في الأشهر القليلة الماضية اشتعلت ثورة الذكاء الاصطناعي بعد ظهور العديد من الروبوتات الرائعة التي يمكنها الدخول في محادثات ونقاشات وإعطاء إجابات منطقية وذكية من خلال قاعدة البيانات الخاصة بها والتي تحتوي على الكثير والكثير من المعلومات النصية. ChatGPT هو واحد من أهم أمثلة نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية أو كما تعرف بروبوتات الدردشة. وتستخدم تلك الروبوتات قواعد بياناتها بشكل مشابه لعملية التفكير داخل عقل الإنسان. فهي لا تبحث عن إجابة وسط السطور المكتوبة داخل قاعدة بياناتها (ليست كمحركات البحث مثلاً) وإنما هي تعتمد على التنبؤ وتجميع صورة نمطية بناءاً على المطلوب منها وذلك بالاعتماد على نظريات الاحتمالات. ولكن هل فكرت يوماً كيف تعمل النماذج اللغوية التي يمكنها التحاور بشكل طبيعي مع الإنسان مثل ChatGPT و Google Bard مثلاً؟ ولماذا هي سريعة التطور؟ إليك الإجابة القصيرة: الأمر يرجع للـ "انتباه" يا صديقي، وسأشرح لك ما أعنيه بهذه الكلمة تحديداً. لكن قبل كل شيء، دعونا نرجع للماضي قليلاً لنذكركم بروبوت التحاور الأشهر في العالم - إنها "سيري" المدفونة داخل جميع أجهزة آبل. 

لماذا Siri غبيــــــــة وميئوسٌ منــــــــها؟

تعمل Siri (مساعد Apple الافتراضي الشخصي) من خلال الجمع بين تقنيات التعرف على الكلام (التي تحول الكلمات المنطوقة إلى نصوص مكتوبة)، المعالجة اللغوية، خوارزميات "التعرف على النية"، إنتاج الردود المنطقية، وتحويل النص إلى كلام منطوق.

أيًا كان ما تحتوي عليه Siri من تكنولوجيا، لازال يرى مُعظم المُستخدمين أنها غبية للغاية ولا تؤدي وظيفتها الأساسية بشكل جيد على الإطلاق، فهي نادراً ما تستوعب الأوامر الموجهة إليها بشكل صحيح ومحدودة للغاية، وهذا يرجع بشكل جذري لعدم قدرتها على التعرف أبداً على سياق الكلام، وكل ما تفعله هو تنفيذ أوامر مبرمجة عليها سابقاً بشكل مقيد، فهي لا تأخذ الأوامر بشكل مرن، وإنما تنتظر دائماً من المستخدم إلقاء بعض الكلمات المعينة لإتمام مهمة محددة.

بشكل عام هناك مجموعة من العوامل التي تشمل قلة البيانات وثِقل المعماريات في تدني أداء النماذج اللغوية القديمة التي تستخدمها تطبيقات مثل Siri و Google Assistant بالمقارنة بنماذج مثل ChatGPT و Google Bard الموجودة حالياً، وهنا يمكن التوضيح ببساطة كيف تعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية الحالية.

 

أقرأ أيضا: تقنية سيري Siri من أبل
 

كيف تعمل النماذج اللغوية الحاليـــــــة؟

تطبيقات الذكاء الاصطناعي التحاورية مثل ChatGPT تعمل عن طريق دراسة المحادثات والنصوص المكتوبة وتحديد النقاط الهامة فيها والأنماط السائدة في الأسلوب الذي يتحدث به البشر والذي يعكس طريقة تفكيرهم.

عندما يتم تعليم روبوت المحادثة اللغة، يتم إعلامه بمدى أهمية كل كلمة في النصوص المكتوبة له بالإضافة إلى السياق، ومع المزيد والمزيد من تلك المدخلات يتمكن الروبوت من أصبح قادراً على تحديد محور النقاشات وأن يتعلم أيضاً الأنماط المنطقية المُتكررة حتى لا يخرج عن سياق الكلام، حيث أنه في مرحلة التعلم يُطلب منه أن يتوقع أشياء مثل (على سبيل المثال) الكلمة التي تأتي بعد جملة "الشاي يوضع عليه…"؛ فيقول مثلاً "السكر" أو "الحليب" أو احدى الخيارات المنطقية الأُخرى، لكنه في ذلك السياق لن يقول أبداً "السيارة"؛ لأن هكذا الجملة لن تكون صحيحة، وللعلم: هو في تلك الحالة لا يعلم ما هو "الشاي" أو "السكر" أو معنى أياً من تلك الكلمات، فهو غير واعي من الأساس، لكنه مدرب على أن تلك الأنماط تأتي سوياً، وبهذه الآلية يتم تمرينه على "الانتباه" للأنماط والانتباه أيضاً للكلمات المهمة التي تحدد محور الكلام واستبعاد الثرثرة التي تعد غير هامة بالنسبة له كآلة، وكل هذا يندرج تحت ما يسمى بالـ "Attention Mechanism" أو "آلية الإنتباه"، والتي هي أصل كل تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة!

باستخدام تلك الآلية المتطورة تتمكن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التحاورية مثل ChatGPT من تأدية المهام اللغوية بشكل أكثر دقة وفهماً للنصوص والمحادثات عن أياً من الطرق التي كانت تتبعها روبوتات المحاورة المتخلفة مثل Siri و Google Assistant التي كانت محدودة للغاية.

 

أقرأ أيضا: دليل استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي

 

كيف أتى ChatGPT إلى الحيــــــــــــــــــــــــــاة؟

في حين أنه من الصعب توفير عدد محدد من الباحثين المشاركين في إنشاء ChatGPT، إلا أنه من الآمن القول إن العديد من الباحثين والمهندسين والعلماء في OpenAI قد ساهموا في تطويره تحت إدارة 11 من العلماء والمهندسين الأساسيين، وقد اشتهرت OpenAI بنهجها التعاوني وترابط الفرق بداخلها، ونظراً لتعقيد المشروع وحجمه، فمن المعقول أن نفترض أن المئات من الباحثين والخبراء في معالجة اللغة الطبيعية والتعلم العميق والتعلم المعزز والمجالات ذات الصلة قد شاركوا في إنشاء ChatGPT، وللعلم: مجموع موظفي OpenAI يبلغ تقريباً 375 موظف وفقاً لآخر ما ذكر من قبل Sam Altman - الرئيس التنفيذي للشركة.

the first day of openai, seven years ago today pic.twitter.com/4kQUQtgb6t

— Sam Altman (@sama) January 4, 2023

مصدر فكرة ChatGPT الأصلي: تستند في الأساس فكرة إنشاء ChatGPT إلى النماذج اللغوية التي عملت عليها OpenAI سابقاً قبل البدء في هذا المشروع الضخم، وقد قامت OpenAI بالعمل على تطوير نماذج اللغة المتقدمة بشكل متزايد، بدءاً من الإصدارات السابقة مثل "GPT" و "GPT-2"، وكان الهدف هو إنشاء نماذج قادرة على فهم وإنتاج نص بشكل يشبه الإنسان بالاستناد إلى عمليات التدريب المسبق والتحسين التفصيلي على نطاق واسع بناءاً على المعمارية التي قامت OpenAI بتصميمها والتي تعتمد على "آلية الانتباه" التي ذكرناها منذ قليل.

فيما يتعلق بفكرة ChatGPT كمنتج، من المحتمل أنها نشأت كتطور طبيعي وسط الجهود التي قامت بها OpenAI في البحث والتطوير، ويبدو أن الشركة قد رأت الإقبال المحتمل للتطبيق وقررت استغلاله لتوليد الربح ونشر علامتها التجارية كمنظمة ربحية. لم تكن هذه الخطة في الأساس.

 

أقرأ أيضا: لماذا لا تدمج جوجل نموذج بارد داخل مساعدها الصوتي؟

 

إلى أين يقودنا ChatGPT؟

النماذج اللغوية المشابهة لـ ChatGPT قد تكون ذات فائدة كبيرة في عدة مجالات وتطبيقات، مثل: تطوير مساعدات شخصية أفضل من Siri و Alexa و كل هذا الهراء، تقليل الحاجة من قبل البشر أنفسهم لأداء المهام المتكررة عديمة الفائدة، والرفع من جودة التعليم، ورغم أن البعض قد يرى أنها ذات تأثير سلبي على مجالات مثل صناعة المحتوى وبعض المهن الأساسية، إلا أنني أرى أنها قد ترفع من جودة تأدية البشر لتلك الوظائف وستوفر فوق ذلك لهم الوقت للقيام بما هو أفضل منها، وأنا متأكد أن هذا سيكون في صالحنا، وأنه سيرفع من مكانتنا فكرياً وإنسانياً، وأتمني أن اكون محقاً في وجهة نظري.

البعض يرى أن أحلامي الوردية لن تتحقق، وهناك من وضع عقليته بناءاً على الإنترنت بشكله الحالي ولا يريد التغيير، فيرى أن الذكاء الاصطناعي قد يحرمنا من أهم ميزة في الإنترنت ويريد أن يحقق التوازن بين الحاضر والمستقبل حتى لا تتضرر صناعة المحتوى التقليدية المهيمنة حالياً.

في النهاية، من نحن لنقدم الاقتراحات؟ نحن لسنا إلا مهووسون بالتقنية نشارككم خواطرنا حول موجة الذكاء الاصطناعي المنتشرة مؤخراً والتي يبدو ظاهرياً أنها تهدد صناعة المحتوى، لكنني أرى وبكل صدق أنها ستدفع تلك الصناعة وجميع الصناعات للتقدم.