تعتبر شركة آبل رمزًا للابتكار والتصميم في عالم التكنولوجيا.  فقد قدمت لنا منتجات ثورية غيرت الطريقة التي نعيش بها ونعمل بها. لكن هل تساءلت يومًا عن السر وراء هذا النجاح المستمر؟ هل هو مجرد عبقرية مؤسسها ستيف جوبز، أم هناك عوامل أخرى تلعب دورًا حاسمًا؟ الحقيقة أن قصة نجاح آبل ليست مجرد قصة ابتكار بحت، بل هي أيضًا قصة تطور وتعلم مستمر. فالشركة لم تكن تعمل في فراغ، بل كانت تتنافس مع عمالقة آخرين في السوق. وفي هذه المنافسة الشديدة، تعلمت آبل دروسًا قيمة، واستفادت من أخطاء المنافسين، وتحولت إلى قوة دافعة للإبداع والتجديد.

في هذا المقال، سنذهب في رحلة لاستكشاف العلاقة المعقدة بين آبل ومنافسيها. سنرى كيف أن كل ابتكار جديد من آبل كان رد فعل على تحدٍ طرحه منافس، وكيف أن هذه المنافسة الشديدة دفعت بالشركة إلى تقديم منتجات أفضل وأكثر ابتكارًا. 

على الرغم من اقتحام الأمريكية أبل عرش التكنولوجيا سواءً في المنتجات أو المبيعات أو الحصص السوقية، إلا أنها لا تُعد بشكل كبير مؤسسة تقنية. أي أنها لا تبتكر التقنية الجديدة، ولكنها تعمل على تطوير الموجود بشكل مُريح يناسب المستخدم، أي أنها تبدأ من مُنتهى الآخرون.

تُتابع السوق وحركة الاستخدام لتجمع بيانات المستخدمين لتعرف كيف تطور المنتج وتسخره ليوفر أبسط وأسهل تجربة لمستخدم. وهذه هي السياسة التي تميز أبل عن باقي الشركات وتجعلها في المقدمة كأنجح وأذكى شركة في المجال التقني. دعونا نبرهن على هذا كُلِه بالأمثلة الحية.

عصور ما قبل الماكنتوش

يعتبر Apple Macintosh جهاز الكمبيوتر الخاص بـ آبل -الغني عن التعريف- بمثابة ثورة في مجال التكنولوجية والحواسيب، أُطلِق Apple Macintosh في عام 1984. كان قبل ذلك التاريخ جهاز الكمبيوتر عبارة عن جهاز معقد موجه إلى الجهات العلمية والعملية ويعتمد بشكل أساسي على أوامر نصية وأكواد معقدة ودقيقة وموجه بشكل مباشر للمهندسين وغيرهم من الفئات العملية.

وكان يتواجد في محال العمل ونادرًا ما يتواجد في المنازل، ولكن هذا قبل تدخل أبل، وكانت مجرد فكرة ناقدة من ستيف جوبز، لماذا لا يتوفر يوجد طريقة للتعامل مع الكمبيوتر تجعله أسهل كما تجعله متوافرًا في كل بيت؟

وهنا بدأ التطور، قدمت آبل واجهة مستخدم رسومية (GUI) بديهية، حيث يستخدم المستخدم الفأرة والنقر على الأيقونات لتنفيذ المهام. هذا التغيير جعل أجهزة الكمبيوتر أكثر سهولة في الاستخدام، ووسع قاعدة المستخدمين لتشمل غير المُختصين. وبالرغم من أن اختراع الفارة يُعد بسيط، إلا أنه كان تغير ثوري، أصبح إذا أردت أن تقوم بأمر ما عليك سوى تحريك الفارة والنقر عليه وهذا يغنيك عن ساعات من كتابة الأوامر الدقيقة والمعقدة.

الفكرة هنا ليست في اختراع الفارة وتقديم GUI للمستخدم فقط. الفكرة هنا هي كيف أن نسخر الجهاز العتيق والصعب في التعامل لراحة الإنسان مجرد، تسخير التقنية لراحة الإنسان مع العلم أبل لم تكن هي مخترعة الكمبيوتر، ولكنها مبتكرة راحة الكمبيوتر من مُنتهى المنافسين والتطوير عليه لتُظهر هوية أبل.

نقلة في تاريخ الهواتف المحمولة

يعتبر جهاز الآيفون أنجح جهاز هاتف محمول شهدته البشرية والذي بدأ إطلاقه في عام 2007، حينها كان يوجد هواتف محمولة، كما كان يوجد هواتف محمولة تعمل باللمس، ولكن قبل اللمس كانت الهواتف تأتي بلوحة مفاتيح أسفل الشاشة والذي يأخذ أكثر من نصف الجهاز مما يعيق المستخدمين في الكتابة لأن الأزرار صغيرة والشاشة صغيرة وهي هواتف BlackBerry الغنية عن التعريف.

قرر وقتها المطورين إطلاق هواتف تعمل باللمس، ولكن كانت تأتي بقلم اللمس ولكن بائت بالفشل بدرجة كبيرة مما جعل المستخدمين يتجهوا إلى الهواتف التي تعمل بأزرار بدلًا منها.

جاءت أبل لتطور اللمس لتحوله بدلًا من استخدام الأقلام إلى استخدام الأصابع في اللمس عن طريق Multi Touch في أول iPhone لتحقق أوامرك باللمس عن طريق أصابع اليد والتي توفر تجربة أذكى وأدق وأسرع لشاشة الهواتف المحمولة، ومن وقتها وتعتبر هواتف أبل من أقوى وأغلى الهواتف المحمولة بالأسواق؛ ومنذ ذلك الحين، قررت كل الشركات أن تطلق هواتف تعمل باللمس بالطريقة الذكية التي ابتكرتها أبل

تعتبر أبل من أذكى الشركات في خلق تواصل رقمي بين الجهاز والإنسان كما رأينا في الشاشة اللمسية وفي فأرة الماكنتوش.

وداعًا للمعاناة مع سلك السماعة

الإيربودز أو السماعات اللاسلكية الخاصة بشركة آبل تعتبر من أنجح الابتكارات في العقد الأخير؛ ولن نقول اختراع لأن أبل لم تخترع السماعات البلوتوث، وهناك العديد من العلامات التُجارية الشهيرة من مُصنعي سماعات البلوتوث مثل Beats و JBL وغيرهم من الشركات الكبيرة في هذا المجال. ولكنها للأسف كانت من نوع سماعات الرأس، حجمٌ كبير وضخم، ولا يوجد سماعات بلوتوث بحجم صغير.

فإن كنت من محبي سماع الموسيقى قبل النوم أو لا يحب الحجم الكبير كان عليك استخدام سماعات سلكية، وما أدراك ما السماعات السلكية، أسلاك تنقطع بسهولة ونظرية سماعة واحدة فقط تعمل وتداخل الأسلاك وسهولة تشابكها وكان الأمر حقيقًة متعب.

ولكن جاءت أبل من بعيد بفكرة غيرت مسار الصوتيات، وهي ابتكارها لسماعة بلوتوث بحجم صغير وهو نفس حجم الجزء الموضوع داخل الأذن في السماعات السلكية ولم تقف إلى هنا وضعتها داخل علبة لتقوم بشحنها، وزودتها بتحكم باللمس وعزل ضوضاء ممتاز وعدد 2 مايك مميزين لصوت نقي وواضح؛ وكدليل على هذا النجاح، فقد رأينا الشركات العملاقة في مجال الصوتيات مثل Beats وJBL نفسها تصنع سماعات مشابهة لإيربودز.

الواقع الافتراضي بعيون أبل

نظارات الواقع الافتراضي هي أحد أجهزة الإدخال الخاصة بما يعرف بالواقع الافتراضي والتي تتيح لمستخدميها إمكانية التفاعل مع العالم الافتراضي والتعامل معه. يتم إنشاء الواقع الافتراضي بواسطة أجهزة الكمبيوتر، ومن الأمثلة الأخرى على أجهزة الإدخال الخاصة بالعالم الافتراضي هي سماعات الرأس الخاصة بهذا الأمر أو حتى بعض أنواع القفازات.

يعرف جميعنا بالطبع رأسية Apple Vision Pro الخاصة ب أبل، ولكن ما لا يعرفه الكثير أن أول شركة منتجة لنظارات الواقع الافتراضي هي Meta أو Facebook سابقًا من خلال نظارات Meta Quest وMeta Quest 2 والذين كانوا موجهين بشكل مباشر للألعاب ونجحوا بشكل كبير، فقررت Meta أن تفكر خارج الصندوق وأن تطلق الميتافيرس، وذلك عبر نظارة Meta Quest Pro، التي تم توجيهها على غير العادة من Meta إلى فئة الأعمال، ولكن للأسف خيبة أمل كانت النتيجة حيث إنها لم تحقق نجاح السابقين وتسببت في خسائر فادحة لشركة Meta.

كان تدخل أبل أمرًا حتميًا، وذلك لإطلاق رأسية واقع افتراضي بنفس فكرة Meta Quest Pro ولكن بلمسات آبل.

رأت أبل عيوب Quest Pro وهي أنه لابد من وجود جهاز تحكم باستخدام الأيدي وفصل العالم الافتراضي عن الواقعي، فقررت أن تلعب على نقطة التواصل الرقمي بين النظارة والمستخدم، ليُصبح بالإمكانِ دمج الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي في الوقت نفسه، كما أن النظارة تحتوي على كاميرات تُصوِّر حركة اليد لكي تُمكِنُك من التحكم في الواقع الافتراضي دون الحاجة لأجهزة تحكم،  كما أنها تُمكنك من استخدامها سواء في العمل أو الألعاب، ولكن أسوأ ما في الأمر هو أنها تأتي بسعر كبير جدًا مقارنة بنظارات ميتا. ولكن؛ هل لدى آبل المزيد من خُطط تطوير جهازها المُستقبلي، أم ستكون مُجرد محاولة فاشلة؟ هذا ما سنعرفه في الأيام القادمة.

الذكاء الاصطناعي من يد أبل

أحدثت أبل ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال نظامها الجديد "Apple Intelligence" الذي يمثل قفزة نوعية في تجربة المستخدم. يركز هذا النظام على الخصوصية من خلال ميزة "الحوسبة السحابية الخاصة" التي تحافظ على بيانات المستخدم آمنة، ويتميز باندماجه السلس مع جميع أجهزة أبل لتوفير تجربة موحدة. كما شهد مساعد سيري تطوُرًا ملحوظًا ليصبح أكثر ذكاءً وفهمًا للغة الطبيعية.

بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الميزات الجديدة مثل الترجمة الفورية والتلخيص الآلي وإنشاء المحتوى المرئي.

يعتبر Apple Intelligence أكثر ملاءمة للمستخدمين مُقارنةً بالأدوات الأُخرى، ذلك لأنه يفهم السياق الشخصي لكل مستخدم ويقدم اقتراحات مُخصصة، كما يتميز بواجهة بسيطة وسهلة الاستخدام، وأهم ما في كُل ذلك بالطبع، هو تنفيذه لكل تلك المهام على الجهاز نفسه دون الحاجة للاتصال بالسحابة، مما يعني أعلى قدر من الخصوصية -وِفقًا للشركة الأمريكية-.

أبل تبتكر والشركات تقلد

لطالما كانت شركة أبل رائدة في مجال التكنولوجيا، تسعى باستمرار لتطوير منتجاتها بناءً على دراسة عميقة لاحتياجات ورغبات المستخدم. فبدلًا من الاكتفاء بالتقنيات المتاحة، تعمل أبل على ابتكار حلول مبتكرة تجعل تجربة المستخدم أكثر سلاسة وراحة. هذا النهج الاستباقي دفع بالشركة إلى تقديم منتجات ثورية مثل الآيباد والآيفون والإيربودز، والتي غيرت قواعد اللعبة في أسواقها. وسرعان ما تتبع الشركات الأخرى خطى أبل، مقلدة ميزاتها وتصميماتها في محاولة لمنافسة هذا العملاق التكنولوجي. ومع ذلك، فإن أبل تبقى دائمًا خطوة إلى الأمام، مستمرة في تقديم ابتكارات جديدة تبهر العالم وتعيد تعريف تجربة المستخدم.

في الختام، تعتبر أبل رائدة في مجال التكنولوجيا بفضل تركيزها على التواصل الرقمي بين المستخدم والجهاز. تعمل أبل على تحسين تجربة المستخدم من خلال تقديم منتجات تكنولوجية ذكية ومبتكرة. تعتبر هذه الشركة مثالًا حيًا على كيف يمكن للتكنولوجيا أن تغير حياتنا وتحسنها. إن التواصل الرقمي الذي توفره أبل يجعل استخدام الأجهزة الإلكترونية أمرًا سهلًا وممتعًا. وبالتالي، يمكن القول إن أبل هي الشركة الأذكى في تاريخ التكنولوجيا.