في هذا التقرير، سنكون صرحاء تماما، ولأقصي حد، وسنكون صادمين أيضا، ولأقصي حد أيضا، هذا لأن الموقف لا يستدعي أقل من ذلك، لقد وجدت Intel نفسها ووجدنا أنفسنا معها في ذورة سنوات الفشل والتخبط والاحباط الذي عانت فيه Intel طوال الفترة الماضية، ولا تزال تعاني منه!

سنوات طويلة وIntel حبيسة دقة تصنيع 14 نانومتر، والتي تبدو وكأنها فخ عميق لا فكاك منه بالنسبة لـ Intel .. لم تستطع الشركة الانتقال الي الدقة الأفضل 10 نانومتر حتي وهي تواجه منافسة طاحنة من معالجات AMD المركزية CPUs و معالجات NVIDIA الرسومية GPUs. حتي وهي تطلق معالجات الجيل العاشر 10th Generation اليوم! نعم! حتي مع الجيل العاشر لا زلنا مع دقة 14 نانومتر وكأننا لا زلنا في عام 2015 مع انطلاقة الجيل السادس! خمسة أجيال في خمسة أعوام ولا زلنا علي ذات دقة التصنيع، ما الذي دهي العالم؟ بل ما الذي دهي Intel؟!

لقد أطلقت Intel معالجات الجيل العاشر للأجهزة المحمولة laptops بدقة 10 نانومتر بالفعل، لكنه كان إطلاقا معيوبا، فالمعالجات الجديدة أتت بترددات أقل من الأجيال القديمة، مما يعني أن دقة 10 نانومتر حاليا هي دقة فاشلة بامتياز لدي Intel .. لا تستطيع الوصول لترددات عالية ولا توفر الكثير في استهلاك الطاقة، وهو ما يفسر موقف الجيل العاشر الحالي، بالنسبة لـ Intel و بالنسبة للعالم كله، فإن دقة تصنيع 14 نانومتر العتيقة ذات الخمسة أعوام أكثر نجاحا ونضوجا من دقة 10 نانومتر الجديدة .. وهي مأساة من مآسي عالم الحوسبة والتقنية.

وهي مأساة لأنها تعني أن الزمن قد توقف بـ Intel عند فجوة زمنية علي حافة ثقب أسود Event Horizon .. لا تستطيع الشركة المضي قدما في إصدار معالجات مركزية CPUs بأنوية كثيرة وترددات عالية لتنافس AMD .. لا تستطيع إصدار معالجات رسومية GPUs قوية تلمس مجرد اللمس ما لدي NVIDIA و AMD .. لا تستطيع إصدار مسرعات ذكاء اصطناعي ضخمة ذات أداء عال لتنافس بها NVIDIA .. لا تستطيع عمل أي شئ حقيقة .. فقط تنتظر حتي يأتي الفرج وتنحسر الغمة!

لقد أطلقت Intel معالج 10900K كأقوي معالج مكتبي للألعاب بـ 10 أنوية وتردد يصل الي 5.3GHz، وهو أقوي معالج مكتبي بأسرع أداء متاح للألعاب بالفعل .. لكن، .. وضع ألف خط تحت ولكن هذه .. هذا اللقب وهذا المستوي من الأداء محفوف بالشروط والمشكلات والعقبات من كل شكل ونوع.

 

بداية فلقد استعارت Intel صفحة من AMD، ليصير تردد 5.3GHz المذكور هذا مجرد قيمة عظمي يصل اليها المعالج اذا سمحت الظروف الحرارية المحيطة (بمعني آخر اذا كانت درجة حرارة المعالج باردة جدا)، وفقط علي نواتين من أنوية المعالج.

وبشكل أكثر صراحة فإن أنوية 10900K ليست متساوية السرعة، نواتين فقط لديهما القدرة علي العمل بتردد 5.3GHz، والباقي يعمل بتردد أقل: 4.9GHz، وهو نفس السلوك الذي شاهدناه في معالجات Ryzen 3000 من AMD.

ثانيا، في الأوضاع العادية، لن يصل المعالج لهذا التردد أبدا (سواء 5.3GHz أو 4.9GHz)، الا لمدة ثواني قليلة، بعدها يخسف تردده بنفسه الي ما يقارب الـ 4.1GHz أو 4.3GHz .. وهذا كي يحافظ علي استهلاك طاقة لا يتعدي الـ 125 واط! ولكي يصل المعالج لهذه الترددات العالية (5GHz) فيجب عليك كمستخدم أن تسمح له باستهلاك طاقة غير محدود، وهنا يتجرع المعالج الطاقة في نهم ليصل استهلاكه الكلي الي ما يفوق الـ 200 واط، ويستطيع حينها المحافظة علي تردد 4.9GHz علي الأنوية العشرة بثبات. لاحظ هنا أننا نتحدث عن ألعاب لا تستخدم في الغالب كافة العشرة أنوية بشكل كامل، في المتوسط تستغل هذه الألعاب ستة أنوية فقط ..  تخيل معي ما سيحدث عندما تستغل العشرة أنوية بشكل كامل؟ إن استهلاك 250 واط أو 300 واط لن يكون بعيدا أبدا!

لكن الأسوأ من هذا لم يأت بعد، فلكي تسمح للمعالج بأن يستخدام هذا المقدار المخيف للطاقة فأنت تحتاج للوحة أم Mother Board قوية للغاية بدوائر طاقة تتحمل سحب وتوزيع هذا القدر بشكل مستمر، مما يعني أنك كمستخدم ستتحمل تكاليف هذه اللوحة المرتفعة الثمن.

ستتحمل أيضا كمستخدم تكالف نظام تبريد قوي ومؤثر يستطيع تشتيت الحرارة الناتجة عن استهلاك 200 واط أثناء اللعب، وهنا لن يسعك الا اختيار مبرد ومروحة ضخمة، أو مبرد مائي/هوائي، أو مبرد مائي كامل .. وإلا ذهبت ضحية لعملية إحماء حراري شنيعة ستحدث للمعالج .. باختصار يجب أن تتحمل تكلفة جديدة لنظام تبريد كفؤ .. وهي تكلفة لا داع لها علي الاطلاق!

نحن كمستخدمين لا نمانع من استهلاك الطاقة العال اذا كان هذا سيعني اقتناء الأفضل .. ونلاحظ هذا كثير في عالم البطاقات الرسومية العليا مثلا، لكن البطاقة الرسومية هي منتج واحد تشتريه مرة واحدة ولا تقلق بشأنه طوال الوقت، حيث تحوي تبريدها الخاص ودوائر الطاقة الخاصة بها .. أما مع 10900K، فالأمر يختلف تماما، فاقتنائك للمعالج الأفضل في عالم الألعاب يعني صداع اختيار قطع عتاد خاصة تتوافق معه، من لوحة أم وتبريد مخصص، ويعني احتياجك لمزود طاقة Power Supply قوي أيضا كي يتحمل بطاقة رسومية قوية اضافة الي معالج مركزي يستهلك طاقة تماثلها تقريبا!

وكل هذا من أجل ماذا؟ زيادة محدودة في أداء الألعاب العصرية، ربما تصل الي 10% وربما لا تصل، وزيادة متوسطة في أداء ألعاب أخري قديمة وحديثة (ربما تصل الي 20 أو 30%) .. ربما يوفر لك المعالج اعتمادية أكثر في تشغيل الألعاب بشكل سلس بأقل كم من التقطعات في انسيابية العرض، لكن هذا لا يبرر أبدا ما سيلحق بالمستخدم من ضرر كي يجالس هذا المعالج المخيف ويعتني به عناية بالغة!

إن استهلاك طاقة 200 واط فما أكثر لهو أمر غير مقبول في 2020 لمعالج مركزي ذو عشرة أنوية، و يكفي أن تعلم أن هذا هو استهلاك معالج ذو 64 نواة من AMD! إن إستهلاك طاقة معالج 3950X ذو الـ 16 نواة بالكاد يتعدي الـ 100 واط! فما بالك بعشرة أنوية فقط؟

هذا العدد هو بالكاد أكثر مما لدي أجهزة الألعاب المنزلية الجديدة PlayStation 5 و Xbox Series X، واذا وضع المستخدم الأمان المستقبلي صوب عينيه فإن عشرة أنوية هو ببساطة عدد غير كاف، سيستمر الجيل الجديد من أجهزة الألعاب معنا من خمسة الي سبعة أعوام، يحتاج فيهم المستخدم الي معالج بـ12 نواة علي الأقل، كي يكون مستعدا لألعاب الجيل الجديد التي ستصدر للحاسب الشخصي بمستويات فائقة الجودة من الرسوم ومحاكاة الطبيعة Physics والتفاعلية، مستويات ستفوق ما لدي منصات المنازل الجديدة من عتاد ذو 8 أنوية، مستويات ستحتاج أكثر من هذه الأنوية الثمانية بكل تأكيد.

أين ذهبت أيام الزمن الجميل، أيام الماضي التي لن تعود؟! حينما كان المستخدم يشتري المعالج بمروحة التبريد الخاصة به في علبة واحدة، يركبهما علي أي لوحة أم كيفما اتفق (حتي لو كانت رخيصة الثمن)، ثم ينسي كل شئ عن جهازه لعدة أعوام قادمة! هذا ما حدث لديّ بالتأكيد! لا يزال معالج Core i7 3770 عندي كما هو منذ عام 2013، بنظام التبريد البدائي الخاص به! لم أحتج لشراء لوحة أم تصلح لتشغيل مصنع نووي، ولم أحتج لشراء نظام تبريد مصنع في القطب الجنوبي، ولم أحتج لتغيير مزود الطاقة الا كي أقتني بطاقة رسومية عليا! هل ذهب كل هذه الأيام بلا رجعة هكذا يا Intel؟!

إن ما لدينا هنا هو حالة واضحة من كسر السرعة Overclock الغاشم لمعالجات لم تصنع لتعمل علي هذا التردد، إن معالج 6700K قد أتي باستهلاك طاقة لم يتجاوز الـ50 واط، كان هذا في عام 2015 مع معمارية SkyLake الأولي، وبتبريد تقليدي ولوحات أم تقليدية، وبأربعة أنوية! .. بعدها بخمسة أعوام زاد 10900K في عدد الأنوية بمقدار مرتين ونصف الي عشرة أنوية، في مقابل زيادة في استهلاك الطاقة تجاوزت الأربعة أضعاف! وهي زيادة بالتأكيد أتت من مصدر واحد: كسر سرعة تردد هذه الأنوية الي 5GHz.

وهو ما يدفعنا للتساؤل، اذا ما كان الهدف هو الحصول علي أفضل أداء للألعاب بشكل مطلق، فلماذا لا يتم كسر سرعة معالج  9900K ذو الـ8 أنوية الي 5.5GHz بنفس استهلاك طاقة العشرة أنوية في 10900K؟ كنا سنحصل حينها علي معالج ذو مقومات أفضل في تشغيل الألعاب وعلي أداء أفضل بطبيعة الحال!

نحن نستحق حلولا أفضل من Intel، حلولا أكثر كفاءة من معمارية قديمة بدرجة تصنيع عتيقة بكسر سرعة غاشم عنيف وبثغرات أمنية هائلة تقلل من الأداء كل فترة!! أين هي معمارية Sunny Cove الجديدة التي كان من المقدر لها أن تصدر علي درجة تصنيع 10 نانومتر؟ لقد قالت Intel أنها ستعيد تصميم هذه المعمارية لتعمل علي 14 نانومتر، وبها سنحصل علي زيادة في الأداء عند نفس التردد دون الحاجة الي الوصول الي ترددات عالية تبتلع الطاقة ابتلاعا! أين ذهبت هذه الخطة؟ هل ذهبت أدراج الرياح مع ما تبقي من دقة 10 نانومتر؟ هل لعقت Intel وعودها بالاصلاح والتوقف عن التخبط في اصدار القديم من جديد، واعادة تنقيح ما عفي عليه الزمن وأكل وشرب وتجشأ أيضا؟

كلما أحست Intel بالخطر، وكلما قابلتها منافسة شديدة، وكلما حان وقت إصدار معالجات جديدة .. لم تتنازل Intel عن اعادة تصدير نفس الخلطة القديمة: خذ معالج 6700K، أضف عليه عددا من الأنوية، اكسر سرعة ناصية رأسه حتي تعتصرها من كل قطرة دم، قرر أنك تحتاج  للوحة أم جديدة بدوائر طاقة جديدة وبتبريد جديد .. ضع الكثير من الملح والتوابل والهراء، ارفع الاسم الي جيل جديد، ثم اطلقه الي العراء! ليس هذا بأسلوب إدارة شركة تقنية رائدة قطعا، شركة من المفترض أن تقدم كل ما هو جديد كل عام، هو أسلوب المفلس معدوم الحيلة وفقط!

نعلم أن معالجات Intel أفضل أداءا من AMD في الالعاب، واحيانا بفارق كبير أيضا .. لكن الزيادة التي نحصل عليها في كل جيل جديد من Intel هي زيادة تافهة للغاية ويصاحبها عيوب كثيرة للغاية، كل هذا صداع لا داع له بالنسبة للمستخدم، نريد من Intel أن تتوقف عن اعادة التكرير، وأن تاتي لنا بالمعماريات الجديدة التي لديها، المعماريات ذات الاداء العالي واستهلاك الطاقة الطبيعي والخالية من الثغرات الامنية.

نحن نستحق كمستخدمين مخضرمين، وكلاعبين محترفين أن ننتظر الجيل الجديد من Intel، جيل معمارية Sunny Cove الجديد الحقيقي، وليس هذا المسخ الذي يلبس ثوبا مرقعا بألف رقعة وتفوح منه رائحة احتراق الطاقة.

ان دقة 14 نانو هي أسوأ كوابيس Intel في تاريخها كله، فحتي بعد مرور خمسة أعوام، لم تستقيظ Intel من هذا الكابوس، حتي بعد خمسة سنوات لا تزال الشركة حبيسه براثنه، لا يزال الكابوس يجثم علي صدرها كالجاثوم، ولا يزال مخرج 10 نانومتر بعيدا كما كان منذ 2015 .. وحتي يأتي هذا المخرج فإن كل ما تصدره Intel من حلول مؤقتة وخلطات مكررة سيكون مصيره النسيان والعدم، كأي كابوس لا تتذكر تفاصيله عندما تستيقظ!