروبوتات.
ورغم إطلاق خدمة التاكسي الذاتي في أوستن خلال يونيو الماضي عبر سيارات موديل Y، فإن الخدمة لم تكن خالية من المشكلات، حيث جرى تسجيل حوادث وسلوكيات قيادة غير مستقرة، مع بقاء شخص في المقعد الأمامي لمراقبة القيادة، ما أضعف الانطباع حول جاهزية التقنية.
من وعود كبرى إلى نهاية مفاجئة
ظل مشروع Dojo في صميم وعود ماسك منذ عام 2019، حيث صرح مرارا بأنه سيكون قادرا على معالجة كميات هائلة من بيانات الفيديو، ما سيجعل الوصول إلى القيادة الذاتية الكاملة أمرا ممكنا. حتى في الربع الثاني من عام 2025، لم يتردد ماسك في الإشارة إلى المشروع، وإن كان ذلك بشكل مقتضب.
وفي عام 2023، توقعت مؤسسة مورغان ستانلي أن يسهم Dojo في زيادة قيمة تسلا السوقية بنحو 500 مليار دولار، بفضل إيرادات جديدة من خدمات التاكسي الذاتي والبرمجيات. كما أعلن ماسك العام الماضي أن الشركة ستضاعف استثماراتها في Dojo استعدادا للكشف عن التاكسي الذاتي في أكتوبر.
لكن بمرور الوقت، بدأت مؤشرات التراجع تظهر. ففي أغسطس 2024، تراجع الحديث عن Dojo لصالح مشروع جديد يدعى كورتيكس، وهو عنقود حوسبة ضخم يجري بناؤه في مقر الشركة بأوستن، بهدف تطوير حلول ذكاء اصطناعي واقعية.
البعد التقني للمشروع
جمع Dojo بين جانبين رئيسيين، وهما بناء حاسوب فائق القدرات، وتطوير رقائق داخلية. عند إطلاق المشروع في فعالية يوم الذكاء الاصطناعي عام 2021، كشفت تسلا عن شريحة D1 التي صممها فريقها بقيادة فينكاتارامانان، وأكدت أنها ستعمل إلى جانب معالجات NVIDIA لتشغيل Dojo.
كما أعلنت عن خطط لتطوير الجيل التالي من الشريحة، D2، بهدف حل مشكلات اختناق تدفق البيانات التي واجهها الإصدار الأول.
الاعتماد على الشركاء الخارجيين
مع إغلاق Dojo، تتجه تسلا إلى زيادة اعتمادها على شركاء خارجيين في مجالات الحوسبة وتصنيع الرقائق. وتشير التقارير إلى تعاون أوسع مع NVIDIA وAMD في جانب الحوسبة، ومع سامسونج في جانب التصنيع.
وفي الشهر الماضي، وقعت تسلا اتفاقا بقيمة 16.5 مليار دولار مع سامسونج لإنتاج رقائق AI6، وهي تصميم متعدد الاستخدامات قادر على تشغيل أنظمة القيادة الذاتية وروبوتات أوبتيموس، إضافة إلى دعم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات عالية الأداء.
وخلال مكالمة الأرباح الخاصة بالربع الثاني، لمح ماسك إلى فكرة دمج خطط تطوير Dojo مع رقائق AI6، مؤكدا أن المنطقي هو الوصول إلى شريحة موحدة تلبي جميع الاحتياجات، بدءا من تشغيل السيارات ذاتية القيادة وحتى التدريب المتقدم لأنظمة الذكاء الاصطناعي.
البعد الإداري للاحتفاظ بماسك
تزامنت هذه التطورات مع خطوة لافتة من مجلس إدارة تسلا، حيث عرض حزمة تعويضات ضخمة بقيمة 29 مليار دولار لضمان بقاء ماسك في موقع القيادة داخل الشركة، ودفعه إلى تكريس جهوده لمشاريع الذكاء الاصطناعي، بدلا من الانشغال المفرط بشركاته الأخرى مثل xAI التي تركز على الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر.
يمثل إغلاق Dojo نهاية مرحلة مهمة في رحلة تسلا نحو تطوير بنية تحتية خاصة بها في مجال الذكاء الاصطناعي. لكنه في الوقت نفسه يعكس واقعا متزايدا في الصناعة، حيث تفضل العديد من الشركات الكبرى الاعتماد على مزودي البنية التحتية الرائدين مثل NVIDIA وسامسونج، بدلا من تحمل تكاليف ومخاطر تطوير منصات حوسبة خاصة بها.
قد يمنح هذا التوجه تسلا سرعة أكبر في الحصول على قدرات حوسبة متطورة، لكنه يضعها في موقع التبعية التقنية لشركات أخرى، وهو ما قد يؤثر على قدرتها على التحكم الكامل في مستقبل تقنياتها.
?xml>