الذكاء الاصطناعي قد يحرمنا من أهم ميزة في الإنترنت!
في عام 1996، بدأ كلا من لاري بيدج وسيرجي برين خطواتهم الأولى لإنشاء محرك بحث جوجل، والذي بدأ كمشروع بحثي على شبكة جامعة ستانفورد وتطور ليصبح واحداً من أهم الاختراعات التي رأيناها منذ ذلك الحين التي شكّلت مفهوم الإنترنت لما هو عليه اليوم كوسيلة لا غنى عليها للحصول على المعلومات في جميع المجالات في ثوانٍ معدودة.
استطاع جوجل الحفاظ على مركزه كواحد من أهم محركات البحث التي لا يمكن تخيل الإنترنت بدونه، فلا بد عزيزي القارئ أنك تستخدم محرك بحث جوجل أكثر من مرة يومياً لتبحث عن أيا كان ما يدور في بالك، وبالتأكيد فإن طريقة استخدامك لجوجل تتلخص في كتابة جملة تصف استفسارك، ثم البحث ضمن الروابط الظاهرة أمامك حتى تجد ما يطابق سؤالك، فتضغط عليه ليتم نقلك مباشرةً إلى الموقع الذي يملك هذه الإجابة.
وبنفس الكيفية تعمل جميع محركات البحث الأخرى، سواء كانت بينج أو غيرها. ولكن ماذا لو تغيرت تلك الطريقة التي اعتدناها لسنين في استخدام محركات البحث، ماذا لو أن كتابة سؤالك لا يحضر لك روابط زرقاء تحمل الإجابات؟
باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكننا فتح أنواع جديدة تمامًا من الأسئلة التي لم تعتقد أبدًا أن محرك البحث قد يتمكن من الإجابة عنها، وتغيير طريقة تنظيم المعلومات، لمساعدتك في ترتيب ما هو موجود وفهمه.
هذا كان جزء مما كتبته إليزابيث ريد، نائبة الرئيس والمديرة العامة للبحث في جوجل عندما أعلنت عن التحديث الأكبر لمحرك بحث جوجل منذ إطلاقه، والذي كٌشف عنه لأول مرة ضمن مؤتمر Google I/O لهذا العام، وكما نعلم بالفعل فقد دعمت جوجل محرك بحثها بالذكاء الاصطناعي التوليدي، في محاولة منها للرد على الصفعات المتكررة من مايكروسوفت وأوبن أيه آي ومواكبة التطور كي لا يفوتها القطار فينتهي بها الحال في مقبرة لا تختلف كثيراً عن تلك التي دٌفنت فيها نوكيا وغيرها.
الذكاء الاصطناعي كان دائماً جزءاً من جوجل
دعني أوضح شيئاً أولاً قبل التطرق إلى الخصائص الجديدة التي أضافتها جوجل لمجاراة الترند، محرك بحث جوجل كان دائماً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي، تحديداً منذ عام 2015، عندما أعلنت جوجل عن خوارزمية "RankBrain" التي تعتمد على التعلم الآلي لمساعدة محركها في معالجة نتائج البحث وتقديم نتائج أكثر صلة للمستخدم، والتي طورتها جوجل لاحقاً إلى ما أطلقت عليه المطابقة العصبية (Neural Matching) والتي كانت تتمثل في فهم كيفية ارتباط سؤال المستخدم بنتائج المواقع من خلال النظر في المحتوى بالكامل على الصفحة وفهمه في سياق تلك سؤال المستخدم.
يبدو هذا مشابهاً جداً لما تقوم به بوتات الذكاء الاصطناعي اليوم، أليس كذلك؟
كانت جوجل تقوم بكل المعجزات التي نراها اليوم في النماذج اللغوية مثل GPT منذ سنين؛ ولكن من خلف الكواليس، وبالتالي لم تكن تسرق أنظار المستهلك الذي لا يتوقع سوى أن تظهر إجابات لأسئلته على أي حال. كانت تهتم جوجل بتحسين خوارزميات محرك البحث الخاص بها داخلياً وهو الطريق الصحيح الذي كان يجب أن تستمر في السير فيه.
ولكن وبشكل مشابه لصديقك الذي أخبرته نكتة مضحكة فقام بقولها بصوت عالي ونسب الفضل لنفسه، وجدت جوجل نفسها في موقف حرج بعدما قامت مايكروسوفت بقلب الموازين وقدمت بوت دردشة مدمج في بينج يستطيع إبهارك بكل تلك الإجابات التي أعاد صياغتها ليفجر عقلك، وفي حين أن مايكروسوفت لم تهتم بتطوير خوارزميات محرك بينج نفسه، إلا أن تقديم ذلك البوت كان كافياً لحصد أكثر من 100 مليون مستخدم يومي، الآن ضع نفسك مكان جوجل.. ألن تشعر بالتهديد لدرجة الارتباك؟
ردت جوجل الصاع صاعين
ومن هنا نرجع لبداية حديثنا، عندما أشرنا إلى دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في محرك بحث جوجل، والذي يمثل رد فعل جوجل لإعادة لفت الأنظار إليها ورفع سقف المنافسة بينها وبين الشركة المالكة لأنظمة ويندوز، ولكن ما قامت به جوجل يغير طريقة استخدامنا لمحركات البحث بالكامل، وهو ليس بالأمر الذي نتحمس له كثيراً وقبل أن أخبرك لماذا لا نعتقد أننا نريد هذا التغيير، دعنا نتحدث أولاً عن تفاصيل هذه التحديثات التي قامت بها جوجل باستخدام تقنيات الـ AI.
أعلنت جوجل عن ما يسمى تجربة البحث التوليدية (SGE)، والتي تتمثل في واجهة جديدة تظهر لك في كل مرة تستخدم فيها محرك البحث، لتعطيك إجابة مفصلة لسؤالك دون إظهار نتائج البحث التقليدية، باستخدام نموذج لغوي، تماماً مثل أي بوت مبني على الذكاء الاصطناعي، مع إمكانية إضافة أي سؤال تابع، أو الاختيار بين عدد من الأسئلة المطروحة أمامك.
وفي الحقيقة فإن هذه الخاصية ليست إلا بوت دردشة آخر، حذفت جوجل منه إمكانية «الدردشة» المباشرة، وجعلت سؤالك على جوجل هو المدخل النصي الوحيد له؛ وذلك من باب توحيد تجربة المستخدم وتجنب حشو محرك البحث بخصائص ليس لها داعي، وهو متاح حالياً بشكل تجريبي لعدد من المستخدمين في الولايات المتحدة الأمريكية فقط.
ارتباك جوجل جعلها تُفسد معادلة مثالية
لا تحاول إصلاح شيئاً ليس مكسوراً.
هذه الجملة تُلخص ما قامت به جوجل من دمج لخدمات الذكاء الاصطناعي في محرك بحثها، فعندما نستخدم جوجل، نتوقع أن نجد إجابات ما نبحث عنه مدونة في روابط تمثل المصادر، فإذا بحثت عن مراجعة لعبة Dead Island 2 على سبيل المثال، فأنا أريد معرفة رأي المتخصصين في عرب هاردوير بالتحديد، وبالتالي فأنا أتوقع ظهور عدد من النتائج لأكثر من موقع مرتبة حسب معايير جوجل، ومن ثم التوجه إلى الموقع الذي يلبي احتياجاتي، أو أقوم بالتصفح في أكثر من موقع حتى أحصل على الإجابة التي أبحث عنها.
ولكن عندما تطرح جوجل التحديث الجديد، فهي تريد أن تسلب حقنا المتمثل في تصفح نتائج البحث، فستلاحظ أن واجهة البحث التوليدية الجديدة تستحوذ على الشاشة بِرُمَّتها تقريباً، ما سيسبب عائقاً للوصول إلى نتائج البحث التقليدية، وكأن جوجل تجبرنا على الاستعانة بالـ AI، ولا ينطبق ذلك على نسخة الويب فقط، وإنما في تطبيق جوجل على الهواتف الذكية أيضاً.
يجعلنا ذلك نطرح نقطة مهمة، إذا أردت سؤال الذكاء الاصطناعي لتزويدي بالإجابات التي أبحث عنها، فلماذا أتوجه إلى جوجل في المقام الأول؟ يمكنني التحدث مباشرةً إلى ChatGPT أو حتى بديل جوجل نفسه Bard، وبالتالي فإذا كنت استخدم جوجل، فأنا أبحث عن تلك الروابط الزرقاء المرقمة في صفحة بامتداد حرف الـ O في Google، وليس إجابة أخرى مولدة بالذكاء الاصطناعي. أعتقد أنني أتحدث باسم الجميع هنا.
قد يكون هذا كابوساً للمواقع وصناع المحتوى
وهي معضلة أخرى لم تتحدث عنه جوجل حتى الآن، ولكن في حالة استحواذ نتائج البحث التوليدية (SGE) على المساحة الأكبر من واجهة محرك بحث جوجل، سيؤثر ذلك سلباً على زيارات المواقع المُرتبة في نتائج البحث بلا شك، وإذا كنت غير ملماً بالتحديات التي تواجه أصحاب المواقع لكي يظهروا موقعهم في الصفحة الأولى، فدعني أؤكد لك أنها ليست سهلة إطلاقاً، حيث تتوجب تحقيق شروط معقدة تفرضها جوجل وتغيرها باستمرار، بدايةً من تركيز الكلمة المفتاحية وجودة المحتوى المكتوب، مروراً بجودة الموقع نفسه من الناحية البرمجية وسرعة الفتح.
فهل سيتمكن أصحاب المواقع من الاستفادة في ترتيباتهم في الصفحة الأولى عندما يستحوذ الذكاء الاصطناعي على واجهة التطبيق بالكامل ويحجب نتائج البحث؟
امسك العصا من النصف!
لا تملك جوجل حرية الاختيار حقاً، وكما رأينا من فوضى داخل جوجل نتيجة الكشف المبكر عن نموذج بارد، فلن نتفاجئ إذا علمنا أن موظفي جوجل غير راضيين عن تلك التغييرات أيضاً في محرك البحث؛ وبالتالي فنحن نتفهم أهمية إبهار المستخدمين بسحر الذكاء الاصطناعي.
ولكن نعتقد أن الحل الذي سيرضي جميع الأطراف هو أن تخصص جوجل نافذة داخل محرك البحث مُخصّصة لظهور النتائج المولدة بالذكاء الاصطناعي - نعم تماماً كما في Bing - وكما تفلتر جوجل نتائج بحثها إلى مقاطع فيديو، أخبار، صور وما إلى ذلك، فلتضف معهم فلتراً جديداً للذكاء الاصطناعي، وعند الضغط عليه تظهر نتائج البحث التوليدية التي أعلنت عنها الشركة، مع الحفاظ على النتائج العامة لتكون بالشكل الذي اعتدنا عليه منذ الكشف عن جوجل.
في النهاية، من نحن لنقدم الاقتراحات لعملاق التكنولوجيا الأمريكي، نحن لسنا إلا مهووسون بالتقنية نشارككم خواطرنا حول ترند الذكاء الاصطناعي الذي يبدو أنه سيعامل كصوص الجبنة في مطاعم الفرايد تشيكن، أساسي في كل الأطباق.
?xml>