تُعد العملاقة التكنولوجية ميكروسوفت أولى الشركات الأجنبية التي دخلت الصين؛ بتواجد تخطى الثلاثين عامًا حتى الآن منذ 1992. تمتلك العملاقة التكنولوجية ميكروسوفت 221 ألف موظف حول العالم؛ نصفهم في الولايات المتحدة والنصف الآخر موزع حول العالم؛ منهم 9000 موظف بدوام كامل في الصين وفقًا لجوبال تايمز، 80% منهم متخصصون في البحث والتطوير وفنيون هندسيون.

وفي عام 2022؛ أعلنت شركة ميكروسوفت عن خطط لتوسيع التوظيف وتطوير مقراتها في الصين وقالت ميكروسوفت إنها ستوسع توظيفها في الصين العام المقبل ليرتفع إجمالي عدد الموظفين إلى أكثر من 10 آلاف موظف وعلى أساس توسيع التوظيف، كما تخطط ميكروسوفت لتطوير مقراتها في بكين وشنغهاي وسوتشو بمقاطعة جيانغسو بشرق الصين على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة.

ميكروسوفت تغير خططها

في خطوة مفاجئة طلبت ميكروسوفت من حوالي 10% من موظفيها في الصين الانتقال إلى الولايات المتحدة، أو أيرلندا، أو أستراليا، أو نيوزلاندا. وهو ما يُمثل نحو 900 موظف وفقًا لإحصائية 2022؛ ويعمل معظم المتأثرين في أقسام تعلم الآلة والحوسبة السحابية في الشركة. وأتى هذا القرار في وقتٍ أعلنت فيه الولايات المتحدة عن رغبتها وضع قواعد جديدة لتقييد تصدير نماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية للصين؛ خوفًا من تطويرها للأسلحة من خلاله.

وقالت ميكروسوفت إن توفير الفرص الداخلية هو جزء منتظم من إدارة أعمالها العالمية. وكجزء من هذه العملية، شاركت فرصة نقل داخلي اختيارية مع مجموعة فرعية من الموظفين؛ وتتيح الفرص الداخلية في ميكروسوفت للموظفين التنقل بين مختلف فروع الشركة وأقسامها في الدول المختلفة.

شهد عرض ميكروسوفت الأخير توظيف عدد كبير من المواهب الصينية؛ ما يشير إلى استقطاب الشركة للخبرات الصينية خارج حدود بلادهم. ويأتي هذا في الوقت الذي تسعى فيه الصين جاهدةً لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعزيز مكانتها في الحرب التكنولوجية مع الولايات المتحدة، ما يبرز أهمية الكوادر المتخصصة في هذا المجال للصين.

ويُعد هذا الإجراء هجرة عقول محتملة لأفضل المواهب في الصين، خاصة بالنظر إلى تخصصاتهم المتخصصة للغاية. بعد كل شيء، أصبح العديد من موظفي ميكروسوفت السابقين في النهاية قادة في كبرى شركات التكنولوجيا الصينية، بما في ذلك بايدو وبايت دانس المالكة لتيك توك.

ضغوط الولايات المتحدة على شركاتها

دعا الوجود الكبير لميكروسوفت في الصين إلى التدقيق من قبل المشرعين الأمريكيين. وفي مارس 2024؛ أرسل عضو في مجلس النواب الأمريكي، بات فالون، رسالة إلى وزيرة التجارة الأمريكية. يقول فالون في رسالته؛ أن ما يسعون إلى فهمه هو ما إذا سيؤدي الاستخدام الواسع لميكروسوفت في جميع أنحاء الحكومة الفيدرالية، والعلاقات الوثيقة مع حكومة الصين والامتثال لقوانينها، إلى تهديد الأمن القومي والاقتصادي في الولايات المتحدة.

يُعرب عضو الكونجرس عن قلقه بسبب الاستخدام الواسع لميكروسوفت في الحكومة؛ إذ تُعرف الشركة بتعاونها الكبير مع الحكومة الفيدرالية. وتعتمد الحكومة بشكل كبير على استخدام منتجاتها وخدماتها؛ مثل أنظمة التشغيل والبرامج والتطبيقات السحابية؛ ما يُبرز احتمالية تأثير الحكومة الصينية على ميكروسوفت ويُعرض أمن وبيانات الحكومة الأمريكية للخطر. كما تمتلك العملاقة التكنولوجية مراكز كبيرة للبحث والتطوير في الصين وتتعاون مع مؤسسات صينية في مشاريع مختلفة.

ميكروسوفت اوفيس المُصمم خصيصًا للحكومة الأمريكية والحاصل على اعتماد برنامج الإدارة الفيدرالية للمخاطر

وتستمر الولايات المتحدة بالضغط على شركاتها التقنية العملاقة والتأثير على أعمالها بشكلٍ سلبي خوفًا من الصين؛ إذ تُعد الصين من أضخم الأسواق العالمية التي تسعى جميع الشركات العالمية إلى التوسع فيها والاستثمار بها.

وعلى سبيل المثال؛ أعربت شركة كوالكوم أن حظر الولايات المتحدة تصدير الرقاقات المتطورة إلى الصين، سيؤثر على نتائج أعمالها نظرًا لأهمية التواجد في الأسواق الصينية. وبرغم وضوح دعم وولاء ميكروسوفت للحكومة الفيدرالية تواصل الضغوط عليها.

رغم إنكار ميكروسوفت أن قرارها الأخير لا علاقة له بالتوترات بين أمريكا والصين يشير التوقيت إلى تأثرها؛ ما يُمثل تحديات متزايدة تواجهها ميكروسوفت والشركات التكنولوجية العالمية في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين البلدين. فبينما تسعى هذه الشركات إلى الاستفادة من المواهب والأسواق العالمية، تجد نفسها عالقة في خضم صراع القوى العظمى.

يبقى أن نرى كيف ستتأثر ميكروسوفت والصين بهذا القرار، وما إذا كانت هذه الخطوة ستشكل بدايةً لمرحلة جديدة من الضغوط الأمريكية على الصين.