
إيران تلجأ لفصل الإنترنت عن أراضيها في مواجهة الهجمات السيبرانية
مع تصاعد الهجمات بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، قررت طهران قطع الاتصال بالإنترنت العالمي عن أراضيها. جاء هذا القرار في إطار إجراءات أمنية مشددة تهدف إلى التصدي لما وصفته الحكومة الإيرانية بهجمات سيبرانية كثيفة وممنهجة يقف خلفها الكيان المحتل، في سياق نزاع مفتوح تجاوز حدود الحرب التقليدية إلى ميدان الفضاء الإلكتروني.
انقطاع الإنترنت وتقييد الوصول الرقمي
بدأت السلطات الإيرانية منذ يوم الثلاثاء 18 يونيو 2025 بتخفيض حاد في سرعة الإنترنت، تلاه تعطيل شبه كامل للاتصال بالشبكة العالمية. وبحسب المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، فإن هذه الإجراءات مؤقتة وموجهة بدقة لحماية البنية التحتية الرقمية من هجمات إلكترونية محتملة. لكنها في الواقع تسببت في شلل جزئي للحياة اليومية داخل البلاد، حيث أفاد المواطنون بعدم قدرتهم على استخدام تطبيقات المراسلة، وخرائط الملاحة، وخدمات الإنترنت الأساسية.
ولم تقتصر الإجراءات على خفض السرعة فقط، بل دعت السلطات المواطنين إلى حذف تطبيق واتساب من هواتفهم، متهمة إياه بأنه أداة إسرائيلية للتجسس على المستخدمين. في المقابل، نفت شركة ميتا المالكة للتطبيق هذه التصريحات. كما تم حظر تطبيق تيليغرام، أحد أكثر التطبيقات استخداماً في إيران.
تصاعد الهجمات الإلكترونية المتبادلة
تزامنت هذه الخطوات مع تصاعد الهجمات السيبرانية بين الطرفين. فقد أعلنت مجموعة قرصنة تُعرف باسم "Predatory Sparrow"، ويُعتقد أنها مدعومة من الاحتلال، مسؤوليتها عن تعطيل خدمات بنك سبه، أحد أقدم وأهم المصارف الحكومية في إيران، مشيرة إلى أن الهجوم جاء ردًا على دعم البنك لأنشطة الحرس الثوري الإيراني.
في المقابل، سجّلت شركة الأمن السيبراني "رادوير" ارتفاعًا بنسبة 700% في الهجمات الإلكترونية التي تستهدف المؤسسات الإسرائيلية منذ 12 يونيو، مشيرة إلى أن الهجمات تنفذها مجموعات إيرانية باستخدام أدوات متطورة تتنوع بين هجمات حجب الخدمة (DDoS) والبرمجيات الخبيثة واختراق الخوادم.
وبينما تظل مسؤولية إسرائيل الرسمية عن الهجمات السيبرانية الأخيرة في إيران غير مؤكدة رسمياً، إلا أن منظمة NetBlocks المعنية بمراقبة حرية الإنترنت سجلت انخفاضاً هائلًا في حركة الإنترنت من داخل إيران في مساء الثلاثاء، بدءًا من الساعة الخامسة والنصف بتوقيت طهران.
البنية التحتية الرقمية تحت الضغط
رغم قطع الاتصال بالعالم الخارجي، أكدت وكالة "تسنيم" الإخبارية، المقربة من الحرس الثوري، أن المستخدمين لا يزال بإمكانهم الوصول إلى الإنترنت الوطني المحلي، وهي شبكة داخلية تتيح الوصول إلى بعض المواقع والخدمات تحت الرقابة الحكومية. غير أن مسؤولين إيرانيين كشفوا لصحيفة نيويورك تايمز أن طاقة هذه الشبكة قد تنخفض بنسبة تصل إلى 80%، ما يعني أن الوصول حتى إلى الموارد المحلية سيكون محدودًا في الأيام المقبلة.
حملات اعتقال واسعة بتهم التجسس والتخريب
في سياق موازٍ، أطلقت الحكومة الإيرانية حملة أمنية واسعة استهدفت من وصفتهم بالجواسيس، وقالت إنهم يتعاونون مع جهاز الموساد الإسرائيلي. ووفقاً لتقارير محلية، تم اعتقال العشرات من الأشخاص في طهران ومدن أخرى، بعضهم متهم بالتخطيط لتفجيرات أو تهريب معدات عسكرية، وآخرون يواجهون اتهامات بالتجسس السيبراني أو تسريب معلومات حساسة عن مواقع ومنشآت عسكرية.
وفي جنوب غرب طهران، أعلنت السلطات تفكيك "خلية إرهابية" مرتبطة بالاحتلال، وضبطت بحوزتها متفجرات وأجهزة اتصالات متقدمة. كما صدرت أوامر قضائية بتشديد الرقابة على الإنترنت، ومراقبة حركة الاتصالات، مع تعليمات للمواطنين بضرورة الإبلاغ عن أي نشاط مشبوه أو استخدام لتطبيقات مشفّرة.
القلق الدولي وتحذيرات من امتداد النزاع
تتابع دول العالم هذه التطورات بقلق متزايد، إذ حذّرت وكالات أمنية أمريكية من احتمال امتداد الهجمات الإيرانية إلى شبكات البنية التحتية في الولايات المتحدة، خاصة في حال تدخل واشنطن بشكل مباشر في النزاع العسكري. ونبّهت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية إلى ضرورة رفع حالة التأهب في قطاعات الطاقة والمياه والنقل، تجنبًا لهجمات انتقامية من قِبل قراصنة مدعومين من الدولة الإيرانية.
كما أشارت تقارير دولية إلى ارتفاع كبير في تكاليف التأمين ضد الحرب السيبرانية في الكيان المحتل، نتيجة تزايد وتيرة الهجمات المعادية، ما يعكس حجم المخاطر الرقمية التي باتت جزءاً من حسابات الصراع الإقليمي.
تطرح هذه التطورات تساؤلات عميقة حول مستقبل الإنترنت في إيران، في ظل تزايد استخدام الإنترنت كساحة قتال بين الدول، يبدو أن الفضاء الرقمي لم يعد مجرد وسيلة للتواصل، بل ساحة حرب فعلية تخضع لقواعد صراع جديدة تتجاوز الجغرافيا وتستهدف العقول والأنظمة معاً.
?xml>