أطلق الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، إشارات واضحة على أن الشركة باتت منفتحة على صفقات استحواذ كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي. جاءت هذه التصريحات بالتزامن مع إعلان نتائج الربع الثالث من العام المالي الحالي، حيث سجلت آبل إيرادات بلغت 94 مليار دولار بين أبريل ويونيو، محققة نموًا بنسبة 10 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

يعكس هذا التوجه الجديد إدراك آبل بأن المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي باتت شديدة، وأن الوقت لم يعد يسمح بالمراهنة على التطوير الداخلي البطيء فقط، بل يتطلب خطوات سريعة وشراكات استراتيجية لتعويض التأخر الملحوظ في هذا المجال.

سباق الذكاء الاصطناعي يفرض واقعًا جديدًا

لسنوات طويلة، احتفظت آبل بهويتها كشركة تفضل تطوير تقنياتها داخليًا بهدوء، بعيدًا عن الضجيج الإعلامي. إلا أن موجة الذكاء الاصطناعي التي اجتاحت القطاع التقني منذ مطلع 2023 فرضت معادلة مختلفة. فقد قطعت شركات كبرى مثل مايكروسوفت وجوجل وميتا أشواطًا كبيرة في تطوير نماذج لغوية ذكية ومساعدين رقميين متقدمين، بينما ظهرت آبل في صورة متأخرة، ما أثار تساؤلات حول قدرتها على اللحاق بالموجة.

باتت المؤشرات على هذا التأخر واضحة، خاصة بعد انتقال عدد من مهندسي آبل البارزين إلى شركات منافسة، على رأسها ميتا، وهو ما زاد من الضغط على إدارة الشركة لتسريع تحركاتها في هذا المجال.

استراتيجية جديدة: الشراكة والاستحواذ

في محاولة لتغيير المعادلة، بدأت آبل فعليًا بمراجعة نهجها تجاه الذكاء الاصطناعي. فقد كشفت تقارير صحفية أن الشركة دخلت في محادثات مع لاعبين كبار في هذا المجال، مثل OpenAI وAnthropic، لاستكشاف فرص دمج تقنياتهم في تطوير نسخة جديدة من مساعدها الصوتي Siri، مبنية على نماذج لغوية ضخمة.

بل إن آبل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث أفادت تقارير أخرى بأن الشركة ناقشت احتمالية الاستحواذ على شركة Perplexity، الناشئة في مجال البحث القائم على الذكاء الاصطناعي. تعكس هذه الخطوات رغبة واضحة في سد الفجوة سريعًا، ولو عبر قفزات نوعية بدلاً من خطوات تدريجية.

قيادة جديدة للذكاء الاصطناعي داخل آبل

لم يأتِ هذا التحول فقط عبر التصريحات، بل شمل أيضًا تغييرات تنظيمية داخلية. ففي مارس الماضي، عينت آبل مايك روكويل، قائد مشروع نظارة Vision Pro، ليتولى قيادة فرق الذكاء الاصطناعي وSiri. ومنذ ذلك الحين، بدأت الشركة بإعادة توزيع موظفيها، مع توجيه عدد متزايد من الكفاءات نحو مشاريع الذكاء الاصطناعي.

وأكد تيم كوك أن الشركة باتت تعمل على دمج الذكاء الاصطناعي في جميع مستويات منتجاتها، من الأجهزة إلى الأنظمة، مرورًا بالبنية الداخلية. ورغم أن آبل سبق أن أعلنت عن نيتها إطلاق نسخة محسنة من Siri، إلا أن الإطلاق تأجل مؤخرًا، بسبب مشكلات تتعلق بموثوقية النظام، بحسب تصريحات كريغ فيديريغي، نائب الرئيس الأول للبرمجيات.

أداء مالي قوي في ظل التحديات

ورغم هذه التحولات والضغوط، إلا أن آبل لا تزال تحافظ على متانة أدائها المالي. فقد شهدت مبيعات آيفون نموًا سنويًا بنسبة 13 بالمئة، لتصل إلى 44.6 مليار دولار، في حين ارتفعت إيرادات أجهزة ماك إلى 8.1 مليار دولار، مدعومة بإطلاق نسخة جديدة من ماك بوك إير.

أما قطاع الخدمات، والذي يشمل اشتراكات مثل Apple TV Plus وiCloud وApple Music، فقد سجل قفزة نوعية، ليحقق إيرادات بلغت 27.4 مليار دولار، وهو أعلى رقم في تاريخ هذا القطاع داخل الشركة.

تهديدات جيوسياسية تعقد المشهد

لكن هذا النجاح لا يخلو من تحديات مستقبلية، خاصة في ظل التوترات التجارية في الولايات المتحدة. ففي مايو الماضي، حذرت آبل من أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تكلفها نحو 900 مليون دولار خلال الربع الجاري. وتزداد احتمالات التصعيد، خصوصًا مع تهديد ترامب بفرض رسوم إضافية تصل إلى 25 بالمئة ما لم تنقل الشركة إنتاجها بالكامل إلى داخل الأراضي الأمريكية.

ولمواجهة هذه الضغوط، بدأت آبل بنقل جزء من عمليات التصنيع إلى الهند، إلا أن هذه الخطوة لم ترُق للإدارة الأمريكية، ما قد يؤدي إلى مزيد من التعقيد في الشهور المقبلة.

إصدارات قادمة والرهان على التصميم الجديد

في المقابل، تستعد الشركة لإطلاق سلسلة هواتف آيفون 17 في سبتمبر المقبل، بالتزامن مع طرح نظام iOS 26، الذي سيقدم تصميمًا بصريًا جديدًا يحمل اسم Liquid Glass. وقد أثار هذا التصميم انقسامًا بين المستخدمين، بين من يراه ثوريًا ومن يراه تغيّرًا غير ضروري.

يبدو أن آبل وصلت إلى قناعة بأن الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا تكميليًا، بل بات ضرورة وجودية لأي شركة تقنية ترغب بالبقاء في صدارة السوق. وبفتح باب الاستحواذات والشراكات، تدخل آبل مرحلة جديدة من المنافسة، تتطلب جرأة في اتخاذ القرارات، وسرعة في التنفيذ، ورؤية تتجاوز حدود الأجهزة إلى عالم من الخدمات الذكية المتكاملة.