شهدت الأيام الأخيرة تطورًا مفاجئًا في واحدة من أكبر صفقات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، حيث قررت الولايات المتحدة تعليق صفقة ضخمة كانت ستسمح للإمارات بالحصول على شرائح ذكاء اصطناعي متطورة من شركة Nvidia وشركات أشباه الموصلات الأمريكية الأخرى، وذلك بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي.

تُعد الصفقة التي كان من المقرر أن تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، من أكبر التحركات التكنولوجية في الشرق الأوسط، وقد حظيت باهتمام عالمي واسع، ليس فقط بسبب حجمها، بل بسبب الجهات المتورطة فيها والتداعيات الجيوسياسية المحيطة بها.

مخاوف أمريكية من تسريب التكنولوجيا إلى الصين

ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن مصادر مطلعة رفضت الكشف عن هويتها، أن المسؤولين في واشنطن قرروا إيقاف الصفقة مؤقتًا لأنهم يخشون من أن ينتهي المطاف بهذه الشرائح الحساسة في الصين، إما بشكل مباشر أو غير مباشر.

ورغم أن الإمارات والسعودية، بحسب الصحيفة، قدمتا تطمينات مسبقة للجانب الأمريكي بأن هناك آليات صارمة لمنع تسريب التكنولوجيا، فإن هذه التطمينات لم تكن كافية لتبديد الشكوك، خاصة في ظل التصاعد المتسارع في التوترات التكنولوجية بين واشنطن وبكين.

القصة بدأت مع اتفاق طموح

في مايو 2025، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خلال زيارة رسمية إلى الإمارات، عن اتفاق ضخم يشمل بناء حرم ضخم للذكاء الاصطناعي في أبوظبي، وهو ما وُصف حينها بأنه سيكون أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة.

كانت الإمارات تستعد لاستيراد مئات الآلاف من شرائح H100 المتقدمة من شركة Nvidia، وهي نفس الشرائح التي تُستخدم حاليًا في تدريب وتشغيل النماذج الضخمة مثل ChatGPT وGemini. كما شمل الاتفاق نماذج أحدث مثل H200 وBlackwell، وكانت الشركات الأمريكية مثل OpenAI وMicrosoft وCerebras تخطط للعب دور محوري في المشروع.

قلق متزايد من تهريب الشرائح إلى آسيا

أصبحت مسألة تهريب شرائح الذكاء الاصطناعي إلى الصين قضية أمن قومي ذات أولوية في الولايات المتحدة. فقد أعربت واشنطن عن قلقها من أن تصل هذه الشرائح إلى أطراف صينية عبر أطراف ثالثة، خاصة بعد تقارير عن استخدام دول مثل ماليزيا وتايلند كقنوات محتملة للتهريب.

ورداً على ذلك، فرضت ماليزيا في يوليو 2025 شرط الحصول على تصاريح تصدير على أي شحنات من شرائح الذكاء الاصطناعي الأمريكية تمر عبر أراضيها. كما أشارت تسريبات إعلامية إلى أن إدارة ترامب تفكر في فرض قيود إضافية على تصدير هذه الشرائح إلى دول آسيوية أخرى، في محاولة لتضييق نطاق التسريب.

الشركة الإماراتية G42 تحت المجهر

واحدة من أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين تتمثل في شركة G42 الإماراتية، التي كانت من المفترض أن تحصل على نسبة من هذه الشرائح لتشغيل مشاريعها في الحرم الجديد. غير أن الشركة واجهت تدقيقاً متزايداً من الحكومة الأمريكية، خصوصاً أن بعض تقارير الاستخبارات أشارت إلى وجود علاقات سابقة بين الشركة وكيانات صينية.

ولم توافق وزارة التجارة الأمريكية حتى الآن على السماح بتصدير الشرائح إلى G42، ما جعل واشنطن تدرس خيار إعادة هيكلة الصفقة بحيث يتم تسليم الشرائح فقط إلى شركات أمريكية تعمل داخل الإمارات، مثل OpenAI وMicrosoft، مع استبعاد أي جهات محلية من التعامل المباشر معها.

ترامب يريد الصفقة لكن بشروط

رغم هذه التحفظات، لا يزال دونالد ترامب حريصاً على إنجاح المشروع، باعتباره أحد إنجازاته الاقتصادية والتكنولوجية في منطقة الخليج. لكنه في المقابل، يدعم إعادة التفاوض بشأن بنود الصفقة لضمان عدم إساءة استخدام الشرائح أو تسريبها إلى جهات معادية.

وذكرت مصادر مطلعة أن فريق ترامب يعمل على صياغة حل وسط يسمح بالمضي قدماً في المشروع، بشرط إدخال ضمانات أمنية مشددة تتضمن التتبع الإلكتروني للشحنات، ومراقبة دقيقة لكيفية استخدامها.

الإمارات في موقف حرج والتوازن مطلوب

من جهتها، تجد الإمارات نفسها في موقف دقيق، فهي تريد الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن، وفي الوقت نفسه تُصر على مواصلة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي كجزء من رؤيتها التنموية المستقبلية.
وقد أكد المسؤولون الإماراتيون مراراً أنهم لا ينوون مشاركة هذه التقنيات مع أي أطراف أخرى، وأنهم مستعدون للتعاون الكامل مع واشنطن لضمان الاستخدام الآمن للشرائح.

تُعد هذه الأزمة مشهدًا واضحًا لحرب تكنولوجية أوسع بين الولايات المتحدة والصين، حيث أصبحت شرائح الذكاء الاصطناعي سلاحاً استراتيجياً بحد ذاته.

ما إذا كانت الصفقة ستُستكمل أم لا، سيعتمد على مدى قدرة الطرفين على التوصل إلى صيغة تُرضي القلق الأمني الأمريكي وتُحافظ على طموحات الإمارات التقنية. أما الآن، فالصفقة معلقة، والعيون تتجه نحو البيت الأبيض.