الحظر الذي فرضته الصين على العملات المشفرة الذي تم الإعلان عنه يوم الجمعة يعتبر أحدث حلقة في سلسلة من الأحداث الدرامية التي أعادت على مدار عام واحد فقط تشكيل المشهد التكنولوجي في البلاد بشكل كبير. ليس فقط عمال مناجم البيتكوين أو تجار العملات المشفرة أو ألعاب الفيديو هم الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مرمى النيران.

بشكل عام، كانت أكبر منصات الإنترنت في الصين هي التي كانت تشعر بالخطر. واحدًا تلو الآخر، كان عمالقة التكنولوجيا مثل Ant و Meituan و Didi أهدافًا لعمليات مكافحة الاحتكار. وقد تقاطع هذا مع تشديد تنظيم حماية البيانات والذي يُنظر إليه على أنه قضية أمن قومي ومحرك عام للحد من الإفراط الرأسمالي.

 على سبيل المثال، لم تخضع شركة ديدي Didi لخدمات نقل الأفراد لفحص بشأن مكافحة الاحتكار ولكن بعد يومين من الاكتتاب العام الأولي في نيويورك في يونيو، اضطرت إلى التوقف عن قبول مستخدمين جدد بينما كان المنظمون يحققون في الشكوك حول إمكانية تسريبها بيانات المستخدمين إلى الولايات المتحدة.

ما القصة

الصين وشركات التكنولوجيا

قبل عدة سنوات، كانت شركات التكنولوجيا الصينية تبدو محصنة ضد التنظيم. كان رؤسائها التنفيذيون محبوبين. أراد كل طالب في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تقريبًا في الصين العمل في مجال التكنولوجيا الاستهلاكية وليس في الأجهزة كما فضلّت الحكومة هذه الشركات التي لم تكن لتكبر بهذا الحجم بدونها وسُمح لهم بالنمو في بيئة تخلو من المنافسة حيث كانوا بمأمن من عمالقة التكنولوجيا في الخارج، مستمتعين بما يعرف بإسم "فترة الغرب المتوحش التجريبية".

ومثل بعض نظرائهم في أماكن أخرى من العالم، استغل عمالقة التكنولوجيا الصينيون المناطق الرمادية القانونية. لقد حافظوا على ثقافة العمل حيث بقي الموظفون ذوو الياقات البيضاء في المكتب حتى الصباح الباكر وعملوا خلال الأعياد الوطنية. لقد صمموا خوارزميات ضغطت على عمال التوصيل للقيادة بشكل خطير وفرضت عليهم أيضًا غرامة تعسفية. تعمدوا إساءة تصنيف عمالهم باستخدام وسطاء لتوظيفهم لتجنب المسؤولية القانونية وعدم دفع الضمان الاجتماعي للسائقين. وجد العمال الذين حاولوا محاربة القضايا القانونية أنهم يعملون في الواقع ليس من خلال المنصة ولكن من قبل شركة في مدينة لم يعملوا فيها أبدًا. عندما توفي سائق لشركة توصيل الطعام العملاقة Ele.me أثناء العمل، أكدت الشركة أنه ليس لديه عقد عمل معها ودفعت لأسرته ما يعادل 220 جنيهًا إسترلينيًا كتعويض.

استمرت الممارسات السيئة والحد الأدنى من التنظيم باسم النمو الاقتصادي والابتكار. استعانت شركات التكنولوجيا بمسؤولين تنظيميين سابقين، مما ساهم في عدم فعالية التنظيم. حتى عندما حاول المنظمون التحكم في التكنولوجيا الاستهلاكية الجديدة، على سبيل المثال، من خلال إصدار قانون التجارة الإلكترونية في عام 2019، نجحت شركات التكنولوجيا في الضغط من أجل الحصول على إرشادات أكثر ليونة ومنذ تفشي فيروس كورونا، استمرت هذه الشركات في النمو وأصبح المستهلكون الصينيون أكثر اعتمادًا عليها ولكنهم أيضًا أكثر وعياً بممارساتهم القبيحة.

من المحتمل أن يكون الرؤساء التنفيذيون لدى تلك الشركات يعلمون أن التيار كان يتغير. في قمة بوند المالية في أكتوبر 2020، حث مؤسس شركة علي بابا، جاك ما، المنظمين على عدم خنق الابتكار بل دفع عجلة النمو. كتبت أنجيلا زانج، مؤلفة كتاب "استثناءية مكافحة الاحتكار الصينية"، أن ما قاله مؤسس علي بابا يبدو كما لو كان آخر محاولة لرجل الأعمال للضغط من أجل الحصول على معاملة تنظيمية مواتية تحسباً لتشديد التنظيم ولكنه قد فشل ونقل المنظمون مخاوفهم إلى القيادة العليا وما حدث كان كارثي حيث أدى التدقيق الناتج إلى قلب التوازن بين الابتكار والحوكمة لصالح المنظمين.

الصين وشركات التكنولوجيا

لماذا سحقت الصين عمالقة التكنولوجيا لديها؟

أجج خطاب "ما" العديد من الأمور التي كانت تنتظر شرارة لكي تظهر للنور، الحكومة الصينية قلقة تجاه المخاطر التي يتعرض لها الاستقرار المالي وكان المنظمون يراقبون شركات التكنولوجيا المالية التي كانت ترى نفسها أكبر من أن تفشل وكانت البنوك المملوكة للدولة قلقة أيضًا من تعدي شركة "آنت" Ant على أراضيها كما كان البنك المركزي يضغط من أجل تشديد اللوائح التنظيمية حول قروض المستهلكين بالنظر إلى أنه إذا فشلت البنوك فسيكون هناك من ينقذها.

وتطلق "آنت" على نفسها اسم شركة تكنولوجيا، لكنها تحقق ما يقرب من 90% من إيراداتها من مجموعة واسعة من المنتجات المالية التي تحول الخدمات المصرفية التقليدية وواجهات المستخدم السلسة إلى خدمات يعتمد عليها غالبية الصينيين. تعمل إحدى خدماتها الأكثر استخدامًا عن طريق تجميع القروض الصغيرة معًا وبيعها للبنوك وجنت الشركة أرباحًا ضخمة لكنها لم تتحمل أيًا من المخاطر. هذا الشهر، أوضحت بكين أنها تخطط لتفكيك منصة الدفع عبر الإنترنت Alipay الخاصة بشركة "آنت" وفصل خدماتها الشبيهة ببطاقات الائتمان عن خدمات القروض الخاصة بها.

وكانت شركة "آنت" تضع في حسبانها شيئا واحد الربح قبل كل شيء وهذا الأمر كانت سمة جميع الشركات الصينية الأخرى ولهذا وضعت أحدث مسودة اللوائح لإنهاء الممارسات القديمة التي كانت تفعلها شركات التكنولوجيا الصينية للربح بأي وسيلة مثل اختطاف وتوجيه حركة مرور المستخدمين وإجبار التجار على عقد صفقات حصرية ونشر الشائعات حول المنافسين.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، تم القضاء على مليارات الدولارات من القيمة السوقية لعمالقة التكنولوجيا في الصين وحاولت الشركات مراجعة أنشطتها لتتماشى مع توجهات السياسة وفي أبريل، تم تغريم شركة التجارة الإلكترونية علي بابا بقيمة 2 مليار جنيه إسترليني لإساءة استخدامها هيمنتها على السوق كما أوقفت شركة بايت دانس المتخصصة في البث المباشر والألعاب والشركة الأم لتطبيق الفيديو القصير تيك توك، خططها للإدراج في الخارج مؤقتًا، بالإضافة لذلك، حاولت عمالقة التكنولوجيا في الصين مخاطبة ود الحكومة لتقليل القيود والضغوطات التي تمارس عليهم ولهذا، بدا فجأة بين الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا وكأن هناك منافسة للاقتباس من الشعارات السياسة في البيانات الصحفية الخاصة بهم مثل الرئيس التتفيذي لشركة توصيل الطعام Meituan حيث قال أن إسم الشركة يعني "الرخاء المشترك" وهو هدف سياسي للحزب الشيوعي الصيني وبعدها، قامت تلك الشركات بالتبرع بمليارات الدولارات لقضايا وأمور مجتمعية.

مكافحة الإحتكار

لماذا سحقت الصين عمالقة التكنولوجيا لديها؟

لا تختلف أهداف الصين اختلافًا جوهريًا عن تلك التي تدعو إلى المزيد من إجراءات مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة وأوروبا. استخدمت أكبر منصات التكنولوجيا في الصين قوتها لسحق الشركات الصغيرة، منصة نقل الركاب ديدي على سبيل المثال، أغرت العملاء بخصومات والسائقين بمعدلات أعلى وبمجرد أن اكتسبت حصة مهيمنة في السوق، قامت بتمييز السعر بين عملائها بمعنى، إذا كان لديك جهاز آيفون، سوف تحصل على خصومات أقل مما لو كان لديك هاتف أندرويد، كما أنها جعلت معدلات الأجور أسوأ بالنسبة للسائقين.

علاوة على ذلك، بدلاً من محاولة شركات التكنولوجيا الصينية المساعدة وتقديم حلول في قضايا الاستقرار الاجتماعي وعدم المساواة، ساهمت تلك الشركات في تفشي تلك الآفات المجتمعية الخطيرة. وقد أدت ممارساتهم إلى الإستهزاء بشعار الحكومة "الرخاء المشترك" ولهذا ربما السؤال هو لماذا حاولت الحكومة استعادة زمام الأمور الآن ولماذا لم يكن ذلك في وقت سابق؟

يُترجم بعض الخبراء تحركات الصين ضد شركات التكنولوجيا الكبيرة الخاصة بها على أنها استيلاء خالص على السلطة أو صدام بين القطاعين العام والخاص. لكن الحكومة لم تنقلب ضد جميع شركات التكنولوجيا الخاصة، على سبيل المثال، تبذل بكين الكثير من الجهد في رسم سياسات تدعم تطوير الرقائق، ربما الأمر ليس مفاجئًا لأن مشكلات سلسلة التوريد تهدد كافة المجالات في جميع أنحاء العالم وما تريده الصين هو أن تظل شركات التكنولوجيا العملاقة متوافقة مع أولوياتها بدلاً من تعريضها للخطر.

أيضا لا توجد دلائل على أن الحكومة الصينية تتطلع إلى تفكيك عمالقة التكنولوجيا لديها ولهذا لن نرى شركات مثل علي بابا أو تينسنت يحتاجان إلى بيع بعض شركاتهما وتقليص حجمهما ولعل ذلك لأن الصين ترى الاقتصاد الرقمي كمجال للنمو ولهذا ترغب في أن تنمو شركات الإنترنت واقتصاد البيانات بشكل أكبر الفترة القادمة.

قد تكون عمالقة التكنولوجيا حذرة، لكن مصائب قوم عند قوم فوائد ولهذا ترى الشركات متوسطة الحجم من الأمر فرصة حيث كان مصير شركات التكنولوجيا الناشئة، الإستحواذ من قبل علي بابا أو تينسينت والآن قد يكون لدى تلك الشركات مساحة أكبر من أجل النمو في السوق دون أي محاولات لقتل المنافسة، أمثلة على ذلك، عندما تم سحب تطبيق ديدي من متاجر التطبيقات، أصدر المنافسون الأصغر مثل T3 و Gaode و Dida قسائم وخصومات لجذب عملاء جدد وفي شهر يوليو، أصلحت شركة النقل الذكي Shencheng حوالي 100 شاشة تعمل باللمس حتى يمكن للعملاء من خلالها استدعاء سيارات الأجرة على الجدران في المجتمعات السكنية عبر شنغهاي.

أيضا، قد تكون شركة التجارة الإلكترونية JD.com سعيدة هي الأخرى بما فعلته الحكومة الصينية لأنها في الماضي خسرت أعمالها أمام شركة Tmall التابعة لمجموعة علي بابا، والتي دفعت لإنشاء اتفاقيات حصرية مع العلامات التجارية الفاخرة مثل فارفيتش وبينما رفع موقع JD.com دعاوى ضد الاحتكار على مجموعة علي بابا قبل سنوات، استمرت هذه الممارسات وحتى الغرامات التي يتم تحديدها كانت صغيرة وغير مؤثرة.

في نهاية المطاف، بالنسبة لأكبر شركات التكنولوجيا في الصين، يمكن أن يمثل هذا نهاية حقبة من النمو اللامحدود، لكن ما هو مؤكد هو الاتجاه إلى مزيد من تشديد الرقابة على شركات التكنولوجيا الكبرى في الصين، لا تريد بكين سحق هذه الشركات لكنها تريد منها التوقف عن استخدام التكنولوجيا لخلق مشاكل لها. إنها تتخذ نهجًا أكثر دقة لتنظيم هذه الشركات وكتابة قواعد جديدة للخوارزميات وسن قانون خصوصية البيانات الشخصية، وكل ما تقوم به الحكومة الصينية عبارة عن رسالة يجب أن تفهمها عمالقة التكنولوجيا هناك، من أجل البقاء، يجب أن تكون أهداف الصين هي أولوية تلك الشركات.