أطلق ستة من أبرز أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي حملة ضغط جديدة على الرئيس دونالد ترامب بعد إعلانه الأخير السماح لشركتي NVIDIA وAMD ببيع رقائق متقدمة للذكاء الاصطناعي إلى الصين.

وجاءت هذه الخطوة بعد أن أعلنت الإدارة الأمريكية عن اتفاق يقضي بدفع الشركتين نسبة 15 بالمئة من عائدات تلك المبيعات لصالح الحكومة مقابل الحصول على تراخيص تصدير.

رسالة مفتوحة تثير الجدل

وقد كتب بعض النواب الديمقراطيون رسالة مفتوحة إلى ترامب عبروا فيها عن قلقهم من أن هذه الصفقة قد تقوض الأمن القومي الأمريكي. وأكدت الرسالة أن الحفاظ على التفوق النوعي في مجالات التكنولوجيا الحساسة شكَّل دائمًا حجر الأساس في تفوق الولايات المتحدة العسكري والاستراتيجي، وأن التنازل عن هذه الميزة مقابل عوائد مالية يعد خطرًا جسيمًا.

كما حذر أعضاء مجلس الشيوخ من أن الرقائق المقرر بيعها، مثل H20 من NVIDIA وMI308 من AMD، يمكن أن تساعد الصين على تطوير أنظمة عسكرية أكثر تطورًا. وذهبوا إلى أن أي دعم تكنولوجي في هذا المجال قد يمنح بكين تفوقًا إضافيًا في سباق عالمي حساس للغاية.

لكن NVIDIA ردت سريعًا على هذه الاتهامات مؤكدة أن شريحة H20 لا تحمل أي إمكانات عسكرية مباشرة، بل كانت ستساهم في دعم مطوري البرمجيات عالميًا وتعزيز موقع الولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي.

موقف NVIDIA وغياب رد AMD

صرح متحدث باسم NVIDIA لشبكة CNBC أن حظر شريحة H20 كلف دافعي الضرائب الأمريكيين مليارات الدولارات دون أن يحقق أي مكسب أمني.

وأوضح أن الرقاقة لم تكن موجهة للاستخدامات العسكرية بقدر ما كانت أداة لتعزيز الريادة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي. أما شركة AMD فلم تقدم تعليقًا فوريًا على الرسالة، ما ترك تساؤلات مفتوحة حول موقفها من هذا الجدل.

دعوة لرد رسمي من الإدارة

إضافة إلى ذلك، فقد طالب الديمقراطيون البيت الأبيض بتقديم رد تفصيلي حول الصفقة بحلول الثاني والعشرين من أغسطس، بما في ذلك أي ترتيبات مشابهة مع شركات تكنولوجية أخرى. وأكدوا أن استمرار الإدارة في هذا المسار سيشكل تهديدًا لمكانة الولايات المتحدة التكنولوجية ويدمر سنوات من الجهود للحفاظ على الريادة.

من ناحيتها، ردت إدارة ترامب بلهجة حادة وقللت من أهمية التحذيرات. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض إن من الغريب أن يُظهر الديمقراطيون حرصهم المفاجئ على الأمن القومي بينما تجاهلوا الأمر تمامًا عندما سمحت إدارة بايدن السابقة بتدفق الشرائح المتقدمة مثل H20 إلى الصين بلا قيود. وأضاف أن هذه الانتقادات تعكس نفاقًا سياسيًا أكثر مما تعكس قلقًا حقيقيًا.

الصين تفرض قيودًا داخلية جديدة

ورغم سماح ترامب بعودة NVIDIA إلى السوق الصينية، كشفت تقارير إعلامية أن السلطات في بكين لا ترحب بهذه العودة. وأشارت بلومبرج إلى أن الحكومة الصينية أصدرت تعليمات للشركات المحلية بعدم شراء شرائح أمريكية، بل وأوقفت بعض الطلبات القائمة لرقائق H20. 

وأكد محللون أن هذا التوجه يعكس محاولة بكين تقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية حتى في ظل فتح قنوات تصدير جديدة.

وقد ذكرت تقارير أخرى أن جهات تنظيمية في الصين طلبت من شركات كبرى مثل ByteDance وAlibaba وTencent تعليق مشترياتها من شرائح NVIDIA إلى حين الانتهاء من مراجعة أمنية وطنية.

ويعني ذلك أن الشركات الأمريكية تواجه تحديات مزدوجة، فمن جهة تتعرض لضغوط سياسية داخلية في واشنطن، ومن جهة أخرى تواجه عراقيل تنظيمية في بكين تقلص فرصها في السوق الصيني.

بين الأمن القومي والمصالح الاقتصادية

يُظهر هذا الجدل أن ملف الرقائق المتقدمة قد تحول إلى معركة مفتوحة بين اعتبارات الأمن القومي والمصالح الاقتصادية. فبينما تسعى إدارة ترامب للحصول على عائدات مالية من خلال صفقات التصدير، يرى الديمقراطيون أن هذه الخطوات تعرض التفوق التكنولوجي الأمريكي للخطر.

وفي المقابل، تعمل الصين على استغلال الانقسامات الداخلية في الولايات المتحدة، وذلك لتعزيز استقلالها التكنولوجي وتقليل اعتمادها على الشركات الأمريكية.

بهذا المشهد المعقد، تتضح ملامح صراع جديد يتجاوز حدود التجارة إلى ميدان السياسة العالمية. فالرقائق التي تشغل عقول السياسيين والاقتصاديين اليوم لم تعد مجرد مكونات إلكترونية، بل أصبحت رمزًا لمعركة السيطرة على المستقبل السياسي والتكنولوجي.