• Apple Intelligence يمثل محاولة آبل للحاق بسباق الذكاء الاصطناعي بعد تأخر ملحوظ.
  • فشل مشروع Apple GPT دفع آبل للاعتماد على ChatGPT في منتجاتها.
  • تراجع سهم آبل يعكس أزمة ثقة مرتبطة بتأجيلات Siri والذكاء الاصطناعي.
  • المقارنات مع نوكيا تثير مخاوف من فقدان آبل لمكانتها الريادية.

في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي هو العنوان الأبرز لسباق التقنية العالمي. فقد دفعت شركات كبرى مثل جوجل ومايكروسوفت وميتا بكل قوتها نحو المستقبل، ونجحت في أن تجعل أدواتها الذكية جزءًا من حياة الملايين، من البحث والكتابة إلى الصور والتطبيقات اليومية.

وفي وسط هذا الصخب، كانت الأنظار تتجه دومًا إلى آبل، الشركة التي اعتاد العالم أن تفاجئه بمنتجات تبهر الأسواق. توقع كثيرون أن تكشف آبل عن ثورة خاصة بها في هذا المجال، إلا أنها تأخرت وتجاهلت السباق.

بدا الأمر وكأن الشركة تُعِد سلاحًا سريًا لمنافسة الكبار، لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن على قدر التوقعات. فقد كثرت التأجيلات ولم يرَ المنتج الموعود النور كما كان متخيلًا، فاضطُرت الشركة إلى التراجع خطوة والبحث عن مخرج بديل.

كانت آبل تملك خطة لتبنى الترند الجديد بطريقتها وأسلوبها الخاص الذي يشبع غرورها، ولكن انهارت هذه الخطة  فاتجهت إلى خطة بديلة وإلى اليوم لا تزال تتخبط بين الخطتين!

من هنا تبدأ القصة: قصة شركة تملك أقوى الأنظمة البيئية وأحدث الأجهزة، لكنها تواجه أصعب اختبار أمام أعين السوق والمستثمرين، اختبارًا يعرف بالذكاء الاصطناعي.

صورة للمدير التنفيذي لشركة آبل تيم كوك - المصدر: digital trends

الخطة A – نموذج لغوي توليدي من الصفر!

في اللحظة التي انتبه فيها العالم إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، حاولت آبل أن يكون لها خدعة مختلفة، ألا وهي نموذج لغوي من تطويرها بالكامل.

وبالفعل، في عام 2023 بدأت الشركة تطور إطارًا داخليًا يسمى Ajax لبناء نموذج لغوي كبير «Large Language Model»، يُختبر داخليًا تحت مسمى Apple GPT.

لم يُعلن عن هذا النموذج للجمهور، بل استُخدم بين موظفي آبل لتسريع عملية تطوير الميزات، مثل توليد النصوص أو مراجعتها أو تلخيصها، ضمن بيئة محمية تحترم الخصوصية.

لكن قُييد استخدامه بصرامة، ومُنع من أن يؤثر مباشرة على المنتجات النهائية للمستخدمين. غير أن الطريق لم يكن سلساً؛ فمشاريع التدريب على نماذج كبيرة تحتاج إلى بنى تحتية ضخمة وموارد هائلة، وهذا ما واجهته آبل فعليًا.

كما أن التكامل بين فريق البرمجيات وفريق التعلم الآلي والبنية السحابية (Ajax) بدا بطيئًا، وفي الوقت ذاته، ظهرت مشكلة تسرب كفاءات مهمة، فقد غادر عدة مهندسين بارزين في مجال نماذج الذكاء الاصطناعي نحو منافسين مثل Meta وOpenAI، بمن فيهم رئيس فريق النماذج الوظيفية "Ruoming Pang" الذي انتقل إلى Meta في منتصف 2025.

وقد أضعفت هذه المغادرات الدافع الداخلي لتطوير نموذج متكامل، واختزنت قدرات Apple ضمن حدود ضيقة.

الخطة B – نظام Apple Intelligence

بعد الفشل النسبي لمسعى «Apple GPT» الداخلي، تحولت أبل إلى نهج بديل، وهو دمج نموذج ChatGPT في iOS تحت اسم Apple Intelligence الذي تكتب اختصارًا "AI" تمامّا مثل اختصار الذكاء الاصطناعي الشهير في حركة عبقرية من فريق التسويق في أبل.

بدأت الميزات التجريبية لنظام Apple Intelligence تظهر في تحديثات iOS 18 وفي أدوات الكتابة وداخل المساعد الصوتي «سيري»، حيث أصبح بإمكان المستخدم تفعيل إضافة ChatGPT لتمرر Siri طلبات معينة إليه، مثل فهم الصور أو توليد نص معقد، ثم عرض النتائج مباشرة داخل واجهة المستخدم.

يتم كل هذا بضغطة زر واحدة، دون الحاجة للتنقل بين التطبيقات المختلفة، ومع احترام خصوصية المستخدم؛ إذ تُنسق المعلومات بشكل لا يمكن ربطه مباشرة بالحساب الشخصي.

في تحديث iOS 18.2، أُضيفت ميزات أكثر تقدمًا مثل «Visual Intelligence» التي تسمح بالتعرف على العناصر في الشاشة أو الصور والتفاعل معها عبر ChatGPT، سواء للتعرف أو الشراء أو التفسير.

ثم جاءت بعد ذلك تحديثات أخرى مثل إنشاء الصور (Image Playground)، والملصقات المولدة (Genmoji).

مزايا Apple Intelligence

وفي تحديث iOS 26، أعلنت آبل اعتماد ChatGPT-5 بدلًا من GPT-4o في التكامل ضمن Apple Intelligence، مع ميزات متقدمة مثل الترجمة الفورية أثناء الاتصال (Live Translation) وتحسينات على Visual Intelligence وImage Playground، فضلًا عن توفير نموذج آبل الداخلي للمطورين عبر واجهة Foundation Models API.

اعتماد آبل على Chatgpt

استراتيجية آبل الحالية للحاق بسباق الذكاء الاصطناعي

بعد مرحلة التخبط بين خطط متعارضة، استقرت آبل أخيرًا على ما يمكن وصفه بالنهج الإصلاحي. فقد قررت الشركة ألا تنخرط في سباق ضخم لتطوير نموذج لغوي منافس مثل OpenAI أو جوجل، بل تبني بدلًا من ذلك منصة هجينة أطلقت عليها اسم Apple Intelligence.

تعتمد هذه المنصة على الجمع بين الذكاء الاصطناعي المحلي الذي يعمل مباشرة على الجهاز، وبين خدمات سحابية تُسدعى عند الحاجة.

يتولى الجزء المحلي المهام البسيطة والسريعة مثل كتابة الملخصات أو تحسين النصوص، بينما تلجأ إلى خوادم OpenAI في المهام المعقدة التي تتطلب قدرات أكبر، وربما Gemini لاحقًا. بذلك تضمن آبل توازنًا بين الخصوصية، التي تعتبر جزءًا من هوية الشركة، وبين توفير إمكانات منافسة للسوق.

لكن هذا النهج لا يزال مقيدًا بقيود تقنية وتجارية واضحة، فالشركة لم تعلن بعد عن خطة متكاملة لتوسيع الدعم ليشمل كل أجهزتها، كما أنها لم تقدم ضمانات طويلة المدى حول استقلاليتها عن OpenAI.

تطوير apple intelligence - المصدر: mashable

المقارنة بالمنافسين والمستقبل المحتمل

يبدو منافسي آبل متقدمين بخطوات واضحة؛ فجوجل على سبيل المثال دفعت بمنصتها Gemini إلى صدارة المشهد، إذ تقدم قدرات متعددة الوسائط وتتكامل بسلاسة داخل منظومة Android.

أما سامسونج فقد سبقت آبل عمليًا عبر دمج ميزات توليدية مباشرة في تجربة المستخدم، مثل تحسين التصوير الذكي وتوجيه الكاميرا في هواتفها الحديثة.

في المقابل تعمل آبل خلف الكواليس على تعزيز قدراتها. فقد بدأت بتوسيع استثماراتها في مراكز البيانات الخاصة بها، وأعادت هيكلة فرق البحث والتطوير من أجل تسريع مشروع Apple Intelligence.

ورغم هذه الجهود، ينظر بعض المحللين في وول ستريت بقلق إلى تأخر آبل عن ركب المنافسين. فالتأجيلات المتكررة في تحديث Siri وإطلاق ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدي تركت فراغًا استغلته الشركات الأخرى لتوسيع الفجوة.

ومع ذلك، يظل مستقبل آبل مفتوحًا على احتمالات متعددة. فإذا نجحت في ترجمة استثماراتها إلى منتجات ملموسة خلال العامين المقبلين، خصوصًا مع إطلاق هواتفها الجديدة في 2026، فقد تتمكن من قلب المعادلة واستعادة زمام المبادرة.

أما إذا استمرت الفجوة في الاتساع، فقد تواجه الشركة أزمة ثقة تهدد مكانتها التاريخية في سوق الهواتف الذكية.

أزمة الثقة وتراجع سهم آبل

طوال عقود، ارتبط اسم آبل بالابتكار والثقة، لكن المشهد تغير مع دخول سباق الذكاء الاصطناعي. فالتأخر في طرح الميزات الجديدة لم يمر مرور الكرام، بل انعكس مباشرة على ثقة الأسواق والمستثمرين.

في عام 2025، تراجع سهم الشركة بنسبة قاربت 8%، في وقت كان فيه مؤشر يحقق مكاسب تقارب 10%. كشف هذا الفارق عن فجوة واضحة في توقعات النمو، وأكد أن الأسواق لم تعد ترى في Apple نفس القوة المعتادة.

النظام البيئي في أبل

وجاء مؤتمر المطورين العالميين ليعمق القلق، إذ تسبب إعلان تأجيل Siri الذكي إلى عام 2026 في هبوط فوري بلغ أكثر من 2.5% من قيمة السهم، أي ما يعادل خسارة نحو 75 مليار دولار من القيمة السوقية خلال دقائق معدودة.

كان ذلك بمثابة صدمة للمستثمرين، الذين كانوا يترقبون قفزة كبيرة للشركة في مجال الذكاء الاصطناعي.

ولم يكن هذا الانخفاض الوحيد، ففي مارس من نفس العام، أدى تقرير عن تأجيل Siri الذكي إلى خسارة بلغت 4.85% من قيمة السهم في يوم واحد، وهو أسوأ أداء يومي منذ سبتمبر 2022.

ومع اقتراب الحدث السنوي لآبل والمزمع إقامته يوم 9 سبتمبر 2025، تتجه الأنظار نحو الشركة العملاقة لترى إن كانت ستنجح في استعادة زمام المبادرة وإطلاق رؤية واضحة للذكاء الاصطناعي أم لا.

فالمستثمرون هذه المرة لا ينتظرون وعودًا مؤجلة، بل حلولًا واقعية تقنعهم أن آبل ما زالت حاضرة وقادرة على الريادة.

ويبقى السؤال المطروح اليوم حول ما إذا كانت آبل قادرة على استعادة ثقة الأسواق والمستخدمين عبر استراتيجيتها القادمة، أم أن تأجيلاتها المستمرة ستتسبب في خسارتها لمركزها الريادي أمام منافسين لا ينتظرون؟

هل تصبح التفاحة «نوكيا» جديدة؟

الحديث عن احتمال أن تسير آبل على خطى نوكيا قد يبدو مبالغًا فيه للوهلة الأولى، لكنه ليس بلا أساس. نوكيا نفسها كانت في وقت من الأوقات مرادفًا للهاتف المحمول. هواتفها هيمنت على الأسواق ولم يتخيل أحد أن تفشل.

لكن ما حدث أن الشركة تمسكت بنموذجها التقليدي في وقت كانت فيه آبل وسامسونج تجرّب أشياء جديدة، من شاشات اللمس إلى متاجر التطبيقات. ورغم امتلاكها موارد هائلة، ظلت نوكيا مترددة في التحول، واعتبرت أن نجاحها الحالي سيستمر للأبد، حتى باتت مجرد فصل في كتاب تاريخ التكنولوجيا.

اليوم، نجد أن وضع آبل يحمل ملامح مشابهة. صحيح أن آبل لا تزال في موقع قوي، ولديها قاعدة عملاء شديدة الولاء، لكن تأخرها في سباق الذكاء الاصطناعي خلق فجوة واضحة. كما أن أسلوبها الحذر والمبالغ فيه في بعض الأحيان يعيد للأذهان تردد نوكيا في مواجهة الموجة الجديدة.

نوكيا لم تسقط لأنها كانت ضعيفة، بل لأنها تأخرت في الاستجابة لتغيرات جذرية. وآبل، رغم قوتها، قد تجد نفسها على الطريق ذاته إذا استمرت في التردد. الفارق الوحيد أن آبل ما زالت تملك الوقت لتغيير المسار، شرط أن تفعل ذلك بسرعة، قبل أن تتحول المقارنة مع نوكيا من مجرد استعارة صحفية إلى واقع مؤلم.

المستقبل القريب، بدءًا من حدث سبتمبر 2025، سيحمل إجابة هذا السؤال.