أين الذكاء الاصطناعي .. أين النماذج اللغوية الكبيرة؟ هل آبل حمقاء؟
شخصيًا، لا أتذكر خوضي لمحادثة مع شخصٍ ما زاد وقتها عن ساعة لم نذكر فيها كلمة الذكاء الاصطناعي عِدة مرات، أيُما كان اهتمامه أو مجال عمله.
في الفترة الأخيرة، لم يعُد هُناك ما يشغل بال العالم أكثر من الذكاء الاصطناعي، وذلك; بالرغم من العمل عليه لسنواتٍ طُوال، إلا أن وقته الأمثل كان خلال هذا العقد، وهذا العام تحديدًا، العام الذي قد أُطلِق عليه، عام الذكاء الاصطناعي، بِكُلِ النماذج التحوارية التي يتم إطلاقها من قِبل شركات مثل Microsoft و Google وغيرهم، بالإضافة إلى أدوات التوليد باستخدام الذكاء الاصطناعي سواءً كان محتوى مكتوب أو مرئي أو حتى إنشاء المواقع والتطبيقات.
كُلِ ما يُحيط بنا هو عبارة عن ذكاء اصطناعي في الوقت الحالي، لا يُمكننا أن نُهمله، لا يُمكننا تجاهله.
الأمر ذاته بالنسبة للشركات الكبيرة، فعلى سبيل المِثال لا الحصر، ذُكِرت كلمة "ذكاء اصطناعي" أو مُقابلها بالإنكليزية "AI" ما يزيد عن 168 مرة في مُؤتمرات شركات ميكروسوفت، ميتا، آلفابيت وحتى آمازون أثناء استعراضها لأرباح الربع الأول من العام.
168 مرة كان لجوجل نصيب الأسد فيهم بعد أن ذكرت كلمة "ذكاء اصطناعي" تحديدًا 99 مرة خلال حدث Google I/O 2023 الذي نُظِّم في مايو الماضي.
هذا رقم ضخم، ولكن لا يستحيل الوُصول إليه في الحالات العادية، فكُل ما يجول حولنا هو ذكاء اصطناعي، دعني أطلب منك أن تتخيل أنه حيثُما يُذكر الذكاء الاصطناعي، تُضاء المنطقة التي ذُكِر فيها على كوكب الأرض - في نطاقٍ ضيق لا يزيد عن عشرة أمتار- إذا طبقت هذا الأمر بالفعل، ستجد الأرض كُلها مُضائة بفضل ذكر البشر كافة لكلمة "الذكاء الاصطناعي" إلا مكانٌ واحد، سيُصبح مُظلمًا وموحِشًا وسط كل هذا الضوء. هل رأيته؟ أنت ترى الآن مقر شركة آبل في كوبرتينيو بولاية كاليفورنيا، المكان الذي حُرِّم فيه ذكر كلمة "ذكاء اصطناعي".
آبل وعُقدة المُصطلح
خلال حدث WWDC 2023 الذي انقضى مُنذ أيام، وخلال ساعتين مُتواصلتين من الحديث عن التقنية من إحدى الأماكن في معقل أكبر الشركات التقنية في العالم، وادي السيليكون، لم تذكُر آبل كلمة "ذكاء اصطناعي" على الإطلاق، لم تُشِر إليها حتى خلال الحدث، حتى أنهم عندما وصلوا للنُقطة التي لا مفر فيها من ذِكر كلمة ذكاء اصطناعي، استخدموا مُصطلح "تعلُّم الآله - Machine Learning" بدلًا منها.
غريب هو أمر أعلى شركة تقنية قيمة في العالم، هل هي بهذا القدر من الحماقة حتى لا تستخدم الكلمة الأكثر رواجًا في العالم في الوقت الحالي خلال الحدث الخاص بها؟
هذه الكلمة التي أصبحت تُحاول الشركات استخدامها بشكلٍ مُفرِط في أحداثها حتى وإن لم يكن لذِكرها داعي في هذا الوقت، فإليك جوجل على سبيل المِثال، التي اتخذت من الذكاء الاصطناعي مظلة تضع أسفلها كُل ما صنعته، حتى أنها عندما تحدثت عن هاتف Pixel خلال الحدث لم تتحدث عنه كهاتف ذكي ليس أكثر، إنما وصفته بأنه أول كمبيوتر محمول يعمل بالذكاء الاصطناعي، أهم مُميزاته؟ أنه يُقدِّم ذكاءً اصطناعيًا حقيقيًا، تسأل عن ماذا يُقدِّم هذا الهاتف للبشرية؟ إنه يقود طريقنا نحو الأجهزة المُدعمة بالذكاء الاصطناعي، كُل ذلك ببساطة لأنه الهاتف الوحيد الذي يتوسطه الذكاء الاصطناعي!
ما هذا، نحن هُنا لا نتحدث عن هاتف، لا نتحدث عن مُميزات، إنما نحن نُحاول فقط إيجاد طُرُق ووسائل لربط أيُما كان ما نتحدث عنه بالذكاء الاصطناعي! حتى أن Craig Federighi، رئيس برمجيات آبل -وتذكر هذا الاسم جيدًا لأنه سيُشاركنا هذا المقال الطويل- قال:
إذا قامت Google بالإعلان عن Wallpaper جديدة، لن تخجل إذا أطلقت عليها اسم "AI Wallpaper"
كُل شيء حولنا، هو ذكاء اصطناعي، وكان لآبل فرصة ذهبية لتُضيف أسفل اسم نظاراتها أنها "تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي" أو "Powered by AI" هل كان سيُشكك فيها أحد؟ أُجزِم لك أن هذا مُستحيل، ولكن لا، نحن آبل، سنستخدم مُصطلح أكثر بساطة، سنستخدم مُصطلح "Advanced encoder-decoder neural network - شبكة عصبية متطورة للتشفير وفك التشفير". أليس هذا ذكاءً اصطناعيًا؟ لماذا لا نقول ذلك ببساطة؟
المُصطلح الأكثر كراهية في العالم
مُنذ استخدام مُصطلح "الذكاء الاصطناعي" في عام 1954، اعتُبِر ذلك المُصطلح "أحد أكثر المُصطلحات المكروهة في العالم التقني"، ذلك لأنه في النهاية مُصطلح غير دقيق، غير واقعي، يُشير بشكلٍ أكبر إلى الخيال العلمي أكثر منه الواقع الحقيقي الملموس الذي نعيش فيه،
حتى أن كاتب الخيال العلمي Ted Chiang أجاب عندما سُؤِل عن ما هو الذكاء الاصطناعي بأنه:
اختيارٌ سيء للكلمات في عام 1954
أما عن الكلمة المُناسبة للاستخدام بدلًا من الذكاء الاصطناعي فكانت في رأيه "الإحصائيات التطبيقية - Applied Statistics" وهو مُصطلح أقرب حقًا لأرض الواقع، فالذكاء الاصطناعي في النهاية ما هو إلا عدد هائل من الاحتمالات والبيانات التي -وِفقًا لزيادة احتمال أنها مُناسبة للظهور في موقفٍ ما- ستظهر. كأن تسأل الذكاء الاصطناعي أين تقع القاهرة؟، لا أعلم إذا كُنت تعرف أم لا، ولكن حول العالم، توجد 24 مدينة تحمل اسم Cairo، وهذه المُدن مُتواجدة في خمسة دول، من بينهم 19 مدينة داخل الولايات المُتحدة فقط، ولكن عندما ستسأل الذكاء الاصطناعي، أين تقع القاهرة، هو يعلم أن الاحتمال الأقرب لإجابة سؤالك هو أنك تسأل عن قاهرة المُعِز، فسيجيبك بـ مصر، حتى وإن كُنت تعيش في الولايات المُتحدة.
هذا هو الذكاء الاصطناعي ببساطة، وهذه هي لعبة الاحتمالات، لذا فأنا في رأيي أن مُصطلح "الإحصائيات التطبيقية" هو بالفعل المُصطلح الأقرب لكيفية عمل الأمور.
ولكن; آبل انتقلت للمرحلة التي تلي الإحصائيات التطبيقية، إنها مرحلة ما بعد الإجابة.
إذا سألت الذكاء الاصطناعي السؤال السابق وأجابك بـ مصر، ولكنك ولأجل المُصادفة البحتة، كُنت تسأل عن إحدى مُدن القاهرة التي تقع في الولايات المُتحدة أو كولومبيا على سبيل المِثال، فستقوم بتقييم إجابة الذكاء الاصطناعي بأنها إجابة خاطئة، ليتعلم الذكاء الاصطناعي أن هذه ليست الإجابة التي تُريد، وهُنا، يظهر المُصطلح الأقرب للعملية بالكامل، وهو تعلُّم الآلة.
على عكس كلمة الذكاء الاصطناعي، ذُكِر مُصطلح "تعلُّم الآلة - Machine Learning" خلال حدث جوجل ثمان مرات، وهو رقم كبير مُقارنًة بعدم ذكر الذكاء الاصطناعي على الإطلاق،
الذكاء الاصطناعي في WWDC 2023
قد لا أُفاجئك إذا قُلت لك أن حدث WWDC 2023 لم يخلو من الإعلانات التي تضمنت استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي! والتي هي أهمها:
ميزة تصحيح النصوص - Autocorrect 2.0
ببساطة، إذا أردت أن تقول مُصطلحًا نابيًا، ستستخدم لوحة مفاتيح آبل بالتحديث الجديد الذكاء الاصطناعي كي تقترح عليك الكلمة التي تُريد وليست كلمة عشوائية تحمل نفس الأحرف ولكنها بمعنى آخر، فستتعلم لوحة المفاتيح لغتك وطريقة استخدامك للكلمات وحدها، هذا ما قاله Craig Federighi عندما حاول وصف ميزة Autocorrect 2.0، ولكنه لم يذكُر كلمة ذكاء اصطناعي هذه من عندي أنا!
ميزة التعرف على صور الحيوانات
واحدة من المُميزات التي تم الإعلان عنها خلال حدث WWDC 2023 هي ميزة التعرف على صور الحيوانات باستخدام الذكاء الاصطناعي داخل تطبيق Photos ليقوم بتمييز الكلاب والقِطط وغيرهم من الحيوانات ليُصبح الوصول إليها وتصنيفها أسرع فيما بعد.
تطبيق Apple Journal
بدلًا من تطبيق Note المُعتاد، أصبح بإمكانك تسجيل يومياتك وتمارينك والمواقع التي تزورها بشكلٍ تلقائي وتلقي الاقتراحات للمزيد من الأشياء التي يُمكنك فعلها بُناءً على تفضيلاتك وباستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي!
ميزة Dictation
طورت آبل ميزة Dictation الخاصة بها للتعرف على الصوت باستخدام الذكاء الاصطناعي في الإصدار iOS 17 لتُصبح أكثر دقة في التعرف على الكلمات التي تقولها لتقوم بتحويلها إلى نص.
الصوت المُخصص في AirPods
باستخدام الذكاء الاصطناعي، طورت آبل ميزة جديدة تُدعى Personalized Volume في سماعات AirPods، وذلك لتتمكن السماعة من ضبط الصوت بُناءً على موقعك وحالة البيئة المُحيطة وتفضيلات الاستماع الخاصة بك على مدار الوقت.
ميزة Live Voicemail
على عكس العالم العربي -كما أظن أنا- ينتشر استخدام مميزات البريد الصوتي في العالم أجمع، وذلك عند عدم إمكانية الوصول لأحد الأشخاص، ولكن ستحتاج إلى الاستماع إلى هذه الرسالة الصوتية كُلما أرسلها إليك أحدهم بعد تفويتك للرد على مكالمته.
بفضل استخدام الذكاء الاصطناعي، ستُصبح هواتف آيفون العاملة بنظام iOS 17 قادرة على تحويل الرسالة الصوتية بالكامل إلى نص مكتوب يُمكنك أن تقرأه سريعًا.
ميزة Smart Stack
في نظام WatchOS، تم إطلاق ميزة Smart Stack التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في اختيار التنبيهات التي تحتاج أن تراها في وقتٍ مُعيّن.
أخيرًا، نظام VisionOS
لن أتحدث عن الكثير في هذه النُقطة، فيُمكنكم معرفة كُل شيء عن نظارة Apple الجديدة Vision Pro من خلال هذه المقالة. ولكني أود فقط الإشارة إلى كم تقنيات الذكاء الاصطناعي المُستخدمة في نظام هذه النظارة التي أقل ما ستقوم به هو عمل مصح لوجهك وصُنع Digital Avatar خاصة بك دون تدخل منك!
السؤال لك الآن عزيزي القارئ، كم مرة ذكرتُ فيها مُصطلح "ذكاء اصطناعي" في الأسطُر السابقة؟
الإجابة هي 8 مرات، 8 مرات من وجهة نظرنا، ولكنها كانت صفر في خلال أحداث WWDC 2023.
هل كنت تظن أن عدم استخدام آبل مُصطلح الذكاء الاصطناعي يعني أنهم لا يستخدموه في أجهزتهم؟
بالطبع لا، فآبل تستخدم الذكاء الاصطناعي في الكثير إن لم تكن كافة مُنتجاتها، وهذا ما أكد عليه أيضًا Tim Cook في لقائه معه ABC News قائلًا:
نحن ندمجه في منتجاتنا [لكن] لا يعتبره الناس بالضرورة أنه ذكاء اصطناعي
كان بإمكانهم قول استخدام الذكاء الاصطناعي في اختصار الرسالة النصية التي أنتجها "تعلُّم الآله"، كان بإمكانهم إطلاق وصف "ذكي اصطناعيًا" على أيًا من تطبيقاتهم أو أجهزتهم التي تحدثوا عنها خلال المُؤتمر، أية شركة كانت ستُعلن عن هذه التقنيات كانت ستضعها تحت تصنيف "ابتكارات الذكاء الاصطناعي، ولكن ..
وجهة نظر آبل في الذكاء الاصطناعي
ترى آبل -من وجهة نظرها- أن جوجل، وبقية الشركات يُفرِطون في استخدام مُصطلح الذكاء الاصطناعي كما أنه يُساء فهمه، يُوجهون حديثهم إلى المُستخدم المُتوسط - وذلك بالرغم من أن مُؤتمرات Google و Microsoft كانتا للمُطورين مثلها مثل WWDC-.
أما المُستخدم العادي، فقد أضحى مُعتادً على المُصطلح، كما أنه يُفضِّله ظنًا منه أنه يفهمه جيدًا وأنه الأنسب لوصف ما يستمع إليه.
أما بالنسبة لـ Apple، فإن مُصطلح الذكاء الاصطناعي لا يجب أن يُعامل بالكيفية التي يُعامل بها حاليًا، فهو مُصطلح مُخيف -وِفقًا للشركة- ولا يجب البحث عن كيفيه تضمينه في مُنتجاتك إنما عليك البحث عن كيفية الدفاع عن الجميع ضده، أو بنظرة أقل سوداوية، فعليك البحث عن كيفية جعل الذكاء الاصطناعي خفيًا وأكثر سلاسة في الاستخدام، لِتُصبِح النتيجة ألّا يحتاج المُستخدمون إلى التفكير في الذكاء الاصطناعي أو القلق حياله.
ظهر هذا القلق جليًا في لقاء Craigh Federighi مع موقع Fast Company عندما شدد على الإشارة إلى خُطورة الـ "DeepFake - التزييف العميق"، وضرب مِثالًا بِمُكالمة أحد أحبائك لأنهم فقدوا كلمة السر الخاصة بهم، وبعد مُساعدتك له تكتشف في النهاية أنه ليس حقيقي، إنما هو مُزيّف. وختم حديثه بأنه علينا أن نفعل كُل ما يُمكننا لنتأكد من إشارتنا إلى تهديدات التزييف العميق في المُستقبل.
- لم يذكر Federighi خلال حديثه لفظ "ذكاء اصطناعي" على الإطلاق.
أما آخر مِثال سأضربه لك وهو أغربهم، هو إقامة آبل مؤتمرها السنوي AI Summit -للموظفين- للمرة الأولى وجهًا إلى وجه في مسرح Steve Jobs مُنذ جائحة كورونا، وهو مُؤتمر تُناقش فيه الشركة استراتيجياتها في التعامل مع ثورة الذكاء الاصطناعي ولتحصل على مُقترحات ورأي المُوظفين لتُصبح الشركة بالكامل في صفحةٍ واحدة مُمثلًة في رئيس قسم تعلُّم الآلة والذكاء الاصطناعي، John Giannandrea، الذي خرج على المسرح ليقول:
يتحرك تعلُّم الآله بشكل أسرع من أي وقت مضى ، والموهبة التي لدينا هنا هي حقًا في المقدمة.
حسنًا، هل هذا كُل شيء؟
أُزيدك من الشعر بيتًا، وِفقًا لتقرير Bloomberg أن مُؤتمر "الذكاء الاصطناعي" الذي أُقيم في فبراير الماضي لم يُشار فيه ولو بذكر الكلمة، إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي.
أخيرًا، فالمتابع، قد يُلاحظ الأمر ذاته في مسألة الميتافيرس، فبرغم صُنع آبل لنظارة واقع افتراضي أو دعني أقول "واقع مُختلط"، لم تستخدم آبل الكلمة التي أيُما كان من يُمكن أن يُصبح في مكانها كان ليستخدمها،
كيف تُعلِن عن جهاز سيجعلنا حقًا نعيش في الميتافيرس، دون الإشارة للمُصطلح؟
نستنتج من هذا سياسة آبل في استخدام المُصطلحات، فهي لا تركض وراء المُصطلحات الرنانة، أو كما تُعرف في المجال التقني بالـ "Buzzword" وذلك لأنها -وِفقًا لها- تستخدم المُصطلحات الأكثر واقعية والأنسب والأكثر قُربًا للمُطورين. ولكن; دعونا لا نستثني في هذه النُقطة الفشل الذريع الذي عانى منه الـ Metaverse خلال السنوات الماضية، لذا فإن استخدام مُصطلح Metaverse الموصوم بالفشل في الإعلان عن جهازك المُستقبلي الجديد، ليس أفضل شيء بِكُلِ تأكيد.
وتتكرر مرة أُخرى، في لقاءٍ بين Tim Cook -الرئيس التنفيذي لآبل- مع جريدة Dutch Media Outlet Bright في العام الماضي، عندما قال:
"أنا دائمًا أُفكِّر في أهمية فهم الناس لماهية الأشياء، وأنا حقيقة غير مُتأكد إذا ما كان يستطيع الشخص المتوسط إخبارك بماهية الميتافيرس أم لا."
نظارة الذكاء الاصطناعي - Vision Pro
أتمنى عدم مُقاضاتي بعد هذا العنوان !
من المُخيِّب للظنون، توقع المُجتمع التقني أن آبل بالفعل بعيدة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصةً بعد تجاهُلها للنماذج اللغوية الكبيرة (LLM) وتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) خلال أحداث المُؤتمر، ولكن قد تجهل أن نظارة Apple Vision Pro، هي الجهاز الأمثل في الوقت الأمثل.
آبل تُصبح أيُما كان يُريدها العالم.
وصل كوكب الأرض إلى مرحلةٍ مُتطورة من ناحية تقنيات الذكاء الاصطناعي، مُولِّدات للنصوص ومُولِّدات للصور وحتى مقاطع الفيديو.
ولكن، نعم الوقت مُهم، ولكن ما الحاجة لكل هذا إذا ما كان كُل شيء كما هو، فقط سيتغير ما نفعله على الحاسوب، ولكننا سنظل جالسين على الحاسوب!
هذا هو ما قدمت حله نظارة Vision Pro، هذا الجهاز المُستقبلي سيُصبح هو كُل شيء بعد عِدة سنوات، وسيمنحنا سيناريوهات استثنائية لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تفتخر بإطلاقها الشركات الأُخرى.
الذكاء الاصطناعي ونظارة Vision Pro يُكمِّلان بعضهما البعض، فكي تستفيد حقًا من الذكاء الاصطناعي وتتأثر به حياتك، ستحتاج إلى جهاز مثل Vision Pro، تُذكِّرك بوقت اجتماعك إذا نسيته وتُتيح لك الوصول إلى المُستندات وعرض الشرائح دون الحاجة للركض إلى مكان العمل نفسه.
الحال ذاته بالنسبة لصناعة المُحتوى المرئي، فللاستفادة من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي حقًا نحتاج إلى جهاز نُعطي الأوامر من خلاله فقط، وليس شاشة وصندوق كمبيوتر وفأرة ولوحة مفاتيح وكُل هذه الوصلات، إذًا ما الفائدة من إعطاء الأمر وعدم العمل بنفسك؟ فقط أعطِ الأمر، سواءً كان تصميم صورة، شعار، أو التعديل على الفيديو وإزالة السكتات التي في المقاطع أو أيُما كان ما تُريد، حتى وإن كان تصميم واجهات التطبيقات والمواقع، كما يتضمن ذلك أيضًا كتابة الإيميلات. نعم أستخدم ChatGPT كثيرًا للغاية، ولكني لا أجد الفارق كبيرًا بين طلب بريد إلكتروني من شات جي بي تي أو كتابته بنفسي لأن في كلاهما استخدام للوحة المفاتيح، أما إذا انتقل الأمر إلى الأوامر الصوتية حقًا من خلال النظارة، فهُنا سيُصبح الفارق واضحًا حقًا ويستحق التجربة.
أخيرًا، فمع تطور البحث وطُرقه وكيفيات عرض نتائجه، أعتقد أننا في حاجة إلى جهاز ننظر من خلاله لنتائج البحث المُدعمة بالذكاء الاصطناعي للتركيز فيها، فنحن لن نتنقل بين صفحات نتائج البحث، يكفينا إجابة شات الدردشة مثل Bing Chat أو Google Bard لنعرف الإجابة بشكلٍ نصي، أو مرئي.
كان هذا بعضًا مِما يُمكن لنظارة Apple Vision Pro فعله، أو بالأحرى يُمكنك انت فعله باستخدامها، كُل هذا هو ذكاء اصطناعي، لكنه بطريقة آبل، وقد أكّد على هذا المُحلِّل Dan Ives من Wedbush Securities عندما قال:
إن إطلاق نظارة Apple Vision Pro هو في حد ذاته لعبة ذكاء اصطناعي، حتى لو لم يتم قول هذا بصراحة
أضِف إلى كُلِ ما سبق، أن نظارة Vision Pro في حد ذاتها تستعمل الذكاء الاصطناعي لتُنفذ مهامها، وذلك من خلال شريحتي M2 و R1 حيث تتتبع حركة الرأس والعين وإشارات اليد بالإضافة إلى الأوامر الصوتية، كُل هذه المُدخلات يتم مُعالجتها باستخدام الذكاء الاصطناعي، أو، تعلُّم الآلة.
ولكن; لم يكن هذا ما ينتظره المُتابعون، وهكذا كان رد فعلهم في نهاية المُؤتمر ...
لحظة .. أين الـ iBot؟
كان هذا سؤال جميع الحاضرين، ولكن في البداية، ما هو الـ iBot؟
مثله مثل كُل ما تُعلِن عنه آبل، الـ iBot كان هو الاسم المُتوقع بالنسبة لنموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي انتظره الكثيرون من قِبل آبل، فكما العادة، تأخذ آبل أحد الأسماء الرنانة وتُضيف إليها حرف (i) الذي يرمُز إلى Intelligence ومن ثم تُطلقه للعامة، ولكن; هذا لم يحدُث، فلماذا؟
لمن يتذكّر، فخلال السنوات الطُوال الماضية، كانت ومازالت آبل الشركة التي لا تأخذ الخُطوة الأولى في أي مُنتج، فهي الشركة التي تأتي مُتأخرًا حتى وإن كان بإمكانها الوصول مُبكرًا، هذه هي العادة، وهذا هو أسلوب عمل شركة آبل، انتظر، وراقب، ثم اكتشف كيف يُمكنك تقديم الشيء ذاته، ولكن بطريقة أفضل.
رأينا ذلك سابقًا في العديد من المُنتجات التي أطلقتها الشركة، فعلى سبيل المِثال وليس الحصر، لم تُطلق آبل جهاز iPod إلا بعد عِدة سنوات من انتشار أجهزة الـ MP3 ومُشغلات المُوسيقى مثل Walkman، بل انتظرت وراقبت، حتى تأكدت من نجاح سوق مُشغِّلات المُوسيقى المحمولة، لتُطلق بعد ذلك جهاز iPod، الذي تربع على عرش مُشغِّلات المُوسيقى في ذلك الوقت، وذلك بعدما انتظرت آبل، وراقبت.
الأمر ذاته بالنسبة للهواتف، فآبل لم تدخل هذا السوق الذي بدأ في التسعينيات سوى خلال حدث الإعلان عن هاتف iPhone الأول في 2007، سنواتٍ طُوال انتظرتها آبل، وبالإشارة إلى ذلك، فهي لم تدخل -بالنسبة لها- بجهاز جديد، إنما هي قامت بدمج عِدة أجهزة ناجحة في جهاز واحد، وهذا تحديدًا ما قاله Steve Jobs عند إعلانه عن أول آيفون:
An iPod, a phone and internet communicator
كانت هذه النِقاط الثلاث هي ما ميزت هاتف آيفون، وهي أشياء لم تكُن جديدة في ذلك الوقت، إنما تمكنت آبل من جمعها سويًا في جهازٍ واحد بشاشة لمسية .. أليس هذا ساحرًا !
ولكن; الأمر مُختلف هذه المرة ..
شركة الهاردوير الأولى في العالم
نماذج الذكاء الاصطناعي المعروفة حاليًا هي ليست مُنتجًا فيزيائيًا، الأمر كُله برمجيات، ولكن هل هذا يُسبب مُشكلة؟
عزيزي القارئ، الإجابة بسيطة، ونعرفها جميعًا ولكننا اخترنا تجاهلها، آبل هي شركة هاردوير، أو قطع فيزيائية وليست شركة برمجيات وهي تُثبت تفوقها في هذه النُقطة تحديدًا على بقية المُنافسين، كما أنها ليست شركة تختص بتقديم المنتجات البرمجية مثل ميكروسوفت، أو الخدمات السحابية وخدمات البحث مثل جوجل، ليس هذا ما تبرع آبل فيه حقًا، حتى وإن كانت تقوم به، ولكنه في نِطاق مُعين.
فنجد آبل على سبيل المِثال تُطوِّر نظامًا لأجهزتها، ولكنها في البداية تُفكِّر في الجهاز، ومن ثم تُطور له النظام الذي يُخدِّم عليه، وليس العكس، والنظام والخدمات الرئيسية هي الأساس بالنسبة لآبل، أما -على سبيل المِثال- مُحرك البحث؟ لا مشكلة، هذه ليست منطقتنا للمُنافسة، سنذهب إلى أكبر مُحرك بحث في العالم ونُدمجه في أنظمتنا، ليُصبح مُحرك البحث الافتراضي في مُتصفح Safari هو جوجل.
لماذا صنعت Safari ولم تكتفي باستخدام Google Chrome؟ كي تتحكم هي في البيانات التي يقوم المُتصفح بجمعها ولا تتركها بسهولة في يد جوجل.
الجملة السابقة تُشير إلى كلمةٍ واحدة، سأعود إليها لاحقًا.
اسم آبل … اسم يعني الكثير
آبل ليست كمثل الشركات، نعلم جميعًا أن ما وصلت إليه الشركة يعود فيه الفضل إلى اسمها الذي صنعت له موقعًا خاصًا وسط أسماء الشركات الأُخرى، ليست هي الشركة التي تستطيع الصحافة العيش على أخبارها وفضائحها، فآبل تُعطي هذا الأمر أهمية كبيرة، فكُل شيء قد يهون، إلا أن يُلوّث اسم الشركة، ولنا في جوجل خير مِثال.
في فبراير الماضي، أعلنت جوجل عن Bard، نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديد الخاص بها، والذي جاء ليُغير قواعد المُباراة، ولكن; في خلال الأيام الأولى من الإطلاق، ركزت عناوين الصُحُف على فضيحة Google Bard، عندما أحرج نموذج جوجل الذكي الشركة بإجابته الخاطئة التي تم عرضها خلال مؤتمر الإعلان عنه، حيث أجاب على سؤال "ما هي اكتشافات تلسكوب جيمس ويب الفضائي الجديدة التي يُمكنني أن أُخبر بها طفلي البالغ من العمر 9 سنوات؟"
ليُجيب نموذج Bard بأنه "قد التقط الصور الأولى لكوكب خارج نظامنا الشمسي".
الإجابة السابقة خاطئة بِكُل تأكيد، وبسبب هذه الإجابة، بدلًا من ارتفاع أسهم جوجل بعد الإعلان عن نموذجها الجديد، انخفضت من 108.42 دولار للسهم إلى 95.28، لتخسر الشركة إجمالي 100 مليون دولار من قيمتها السوقية في يومين فقط، كما أجبر جوجل على إضافة تنويه أسفل صندوق إدخال الأوامر في واجهة نموذجها Bard.
هذا السيناريو وارد بِكُلِ تأكيد، ولكن هُناك فارق بين أن يكون وارد وأن يكون مقبول، هو وارد بالنسبة للجميع، ولكنه غير مقبول بالنسبة لآبل، تلك الشركة التي يحمل اسمها على كتفيه مسؤولية كبيرة وذا دور في غاية الأهمية في مبيعاتها.
ولا ننسى جميعًا عندما استيقظنا وجدنا الجميع يتحدث عن ميزة Crash Detection الموجودة في هواتف iPhone 14 وساعات آبل الذكية التي كانت تُخطئ في استشعار الخطر لتقوم بالإبلاغ عن سقوط المُستخدمين وفي النهاية تكتشف الشرطة الأمريكية أنهم في الملاهي ليس أكثر، وكان هذا يوم سعد الصحافة، عندما تحدث الجميع بلا كلل أو ملل عن خطأ مُستشعر الشركة الأكبر في وادي السيليكون، ووجهوا نحو آبل الكثير من التساؤلات حول هذا الأمر الذي لا يتعدى كونه خطئًا غير مُتوقعًا!
لذلك، فمن غير المنطقي تمامًا أن تأخذ آبل هذه المُخاطرة والإعلان عن نموذج جديد خاص بها من تطويرها، وبعد ذلك تترك الأمر لجملة داخل نموذجها لإخلاء مسؤولية الشركة عن أية ردود خاطئة.
ما الذي قد يجعلني أنا -كشركة آبل- أضع نفسي عُرضةً لِكُلِ هذا؟
أكد على ذلك تيم كوك، عندما قال أنه يرى أن أدوات مثل ChatGPT و Google Bard هي أدوات واعدة، ولكنها أيضًا تحتوي على الكثير من المخاطر مثل المعلومات الخاطئة والمُضللة والمشاكل المُتعلقة بالخصوصية!
ومن هذه الكلمات نستشف أن Tim Cook قلق حقًا حيال نماذج الذكاء الاصطناعي حيث أشار إلى المعلومات الخاطئة على وجه الخصوص، والتي تحدثنا عنها في الأسطُر السابقة.
المال .. أين المال؟
نحن نعمل من أجل المال .. إذا كُنت تبحث عن الولاء، استأجر كلبًا
نعم المقولة السابقة خارج السياق، ولكني أود منها إيضاح نُقطة واحدة، آبل في النهاية شركة، وهي ليست شركة غير هادفة للربح، بل إن هدف هذه الشركة الأول والأخير هو الربح، بيع الأجهزة، بيع أيُما كان يُمكن بيعه.
دعنا نُفكِّر سويًا، هل يوجد لنماذج الذكاء الاصطناعي الموجودة حاليًا جمهور تستطيع آبل الاعتماد عليه في جني الأرباح إذا صنعت نموذجها الخاص؟ الإجابة بالتأكيد هي لا، كما أن آبل إذا أطلقت نموذجًا -بفرض خطأ الأسباب السابقة- فلن يكون سعره 20 دولار مثل النسخة الـ Premium من ChatGPT، بل بالتأكيد سيكون سعره أعلى. أنا حتى لا أتخيل ما الميزة التي يُمكِن أن تُقدِّمها آبل في نموذج ذكاء اصطناعي ليتميز عن الآخرين ويُفضِّله الجمهور حتى وإن كانوا من عُشّاق التُفاحة المقضومة!
حسنًا … وجدنا المال!
نعم، تحديدًا هذا ما حدث، فآبل قد تسائلت عن المال، ولكنها سُرعان ما وجدته، دون الحاجة لبذل الكثير من المجهود.
في الشهر الماضي، استيقظنا على خبر بعنوان "طرح تطبيق ChatGPT على هواتف آيفون" ماذا؟ أيُ تطبيق؟ هل هو التطبيق ذاته الذي حجبت الشركة استخدامه عن موظفيها؟ نعم، هو ذاته، وهو التطبيق الذي أصبح في اللحظة الحالية واحدًا من أكثر التطبيقات تحميلًا على متجر AppStore، بل وأضافته الشركة ضمن ترشيحاتها للمُستخدمين، ولكن هُناك شيء مُتبقي، جني المال.
نعلم جميعًا أن شركة آبل تجني نسبة 30% من المبلغ الذي يدفعه المُستخدم مُقابل شراء التطبيقات من متجر AppStore، وهو الأمر الذي أثار الجدل طويلًا خلال السنوات الماضية، ولكن دعنا من هذا فهذه ليست قصتنا هُنا، إنما أنا أتحدث عن أن شركة Apple تحصل على 30% من المبلغ الذي تدفعه لأي تطبيق على متجرها، هذه هي السياسة، ولن تتغير في وقتٍ قريب.
كما نعلم أيضًا، فإن هُناك نُسخة Premium من تطبيق ChatGPT تُمكنك من الوصول إلى الإجابات بشكلٍ أسرع، عدم التعرُّض إلى مشاكل الخوادم، وغيرها من المُميزات، لتشترك في هذه النُسخة من خلال التطبيق، كان سيُصبح عليك الذهاب إلى موقع ChatGPT، وعلى ChatGPT توفير بوابة دفع إلكترونية وغيرها من الخُطوات لتشترك في هذه النُسخة، أو ببساطة، الشراء عبر متجر AppStore، وهو ما قد اتفقت عليه شركتي آبل و OpenAI.
تخيل الآن معي هذا السيناريو، لن أستخدم رقمًا كبيرًا إنما فقط مليون شخص، مليون شخص فقط قاموا بشراء النسخة المدفوعة من تطبيق ChatGPT والتي تُكلفهم 20 دولار، ستحصل آبل على نسبة 30% من كل عملية، لتُصبح أرباح آبل من بيع اشتراك تطبيق ChatGPT فقط 6 ملايين دولار، وذلك من عينة مليون شخص فقط، ولم تبذِل آبل مجهودًا، لم تُخاطر بسُمعتِها ولم تُكلف نفسها عناء تطوير نموذج ذكاء اصطناعي جديد، فقط، هي توفِّر المتجر الذي يُمكنك من خلاله الاشتراك في النسخة المدفوعة من التطبيق.
كلمة السر .. الخصوصية
سأُعلِّمك شيئًا تعلمته في سنواتٍ طُوال، إذا وقفت أمام الإجابة على أي سؤال يخُص شركة آبل من أحد أعدائها، أجب بكلمةٍ واحدة .. الخصوصية.
الخصوصية هي ما تُحرِّك آبل للأمام، هي نُقطة البيع الأولى والأهم بالنسبة لشركة Apple، لا يوجد مُنتج أعلنت عنه الشركة دون الإشارة إلى مزايا الخصوصية داخله، هذه شركة قد صنعت نُسخة مخصوصة من شعارها على هيئة قفل ليرمز إلى الخصوصية ! عن ماذا نتحدث!
الأمر هُنا ليس في توفير الخصوصية للمُستخدمين، ولكن في مبدأ عمل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية نفسه، فهي عبارة عن مخزن ضخم للغاية من البيانات، كُل أنواع البيانات، من سيعلم إذا توصل ChatGPT إلى بياناتك الشخصية واستخدمها في الإجابة على أسئلة الآخرين؟ الأمر ذاته بالنسبة لـ Google Bard، وهو الأمر ذاته الذي جعل هُناك رابطًا بين استثمار الشركات في نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية ومُحركات البحث، لأنها في النهاية تعتمد على البيانات.
أما في الجانب الآخر، فهُناك آبل، الشركة التي يُعد رأس مالها الأول والأهم هو خصوصية المُستخدمين، لا أتخيل رد فعل مُحبي شركة آبل إذا قالت لهم الشركة أنها صنعت نموذج ذكاء اصطناعي يستطيع إجابتك على أي شيء، الأمر برمته سيكون غير منطقي، كيف لشركة مثل آبل أن تستخدم البيانات بهذا الشكل؟ نعم قد تجعله يستخدم البيانات المُتاحة بشكلٍ عام فقط، ولكن ما الذي سيُميزه حينها أمام البيانات التي تمتلكها جوجل ومايكروسوفت؟ ما الداعي للمُنافسة بشكلٍ عام في هذه الحالة؟ ثم أن شركة آبل ليست شركة بيانات من الأساس! ليست مثل جوجل التي تعتمد على تعدين بيانات المُستخدمين لتستخدمها في ترتيب نتائج البحث والإعلانات وغيرها من المجالات.
لا تظن أن هذا يعني أن شركة Apple هي الملاك الحارس لبياناتك، ليس الأمر كذلك، إنما أنت تدفع مُقابل هذه الخصوصية، كأن تشتري خزنة في البنك لحفظ مُقتنياتك أو حفظها في منزلك، هذا له تكلفة وهذا له تكلفة، ولكن الأعلى سعرًا، هو الأكثر أمانًا، ولذلك، فإذا حدث وأصبح العالم كُله يُريد من آبل صُنع نموذج ذكاء اصطناعي، لن تفعل، لأنها لن تُضحي بخصوصية المُستخدمين في مقابل "ركوب التريند". هذه شركة تقول لك وبِكُلِ صراحة:
مُنتجات آبل مُصممة لحماية خصوصيتك
كذلك، فإنه من أسباب حظر استخدام ChatGPT وأمثاله في شركة آبل، هو فضيحة تسريب البيانات التي حدثت في سامسونج، عندما تسبب استخدام المُوظفين لـ ChatGPT في تسريب البيانات ثلاث مرات، فهذا هو ما دفع آبل لحظر استخدام النموذج داخلها، ولكنه: لم يمنعها من توفيره للمُستخدمين، فهذا سيُوفِّر للشركة بعض المال!
عمومًا ; لا يعني هذا عدم وجود نموذج خاص بشركة آبل لتسهيل عمليات التصنيع والعمل ككُل!
فما الذي قد يمنع شركة مثل آبل من صُنع نموذج ذكاء اصطناعي، كما فعلتها سابقًا في عام 1987 مع نموذج Knowledge Navigator، هم يستطيعوا صُنع هذا النموذج، ولكن احتياجهم له من عدمه، هو مسألة تخُص آبل، وآبل فقط ..
وسيري .. نموذج الغباء الاصطناعي الأول في العالم
دعني أُقسِّمنا .. جميعًا ليس أنا وانت فقط، إلى ثلاثة فرق:
- الفريق الأول: ينتظر أن تُقدِّم آبل نموذج ذكاء اصطناعي خاص بها.
- الفريق الثاني: لا يتوقع نموذج ذكاء اصطناعي من آبل.
- الفريق الثالث: ينتظر أي تغيير في سيري.
سيري، مُساعد آبل الشخصي الذي أستطيع أن أصفه بأنه أكثر مُنتجات آبل استعجالًا، بعد فترةٍ وجيزة من إطلاق مُساعد Amazon الذكي، Alexa.
مُنذ إطلاقها، لم تتطور سيري كثيرًا حتى يومِنا هذا، فهي فقط تقوم بالمهام الأساسية، تشغيل الموسيقى وإيقافها، وإعطائك رابط لتبحث فيه عند سؤالها عن أي شيء خارج قاعدة بياناتها.
استمر ذلك الأمر لسنوات، لم تتطور ولم يُقدّم لها جديد، حتى نعتها الكثيرين بالغباء، وبعدما أعلنت عنه آبل خلال حدث WWDC 2023، انطلق الكثير من الصحفيين يتسائلون، ما الذي حدث لـ Siri؟
أثناء مُحادثتي مع صديقي محمد يوسف، المُحرر السابق في عرب هاردوير، وجهت له السؤال الذي شغل عقل المجتمع التقني كُلُه، ما هذا الذي أعلنت عنه آبل خلال المُؤتمر؟
هل أقصى ما توصلت إليه آبل هو اختصار كلمة الإيقاظ من Hey, Siri إلى Siri! ما هذا العبث؟
اكتشفت بعد إجابة مُحمد أني كنت أمتلك نظرة ضيقة للغاية في هذه النُقطة، نعم، قد لا تبدو أن ميزة اختصار كلمة الإيقاظ عملًا هائلًا مُقارنةً بالنماذج الأُخرى التي تُجيبك على أي سؤال وتصنع لك ما تُريد، ولكن في هذه الميزة سرٌ كبير.
سأشرح لك الأمر ببساطة، اعتدنا فيما مضى على أن تكون كلمة الإيقاظ للمساعدات الشخصية (Wakeword) عبارة عن جملة أو أكثر من كلمتين بشكلٍ عام، مثل OK Google، Hey, Google أو Hey, Siri، ذلك لأن المساعد الشخصي لن يستطيع تمييز إذا ما كنت تذكر اسمه في سياقٍ ما من الكلام أم أنك تُناديه إذا كانت كلمة الإيقاظ هي كلمة واحدة شائعة الاستخدام، فمن مِنا لا يذكر جوجل مرة أو مرتين على الأقل خلال اليوم على سبيل المِثال.
الأمر ذاته بالنسبة لـ Siri، وهذا هو ما قدمته آبل خلال الحدث، فقد تمكنت من تصغير الكلمة لتُصبح فقط "Siri"، أما بالنسبة للمُساعد الشخصي، فسيستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي ليُميِّز إذا ما كنت تذكر اسم سيري فقط في سياق الكلام أم أنك تُناديه.
نعم، لا نكره أن تمتلك المُساعدات الشخصية عقلًا مِثلها مثل بقية النماذج اللغوية الكبيرة (LLM)، ولكن دعني أتخيل أن المُساعدات الشخصية بشكلها الحالي وكيفية عملها الحالية ومهامها الحالية، أصبح بإمكانها الإجابة على أي سؤال تُريد.
لحظة، معنى هذا أن أسأل المساعد الشخصي Siri عن أهم إنجازات تلسكوب جيمس ويب، فيُجيبني في مقالة صوتية لا تقِل عن ثلاثُمائة كلمة بأنه أول ما التقط صورًا لكواكب خارج مجموعتنا الشمسية؟ وتطلب مني بكُل هدوء البحث عن المزيد من التفاصيل عن الإنترنت في حالة الشك في الإجابة؟
هذا سيُغضبني أكثر من أن لا تُجيبني تمامًا! ذلك لأني أمتلك الكثير من الخيارات الأُخرى لمعرفة ما فعله تلسكوب جيمس ويب، ولكني لا أملك سوى عِدة طُرُق أو طريقة واحدة لأداء المهام السريعة والأساسية مثل تشغيل المُوسيقى وإيقافها أو ضبط المنبه وغيرها من المهام الأساسية التي تقوم بها Siri.
ما أقوله هُنا هو أن كُل ابتكار أو خاصية لها أدوار مُعينة، فلا داعي للركض دائمًا وراء فكرة الـ Super App مثل Elon Musk، إذا أدت كُل أداة دورها على أكمل وجه فلا داعي لدمج الأدوار !
ما نحتاجه حقًا في Siri
ولكن: لا يعني هذا أن لا يتم تطوير Siri بأي درجة، فعلى أقل تقدير، أُريد من سيري أن تفهم الأوامر المُسجلة مُسبقًا لديها بأكثر من لكنه، بأكثر من طريقة نُطق، بأكثر من لهجة، هذا هو ما يُدعى مُعالجة اللغة الطبيعية - Natural Languge Processing، وهذا أحد الأشياء التي أُريد أن أراها في Siri.
كذلك، فهو أهم ما سنحصُل عليه عند دمج GPT-4 في المساعد الشخصي لميكروسوفت Cortana. الوصول إلى ChatGPT سهلٌ للغاية، ضغطة زر وسيُفتح لي Bing Chat، أو أقوم بكتابة رابط ChatGPT في خانة العُنوان وسأصل، ولكني أحتاج كورتانا للقيام ببعض المهام على الحاسب، لتنفيذ الأوامر والتحكم في منزلي الذكي، لذلك أهتم بأن تمتلك Cortana القدرة على مُعالجة اللغات الطبيعية على أن تمتلك مخزنًا لا ينبض من المعلومات أصبح الوصول إليه أسهل من الذهاب إلى المكتبة. والأمر ذاته، بالنسبة لـ Siri.
كذلك، أهتم بمنح Siri بعض القدرات التي تُحاول الشركات حقنها مِجهريًا في مُساعداتها الشخصية، قُدرات مثل حجز الفنادق والمطاعم، طلب الطعام، التعامل بدلًا منك.
وأخيرًا، فعلى Apple بدأ التفكير بشكلٍ جدي في توفير المصدر البرمجي لـ Siri، وذلك للسماح للمطورين ومُصنعي الأجهزة -غير الآبليين- باستخدامها ودمجها وموافقتها مع أجهزتهم وبرمجاتهم لتُصبح أكثر قُدرة على تنفيذ المهام على نِطاقٍ أوسع، ذلك لأن نظام آبل المُغلق يُعيق عملية التطوير كما سيمنع سيري من الوصول لأية بيانات في حالة قرروا أن تُصبح مِثل نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية.
شركةٌ استثنائية
إذا سلك مُنافسك طريقًا آخر، ليس الأهم أن تتبعه، إنما الأهم هو كيف تسبقه إلى نُقطة النهاية.
نعم، تفوقت مايكروسوفت لفترةٍ طويلة في أولى معارك الذكاء الاصطناعي باستثمارٍ تخطى العشر مليارات دولار في OpenAI ودمجته في كافة أنظمتها بدايةً من مُحرك البحث وحتى أنظمة Windows وبرمجيات Office، وعادت جوجل إلى الساحة بمجهود ستِ سنوات لُخِّص في ساعتين من الحديث المُتواصل عن الذكاء الاصطناعي وأطلقت Bard ودمجته في كافة برمجياتها أيضًا، وحتى مارك زوكبريج، فتى وادي السيليكون المُدلل الذي مازال يُحاول التعافي من كارثة الـ Metaverse، فقد أعلن هو الآخر عن نظام دعايا جديد مُدعم بالذكاء الاصطناعي يُدعى Personas -لا نعلم عنه شيء حتى الآن، ولكن مهلًا، قد لا تكون في حاجة إلى دخول الحرب من الأساس، ما دُمت تستطيع الاستفادة منها دون خسائر.
وذلك ما تفعله آبل بالتحديد، هي لا تتجاهل الذكاء الاصطناعي، لا تُمارس لعبة الغُميضة في أحد الأزقة بينما يدرُس الآخرون في الجامعة، إنما هي تفعل ما تمهر فيه، استغلال كُلِ شيء في أجهزتها ونظامها البيئي لتصل إلى التكافؤ والسلاسة في أداء كافة المهام، وأكبر الدلائل على ذلك هو ما أعلنت عنه الشركة في أبريل الماضي، عشرات الوظائف في تخصصات الذكاء الاصطناعي وتعلُّم الآله، وركزّت كذلك على شغف المُتقدمين بأنظمة الأتمته غير الاعتيادية، كما ركز البعض الآخر على مُطوري تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي البصري بمشتقاتها، آبل تسعى جاهدةً لمواكبة التريند، ولكنها تفعل ذلك بطريقتها الخاصة، تلك الطريقة التي تُركِّز فيها على شيءٍ واحد دون الالتفات لغيره، وهو جني الأرباح.
من غير العادل، أن تصِف آبل، تلك الشركة التي استمرت لسنواتٍ طُوال في تطوير برمجيات ونظُم الذكاء الاصطناعي، بأنها مُتأخرة عن مُنافسيها، نعم، قد تكون مُتأخرة من ناحية الإعلانات العامة عن نماذج الذكاء الاصطناعي، ولكن ذلك في الوقت الذي تُقدِّم هي فيه الكثير، كما أن آبل معروفة أنها عندما تختار الوقت المُناسب للظهور، يكون ظهورها استثنائيًا، خاصًة وأنها في موقعٍ استثنائي على عكس ميكروسوفت وآبل، فهي الشركة التي تُصنع الأجهزة بدايًة من شرائح Apple Silicon المُدعمة بالنوايا العصبية، وتُصمم الهاردوير وتُطوِّر النظام، أي أنها الشركة الأمثل لإبهارنا، ولكن بطريقتها الخاصة.
ولكن; يرى البعض الآخر أن هذه المرة ليست كمثيلاتها من المرات السابقة، لن تعود آبل بجهاز جديد بعد فترة من السُبات مثلما فعلت مع جهاز iPod وتنجح، ولن ينجح فيه استحواذ آبل على شركة مُطورة لنماذج الذكاء الاصطناعي، فقط، لمُواكبة التريند، إنما الأمر يحتاج إلى بذل مجهودٍ كبير كي يُصبح كُل ما يتعلق بآبل مُدعمًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
ما الذي قد تُبينه لنا الأيام القادمة، أيُ سياسةٍ ستختار آبل في النهاية، هل ستختر الاستمرار في عزفها بشكلٍ مُنفرد دون الالتفات للآخرين، أم أنها ستنجرف ورائهم وستحاول بناء نموذجها الاصطناعي الذكي الخاص بعد فترة، في النهاية هذا لا يعلمه سوى الله وتيم كوك وبعض المُقربين منه، أما نحن، فمَا علينا سوى اتباع نهج آبل الثاني، الانتظار، والمراقبة.
?xml>