قبل سنواتٍ كان المشهد أوضح بكثير ممّا هو عليه اليوم: إذا أردت أن تعرف شكل الهواتف القادمة، يكفي أن تُلقي نظرة على ما ستفعله آبل. فمُنذ حقبة iPhone 6 وiPhone 7 كانت تمسك الشركة الأمريكية بزمام السوق حرفيًا، وتفرض لغات تصميم كاملة تتبعها بقية الشركات بلا تردد، حتى أن المراقبين كانوا يمزحون بأن معرض MWC السنوي تحوّل إلى "عرض أزياء" لنسخ آخر ما أطلقته آبل.

لكن تلك الهيمنة لم تدم إلى الأبد. كانت جوجل - التي بدت لسنوات تابعًا خجولًا يقلّد آبل مثل الآخرين - تراقب وتبحث عن لحظة تكسر بها النمط، وبعد سلسلة من الهواتف المتعثرة والتجارب غير الموفقة؛ جاء ظهور «بكسل 6»  ليقلب الموازين مع تصميم بار الكاميرا الجريء (شريط الكاميرا الأفقي)، ليُنهي عصر هيمنة آبل على خطوط الموضة في الهواتف، لتتحوّل جوجل من شركة مُقلّدة إلى مُلهمة تدفع الآخرين - بما في ذلك آبل نفسها - للحاق بها.

رحلة في نوستالجيا الحقبة الذهبية: عندما كانت آبل تضع قوانين تصميم الهواتف الذكية

في عام 2014، أطلقت آبل iPhone 6 الذي كان إعادة تصميم هائلة للطرازات السابقة بشاشة أكبر، وتصميم نحيف للغاية، وجسم ألمنيوم عالي الجودة. لم يكن هذا التغيير مجرد لمسة جمالية، بل كان بيانًا حدد مسار تصميم الهواتف الذكية لسنوات قادمة. كان ذلك العام نقطة تحول؛ فبينما كانت آبل محافظة على شاشة 4 بوصات في iPhone 5 و5S، استسلمت أخيرًا لسوق تهيمن عليه هواتف أندرويد الكبيرة. حتى بالرغم من اعتراض ستيف جوبز الصريح على هذا التوجه.

حطّم iPhone 6 و6 Plus الأرقام القياسية في المبيعات، محققًا أكثر من 10 ملايين وحدة في عطلة نهاية الأسبوع الأولى. وكانت هذه بمثابة رسالة لكل شركة أندرويد أن هذا هو الشكل الذي يريده الناس. وكالعادة، استجابت الشركات بسرعة مذهلة.

سامسونج، التي كانت دائمًا أكثر المقلدين جرأة، لم تخجل من الاستنساخ الفاضح. عندما ظهرت صور مسربة لهاتف Galaxy S6 في فبراير 2015، كان التشابه صارخًا: نفس الزوايا المنحنية، ونفس موضع شبكة السماعة ومنفذ السماعات. كانت سامسونج قد توقفت عن النسخ الصريح لآبل بعد سلسلة من الدعاوى القضائية البارزة والضغط الإعلامي، لكن عندما انخفضت أرباحها في ربعي السنة الماضيين مع تحول الانتباه نحو iPhone 6 و6 Plus، عادت للنسخ مرة أخرى.

هاتف iPhone 6 و Galaxy S6

حتى التفاصيل الصغيرة لم تُترك. عندما قارن المحللون التصميمين، لاحظوا أن منفذ Lightning وشبكة السماعة ومنفذ السماعات على iPhone 6 كانت جميعها متمركزة تمامًا، بينما على Galaxy S6؟ ليست كذلك. لكن المحاولة كانت واضحة.

ثم جاء iPhone 7 Plus في 2016 ليضيف فصلاً جديداً في قصة الهيمنة. Phone 7 Plus بنظام الكاميرا المزدوجة. فجأة، أصبحت الكاميرا المزدوجة "الشيء الكبير التالي" الذي يجب أن يمتلكه كل هاتف رائد. الفكرة التي تجاهلها الجميع عندما قدمتها شركات أندرويد سابقًا، أصبحت معياراً صناعياً بين ليلة وضحاها بمجرد أن وضعت آبل شعارها عليها.

سامسونج سارعت بإطلاق Galaxy Note 8 بكاميرا مزدوجة، تبعتها هواوي وشاومي وأوبو وفيفو وكل شركة أندرويد تقريباً. لم يكن الأمر يتعلق بالابتكار التقني، بل بقدرة آبل السحرية على تحويل أي ميزة - حتى لو كانت موجودة من قبل - إلى ثورة تقنية يتسابق الجميع لتقليدها، وطبعًا لا ننسى هاتف "ونبلس 5" الذي نشرنا عنه منذ ثماني سنوات.

تصاميم مطابقة لهاتف iPhone 7 plus

الكشف عن iPhone X وجنون "النوتش"!

ثم جاء عام 2017 ليشهد قفزة أكبر. قدّمت آبل iPhone X بجرأة غير مسبوقة: لا أزرار أمامية، شاشة كاملة تقريبًا، واعتماد على "النوتش" الشهير الذي احتوى على نظام Face ID المتطور. كان تصميمًا ثوريًا بكل المقاييس، وكما هو متوقع، انفجر السوق بالتقليد.

في عام 2018، قررت عشرات شركات أندرويد التوقف عن التصميم تمامًا. لماذا تضيع كل هذا الوقت والجهد والمال في تصميم هاتفك الخاص عندما يمكن لآبل أن تقوم بكل العمل الشاق نيابة عنك؟ OnePlus 6 كان واحدًا من عشرات الهواتف التي نسخت تصميم شاشة iPhone X.

من هواوي P20 إلى OnePlus 6، كان من الصعب إيجاد هاتف رائد بلا ثُقبٍ علوي. حتى جوجل نفسها - التي من المفترض أن تكون الأم الروحية لأندرويد - لم تخجل من اتباع موجة التقليد بشكل واضح وصريح. Pixel 3 XL تخلّى عن بصمة الإصبع الأمامية واكتفى ببصمة الوجه تمامًا كما فعلت آبل، بل اعتمد نوتشًا عريضًا فاضحًا لم يسلم من السخرية الشديدة حينها. والنتيجة؟ فشل الهاتف في تحقيق المبيعات المطلوبة، وأدركت جوجل أن اللحاق بآبل ليس استراتيجية مستدامة.

الكاميرات الضخمة: من آيفون 11 إلى موجة البروز الجنونية

لم تكتفِ آبل بتغيير واجهة الهواتف الأمامية، بل غيرت الواجهة الخلفية أيضًا عندما قادت موجة أخرى مع iPhone 11 Pro في 2019. فجأة، تضاعف حجم العدسات الخلفية، وأصبحت الكاميرا هي نقطة الجذب البصرية الأساسية، محاطة بمربع بارز كبير في الزاوية العلوية. 
كالعادة، أصبحت الشركات تتسابق لتكبير عدسات الكاميرا -أو على الأقل شكلها- وإبرازها في الزاوية. انتشرت العدسات الكبيرة والمربعات البارزة كالنار في الهشيم من سامسونج إلى أوبو وفيفو وشاومي، وهي موضة استمرت معنا حتى اليوم. لكن هذه الموضة جاءت بثمن: زادت معاناة المستخدمين مع مشكلة عدم ثبات الهاتف على الأسطح المُسطحة نتيجة لوجود بروز كاميرات ضخم في الناحية اليسرى من ما يخل بالتوازن.

جوجل تستيقظ: لحظة Pixel 6 التاريخية

وسط هذا المشهد الذي تحكمه آبل بلا منازع، بدت جوجل على وشك الخروج من لعبة الهواتف تمامًا. مبيعات محدودة، تجارب تصميمية بلا هوية واضحة، وسلسلة "بيكسل" التي كانت تبدو وكأنها تتخبط بلا اتجاه. كان المستقبل غامضًا، والكثيرون تساءلوا: لماذا تصنع جوجل هواتف أصلاً إذا كانت لا تستطيع المنافسة؟

لكن في أكتوبر 2021، حدث شيء غير متوقع. أطلقت جوجل Pixel 6 بمعالجها الخاص Tensor الذي كشفته مسبقًا في أغسطس 2021، لكن الأهم كان التصميم الثوري المتمثل شريط كاميرا أفقي يمتد عبر كامل ظهر الهاتف.

كان التصميم نتيجة تعاون وثيق بين فريقي التصميم والهندسة في جوجل. أرادوا تحسين الكاميرا بشكل كبير مع عدسات أكبر، لكن دون جعل الهاتف أضخم. المصمم الصناعي "سانجسو بارك" أوضح أن الفريق أراد خلق تصميم مختلف تمامًا عما رأيناه سابقًا، شيء جريء وملفت للنظر.

Pixel 6

لماذا تصميم الكاميرات الأفقي هو الأمثل؟

في البداية، بدا التصميم غريبًا. اعتاد الناس على رؤية الكاميرات في الزوايا، لكن هنا كان شريط كامل يقسم ظهر الهاتف، ونال قدره من السخرية وشبهوا البعض بتصميم الآلة الحاسبة لكن سرعان ما اكتشف المستخدمون أن لهذا التصميم فوائد عديدة:

  • أولاً: الهاتف أصبح مستقرًا تمامًا على أي سطح. شريط الكاميرا البارز يمنع الهاتف من الاهتزاز عند وضعه على ظهره، منهيًا سنوات من المعاناة مع تلك المشكلة.
  • ثانيًا: توزيع العدسات أفقيًا أضاف توازنًا بصريًا ووزنيًا مثاليًا.
  • ثالثًا: الهوية البصرية أصبحت فورية - يمكنك التعرف على هواتف "بكسل" من مسافة بعيدة.

أصبح شريط الكاميرا علامة مميزة لسلسلة Pixel منذ ظهوره، حتى أنك عندما تفكر في Pixel اليوم، تتخيل تلقائيًا ذلك الشريط الأنيق الممتد على ظهر الهاتف.

خمسة أجيال من الثبات على المبدأ

ما يميز جوجل عن غيرها ليس فقط الابتكار، بل الثبات على الرؤية. من Pixel 6 في 2021 وحتى Pixel 10 في 2025، بقيت الشركة وفية لفلسفة الشريط الأفقي، لكن مع تطويرات طفيفة في كل جيل، ففي هاتف "بكسل 7" ضافت غطاءً معدنيًا مُقاومًا للانعكاسات جعل الشريط يبدو أكثر فخامة، ثم بدأت في دمج العدسات وزيادة نسبة استحواذها من الشريط وصولًا إلى جوجل بكسل 10.

سلسة هواتف جوجل بكسل من بكسل 6 إلى بكسل 10

اللحظة التي انقلبت فيها الطاولة: آبل تتبع جوجل!

والآن، في 2025، حدث ما لم يكن أحد ليتخيله قبل بضع سنوات. أعلنت آبل عن iPhone 17 Pro وiPhone 17 Air بتصاميم تحمل بوضوح بصمة الشريط الأفقي، حيث انتقلت من تصميم الكاميرا المربعة التقليدية التي التزمت بها منذ iPhone 11، إلى شريط كاميرا أفقي يمتد عبر عرض الهاتف.

وكان السبب وراء هذا القرار هو الحاجة لمساحة أكبر؛ لأن جميع الكاميرات الثلاث في «آيفون 17 برو» تستخدم مستشعرات 48 ميجابكسل ما يجعلها أكبر حجمًا. وبالنسبة لهاتف «آيفون آير» فأنت بالتأكيد سمعت عنه كيف قام مهندسو التفاحة بوضع عتاد الجهاز بالكامل في هذا الشريط الأفقي.

هاتف iPhone Air

سامسونج أيضًا تستعد لتغيير جذري في هاتفها Galaxy S26 Edge المرتقب، مع شريط شبيه يدمج الفخامة بالنحافة. حتى سوني - التي طالما بدت محافظة في تصاميمها - فاجأت السوق بهاتف من الفئة المتوسطة يحمل شريطًا أفقيًا لأول مرة منذ سنوات. كذلك رأينا شركات مثل "سوني" تستخدم التصميم ذاته في هاتف اقتصادي جديد

تصميم الهاتف الذكي Galaxy S26 Edge

من التابع إلى القائد: كيف أعادت جوجل كتابة القواعد

هذا التحول في لغة تصميم الهواتف الذكية هو بمثابة إعادة تعريف للديناميكية في صناعة الهواتف الذكية. لسنوات طويلة، كان الجميع يدور في فلك آبل: ما تقدمه اليوم يقلّده الآخرون غدًا. حتى جوجل نفسها - صانعة نظام أندرويد - كانت جزءًا من هذا النمط، تتبع بخجل خطوات كوبرتينو. 

لكن مع الكشف عن التصميم الأيقوني الجديد في هاتف جوجل بكسل 6، قررت جوجل كسر هذه الدائرة. لم تعد تسأل "ماذا فعلت آبل؟" بل بدأت تسأل "ما الذي يحتاجه المستخدمون فعلاً؟" الإجابة لم تكن في التقليد، بل في الجرأة على الاختلاف.

اليوم، عندما تقلّد آبل وسامسونج وسوني تصميم شريط الكاميرا، فهذا ليس مجرد إطراء لجوجل، بل اعتراف صريح بأن الابتكار الحقيقي يأتي من الشجاعة على التميز، لا من السير في طريق ممهد. جوجل أثبتت أن النجاح لا يتطلب الصدارة في المبيعات (فمبيعات Pixel لا تزال متواضعة مقارنة بآبل وسامسونج)، بل يكفي تقديم فكرة عملية وجريئة ليتبناها الآخرون. 

لقد كانت لحظة Pixel 6 إعلانًا بأن زمن التقليد الأعمى انتهى، وأن هوية التصميم يمكن أن تأتي من حيث لا يتوقع أحد - حتى من شركة ظُن أنها عاجزة عن المنافسة. اليوم، عندما ترى شريطًا أفقيًا على ظهر أي هاتف، فأنت ترى إرث Pixel 6، وشهادة على أن القيادة لا تُورث، بل تُكتسب بالجرأة والإبداع.