الذئب الوحيد.. هذا ما يمكننا أن نطلقه على شركة أبل في مجال صناعة الكمبيوتر الشخصي، بمعنى أن الشركة حافظت دائما على نظام التشغيل الخاص بها بدلاً من الحصول على ترخيص لنظام التشغيل ويندوز كما يفعل المنافسين. ومع سلسلة معالجات أبل سيليكون، ابتعدت أكثر عن الآخرين بإطلاقها لأجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المكتبية الأولى المبنية على معالجات قامت هي بتصميمها بنفسها دون الحاجة لأي مصنع آخر في سوق المعالجات.

هذا التحول السيليكوني، إن جاز التعبير، يمنح الشركة الأمريكية تحكمًا قويًا في مصيرها وربما في مستقبل أجهزة الكمبيوتر الشخصية وفي السوق عموما.

بداية الخلطة السرية لأبل

لمن لم يلاحظ، كان التغيير متوقعا منذ فترة طويلة. تصنع أبل بالفعل كلاً من الرقائق والبرامج التي تشغل أجهزتها المحمولة. وعندما كشفت النقاب عن أول أجهزة الماك المبنية على معالج M1، العام قبل الماضي، الذي تم تصميمه من قبل مهندسي أبل، أصبح الأمر واضحا وأن أبل تتخلى رسميا عن إنتل بعد سنوات من التعاون المشترك بينهما!

الفكرة هنا أن معالجات M1 تشبه المعالجات الخاصة بأجهزة الآيفون والآيباد، مما يسمح بتشغيل تطبيقات الأجهزة المحمولة على أجهزة الكمبيوتر الجديدة مما ينتج عنه تحسين كفاءة الطاقة. وعن هذا الأمر، يقول كيفن كريويل، المحلل الرئيسي في شركة Tirias Research التي تحلل وتدرس قطاع المعالجات: "كانت أبل تفصل نفسها أكثر عن بقية صناعة أجهزة الكمبيوتر الشخصية، والآن أصبح الكمبيوتر أقرب إلى الهاتف الذكي".

عندما صنعت أبل في البداية المعالجات الخاصة بأجهزة الآيفون بنفسها، ساعدها هذا على الابتكار، ومن هنا ظهرت ميزات مثل بصمة الوجه والواقع المعزز، كما أن إطلاق الرقائق الخاصة بأجهزة الماك بوك والماك ميني، من شأنه أن يجعلها أكثر إبداعا، وهذا ما حدث بالفعل!

عندما يعمل مهندسو الرقائق والمكونات والبرمجيات سويًا عن قرب وفي نفس المعمل، يمكنهم تحقيق أداء أقوى بكثير، ورأينا بالفعل كيف يمكن لجهاز ماك بوك Air أن يستيقظ من وضع السكون على الفور على غرار الهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي، كما أصبحت البطارية في أجهزة ماك بوك، بشريحة M1، أطول عمرا ويمكن بشحنة واحدة تشغيل الفيديوهات لمدة 20 ساعة. ليبدو ولأول مرة أن خلطة أبل السرية ستنجح في سوق أجهزة الكمبيوتر الشخصية.

نقطة تفوق لا توجد عند المنافسين!

apple - آبل

يجب أن نذكر هنا أن حرية التصميم التي تتمتع بها شركة أبل مؤثرة فعلا على صانعي أجهزة الكمبيوتر الآخرين، تمامًا كما شكل الآيفون سوق الهواتف الذكية، حين بدأت الهواتف الذكية كملحقات أصغر حجمًا وأقل قوة لأجهزة الكمبيوتر، ولكن من خلال استراتيجيتها الخاصة بتصنيع شرائحها تعمل أبل على عكس الأمر وطمس الحدود بين الكمبيوتر الشخصي والهاتف الذكي. ولهذا قد يجد المنافسون الذين لا ينتجون أيضًا هواتف ذكية رائدة في الصناعة صعوبة في مواكبة ذلك السباق مع أبل.

ويعد التحكم في المعالجات أحدث وأكبر خطوة في خطة أبل طويلة الأمد من أجل التكامل في نظامها البيئي الضخم. لقد أمضت الشركة أكثر من عقد في بناء مجموعة من المواهب في تصميم الرقائق وصممت المعالجات في قلب أجهزتها المحمولة منذ عام 2010، وفي العام قبل الماضي، أنفقت الشركة مليار دولار للحصول على وحدة إنتل التي صنعت خدمات الهاتف الخلوي وأجهزة المودم، الآن تُصمم الشركة شرائحها وتضعها أيضا في قلب أجهزة الكمبيوتر الخاصة بها!

لقد كانت كل من إنفيديا و AMD وإنتل في سباق قوي حول ما يعرف بإسم multi-die GPUs أو وحدات معالجة الرسومات المتعددة، والنظرية هنا تقول إذا أخذت شريحة قوية ودمجتها بسلاسة مع شريحة أخرى، سوف ينتهي بك الأمر بشيء أفضل بمرتين، الأمر بسيط عندما نتحدث عنه، أليس كذلك؟ لكن أود أن أخبرك بأنه ليس بتلك السهولة، وبينما تمكنت AMD من جعل هذا المفهوم يعمل مع مسرّع MI200 للحواسيب الفائقة المتطورة، لم يكن لدى أي شركة آخرى أي شيء لمشاركته حتى الآن إلى أن أتى مؤتمر أبل للربيع وانقلبت الموازين وتغير كل شيء في قطاع المعالجات.

البداية مع معالجات أبل الجديدة

رأت أبل أن عليها الانتقال للخطوة التالية وهي صنع معالجاتها الخاصة بدلا من أن تكون تحت رحمة الشركات الأخرى، وفي 2020، قررت الخروج من طور التجارب والإعلان عن أولى شرائحها وهي M1، التي تأتي مع ثمانية أنوية، أربعة للأداء والأربعة الآخرين للكفاءة وتعمل شريحة M1 بدقة 5 نانومتر مع 16 مليار وحدة من الترانزستور من أجل تقديم أداء قوي جدا.

ثم كشفت آبل العام الماضي 2021 عن شريحتي M1 ماكس و M1 برو لأجهزة الكمبيوتر، وتتميز كلا الشريحتين بنفس وحدة المعالجة المركزية التي تحتوي على 10 أنوية (ثمانية للأداء وإثنين للكفاءة) إلا أن M1 برو تمتلك معالج رسوميات يعمل عبر 16 نواة ليوفر أداء أسرع بمرتين من شريحة M1 وأداء أسرع بحوالي سبع مرات من معالج الرسومات الموجود في أحدث المعالجات ثمانية النواة لأجهزة اللابتوب، بينما شريحة M1 ماكس لديها معالج رسومات بقوة 32 نواة لتقديم أداء رسومات أسرع 4 مرات من شريحة M1.

وخلال مؤتمر أبل الذي انعقد هذا الشهر، مارس 2022، أطلق صانع الايفون أقوى شريحة في العالم (بحسب وصف آبل) عندما أعلن عن شريحة M1 Ultra والتي تمثل نقلة نوعية في عالم المعالجات كما وصفها جوني سروجي نائب الرئيس لقسم تكنولوجيا الأجهزة لدى آبل بأنها "ستُغير قواعد اللعبة وتُحدث ثورة في قطاع أجهزة الكمبيوتر". لنتعرف أكثر على شريحة أبل الجديدة التي سوف تسمح لأبل بالمنافسة بقوة أمام شركات المعالجات الشهيرة في السوق.

شريحة M1 Ultra.. ثورة قادمة في المعالجات؟

تحتوى كلا من M1 Pro و Max على 10 أنوية منها ثمانية نوى فائقة الأداء ونواتين عاليتي الكفاءة، وهذا يوفر أداءً قويًا على مستوى أجهزة الكمبيوتر من الفئة المتوسطة، لكن أجهزة الكمبيوتر المكتبية المتطورة من إنتل أو AMD غالبًا ما تحتوي على 16 أو أكثر من الأنوية المزدوجة، ولهذا قررت أبل كعادتها أن تتقدم خطوة على الشركات الأخرى عندما أزاحت الستار عن شريحتها الجديدة M1 الترا والتي تضم 20 نواة منها 16 نواة عالية الأداء و 4 نوى عالية الكفاءة.

ووفقًا لأبل "توفر شريحة M1 Ultra أداء أعلى بنسبة 90% مقارنة بأسرع معالجات الكمبيوتر المكتبي التي تعمل مع 16 نواة، تقصد آبل هنا معالجات Alder Lake الخاصة بشركة إنتل وتحديدا الجيل الـ 12 (Core i9-12900K).

تقنية سرية تخفيها أبل!

كانت هناك شائعات انتشرت لفترة حول تقنية سرية تخفيها أبل عن أنظار الجميع وعلى ما يبدو فإن الأمر كان صحيحا، حيث كشفت عن المكون السري لمعالجها الجديد M1 الترا وهي تقنية أو بنية التغليف المصممة من قبل أبل والتي تعرف باسم UltraFusion والتي سمحت لها بدمج شريحتين M1 ماكس من أجل الحصول على الشريحة الجديدة الأقوى M1 Ultra.

دعنا نرى بعض التفاصيل حول تقنية أو بنية UltraFusion الخاصة بأبل، التي يمكن وصفها بشكل موجز على أنها طريقة ثورية ابتكرتها أبل تعتمد على بطاقة interposer مصنوعة من السيليكون لتوصيل أكثر من شريحة معا بواسطة 10000 إشارة. ما الذي يعنيه هذا تحديدا؟

وهذا يعني ببساطة حل المشاكل التي كانت تنتج عن الطريقة الشائعة سابقا، حيث تقوم الشركات بتوصيل شريحتين عن طريق اللوحة الأم لزيادة الكفاءة ورفع الأداء، ولكن كان هذا على حساب انخفاض النطاق الترددي وأيضا زيادة في استهلاك الطاقة فضلا عن زيادة وقت الانتظار.

ولكن مع تقنية UltraFusion استطاعت أبل أن تعالج كل تلك المشكلات بل وتتغلب عليها. مع تقنية UltraFusion كل شيء يتضاعف ببساطة بما في ذلك أنوية وحدة المعالجة المركزية ووحدة معالجة الرسومات وسعة الذاكرة وعرض النطاق الترددي.

وهكذا أدى إلى الخروج من طور التجارب والانتقال لشرائح السيليكون الخاصة بها، مما جعل  أبل الحصان الأسود القادم بقوة في مجال معالجات الكمبيوتر، وهذا ربما تحول لناقوس خطر بالنسبة لمصنعي الشرائح المنافسين في السوق.

معالج أبل الجديد في مواجهة معالجات إنتل وAMD ونيفيديا!

مواصفات معالج ابل M1 Ultra كالتالي:

  • 114 مليار ترانزستور
  • 16 نواة أداء
  • 4 أنوية كفاءة
  • معالج رسوميات 64 نواة
  • محرك عصبي 32 نواة
  • ذاكرة DDR5 بسعة 128 جيجابايت وسرعة 800 جيجابايت/ثانية

تم تسريب نتائج الأداء لشريحة M1 Ultra بعد فترة وجيزة من إعلان أبل عنها خلال مؤتمر الربيع الأخير هذا الشهر، ووفقا للنتائج التي تم نشرها، يتفوق معالج M1 Ultra على أي شريحة M1 أخرى مثل M1 و M1 Pro و M1 Max، ويعمل معالج أبل الجديد M1 Ultra حصريًا على تشغيل جهاز ماك ستوديو.

ووفقًا لموقع WCCFTech، كانت نتائج أحدث الاختبارات لشريحة M1 الترا، كما زعمت أبل بالفعل، وأن شريحتها تبدو وحشًا ضاريًا يمكنه ابتلاع المعالجات الأخرى بسهولة. وأظهرت الاختبارات أن M1 Ultra حصلت على 1793 للنواة الأحادية و 24055 للنواة المتعددة وتم إجراء تلك الاختبارات سواء متعددة النواة أو أحادية النواة على نظام macOS 12.3. بالطبع كل هذه الأرقام تحتاج إلى اختبارات حقيقية أخرى عند الاستخدام على أرض الواقع!

نظرًا لأن معالج M1 Ultra يحتوي على ضعف النوى، فيجب أن يدير حتى أكثر المهام الحسابية تعقيدًا. في الواقع ، نظرًا لأن M1 Pro يقدم بالفعل ما يحتاجه معظم مستخدمي الماك، فإن هذه الشريحة الجديدة لأبل سوف تفتح الباب حتمًا لتجارب جديدة مكثفة للغاية. بعد كل شيء، الأداء والقوة التي يمكنك استغلالها في تطبيقات التصميم والفيديو والصوت ثلاثي الأبعاد يمكنها تسيير الألعاب وتشغيلها بكل سلاسة.

هذا يعني أيضاً أن أبل تمكنت من بناء شريحة أقوى 1.9 مرة من الجيل الثاني عشر لمعالج إنتل Core i9-12900K عندما يعمل كلاهما عند 60 واط. بمعنى آخر، يمكنك الحصول على المزيد من الأداء لشريحة أبل الجديدة بأقل استهلاك للطاقة.

بالطبع يعد هذا أمرًا رائعًا للمستخدم العادي، ولكن بالنسبة للشركات التي تدير العديد من أجهزة الكمبيوتر المتطورة، فإن تقليل استهلاك الطاقة له فوائد كبيرة لتكاليف الأعمال، وعند تشغيل أحد التطبيقات، يمكنك أيضًا معالجة مساحة ضخمة تبلغ 128 جيجابايت من الذاكرة الموحدة.

نظرًا لأن استوديوهات إنتاج الفيديو الاحترافية تدير الكثير من أجهزة الماك التي تؤدي عمليات حسابية مكثفة، فإن هذا يؤدي إلى توفير كبير في الميزانية كما أن أداءها أسرع بكثير كما يُعطي انطباعًا بأن الاستثمار في هذه الأجهزة هو الشيء الصحيح.

علاوة على ذلك، بطاقة الرسومات RTX 3090 العملاقة الخاصة بشركة انفيديا تعتبر أسرع وحدة معالجة رسومات جرافيك في السوق في الوقت الحالي، هنا أرادت أبل التفوق على انفيديا في عقر دارها ولهذا زعمت الشركة الأمريكية أن شريحتها الجديدة M1 الترا يمكنها المنافسة بل والتغلب على شريحة انفيديا الأقوى باستخدام طاقة أقل بمعدل 200 واط.

قدمت آبل ادعاءات مماثلة بشأن فوز شريحتها M1 Max على RTX 3080 العام الماضي لكن النتائج كانت مختلطة. بالنسبة للمهام التي تركز على الإنتاجية، كان أداء M1 Max جيدًا للغاية مقابل RTX 3080 ومع ذلك، وجد بعض المراجعين أن M1 Max أبطأ قليلاً من RTX 3080 أثناء القيام بمهام على Adobe Premiere Pro لكن أداء M1 ماكس كان مذهلا على العموم، والآن لدينا شريحتين في شريحة واحدة، تخيل ما سوف تقدمه!

دعمت أبل جهازها الجديد ماك ستوديو بشريحتها M1 Ultra الذي يعد كمبيوتر مكتبي ليس أكبر بكثير من حيث الحجم من معالج نفيديا RTX 3090، وهكذا أصبح لدى صانع الآيفون جهازا قويًا بشكل لا يصدق بفضل M1 Ultra وقد صممته آبل ليحل محل  iMac مقاس 27 بوصة وحتى بعض طرز ماك برو.

الأمر ليس بتلك البساطة!

ومع ذلك هناك مشكلة بالنسبة لأبل، دائما ما تركز الشركة على أداء وقدرة المعالجات الخاصة بها عندما يتعلق الأمر بالتطبيقات والإنتاجية وليس الألعاب، ولهذا عانت شريحتي M1 ماكس و برو في تقييمات الألعاب وكان أدائهما مشابهًا لأداء معالج نفيديا RTX 3060، وربما يعتقد البعض أن شريحة أبل الجديدة ألترا سوف تكون الحل السحري ولكن هيهات، لا يزال هناك نقص في دعم الألعاب بالنسبة لنظام التشغيل macOS كما أن معظم الألعاب عبر الأنظمة الأساسية لا تزال x86 (معمارية للمعالجات من إنتل).

لكن ماذا عن بروسيسور AMD Ryzen Threadripper 3990X، هل يمكن لشريحة أبل M1 Ultra التفوق عليه؟

وفقا للاختبارات، استطاع معالج AMD، الذي يعمل من خلال 32 نواة، أن يحصل على 25697 نقطة في أداء الأنوية المتعددة، بالطبع هذا يجعل شريحة ألترا من ابل متأخرة قليلا بمقدار 1642 نقطة ومع ذلك في الأداء الأحادي للنواة، تفوقت شريحة أبل الجديدة على معالج AMD ذو 32 نواة حيث حققت 1793 نقطة بينما الأخير حصد 1294 نقطة فقط.

أخيرا، يجب أن تكون على دراية بأن مجال الحوسبة وصناعة أجهزة الكمبيوتر تواجه مستقبلاً مجهولا، حيث تتقدم الرقائق بشكل أبطأ وأصبح الحفاظ على الإستراتيجية التقليدية المتمثلة في صنع شرائح أكثر قوة عن طريق جعل الترانزستورات أصغر حجمًا أكثر صعوبة، لأن الأجهزة تقاس بالفعل بالنانومتر لكن أبل تعتمد على تقنيات أصغر وأفضل في تصنيع الرقائق وهذا يوفر مكاسب في الأداء والأموال، لأن المعالجات الأصغر تكون أكثر كفاءة من حيث التكلفة.

كما أن أبل قادرة على استخلاص المزيد من الأداء من رقائقها من خلال دمجها بإحكام مع نظام التشغيل الخاص بها وإضافة ميزات خاصة مثل محركها العصبي وهذا يتيح لأبل أن تكون على قدر كبير من الحرية في التصميم أكبر حتى مما كانت عليه إنتل، لذا هل يمكن أن تكون أبل الحصان الأسود الذي يأتي بقوة ويهيمن على قطاع المعالجات؟

حقيقة، لا أعلم ولكن وفقا للتاريخ، عندما تدخل أبل في مجال حتى لو كان جديدا، فإنها تسيطر عليه وتتربع على القمة، لذا سوف ننتظر هذا العام لنرى قوة معالجاتها وهل سوف تظهر شرائح جديدة لها وكيف ستتعامل شركات الرقائق مع صانع الآيفون؟

ما رأيك يا صديقي؟