إذا تحدثنا عن هاتف آيفون أيا كان إصداره، فإن غالباً ما يأتي على بالك هو تميز هذا الهاتف واختلافه عن غيره من هواتف آندرويد، حتى وإن كان متأخراً من حيث العتاد وبعيداً تماماً عن المنافسة، فعلى مدار السنين اتبعت أبل فلسفتها المتمثلة في أن تكون مُختلفة عن القطيع؛ لا تهتم بالترندات وتتجنب اتباع الموضة قدر الإمكان.

ومع اقتراب مؤتمر أبل للمطورين، جعلنا ذلك نتسائل.. هل ستتجنب التفاحة الأمريكية اللحاق بقطار الذكاء الاصطناعي كذلك؟ ذلك الذي صعد عليه مايكروسوفت وتشبثت به جوجل؟ أم ستكون في عالمها الخاص الذي تدهش فيه جمهورها بخصائص جديدة عليهم وهل أبل تملك رفاهية تجاهل موضة الـ AI، أم أن التكبر قد يهدد بقائها؟ 

أبل تُفضل بدأ الترندات بدلاً من إتباعها

كما ذكرنا منذ قليل، لا تهتم أبل بإتباع الترندات، وإنما على العكس تماماً، تبدأ «ترند» خاصاً بها وتجعل الآخرين يتبعوه. يساعد ذلك في احتفاظ الشركة الأمريكية بمركزها كرائدة في صناعة التكنولوجيا، خصوصاً أن الشركات الأخرى تعشق النسخ منها؛ ربما لتقدم لمستخدميها نفس نكهة التفاحة. وأدى اتباع أفكار أبل وتعميمها إلى تغيير طريقة استخدامنا لهواتفنا للأبد، بشكل جيد وسيئ على حد سواء.

البداية كانت مدرسة أبل للتصميم

وهو الأمر الذي أشعل غضب ستيف جوبز عام 2010 عندما  أصدرت شركة سامسونج هاتفها الذكي الأول، بعد حوالي ثلاث سنوات من إعلانه عن الإصدار الأول من هاتف آيفون الذي جاء ليضع أسس الهواتف الذكية، بداية من الاستغناء تماماً عن الأزرار وتقديم شاشة تدعم اللمس، بل وكذلك وضع الأسس البرمجية لواجهة المستخدم، كوجود نوافذ تضم التطبيقات المختلفة، والسحب باللمس بينها، تكبير الصور باصبعين، وغيرها من الثوابت التي لا يمر يوم دون أن نستخدمها.

ومع تطور لغة تصميم آيفون على مدار السنين، كانت أغلب الشركات الأخرى تتبعها دون تفكير، ما جعل التفاحة الأمريكية أشبه بمن يضع أسس التصميم، وعلى الرغم من أن ستيف جوبز كره ذلك، إلا أنه ساهم بشكل كبير في تحقيق شهرة أبل وزيادة غرورها!

ففي كل مرة قدمت فيها الشركة الأمريكية شيئاً جديداً، يتحول هذا الشئ إلى معايير ثابتة يجب تنفيذها في أي منتج آخر، كان هذا ملحوظاً في بداية تطور الهواتف الذكية بشكل كبير، حيث كانت أبل سبّاقة دائماً، كتلك المرة التي قدمت فيها هاتف آيفون 4 بظهر زجاجي، ومستشعر البصمة وغيرها من الاختراعات التي لا يمكن أن نستغنى عنها اليوم.

بالطبع لا يعني هذا أن أبل دائماً كانت من يخترع، حيث اضطرت في بعض الأوقات إلى أن تكون المُقلّد، كتلك المرة التي قدمت فيها هاتف آيفون 6 بلس بشاشة حجم 5.5 إنش، لتنافس سامسونج وهواتفها العملاقة، وهو ما كان يرفضه ستيف جوبز تماماً، وصرّح أن لا أحد سيرغب في اقتناء هاتف لا يمكن حمله في يد واحدة.

غيرت آبل مفهوم الهواتف الذكية مرتين

لم يكن هاتف آيفون الأول المرة الوحيدة التي وضعت فيها أبل حجر الأساس لمفهوم الهواتف الذكية، بل استطاعت إعادة تخيل الهواتف الذكية في عام 2017، عندما كشفت عن هاتف «آيفون X» الذي كان يمثل تجربة الشركة الأولى لاستبدال زر الهوم بنظام الإيماءات، ووضع حيز شاشة (نوتش) في أعلى الشاشة ليضم مستشعرات مخصصة لبصمة الوجه التي اعتمدتها لتكون وسيلة الحماية الجديدة بدلاً من البصمة. 

  • ملحوظة: في الحقيقة، ظهر النوتش لأول مرة في هاتف Essential PH-1، ولكن لم يبدأ في لفت أنظار الشركات حتى تبنته آبل.

في البداية، تعرضت الشركة الأمريكية لسخرية الإنترنت، والشركات.. مثل سامسونج التي سخرت من النوتش لسنين.



 

وعلى الرغم من أن تصميم أبل كان قبيحاً بالفعل، إلا أن أغلب الشركات بدأت في تبنيه تدريجياً، حتى أصبح موجوداً في تصميم كل هاتف تقريباً في عام 2018

طورت الشركات بعد ذلك نوتش الشاشة ليتحول إلى ثقب شاشة موجود في جميع الهواتف الموجودة في السوق حتى اليوم، بجانب نظام الإيماءات الذي أصبحنا نستخدمه جميعاً بطريقة متعارف عليها.

إذا كنت تقرأ هذا المقال من هاتفك الذكي، فيمكنني الجزم أنك تستخدم نظام الإيماءات المتمثل في شريط سفلي تستخدمه للتنقل بين واجهات النظام، وأن هاتفك يأتي بتصميم ثقبي للكاميرا، كل ذلك بدأته آبل.

بل وحتى ملحقات الهاتف وما يُمكن الاستغناء عنه

كذلك القرارات المتهورة التي اتخذتها أبل تحولت إلى ثوابت، مازلت أتذكر اليوم الذي كشفت التفاحة الأمريكية عن هاتفها الأول (iPhone 7) الذي يأتي بدون مدخل سماعات، وكيف أن العالم انقلب رأساً على عقب، وانهمرت علينا الميمز التي تنتقد أبل وجنونها.

كانت الشركات الأخرى تراقب في صمت، بينما قامت سامسونج بالسخرية علناً في فيديو دعائي، ولكن مع الوقت حافظت أبل على مبيعاتها ولم تتأثر بهذا القرار، بل واستطاعت تحقيق مبيعات من محوّل السماعات (دونجل 3.5 مم) صنفت أنها الأعلى بين منتجات الشركة على مدار سنتين متواصلتين.

والآن عزيزي القارئ، فأنت غالباً تستخدم هاتف بدون مدخل سماعات، من نفس الشركة التي كانت تؤكد لك أنها لن تتبع تلك الموضة وستحافظ على "جاك" حياً يرزق، فجميع الهواتف الآن سواء من سامسونج، شاومي، أوبو أو غيرهم، تفتقد للمرحوم، إلا بعض الإصدارات القليلة.

ثم تبع هذا القرار بعدة سنوات قرار أسوأ، وتحديداً في 20 سبتمبر 2019، أعلنت أبل عن هاتف آيفون 11، الذي يتمثل التغيير الأكبر فيه أنك لن تجد شاحناً مرفقاً معه، تحت شعار "الحفاظ على البيئة". 

وبشكل مشابه لسيناريو مدخل السماعات، سخرت الشركات مرة أخرى من آبل حتى كادت أن يغمى عليها من الضحك، وبعد أن تفاجئوا أن آبل استطاعت للمرة الثانية الحفاظ على مبيعاتها بل ومضاعفتها عبر بيع الشاحن بشكل منفصل، اتبعها الجميع، بما في ذلك سامسونج التي سخرت بشكل مباشر من قرار أبل، في منشور حذفته لاحقاً.

استطاعت آبل أن تقود المجال التقني لسنين، ما يجعل من الصعب تخيّلها تتبع جوجل ومايكروسوفت في سباق الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي: أبل حاضر وغائب في الوقت نفسه!

للذكاء الاصطناعي مفهومين، أبل متبنية واحد منهما، ومتجاهلة للآخر، ما يجعلها حاضر وغائب معاً، فإذا كنا نتحدث عن النماذج اللغوية وتقديم بوتات دردشة متطورة مثل ChatGPT، فبالتأكيد التفاحة الأمريكية سقطت بعيداً عن هذا المجال، أما إذا كنا نتحدث عن الذكاء الاصطناعي بمفهومه العام. فهو حاضر دائماً في أنظمة الشركة، واستطاعت الإستفادة منه في تطبيقات عملية خطفت أنظارنا السنين السابقة.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أنظمة تشغيل أبل

تحديث iOS 16 (وتحديث iPadOS 16) أتى بالعديد من الخصائص المبنية على الذكاء الاصطناعي، ما يجعله خير دليل نشهد به على تبني آبل للـ AI في أنظمتها. 

ولعل الخاصية الأولى التي يجب ذكرها هي إمكانية التعرف على أي عناصر موجودة في تطبيق الصور وفصلها عن الخلفية عن طريق ضغطة مطوّلة على هذا العنصر، بشكل مشابه لتطبيقات التعديل على الصور مثل فوتوشوب.


 كذلك أعلنت الشركة الأمريكية عن خاصية أخرى مدعومة بالذكاء الاصطناعي، «Live Text» والتي تسمح لك باستخراج النصوص من الصور ومقاطع الفيديو -مثل يوتيوب-، حتى في حال كان هاتفك غير متصلاً بالإنترنت، ما يساعدك على استخراج النصوص في أي وقت، نسخها أو ترجمتها.

كذلك تدعم أنظمة iOS تحويل الصوت إلى كتابة دون الحاجة إلى وجود اتصال بالإنترنت، ما يُسرع من عملية معالجة صوتك وتحويله إلى كلمات، كما أنه يضمن الحفاظ على خصوصيتك لأن هذه البيانات لن يتم مشاركتها على الإنترنت على أي حال. وبشكل مشابه، يمكن استخدام المساعد الصوتي Siri في طول الأوفلاين أيضاً، ولكن مع بعض التقييدات.

من الواضح أننا أحرزنا تقدمًا هائلاً، من خلال دمج الذكاء الاصطناعي. والتعلم الآلي في جميع أنحاء نظامنا البيئي، وقد نسجناه في منتجات وميزات. لسنوات عديدة، يُمكن رؤية ذلك في أشياء مثل اكتشاف السقوط واكتشاف التصادم وتخطيط القلب.

 - تيم كوك، المدير التنفيذي.

اضرب عصفورين بتفاحة واحدة!

لسببٍ ما وبشكل مشابه لتوجهات جوجل، أهملت الشركة الأمريكية مساعدها الصوتي سيري، على الرغم من أن كان له الأسبقية في ظهور المساعدات الصوتية، كنا قد تحدثنا سابقاً عن رأينا في دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في مساعد جوجل، ولا نعتقد أن الأمر سيختلف مع Siri، فتخيل معي إذا أعلنت آبل عن دعم مساعدها الصوتي بنموذج لغوي يحوّلها إلى ما يُشبه ChatGPT أو Bard، قد يشعل ذلك المنافسة، أليس كذلك؟

في الحقيقة، نشرت أبل ما لا يقل عن اثني عشر إعلانًا للوظائف على موقعها الرسمي، جميعهم بحثًا عن خبراء في الذكاء الاصطناعي التوليدي، خصوصاً التعلم الآلي وأوضحت التفاصيل أن الشركة تبحث عن "شغوفين ببناء أنظمة مستقلة غير عادية"، لا نملك أدنى فكرة عن ما يدور في ذهن أبل، ولكن يشير حدسنا أن الشركة قد تحاول إعادة إحياء سيري.

بدلاً من الذكاء الاصطناعي، قد نرى تفاحة في العالم الافتراضي

انتشرت تسريبات في الشهور الماضية تؤكد أن التفاحة الأمريكية مهتمة بالميتافيرس، تحديداً منذ أن بدأ زوكربيرج في التحدث عنها، وصراحةً، فلا يمكننا التفكير في سبب منطقي لاهتمام أبل بالعالم الإفتراضي سوى لمنافسة ميتا، خصوصاً مع اشتداد الخلافات بينهم، فربما يحاول كلاهما احتكار هذا العالم لتضييق الخناق على الآخر.

على أي حال، رأينا عدداً من الأكواد البرمجية في أنظمة iOS تُؤكد أن أبل تعمل على نظام تشغيل مخصّص لنظارات الواقع الافتراضي، أطلقت عليه الاسم «xrOS»، نعتقد أن استخدام الحروف "XR" هنا يشير إلى الواقع الممتد (Extended Reality) الذي يدمج بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز.

يعتقد المحللون أن نظام آبل الجديد سيكون شبيهاً بأنظمة iOS ما يعني أننا سنجد واجهة تضم عدد من التطبيقات، مع تجربة مستخدمة مخصصة لهذا النوع من المنتجات.

أما بالنسبة لنظارة الواقع الافتراضي نفسها، فستأتي باسم Apple Reality Pro، وبسعر باهظ يصل إلى 3000 دولار (حوالي 93 ألف جنيهاً مصرياً)، ستكون نظارة أبل مخصصة للألعاب، مشاهدة المحتوى بجانب مكالمات الفيديو والصحة واللياقة، بجانب التفاعل مع أناس آخرين.

الخلاصة.. ستتخطى آبل الذكاء الاصطناعي هذه السنة

حسب رأينا الشخصي، وبناءًا على ما طرحناه من نقاط، لا نعتقد أن أبل ستفاجئنا بالكشف عن أي نماذج لغوية للذكاء الاصطناعي، وسيكون الجزء الأكبر من المؤتمر لصالح نظارتها التي ستكلف ثروة، وهو الأمر الذي يبدو مشابهًا لطريقة تفكير الشركة الأمريكية، فبينما نتحدث جميعنا عن الذكاء الاصطناعي، ستنفرد الشركة بالكشف عن منتج جديد، لتكون المنافس الوحيد لمارك زوكربيرج في لعبته الافتراضية.