مدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الموعد النهائي لبيع تيك توك مرة أخرى، مانحًا شركة ByteDance الصينية 90 يومًا إضافية للتخلّي عن أصولها في الولايات المتحدة أو مواجهة الإغلاق الكامل لنشاطها داخل البلاد. وجاء هذا التمديد قبل يوم واحد من انتهاء المهلة السابقة، في إشارة جديدة إلى أن المفاوضات بين واشنطن وبكين لا تزال عالقة وسط توتر سياسي وتجاري متزايد.

أرجع ترامب سبب التأجيل إلى ضرورة الحصول على موافقة من الصين، مكررًا قوله إنه وحده القادر على إتمام الصفقة وإنقاذ التطبيق، لكنه أشار أيضًا إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قد يكون العقبة الأخيرة أمام إنهاء هذا الملف.

قانون الحظر والتهديد الأمني

صدر قانون أمريكي يحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ينص على إجبار ByteDance على بيع تيك توك لشركة أمريكية أو حليفة، تحت ذريعة حماية الأمن القومي الأمريكي من التدخلات الصينية. وقد زعمت تقارير رسمية أن التطبيق يُستخدم للتجسس على المستخدمين الأمريكيين وجمع بياناتهم، ما يجعل بيعه أو حظره أمرًا لا مفر منه بحسب القانون.

كان من المفترض أن يُحظر التطبيق بشكل نهائي في 19 يناير الماضي، إلا أن سلسلة التأجيلات المستمرة بدّدت مصداقية هذا التهديد، وفتحت الباب أمام انتقادات حادة للإدارة الأمريكية، خصوصًا مع استمرار استخدام الأمريكيين للتطبيق في ظل تحذيرات أمنية لم يُتخذ بشأنها أي إجراء فعلي.

هل فقد تيك توك أهميته كورقة تفاوضية؟

صرّح ترامب خلال مؤتمر صحفي في طائرته الرئاسية أن الصين تعيق إتمام الصفقة، ملمّحًا إلى أن بكين باتت في موقف تفاوضي أقوى. ويبدو أن الصين لم تعد ترى مصلحة في التخلّي عن تيك توك، في وقت يسعى فيه ترامب لتقليل التعريفات الجمركية المفروضة على البضائع الصينية بهدف كسب تنازلات من بكين.

فشل نائب الرئيس جي دي فانس في التوصل إلى صفقة في أبريل الماضي، ما اعتُبر لحظة حرجة أضاعت فرصة التفاهم. ومنذ ذلك الحين، لم يُحقق أي تقدم يُذكر، فيما تُواصل شركة ByteDance مقاومة البيع، معتبرة أن ترامب يمكنه حماية تيك توك دون الحاجة لتصفية الأصول الأمريكية، وهو ما يخالف القانون الحالي.

البيت الأبيض يتحدث عن الأمن ولا يتصرف

أصدر البيت الأبيض بيانًا أكد فيه استمرار المخاطر الأمنية المرتبطة بتطبيق تيك توك، مشددًا على ضرورة إنهاء الصفقة خلال الأشهر الثلاثة القادمة. ومع ذلك، لم توضح الإدارة سبب السماح باستمرار تشغيل التطبيق طوال هذه المدة رغم الاعتراف العلني بالمخاطر.

قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، إن ترامب لا يريد إغلاق تيك توك، وأنه سيصدر أمرًا تنفيذيًا يضمن استمرار عمل التطبيق حتى منتصف سبتمبر، مؤكدة أن الإدارة ستركّز خلال الفترة القادمة على إتمام الصفقة بما يضمن سلامة بيانات المستخدمين الأمريكيين.

التوتر التجاري مع الصين يلقي بظلاله

شهدت العلاقات الأمريكية الصينية تصعيدًا متواصلاً طوال العام، رغم إعلان الطرفين عن هدنة مؤقتة مؤخرًا. وقد بدأت الصين تفرض جداول زمنية خاصة بها للرد على الضغوط الأمريكية، من بينها فرض حد زمني قدره ستة أشهر لتصدير المعادن النادرة إلى شركات السيارات الأمريكية، ما اعتُبر ورقة ضغط فعالة في النزاع التجاري المتصاعد.

على الجانب الآخر، لوّحت الإدارة الأمريكية بخطوات قد تؤثر بشكل كبير على طموحات الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال تقييد وصولها إلى معدات تصنيع الرقائق المتقدمة. ورغم أن هذا التهديد لم يُفعّل حتى الآن، إلا أنه لا يزال سيفًا معلقًا في المفاوضات.

الديمقراطيون ينتقدون ترامب

أبدى مشرعون ديمقراطيون قلقهم من استمرار ترامب في تأجيل الصفقة، معتبرين أن ذلك يُضعف موقف الولايات المتحدة ويعرض أمنها القومي للخطر. وذهب البعض إلى القول إن الرئيس لا يملك سلطة قانونية لتمديد المهلة أصلًا، وإن صفقة تيك توك التي يخطط لها قد لا تُحقق الشروط الأمنية المطلوبة بموجب القانون.

يبقى مصير تيك توك في الولايات المتحدة غامضًا، في ظل تأجيلات متكررة ومفاوضات غير مثمرة. وإذا لم تُحسم الصفقة بحلول سبتمبر، فقد يواجه ترامب ضغوطًا إضافية لتمديد جديد، في وقت تستعد فيه الصين لاستخدام أوراق ضغطها في ملفات أكثر أهمية مثل الرقائق والمعادن النادرة.

يوحي المشهد المعقد بأن تيك توك لم يعد مجرد تطبيق ترفيهي، بل تحوّل إلى رمز في معركة كبرى بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، حيث تتقاطع فيه السياسة بالأمن والتكنولوجيا، وسط ترقب عالمي لنتيجة هذا الصراع.