حقق تطبيق المقاطع القصيرة TikTok؛ نجاحًا مذهلًا؛ بعدد مرات تنزيل 4.1 مليار مرة حتى عام 2024. ويرجع ذلك إلى خوارزميته بالغة الذكاء؛ والتي تعتمد على تفاعل المستخدم مع المحتوى، بدلًا من التركيز على عدد المشاهدات؛ إذ تعمل الخوارزمية على تحليل سلوكيات المستخدمين بدقة؛ مثل نوع المحتوى الذي يشاهدونه، وعدد المرات التي يشاهدون فيها كل مقطع، والتفاعلات التي يقومون بها. وبناءً على هذه البيانات؛ تُقدم للمستخدمين محتوى يناسب ذوقهم واهتماماتهم.

وحقق TikTok نجاحًا خاصًا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ زادت نسبة المستخدمين بمعدل 1239.29% بين عامي 2018 و2023. وتخطى عدد المستخدمين الأمريكيين شهريًا حاجز ال150 مليون مستخدم؛ وهو ما يقارب نصف عدد السكان في أمريكا! وأتى ذلك النجاح الساحق في الولايات المتحدة بضريبة تدفعها تيك توك الآن؛ إذ واجه التطبيق دعاوى قضائية من قِبل أولياء أمور قاصرين، وتدخلًا مباشرًا من رئيسين أمريكيين؛ دونالد ترامب وجو بايدن!

ويُثير هذا الاهتمام الكبير من قِبل أعلى سلطة في الولايات المتحدة تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء أهمية وخطورة هذا التطبيق؛ والتي تسببت في لفت أنظار رئيسين أمريكيين على التوالي. في هذا المقال؛ سنلقي نظرة على العوامل التي أدت إلى مواجهة تيك توك للمساءلة القانونية وجذبت انتباه الرؤساء الأمريكيين.

تيك توك - من منصة الترفيه إلى ساحة للانتحار

وجدت تايوانا أندرسون؛ أم لطفلة في العاشرة من عمرها، ابنتها نايللا معلقة من حزام حقيبتها فاقدةً للوعي تمامًا. سارعت الأم لإجراء إنعاش رئوي قلبي لها أثناء طلبها للإسعاف؛ ونٌقلت الطفلة نايللا إلى المستشفى؛ لكنها لم تنجُ وتوفيت بعد بضعة أيام فقط في العناية المركزة.

إثر ذلك؛ أقامت تايوانا أندرسون -والدة الطفلة ذات ال10 سنوات- دعوى قضائية ضد الشركة الأم لتيك توك؛ ByteDance؛ مُتهِمةً إياهم بالتسبب في موت ابنتها بعد محاولتها لتقليد تحدي على تيك توك (blackout (challenge تحدي الإغماء. يقوم المُقلدين في هذا التحدي بخنق أنفسهم حتى يفقدوا الوعي؛ وفي حالة الطفلة نايللا فقد ظهرت علامات عميقة على عنقها تدل على محاولتها لتحرير نفسها.

أرجعت والدة الضحية أن السبب في ذلك هو خوارزمية التيك توك؛ والتي وصفتها بأنها "معيبة بشكل خطير". وتضمنت الدعوى أن تيك توك قد خلق بيئة ترويجيةً لنشر مثل هذه التحديات داخل التطبيق؛ وذلك من خلال خوارزمياته التي تستهدف الهواتف المحمولة. وحكمت المحكمة ببراءة تيك توك وشركتها الأم من التهمة؛ إذ عللت ذلك بموجب المادة 230 من قانون آداب الاتصالات؛ والذي يحمي منصات الإنترنت من المسؤولية عن المحتوى الذي ينشره مستخدمون من جهات خارجية.

وتوفي ما يقارب من 15 إلى 20 طفل تقريبًا بسبب تحدي الإغماء حسب التقارير؛ ورُفعت عدة قضايا على نفس الشاكلة ضد تيك توك. ولكن لم تتخذ تيك توك أي إجراء يُذكر؛ ما أثار حنق العديد من أولياء الأمور وجعلهم يعدّون تطبيق تيك توك خطيرًا.

بداية الصراع Trump Vs TikTok

تلقت TikTok انتقادات من إدارة ترامب؛ إذ صرحت الإدارة أن التطبيق يتمكن من الوصول إلى المحتوى المُخزن في ذاكرة النسخ على أجهزة iOS للمستخدمين. وزعمت تيك توك أنها مجرد ميزة لمنع المحتوى المزعج؛ ولكنها أوقفت تلك الميزة على أي حال. ونتيجة لذلك؛ قيدت إدارة ترامب استخدام TikTok داخل الحكومة والجيش، ووجهت للمسؤولين تعليمات بحذف التطبيق من الأجهزة التي تستخدمها الحكومة. كانت تلك خطوة صحيحة من الإدارة؛ إذ إن الوصول إلى ذاكرة النسخ في تلك الأماكن يُهدد الأمن القومي للولايات المتحدة.

تسببت تلك الميزة في إشعال فتيل الصين لدى ترامب؛ إذ يشتهر الرئيس الأمريكي بشكوكه الدائمة تجاه الصين، وبما أن شركة ByteDance صينية؛ فقد ادخلت نفسها حيز الشكوك. قرر دونالد ترامب بحظر تطبيق TikTok من أمريكا؛ مُعللًا ذلك بأنه يشكل تهديدًا على الأمن القومي الأمريكي. وفي خطوة منها لنفي ذلك، أثارت الشركة الأم لتيك توك الحديث عن صفقة محتملة؛ تتضمن بيع الجزء الأكبر من أسهمها لشركة أمريكية، وهو ما رفضه ترامب؛ ثم وافق عليه في وقتٍ لاحق.

أعلنت TikTok أنها ستقدم دعوى ضد ترامب؛ وادعت أن الحظر ينتهك الدستور الأمريكي. وجاء قرار القاضي في صالح تيك توك، واعتبر أن الدلائل المقدمة من قِبل ترامب لا تكفي لتشغيل الحظر التعسفي لتيك توك. وجاء حينها قرار الرئيس الجديد بايدن في عام 2021 بإلغاء أمر ترامب التنفيذي، باتفاق مشترك بين أطراف النزاع.  وفي مارس 2024؛ أطلق الرئيس السابق والمرشح الحالي للانتخابات تصريحًا هو الأغرب منذ بداية الصراع، بأن حظر TikTok سيسبب إحباطًا لبعض الأطفال والشباب بسبب تعلقهم بالتطيبق؛ وأضاف أن هناك الكثير من الأشياء الجيدة في تيك توك، ولكن هناك السيئ أيضًا. وصرح بأن ذلك القرار سيعزز من استخدام منصات ميتا (فيسبوك)؛ وأنه لا يتطلع إلى تضاعف حجم مستخدمي فيسبوك؛ إذ يعتقد الرئيس السابق بأن فيسبوك سيكون المستفيد الأكبر من هذا القرار؛ وهو ما لا يستحقه بسبب أنه يفتقد للمصداقية تمامًا حسب رأيه؛ إذ أزالت منصات ميتا إثتنين من مشاركات ترامب أثناء أحداث الكابيتول في يناير 2021.

ومن المُرجح ان يلقى تصريح ترامب في هذا الوقت القبول لدى المستخدمين الأصغر سنًا؛ وذلك في ظل اقتراب الانتخابات الأمريكية، وانخفاض شعبية الرئيس الحالي جو بايدن؛ بسبب سعيه في قانون ضد الحريات الأمريكية، وموقفه في القضية الفلسطينية. وعلى ما يبدو أن ترامب يرفض الإطاحة بأكبر منافسي ميتا؛ بسبب عدائه الشخصي مع الشركة بعد حذفها منشوراته وحظره من منصاتها.

الرئيس السابق ترامب يقرر حظر TikTok

بارانويا أمريكية معتادة بحجة الأمن القومي

ما وراء المخاوف الجيوسياسية من تيك توك

كشف تقرير تقييم التهديدات السنوي لمجتمع الاستخبارات الأمريكي لعام 2024؛ أن حسابات TikTok التي تديرها ذراع دعائية صينية، استهدفت مرشحين من كِلا الحزبين السياسيين (الجمهوري والديمقراطي)؛ خلال دورة الانتخابات الفرعية في عام 2022.

وصرح زعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيف سكاليس؛ أنه يجب التأكد من عدم قدرة الحكومة الصينية، على تسليح تيك توك ضد المستخدمين الأمريكيين والحكومة، من خلال جمع البيانات والدعاية. وقال أحد السيناتورز لموقع أكسيوس؛ أنه يمكن استخدام التطبيق للوصول إلى ميكروفونات المستخدمين؛ وتحديد ما يفعلونه على التطبيقات الآخرى. ومع ذلك؛ لم تُنشر أيٌّ من هذه الأدلة. وعبر مايكل ماكول، كاتب مشروع القانون، من الحزب الجمهوري؛ أن مشروع القانون هذا يحمي الأمريكيين، وخاصةً الأطفال؛ من التأثير الخبيث للدعايا الصينية على تطبيق تيك توك؛ ووصف التطبيق أنه بالون تجسس في هواتف الأمريكيين.

وأضاف زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ؛ أنه تبين في السنوات الأخيرة أن الديمقراطية أمرٌ هش ٌ جدًا؛ لن يستمر وجودها في ظل التهديدات الراهنة والجديدة؛ لذا يجب الاستعداد للدفاع عنها.

ويبرز النفاق في السياسة الأمريكية بوضوح في آراء المعنيين بمشروع القانون؛ إذ يرى أحد السيناتورز أن تحقيق الديمقراطية يأتي من تقييد الديمقراطية أيضًا! ويمكنك أن تلحظ أن سياسة الولايات المتحدة لطالما قيدت حرية التعبير بذكاء؛ عبر الترويج والتفخيم لآراء سياسية معينة، تزرع الشكوك والمشاعر السلبية في عقول المواطنين؛ مستهدفة وطنيتهم وأمن بلادهم؛ كما هو الحال مع الصين الآن.

جهود تيك توك لتهدئة المخاوف الأمريكية - خطوات إيجابية ومبادرات مطمئنة

استثمرت تيك توك 1.5 مليار دولار في مشروع لها باسم (مشروع تكساس)؛ يهدف المشروع إلى معالجة المخاوف المتعلقة بالأمن القومي الأمريكي؛ وذلك من خلال حلول ملموسة وقابلة للقياس. وطُور المشروع بالتعاون مع لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS).

وأسست تيك توك شركة فرعية باسم (USDS) TikTok U.S Data Security؛ تعمل تلك الشركة ككيان مستقل تمامًا عن تيك توك، ويقودها اثنين من كبار خبراء مجالات الأمن القومي والسيبراني في الحكومة الأمريكية. وفي هذا الإطار؛ يخضع موظفي USDS للتدقيق وفقًا لمتطلبات التوظيف الأكثر شيوعًا في وزارة الدفاع! إذ يتقدم القادة والموظفين بتقديم التقارير إلى مجلس آخر مستقل أيضًا عن الشركة الأم؛ ويمكن التحكم ورصد جميع بيانات المستخدم الأمريكي من قِبل تلك الشركة.

وأنشأت تيك توك نسخة منفصلة من منصة تيك توك للولايات المتحدة؛ إذ توجد داخل خوادم في بيئة سحابية بشركة Oracle الأمريكية، وتُقيد هذه النسخة داخل بيئة محمية بواسطة بوابات مراقبة؛ يتحكم بها مزود تقني موثوق به من قِبل الولايات المتحدة؛ وتُرصد من خلال كلٍ من TTP و USDS. وحققت TikTok بهذا المشروع ضمان أن المحتوى المنشور على تيك توك مُوجه بشكل محايد وخالٍ من أي تلاعب أو تأثير حكومي؛ ووفرت طبقات من الرقابة لضمان الامتثال الكامل بالالتزامات المُعلنة من خلال مشروع تكساس.

بذلت تيك توك مجهودات يُشاد بها لتهدئة المخاوف الأمريكية؛ في محاولة منها لإقناع الحكومة والمستخدمين معًا، أن الشعب الأمريكي جزء هام من المجتمع الافتراضي للتطبيق. وهو ماتحاول تيك توك إثباته بخطوات إيجابية واستثمارات ضخمة.

في مواجهة الانتقادات - كيف تتصدى تيك توك للتهم الموجهة إليها

قالت تيك تيك للكونغرس وفقًا لرويترز؛ أن الشركة غير مملوكة أو مُسيطر عليها من قِبل الحكومة الصينية. وجادلت بأنه إذا تم بيع الشركة إلى مشتريٍ آخر؛ فإنه لن يواصل جهود تيك توك بقيمة 1.5 مليار دولار لحماية البيانات الأمريكية. وقالت الشركة أيضًا أنه من المفارقات أن بيانات المستخدمين الأمريكيين قد تكون أقل أمانًا في إطار خطة الانفصال؛ وتزعم تيك توك أن الحظر المزعوم لتيك توك يُمثل انتهاك واضح؛ للحقوق المنصوص عليها في الدستور الأمريكي لمستخدمي تيك توك البالغ عددهم 170 مليون مستخدم.

وصرحت TikTok أن هذا المشروع سيعمل على سحق حرية التعبير في أمريكا؛ وهو ادعاء متزايد الشعبية بين تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ توجه الملياردير إيلون ماسك المالك لمنصة إكس (تويتر سابقًا)؛ بتقديم مطالبات مشابهة للتعديل الأول للدستور الأمريكي للدفاع عن محتوى تطبيقه المثير للجدل. وينص التعديل الأول للدستور الأمريكي على كفالة حرية التعبير والصحافة؛ ويمكن استخدامه للدفاع عن الحق في نشر المعلومات دون تدخل أو رقابة من الحكومة أو الجهات الرسمية.

واتخذت تيك توك خطوة جريئة؛ إذ أرسلت إشعارات فورية إلى ملايين المستخدمين على تطبيق تيك توك؛ تطلب منهم الاتصال بأعضاء الكونغرس المحليين. وامتلأت مكاتب الأعضاء بالمكالمات الهاتفية في وقتٍ لاحق لهذا اليوم. وأشركت تيك توك المستخدمين محل النزاع في قضيتها؛ إذ خاطبت فيهم العقل للحكم على الإجراءات المُتخذة من قِبل التطبيق؛ مطالبةً بمخاطبة حكومتهم للدعم؛ وذلك بعد أن تخلل تيك توك إحباطًا من التعسف الممارس تجاهها من قِبل الحكومة.

خطوة نحو القمع الرقمي – بايدن يوافق على قانون حظر تيك توك

مشروع القانون - قانون تيك توك مُفصل على مقاسه

حصد مشروع القانون أصوات الأغلبية في الكونغرس الأمريكي؛ ووقع عليه جو بايدن بعد 12 ساعة فقط من موافقة الأعضاء. وجاء المسمى القانوني لمشروع تيك توك؛ أنه قانون حماية الأمريكيين من التطبيقات المسيطر عليها من قِبل الخصوم الأجانب! ويهدف القانون إلى حماية الأمن القومي الأمريكي وخصوصية المستخدميين؛ خاصةً الشركات التي يقع مقرها في دول تشكل تهديدًا للأمن القومي أو تنفذ سياسات قمعية.

ويتيح القانون للبيت الأبيض امتيازات جديدة، للقضاء على التطبيقات التي يعتبرها تهديدًا للأمن القومي؛ ويمنح المشروع القوى للرؤساء الأمريكيين لوصف التطبيقات بأنها "تطبيقات مسيطر عليها من قِبل الخصوم الأجانب"؛ وإجبار المالك على بيعها لمالك أمريكي في غضون 270 يوم؛ وهي المدة التي منحها بايدن لشركة ByteDance. وفي حال تأخير تيك توك عن المُدة المُحددة لها؛ ستُحظر من متاجر التطبيقات وتُحجب من قِبل مزودي خدمة الإنترنت بالولايات المتحدة الأمريكية.

ويبدو عند قرائتك لمسمى المشروع، أنه قانون مُشرع خصيصًا لتيك توك؛ إذ إن المنصات الأشهر والأكثر رواجًا في العالم، مملوكة بالفعل لرجال أعمال أمريكيين؛ مثل إكس (تويتر سابقًا) لإيلون ماسك، و ميتا لمارك زوكربيرغ.

التلاعب السياسي في تمرير قانون تيك توك

ساعد التلاعب السياسي بتمرير قانون حظر التيك توك إلى توقيع بايدن؛ إذ ضُم مشروع القانون إلى حزمة أوسع تشمل تقديم مساعدات خارجية إلى أوكرانيا، وإسرائيل (الكيان الصهيوني)، وتايوان بقيمة 90 مليار دولار. وأجبر ذلك الكونغرس على النظر في الحزمة كاملةً؛ ما أدى إلى الإسراع في تمرير القانون.

الرئيس التنفيذي لتيك توك - بيان من قلب الحظر التقني

عبر تشو زي تشوي عن رأيه في قانون حظر تيك توك في مقطع قصير على منصته؛ قائلًا أن قرار الحظر يُمثل انتهاكًا لقيم ومبادئ الولايات المتحدة، والتي تؤكد على دعم وكفالة حرية التعبير للجميع. وصرح أن القانون يُمثل اعتداءً على كل مواطني الولايات المتحدة، ويُعد بمثابة حظر على أصواتهم أيضًا؛ وأكد أن TikTok ستحارب في ساحات المحاكم، لضمان استعادة الشعب الأمريكي حقه في التعبير.

وقال الرئيس التنفيذي؛ بأن تيك توك ستواصل الاستثمار والابتكار لتأمين بيانات المستخدمين الأمريكيين؛ وأعلن عن وجود سبعة ملايين من أصحاب الأعمال على تيك توك! ووجه رسالة إلى المستخدمين بمشاركة قصصهم الإيجابية مع المنصة.

وأدى ذلك المقطع إلى تأثر مستخدمين تيك توك في الولايات المتحدة؛ وتجمعوا حاملين لافتات تصف تأثير التطبيق على حياتهم. وغلب على البيان مخاطبة مشاعر المجتمع الافتراضي لتيك توك؛ في ظل محاولة آخرى من الرئيس التنفيذي، يطلب فيها إبداء رأي واضح من المستخدمين، بشأن التعسف الملحوظ في قرار الحكومة الأمريكية مع تيك توك.

دعم الشعب الأمريكي لـ TikTok ضد قرار الحكومة

وسوم حرب غزة تستفز المشاعر الصهيونية لبايدن

السردية الصهيونية تغلف وسائل الإعلام التقليدية

تعمل وسائل الإعلام التقليدية في أمريكا على زرع السردية الخاصة بها بشأن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؛ والذي نجح بشكل باهر على مدار عقود في غسل أدمغة الشعب الأمريكي. ولكن تُعد تلك الوسائل قديمة نسبةً إلى الشباب والمراهقين الآن؛ خاصةً بعد ظهور منصات التواصل الاجتماعي؛ وبشكل خاص تيك توك.

ويُمثل تيك توك لجيل الشباب في أمريكا منذ إطلاقه منصة للأخبار؛ إذ أصبح بمثابة ساحة للمناقشات والحديث في أمور السياسة بين أبناء هذا الجيل. وكشف تقرير لرويترز؛ أن 20% من الشباب، بين عمر 18 – 24 عامًا، يلجؤون إلى تيك توك كوجهتهم الأولى لمعرفة الأخبار؛ وتلك النسبة في زيادة مستمرة.

الخورازميات لا تكذب – وسوم دعم غزة

بعد شهر من العدوان الأخير على غزة؛ شارك مستخدمي تيك توك في الولايات المتحدة وسم "ساند فلسطين" (standwithpalestine#)؛ بنحو 16 ألف مقطع فيديو؛ وحصد عدد مشاهدات وصلت إلى 46 مليون مشاهدة. وشارك مستخدمون آخرون وسم "ساند إسرائيل" (standwithisrael#)؛ بنحو 6 آلاف مقطع؛ وحصد عدد مشاهدات بنحو 45 مليون مشاهدة؛ أي أن المشاركات في وسم (هاشتاغ) دعم فلسطين؛ كان أكثر من ضعف المشاركات للوسم المساند للاحتلال.

وتنتشر وسوم آخرى أكثر رواجًا عن فلسطين في الولايات المتحدة؛ كوسم " الحرية لفلسطين" (freepalestine#)؛ إذ شارك المستخدمون ذلك الوسم في نحو 264 ألف مقطع؛ ووصلت أعداد المشاهدة إلى مليار مشاهدة في المدة نفسها.

تَمَيَّز تيك توك بخوارزمية شديدة الذكاء والاختلاف؛ وهو ماتسبب في شهرته ونجاحه الواسع كما أشرنا سابقًا؛ ما يعني أن أعداد المشاهدات الهائلة نتيجة اهتمام من المستخدمين الأمريكيين لهذا المحتوى؛ وهو ما يُسبب خوفًا للإدارة الأمريكية. وذكر أحد السيناتورز أن تطبيق تيك توك يعمل على غسيل أدمغة الشباب الأمريكي، ويدفعه إلى التعاطف مع المقاومة الفلسطينية.

وفي مقال نُشر على مدونة تحمل اسم "Free Press"، صرح النائب مايك غالاغر، جمهوري يتزعم لجنة في مجلس النواب، مُكرّسة لمواجهة التحديات التي يطرحها الحزب الشيوعي الصيني؛ بأن تطبيق تيك توك يقوم بغسل عقول الشباب الأمريكيين، ضد بلادهم وحلفائهم! وذلك من خلال تحدياته المتزايدة والدعاية الداعمة لحماس؛ ووصف تيك توك؛ بأنه تسبب في أكبر حملة مؤثرة سلبية على الإطلاق.

وسوم فلسطين تضرب ناقوس الخطر لتيك توك

اتخذت تيك توك إجراءً صامتًا بإزالة الأداة التي كانت توضح إجمالي عدد المشاهدات على وسم معين؛ بسبب تسليط الضوء على الفارق الهائل في عدد المشاهدات، بين الفيديوهات التي تحمل وسومًا لفلسطين والتي تحمل وسومًا لإسرائيل؛ وجاء الفارق الهائل لصالح فلسطين، وذلك بعد بدء حرب إسرائيل وغزة.

وتسببت تلك الأداة، بالإضافة إلى عدم تقييد المحتوى بالتيك توك؛ في انتشار غزير للمحتوى المعادي للاحتلال داخل التطبيق، ما دفع بعض السياسيين والسيناتورز لمهاجمة تيك توك؛ والمطالبة بحظره. ولقت تلك الأصوات دعمًا مباشرًا من الرئيس بايدن؛ وسُحبت تيك توك للمحكمة مرة آخرى؛ تحت غطاء تسريب البيانات للحكومة الصينية؛ إذ يتضح لنا أن كل شيء مُباح لحماية إسرائيل، إتهامات كاذبة، وقمع لحريات الشعب الأمريكي نفسه! ومعاداة واضحة لدول آخرى؛ فجميع السُبل مُباحة لدى القيادة الأمريكية.

تيك توك بين الحظر والترويج لحملة جو بايدن

في حدث مثير للسخرية؛ أعلنت الحملة الانتخابية للرئيس بايدن، أنها ستستمر في حملتها الدعائية على تيك توك بعد قرار حظره! إذ تنفق Priorities USA؛ وهي أحد أكبر اللجان السياسية الفائقة للديمقراطيين؛ ما يقرب من مليون دولار لتمويل أكثر من 100 مؤثر على تيك توك! والذين ينتجون محتوى داعم لبايدن حتى موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم.

ترويج بايدن لحملته الانتخابية من خلال TikTok

ختامًا؛ نستشعر دائمًا ردود أفعال بايدن الشرسة؛ تجاه أي شأن يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ وهو ما أصاب تطبيق تيك توك لسوء حظه. وتواجه ByteDance الآن ضغوطًا متزايدة لإجبارها على بيع تيك توك لمالك أمريكي؛ وذلك لتُحِكم اليد العُليا الأمريكية قبضتها على جميع أشكال المحتوى الموجه للشعب الأمريكي. وبشأن حرية التعبير لا نستطيع المجادلة في هذا الصدد؛ إذ اتضح لنا أنها كذبه صُنعت بإتقان على مدار عقود طويلة. المستقبل أمام تيك توك غير واضح؛ وبوجود القانون الجديد، ربما سنرى تجربة تطبيق تيك توك تتكرر مرة آخرى.