يُحكى أن الفكرة الأولية لفيسبوك استُلهمت، أو كما يدّعي البعض، سُرقت، من موقع جامعي متواضع يدعى ConnectU. لكن بغض النظر عن صحة هذه الادعاءات، فإن ما أسسه مارك زوكربيرج يتجاوز مجرد الاقتباس أو الاستعارة. فهو إعادة تصور جذرية لمفهوم التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت.

شهد عام 2005 تحولًا جذريًا في مفهوم التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت؛ ففي وقت كانت فيه الأسماء المستعارة هي السائدة، اتخذ زوكربيرج خطوة جريئة بتوجيه فيسبوك نحو استخدام الهويات الحقيقية. هذا النهج الثوري، الذي أطلق عليه "المخطط الاجتماعي"، أعاد تشكيل طبيعة العلاقات الرقمية، مركزًا على الثقة وتوسيع دوائر التواصل لتشمل أصدقاء الأصدقاء.

واجهة المستخدم لفيسبوك - على اليمين 2005 وعلى اليسار 2006

وجاءت لحظة فارقة أخرى في عام 2006، حين قدمت شركة ياهو، العملاق الرقمي آنذاك، عرضًا مذهلًا لشراء فيسبوك بمبلغ مليار دولار. ورغم ضخامة العرض، خاصةً لشركة ناشئة، فاجأ زوكربيرج الشاب الجميع برفضه، مؤمنًا بإمكانيات شركته التي تتجاوز هذا التقييم بكثير.

ومع استمرار نمو فيسبوك، لم تتوقف الاتهامات بتقليد مميزات المنصات الأخرى؛ ما يثير تساؤلات عميقة حول استراتيجيات النمو في عالم التكنولوجيا؛ ما الدافع وراء هذه الممارسات؟ كيف يمكن لفيسبوك أن تحافظ على روح الابتكار الأصيلة؟ أم أن لها أولويات أخرى؟ وهل الوصول إلى القمة في عالم التكنولوجيا يتطلب حتمًا تجاوز بعض الخطوط الحمراء؟

في هذه المقالة، سنغوص في أعماق هذه القضايا المثيرة للجدل، مستكشفين الحدود الرمادية بين الإلهام والتقليد في عالم التكنولوجيا المتطور باستمرار. فقراءة ممتعة!

نكره التقليد - لكن أتضح أنه حرفه!

في بدايات الغزو الصيني للأسواق العالمية، كان المنتج الصيني رمزًا للجودة المتدنية والتقليد. تساءل الكثيرون: "أين إبداعك أيها المصنع الصيني؟" لكن مع مرور الوقت؛ تغير المشهد بشكل جذري. عندما أطلقت آبل أول هاتف ذكي يعمل باللمس المزدوج في العالم، سارعت سامسونج بإصدار نسختها الكورية. أذكر أنني كنت أمتلك واحدًا من سلسلة التقليد تلك التي امتدت لسنوات في صغري، وكنت مغرمة به.

على اليمين: iPhone 4S على اليسار: Samsung Galaxy S II

ورغم استمرار الصين في التقليد، ارتقت لتصبح قوة اقتصادية تنافس الولايات المتحدة. وبالمثل، تمكنت سامسونج، رغم بعض ممارسات التقليد، من التفوق على آبل في سوق الهواتف العالمي. فاليوم، نشهد تفوق مبيعات هواتف سامسونج على آيفون، مستحوذة على 20% من السوق العالمي.

لذا؛ ففي قلب النظام الرأسمالي، وبعيدًا عن الاعتبارات الأخلاقية، يبرز التقليد كاستراتيجية ذات إمكانيات هائلة. فهو ليس مجرد نسخ أعمى، بل فن دقيق يمكن أن يؤدي إلى نتائج استثنائية عندما يتقنه الممارس. وفي عالم الأعمال والشركات فهي استراتيجية ذكية من وجهة نظري؛ إذ تعمل تلك الاستراتيجية من خلال مراقبة السوق عن كثب، وعندما يقدم منافس ميزة جديدة أو منتجًا مبتكرًا، تسارع الشركة المُراقبة لتقديم نسختها الخاصة بسرعة.

تتميز استراتيجية التقليد الذكي بكونها نهجًا استثماريًا حكيمًا في عالم الأعمال المعاصر في بعض الأحيان. فهي تمكّن الشركات من تجنب المخاطر الباهظة وتكاليف الابتكار الأولية، مع الحفاظ على قدرتها التنافسية في السوق؛ ما يسمح للشركة المُقلدة بالاستفادة من جهود البحث والتطوير التي بذلها المنافسون، محولةً تلك الجهود إلى رصيد معرفي قيّم. وبدلاً من إنفاق موارد هائلة على الابتكار من الصفر، تُعيد الشركة توجيه مواردها.

وتُستثمر الأموال المُوفرة بذكاء في تحسين المميزات الحالية أو ابتكار إضافات جديدة؛ ما يتيح للشركة فرصة التعلم من تجارب منافسيها، وتجنب أخطائهم، والبناء على نجاحاتهم. وفي نهاية المطاف، قد تتمكن الشركة المُقلدة من تجاوز المبتكر الأصلي، محققة تفوقًا في السوق من خلال تقديم منتج أكثر تطورًا وملاءمة لاحتياجات العملاء.

يتحول التقليد الذكي من مجرد استراتيجية دفاعية إلى محرك قوي للنمو والابتكار في عالم الأعمال الحديث.

وفي حالة بطل مقالتنا اليوم، شركة ميتا (فيسبوك سابقًا)، فتلك المقدمة تستفيض في شرح الإجابة على سؤال لماذا لا تُقدم ميتا منتجات مُبتكرة وتستمر فقط في التقليد! ليتضح لنا أن ميتا تجسد نموذجًا مثاليًا للمقلد الذكي في عصرنا الرقمي، المُقلد الذي سيجعلك تستخدم ذلك المُنتج الموصوم بسعادة ورضا؛ وذلك بالطبع بجانب استفادة ميتا من قاعدة المستخدمين الهائلة التي تمتلكها لنشر مميزاتها الجديدة.

خذ على سبيل المثال ميزة "الريلز" (Reels) استوحت ميتا هذه الفكرة من تيك توك، ودمجتها بسلاسة في منصتي إنستجرام وفيسبوك. النتيجة؟ نجاح مذهل، مع ما يقدر بمليار ريل على إنستجرام وحده. واستلهمت ميتا كذلك ميزة "القصص" (Stories) من سناب شات، لتصبح عنصرًا أساسيًا في عائلة تطبيقاتها. واليوم؛ أصبحت القصص جزءًا لا يتجزأ من تجربة المستخدم، تُستخدم للتواصل الشخصي والتسويق على حد سواء.

من منا لم يصادف صديقًا ينشر سلسلة لا نهائية من القصص لا يمكنك رؤية الفاصل بينها بالعين المُجردة؟

توضح هذه الأمثلة براعة ميتا في تحويل الأفكار المستعارة إلى مميزات ناجحة ومحبوبة. فهي لا تنسخ فقط، لكن تعيد صياغة الفكرة لتتناسب مع منصاتها وجمهورها. لذا؛ تُظهر استراتيجية ميتا أن التقليد الذكي ليس مجرد تكرار، لكنه فن تحويل الأفكار الناجحة إلى تجارب فريدة ومتكاملة، تلبي احتياجات المستخدمين وتعزز مكانة الشركة في السوق التنافسي.

الشق السلبي في استراتيجية التقليد

تبرز استراتيجية التقليد كسلاح ذو حدين. فبينما قد تحقق نجاحات قصيرة المدى، فإنها تحمل في طياتها مخاطر جمة على المدى الطويل؛ لأن الشركات التي تعتمد بشكلٍ مفرط على تقليد منافسيها تجد نفسها دومًا في موقع المتأخر، تلهث خلف الابتكارات بدلًا من قيادتها. ويؤدي هذا التأخر المستمر حتمًا إلى تآكل الميزة التنافسية وفقدان حصة السوق، خاصةً مع الأجيال الجديدة من المستهلكين.

كمثال على ذلك؛ جيل Z، ذلك الجيل المولود بين عامي 1997 و2012، يمثل تحديًا خاصًا للشركات المعتمدة على التقليد. هذا الجيل، الذي نشأ في عصر الإنترنت والهواتف الذكية، ينظر إلى المنصات التقليدية مثل تلك التي تقدمها شركة ميتا كـ"منصات للآباء والأجداد". يبحث ذلك الجيل باستمرار عن التجديد، والسرعة، والخصوصية؛ عناصر غالبًا تفتقرها الشركات التي تكتفي بتقليد الآخرين. نتيجة لذلك؛ يتجه هذا الجيل نحو تطبيقات وخدمات أكثر ابتكارًا وملاءمة لاحتياجاتهم المتطورة كتطبيق تيك توك مثلًا.

 ويمتد أثر التقليد المستمر قاعدة المستخدمين؛ إذ يطال تأثيره سمعة الشركة وقيمتها السوقية. وينظر المستثمرون والمستهلكون على حد سواء بعين الشك إلى الشركات التي تفتقر إلى الابتكار الأصيل. وتضر هذه النظرة بشكلٍ مباشر قيمة العلامة التجارية وقدرتها على جذب استثمارات جديدة أو الحفاظ على ولاء العملاء.

وتواجه الشركات المعتمدة جزئيًا على التقليد تحديًا داخليًا يتمثل في كبح الإبداع لدى موظفيها. فبدلًا من تشجيع الأفكار الجديدة والابتكارات الأصيلة، تجد هذه الشركات نفسها توجه مواردها وطاقات موظفيها نحو إعادة هيكلة وتكييف المميزات المقلدة. ويؤدي هذا النهج إلى إحباط الروح الإبداعية للموظفين وفقدان المواهب المُبتكرة.

ورغم أن الجانب الأخلاقي غالبًا ما يُهمل في عالم الأعمال لصالح الربحية، فتأثيره على سمعة الشركة وثقة العملاء لا يمكن تجاهله؛ إذ قد تواجه الشركات التي تُعرف بتقليدها المستمر للآخرين، انتقادات أخلاقية تؤثر سلبًا على صورتها العامة وعلاقاتها مع المستهلكين والشركاء على حد سواء.

في النهاية؛ يتضح أن النجاح والاستدامة على المدى الطويل يتطلبان توازنًا دقيقًا بين التقليد الذكي والابتكار الأصيل. هذا التوازن ضروري للحفاظ على الميزة التنافسية، وجذب الأجيال الجديدة من المستهلكين، وتعزيز الإبداع الداخلي في الشركة. كما أنه يساعد في الحفاظ على القيم الأخلاقية التي تعزز ثقة المستهلك والمستثمر. ستقود السوق الشركات التي تنجح في تحقيق هذا التوازن في المستقبل، متفوقةً على منافسيها وملبية احتياجات عملائها المتطورة باستمرار.

ولكن نأمل من رؤيتنا لاستراتيجيات ميتا أنها تعتمد على التقليد لتقدم منتج ثوري أصيل في المستقبل كالميتافيرس! مُستخدمةً استراتيجية التقليد كمرحلة انتقالية. لذا؛ سنراقب كيف تترجم ميتا هذه الاستراتيجية إلى واقع ملموس في المستقبل، وما إذا كانت ستنجح في تحقيق رؤيتها للميتافيرس.

من فيسبوك إلى ميتا - الأمل في عالم افتراضي موازي

في أكتوبر 2021؛ ، اتخذ مارك زوكربيرج قرارًا جريئًا لتغيير مسار واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم؛ إذ أعلن الرئيس التنفيذي لفيسبوك عن تغيير اسم الشركة الأم إلى "ميتا" (Meta)، في خطوة استراتيجية تحمل دلالات عميقة. وجاء اختيار اسم "ميتا" كإشارة واضحة إلى "الميتافيرس"؛ ذلك العالم الافتراضي ثلاثي الأبعاد الذي يراه زوكربيرج مستقبل التفاعل الرقمي. تجاوز هذا التحول الجذري مجرد تغيير الاسم بالنسبة لزوكربيرج؛ فهو إعلان صريح عن رؤية طموحة لمستقبل التكنولوجيا والتواصل البشري.

كان الواقع الافتراضي ذات يوم حلمًا من الخيال العلمي. لكن الإنترنت كان أيضًا حلمًا في يوم من الأيام، وكذلك أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية؛ المستقبل قادم، ولدينا فرصة لبنائه معًا. (مارك روكربيرج - مارس 2014)

لكن كيف اُتخذ هذا القرار؟ تعود جذور هذا التحول إلى عام 2014، حين استحوذت فيسبوك على Oculus VR بصفقة قيمتها ملياري دولار. وتختص شركة Oculus VR الناشئة في تطوير تكنولوجيا الواقع الافتراضي وتمتعت بمستقبل واعد للغاية؛ إذ كانت من أوائل الشركات التي قدمت تجربة واقع افتراضي عالية الجودة؛ ما جعلها المُرشح المناسب لتلك المهمة في فيسبوك.

وسرعان ما أسست الشركة قسمًا بحثيًا متخصصًا يحمل اسم Oculus Research. وتطور القسم لاحقًا في عام 2018 إلى "مختبرات الواقع – Reality Labs" لتذوب بذلك هوية الشركة الناشئة في فيسبوك، وأتى ذلك التغيير في خطوة تؤكد التزام فيسبوك تجاه هذه التقنيات الثورية ورغبتها في التوسع والاستثمار في ذلك المجال.

وبدأت ثمار هذا الاستثمار بالظهور مع إطلاق نظارة Oculus Quest في 2019، والتي تبعتها النسخة المحسنة Oculus Quest 2 في العام التالي. حققت الأخيرة نجاحًا مذهلًا، متجاوزةً 10 ملايين وحدة مبيعات بنهاية 2021؛ ما جعلها واحدة من أنجح أجهزة الواقع الافتراضي في السوق، والتي تقدم تجربة واقع افتراضي ممتعة بسعر تنافسي بدءًا من 299 دولارًا.

Oculus Quest 2

لكن طموح زوكربيرج تجاوزت حدود الألعاب والترفيه. فقد أدرك أن الميتافيرس يحمل في طياته إمكانيات هائلة تتخطى بكثير مجرد منصة للألعاب. رأى فيه فضاءً رقميًا شاملًا يمكن أن يندمج بسلاسة في نسيج حياتنا اليومية. شملت رؤية زوكربيرج تصورًا للميتافيرس كبيئة افتراضية متكاملة؛ يمكن للناس العمل، والتواصل، والتعلم، والترفيه في عالم رقمي. وذلك ببناء واقع موازٍ يعيد تشكيل طريقة تفاعلنا مع التكنولوجيا والعالم من حولنا.

هل يمكن أن يصبح الميتافيرس امتدادًا طبيعيًا لعالمنا الواقعي؟ والذي بدوره يؤثر على كل جانب من جوانب حياتنا.

ميتا تدخل نفق مظلم

شهد عام 2022 انعطافًا حادًا في مسيرة شركة ميتا، مسجلاً أسوأ أداء في تاريخها منذ تأسيسها. فقد بدأ الأمر بانهيار دراماتيكي في القيمة السوقية للشركة، إذ تبخر نحو  230 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد فقط، بهبوط قدره 26% في قيمة السهم. وحدث ذلك عقب إعلان نتائج الربع الرابع لعام 2021 التي جاءت مخيبة لآمال المحللين والمستثمرين.

انخفضت ثروة مارك زوكربيرج بنحو 100 مليار دولار في ذلك العام

ولكن لم يقتصر الأمر على تراجع الأرباح وبطأ النمو فحسب، بل شمل الأمر انخفاضًا غير مسبوق في عدد المستخدمين النشطين. ويمكن عزو هذا التراجع إلى عدة عوامل، منها ظهور منافسين مبتكرين استطاعوا استقطاب الجيل الشاب كما أشرنا أعلاه، بالإضافة إلى سلسلة من الفضائح المدوية التي هزت ثقة المستخدمين، كتسريب بيانات أكثر من نصف مليار مستخدم وفضيحة Cambridge Analytica السابقة.

وجاء تغيير شركة آبل لسياسات الخصوصية في نظام IOS في مرحلة حرجة بالنسبة لميتا؛ ما أثر بشكلٍ مباشر على إيراداتها؛ إذ قدرت الشركة خسائرها بنحو 10 مليارات دولار في عام 2022 نتيجة لهذه التغييرات. كما أثارت الخسائر الكبيرة في قسم Reality Labs مخاوف المستثمرين حول جدوى استثمارات الشركة طويلة الأجل، وعلى رأسها مشروع الميتافيرس بالطبع.

وفي نهاية العام؛ كانت حصيلة الخسائر مروعة، إذ فقدت ميتا ما يقرب من 70% من قيمتها السوقية. فمن قيمة بلغت 922 مليار دولار في نهاية 2021، هوت إلى 272 مليار دولار تقريبًا في أكتوبر 2022، في انحدار مذهل لم يستغرق سوى أشهر معدودة.

انحدار قيمة ميتا السوقية في 2022

هذا الانهيار الحاد دفع الكثيرين إلى التساؤل عن مستقبل مشروع الميتافيرس الذي طالما روجت له الشركة كمنقذ ومحول لمستقبلها. فأين هذا العالم الافتراضي الموعود الذي من المفترض أن ينقل ميتا إلى آفاق جديدة؟ وهل سيكون قادرًا على إنقاذ الشركة من هذا التدهور المالي الحاد؟

أترى ذلك النور في نهاية النفق؟

على الرغم من التحديات التي واجهتها شركة ميتا خلال ذلك العام المُذكور، لم يفقد مارك زوكربيرج إيمانه برؤيته المستقبلية. ففي أكتوبر 2022، أطلقت الشركة نظارة Meta Quest Pro، معلنة بذلك بداية حقبة جديدة لدمج الواقع الافتراضي في حياتنا اليومية.

كان متابعو التكنولوجيا، وخاصة محبي نظارة Quest 2 الناجحة، يتوقعون أن تكون النظارة الجديدة تطويرًا موجهًا نحو تجارب الألعاب المتقدمة. لكن فاجأت ميتا الجميع بتوجه مختلف تمامًا. فبدلًا من التركيز على الترفيه، جاء الإعلان عن النظارة مصحوبًا بمشاهد لأشخاص يستخدمونها في بيئات العمل. هذا التحول استكمل رؤية زوكربيرج إلى أن ميتا تتجه نحو توظيف تقنيات الواقع الافتراضي في مجالات أكثر جدية وإنتاجية، متجاوزة فكرة أنها مجرد أداة للترفيه.

ومع الضجة الإعلامية التي أحاطت بإطلاق نظارة Meta Quest Pro، فإن النتائج الأولية لم تكن على مستوى التوقعات. فبحلول نهاية عام 2022، لم تتجاوز مبيعاتها 25 ألف وحدة، معظمها لهواة الألعاب وليس للمستخدمين المهنيين كما كان مخططًا. أحد أبرز الانتقادات كان وزنها الثقيل البالغ 722 جرامًا؛ ما جعلها غير عملية للاستخدام لفترات طويلة، فمن يرغب بوضع ذلك الوزن لساعات على رأسه.

على اليمين: apple vision pro على اليسار: Meta Quest Pro 

وفي خضم هذه التحديات التي واجهتها ميتا، شهدت الساحة التكنولوجية تطورًا مثيرًا آخر. ففي يونيو 2023، أطلقت آبل نظارتها الأولى للواقع المختلط، Apple Vision Pro. هذا الإطلاق أثار اهتمامًا كبيرًا، خاصة وأن النظارة كانت موجهة أيضًا للاستخدامات المهنية، مشابهةً لرؤية ميتا. ومع ذلك، واجهت Vision Pro انتقادات مماثلة لنظيرتها من ميتا، خاصةً فيما يتعلق بثقل الوزن وارتفاع التكلفة.

يثير هذا التطور تساؤلات مهمة؛ هل رأت آبل فرصة في السوق رغم تجربة ميتا الصعبة؟ وهل يمكن أن يشير استثمار شركة بحجم آبل في هذا المجال إلى مستقبل واعد للواقع الافتراضي والمختلط؟ ربما يشير هذا إلى أن كلا الشركتين تسعيان لحجز مكانهما في سوق قد يشكل ملامح المستقبل التكنولوجي. فربما هناك صورة أكبر يراها عمالقة التكنولوجيا.

وفي أعقاب هذا الإخفاق الأولي لميتا، انتشرت التساؤلات حول مستقبل الميتافيرس. العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام تساءلت "هل فشل الميتافيرس؟"، وغالبًا تكون الإجابة "نعم فشل". بالإضافة لذلك بدأت المخاوف من الآثار السلبية المحتملة للعوالم الافتراضية في الانتشار، كالعزلة الاجتماعية، والإدمان، وتدهور مهارات التواصل الواقعي، خاصةً بين الأجيال الصغيرة.

لكن هذه النظرة السلبية تثير تساؤلات مهمة؛ هل فشل الميتافيرس حقًا؟ أم أنه لم يُمنح الوقت الكافي للتطور والنضج؟ هل من الإنصاف الحكم عليه بهذه السرعة؟ وهل نركز فقط على سلبياته المحتملة، متجاهلين الفرص والإمكانيات الإيجابية التي قد يقدمها؟ تحفزنا هذه التساؤلات على التأمل العميق في مسار التكنولوجيات الحديثة وتأثيرها على مجتمعاتنا. فلنتذكر أن الإنترنت والهواتف الذكية، التي أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من نسيج حياتنا اليومية، واجهت في بداياتها موجات من النقد والشك المماثلة.

والأمر ذاته في كل ابتكار تكنولوجي ثوري نعتبره الآن ضروريًا لحياتنا العصرية، قد مر أيضًا بمرحلة من الجدل والانتقاد عند ظهوره. لذا؛ يدعونا هذا النمط المتكرر في تاريخ التقنية إلى التريث في أحكامنا على التقنيات الناشئة كالميتافيرس. وكما أثبت التاريخ مرارًا، قد تتحول التقنيات المثيرة للجدل اليوم إلى أدوات أساسية في المستقبل، تشكل واقعنا بطرق لم نكن نتخيلها من قبل.

هل فشل المتافيرس حقًا؟

في حوار صريح مع The Verge عام 2022؛ كشف مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، عن رؤيته الطموحة للميتافيرس. وأشار أن الجميع أصدر تقييمًا مُبكرًا للغاية على هذه التقنية؛ إذ تمتد رؤية زوكربيرج لعقد أو يزيد حتى نرى نتائج "واقعية ومُبهرة". وتهدف تلك الرؤية إلى إحداث ثورة في عالم الحوسبة، مركزةً على الإنسان ومحققةً إحساسًا غير مسبوق بالتواجد الحقيقي في العالم الرقمي.

ويدرك زوكربيرج، بنظرته الثاقبة للمستقبل، أن الأجهزة الحالية مثل Meta Quest Pro ليست سوى الخطوة الأولى في رحلة طويلة من الابتكار والخسائر أيضًا. ويتوقع قفزات نوعية في الإصدارات القادمة، خاصةً مع الوصول إلى الجيلين الرابع والخامس من هذه التقنية؛ علمًا أنه أشار لـMeta Quest Pro على أنها الإصدار الأول. واستشهد زوكربيرج بالتطور الملحوظ بين Quest 1 و Quest 2، ليرسم صورة مشرقة لمستقبل الواقع المختلط، معتبرًا إياه جسرًا حيويًا يربط بين عالمي الواقع الافتراضي والمعزز.

وأقر زوكربيرج بأن طموح هذه الرؤية قد يولد توقعات عالية، ربما تؤدي إلى بعض خيبات الأمل على المدى القصير. ومع ذلك، فإن الحماس الذي تلقاه هذه التقنية فاق توقعاته؛ ما خلق مزيجًا فريدًا من الفرص والتحديات. وأكد الرئيس التنفيذي لمتيا التزام شركته باستثمار موارد ضخمة في هذا المجال، معتبرًا الميتافيرس تجسيدًا حيًا للرسالة الاجتماعية التي تتبناها ميتا.

 

تتجاوز رؤية مارك زوكربيرج للميتافيرس على أنها مجرد التقنية؛ فهي تصور لمستقبل يندمج فيه العالم الافتراضي بسلاسة مع حياتنا اليومية. يتخيل زوكربيرج عالمًا تتكامل فيه تقنيات الميتافيرس مع مجالات العمل والإنتاجية، مقترحًا فكرة الاجتماعات الهجينة التي تمزج بين الحضور الفعلي والافتراضي. هذا التصور قد يعيد تشكيل مفهوم التعاون في بيئات العمل الحديثة بشكل جذري.

ورغم الخسائر المالية الظاهرة، تواصل شركة ميتا التزامها الراسخ بتطوير تقنيات الواقع المعزز والافتراضي كما وعد مارك. وإثباتًا على ذلك؛ قسم Reality Labs، الذي يقود جهود الشركة في مجالات الميتافيرس والواقع المختلط والمعزز والافتراضي والذكاء الاصطناعي، خسر نحو 50 مليار دولار منذ عام 2019. لكن ميتا تصر على أن هذه الخسائر ليست سوى استثمارات في المستقبل، متوقعة زيادة في خسائر التشغيل "سنة بعد سنة" كجزء من استراتيجيتها طويلة المدى.

ويؤمن زوكربيرج بأن الجيل القادم من منصات AR/VR و MR سيوفر إحساسًا واقعيًا بالوجود؛ ما سيشكل أساس التجارب الاجتماعية المستقبلية وغيرها من التجارب الرقمية. تتجاوز هذه الرؤية مجرد التكنولوجيا لتشمل إعادة تصور كيفية تفاعلنا مع العالم الرقمي والواقعي.

وفي اجتماع الأرباح للربع الأول من 2024؛ أشار مارك أن الاستثمارات الحالية لميتا، رغم عدم تحقيقها عائدًا فوريًا، ستفتح آفاقًا واسعة لتوسيع نطاق الإعلانات والمحتوى المدفوع في تفاعلات الذكاء الاصطناعي. كما يرى أن نظارات الواقع المعزز (AR) من ميتا هي الجهاز المثالي لمساعد الذكاء الاصطناعي؛ إذ ستتمكن هذه النظارات من رؤية وسماع ما يراه ويسمعه المستخدم؛ ما يتيح للمساعد الذكي تقديم دعم فعال في المهام اليومية وتوفير المعلومات بشكل سلس.

وفي النهاية، يعتبر زوكربيرج أن ما قد يُنظر إليه كفشل للميتافيرس هو في الواقع مجرد بداية لرحلة طويلة من التطوير والابتكار. فالميتافيرس، من وجهة نظره، لم يكن مجرد منتج للإطلاق الفوري، بل رؤية طموحة وطويلة المدى لمستقبل التفاعل الرقمي والاجتماعي، تتطلب وقتًا وموارد كبيرة لتحقيقه.

أين ميتا في السباق الشرس للذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي الذي لا نراه

تُشكل الإعلانات أكثر من 95% من إيرادات ميتا؛ ما يعني أنها تمثل القلب النابض للشركة، ومع الانهيار الحاد للشركة في عام 2022 انهارت الإعلانات أيضًا. ثم أتت مختبرات الواقع لتمثل إنعاشًا للشركة؛ إذ قدمت مجموعة ثورية جديدة من الأدوات الإعلانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي أطلقت عليها + Meta Advantage.

تضمنت + Advantage مجموعة متنوعة من الأدوات الذكية؛ كل منها مصمم لتعزيز جانب معين في العملية الإعلانية؛ ابتداءً من التوزيع الذكي للإعلانات إلى الاستهداف الدقيق للجمهور، ثم وصولًا إلى حملات التسوق والتطبيقات المُخصصة. لتقدم ميتا بهذه الأدوات قدرات هائلة تساعدها في الوصول إلى جمهورها المستهدف بكفاءة وفعالية عالية.

وفي غضون عام؛ عادت ميتا إلى مكانتها السابقة مُعافاة ورابحة أيضًا! إذ تمكنت خوارزميات ميتا من تحسين الحملات الإعلانية بشكلٍ مستمر؛ ما أدى إلى نتائج أفضل للمعلنين وتجربة أكثر ملاءمة للمستخدمين. ونتيجةً لذلك عاد المستثمرون وأشاد المحللون؛ فقد أثبتت ميتا أنها لا تستثمر أموالها هباءً وأن كل الأموال التي تنفقها تقع بالفعل تحت الاستثمار المُثمر وليس الخسائر.

يبدو ذلك الكلام رائعًا ومُبهرًا بحق؛ لكنك تُفكر؛ حسنًا لكن أين الذكاء الاصطناعي الذي يشبه ChatGPT وجيميناي؟ لما لم تقدم ميتا حتى الآن نموذج قوي ينافس نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي التي نستطيع التحدث إليها؟

الذكاء الاصطناعي الذي نراه

تأسست Meta AI، وهي مجموعة أبحاث الذكاء الاصطناعي التابعة لشركة ميتا، في عام 2013. كانت تُعرف في البداية باسم Facebook AI Research (FAIR) قبل أن يتغير اسمها لاحقًا إلى Meta AI بعد إعادة تسمية الشركة الأم إلى ميتا. وتُعد Meta AI جزء من مختبرات الواقع (Reality Labs) والمسؤولة عن كل الأبحاث والتطوير الخاص بالذكاء الاصطناعي في الشركة.

بعد النجاح الثوري للنموذج اللغوي الكبير GPT-3.5 في عام 2022؛ قررت ميتا الانضمام إلى السباق لكن باستراتيجية مختلفة! وفي فبراير عام 2023؛ أطلقت ميتا نموذجها الأول (Large Language Model Meta AI) LLAMA، وقررت الشركة قرارًا جريئًا بأن تُبقي LLAMA نموذجًا مفتوح المصدر.

وكتبت ميتا على مدونتها أنها تؤمن بالعلم المفتوح، لذا ستمنح الوصول إلى نموذجها للباحثين الأكاديميين؛ والأشخاص المرتبطين بمنظمات في الحكومة والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية؛ ومختبرات الأبحاث الصناعية حول العالم. وهدفت ميتا إلى تسريع وتيرة الابتكار في مجال معالجة اللغات الطبيعية من خلال ذلك القرار.

وصممت ميتا الإصدار الأول لنموذجها اللغوي الكبير بعدة أحجام (7، و13، و33، و65 مليار معلمة) وفتحت التصاميم الأصغر والأكثر كفاءة الباب أمام الباحثين ذوي الموارد المحدودة للمشاركة في هذا المجال المتطور بسرعة. لا تدعم هذه الخطوة التقدم العلمي فقط، بل تعزز أيضًا الشمولية في البحث، ليتمكن مجموعة أوسع من العلماء من دراسة وتطوير نماذج اللغة الكبيرة.

LLAMA 2 تعاون ميتا مع ميكروسوفت

وسعت عملاقة مواقع التواصل الاجتماعي للتطوير السريع لـLLAMA؛ إذ أصدرت LLAMA 2 في يوليو 2023 بالتعاون مع ميكروسوفت، وأصدرت LLAMA 3 في أبريل 2024 بحجمي (8 و 70 مليار معلمة) وتعمل الآن على تطوير لذلك الإصدار بـ400 مليار معلمة؛ ما يعني أن ميتا أصدرت ثلاثة إصدارات في أقل من سنة ونصف تقريبًا.

وبالتزامن مع إطلاق LLAMA 3 كشفت ميتا عن Meta AI؛ وهو مساعد افتراضي مبني على نموذج LLAMA، دمجته الشركة في منصتي فيسبوك وواتساب؛ ويمكن لـMeta AI الإجابة عن الأسئلة المعقدة وتقديم تحليلات متعمقة، وهو قادر أيضًا على المساعدة في مهام الكتابة والبرمجة؛ وإنتاج محتوى متعدد الوسائط أيضًا. لذا؛ فقد أطلقت ميتا بالفعل الذكاء الاصطناعي الذي نستطيع أن نتحدث إليه لكنه ليس بنجاح النماذج الآخرى، وليس متوفرًا في جميع أنحاء العالم أيضًا فلماذا؟

استراتيجية Meta: الربح من وراء المجانية في LLaMA

استراتيجية ميتا في سوق الذكاء الاصطناعي تتسم بالذكاء والبعد النظر. فهي لا تسعى للربح الفوري من نموذج LLAMA، بل تهدف إلى خلق مساحة لها في سوق مزدحم بالفعل "فهمها صغُر حجم الشيء فإنه يشغل حيزًا". فبإتاحة نموذجها مجانًا، تحقق ميتا عدة أهداف؛ أولًا، تنافس النماذج القائمة كـ GPT، وثانيًا، تستفيد من جهود المطورين والباحثين لتحسين نموذجها دون تكلفة إضافية؛ سواء بحث، أو تطوير، أو توظيف، أو جهد.

يؤدي هذا النهج إلى انتشار النماذج المبنية على بيانات عامة؛ ما يقلل من تميز تلك النماذج وقيمتها السوقية. وهنا يكمن جوهر استراتيجية ميتا؛ فبينما تنخفض قيمة النماذج العامة، تزداد أهمية البيانات الخاصة التي تمتلكها الشركة والتي ربما تكن الأضخم على الإطلاق. تُشكل هذه البيانات، خاصةً المتعددة الوسائط من منصاتها الاجتماعية والعوالم الافتراضية، الأساس لنماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة في المستقبل.

وتُعرف البيانات العامة على أنها المعلومات المتاحة للجميع دون قيود على الاستخدام؛ مثل مواقع الويب والمدونات والوثائق الحكومية المفتوحة والمجلات والجرائد. والتي تستخدم لتدريب النماذج اللغوية الكبيرة مثل GPT.

مع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي، ستزداد قيمة البيانات الخاصة التي تمتلكها ميتا بشكل كبير؛ إذ قد يدفع ذلك التسارع الشركة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الحالية المتمثلة في مشاركة نماذجها بحرية. فبدلاً من ذلك، قد تختار ميتا الاحتفاظ بنماذجها الأكثر تطورًا لنفسها، إما عبر تحويلها إلى مصدر مغلق أو تقديمها كخدمة مدفوعة.

يضع هذا النهج الاستراتيجي طويل المدى ميتا في موقع قوي للغاية؛ إذ يمكّنها من تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر تقدمًا وبشرية، مستفيدةً بشكلٍ كامل من ثروتها الفريدة من البيانات الخاصة. وبهذا؛ تضمن ميتا لنفسها ميزة تنافسية قوية في سوق الذكاء الاصطناعي المتنامي.

في النهاية، تبدو ميتا وكأنها تقول إذا فاتك السباق خطط لتسبقهم في المستقبل! فهي تخطط لأن تكون في الطليعة عندما يتعلق الأمر بنماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تطورًا وإنسانية.

ماذا ينقُص ميتا؟

يرى يان ليكون (Yann LeCun)، رئيس الذكاء الاصطناعي في ميتا، أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، مثل ChatGPT، تعاني من محدودية كبيرة. فرغم قدرتها على اجتياز اختبارات معقدة كامتحان المحاماة الأمريكي، فإنها تفتقر إلى الفهم الحقيقي للعالم الواقعي، نظرًا لاعتمادها على التدريب النصي فقط. ويشير ليكون إلى أن هذه الأنظمة تعجز عن إدراك مفاهيم أساسية كالجاذبية، التي يمكن لطفل رضيع فهمها بسهولة؛ ما يجعلها بالكاد تصل إلى مستوى ذكاء الكلب.

لمواجهة هذه التحديات، تعمل ميتا على تطوير الذكاء الاصطناعي من خلال تدريبه على الفيديو، وهو ما يعتبره ليكون تحديًا أكبر وأكثر فعالية. ورغم توقعه بأن هذا المستوى من الذكاء الاصطناعي قد يستمر لعقد من الزمن، إلا أنه يرى مستقبلًا واعدًا حيث ستوجد آلات أكثر ذكاءً من البشر، لكنها ستكون مفيدة كمساعدين شخصيين وليست تهديدًا.

تنعكس الرؤية الاستراتيجية طويلة المدى التي يتبناها ليكون في نهج ميتا تجاه الذكاء الاصطناعي. فبدلًا من الانخراط في سباق محموم لتطوير تقنيات قد تكون غير ناضجة، تتبنى الشركة نهجًا أكثر تأنيًا وعمقًا. ومع ذلك، فإن هذا النهج يحمل معه تحديات خاصة به؛ إذ قد يؤدي إلى تأخر ميتا في المشاركة الفعالة في السباق التكنولوجي السريع الذي يشهده مجال الذكاء الاصطناعي. لذا؛ تحتاج ميتا إلى وضع الوتيرة السريعة للتقدم التكنولوجي في ذلك المجال في الاعتبار.

في خطوة استراتيجية، تحالفت ميتا مع IBM لإنشاء مجتمع دولي يضم 50 مؤسسة لدعم الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عملًا باتجاه ميتا الذي تحدثنا عنه سابقًا. ويأتي هذا التحالف في نهاية عام حافل بالتطورات التقنية في مجال الذكاء الاصطناعي.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لميتا الاستثمار في مجال الحوسبة الكمومية، وهو مجال واعد تتصدره شركات مثل IBM. هذا المجال، الذي يشهد نموًا سنويًا بنسبة 30%، ويستثمر فيه عمالقة التكنولوجيا مثل إنفيديا وجوجل وميكروسوفت، قد يحدث ثورة في عالم التكنولوجيا، بما في ذلك الميتافيرس والذكاء الاصطناعي. يتماشى الاستثمار في هذا المجال مع نهج ميتا طويل الأجل، ويمكن أن يضعها في موقع ريادي في المستقبل التكنولوجي.

تسجيل خروج من مقالة ميتا

في الختام، تقف شركة ميتا على مفترق طرق حاسم في مسيرتها التكنولوجية. فمن جهة، تواجه تحديات كبيرة تتمثل في الخسائر المالية الضخمة وضغوط المنافسة المتزايدة في سوق الذكاء الاصطناعي. ومن جهة أخرى، تمتلك رؤية طموحة وجريئة لمستقبل الميتافيرس والذكاء الاصطناعي، مدعومة باستراتيجية ذكية تعتمد على قوة بياناتها الفريدة وانفتاحها على الابتكار المفتوح المصدر.

إن نجاح ميتا في تحقيق توازن دقيق بين الاستثمار طويل الأجل والحاجة إلى نتائج ملموسة على المدى القصير سيكون حاسمًا لمستقبلها. فبينما تراهن الشركة على مستقبل الميتافيرس والذكاء الاصطناعي المتقدم، يظل السؤال قائمًا؛ هل ستتمكن من تحويل هذه الرؤية الطموحة إلى واقع ملموس يعيد تشكيل طريقة تفاعلنا مع العالم الرقمي؟

ومع استمرار تطور المشهد التكنولوجي بوتيرة متسارعة، ستظل ميتا محط أنظار المراقبين والمستثمرين على حد سواء. فنجاحها أو إخفاقها لن يؤثر فقط على مستقبل الشركة، بل سيكون له تداعيات واسعة على مستقبل التكنولوجيا والتواصل الإنساني في العصر الرقمي. وفي النهاية، سيكون الوقت وحده كفيلًا بإظهار ما إذا كانت رهانات ميتا الجريئة ستؤتي ثمارها، محققة رؤيتها لعالم رقمي أكثر اتصالًا وتفاعلية.