هل تقضي منصات التواصل اللامركزية على سيطرة ماسك وزوكربيرج؟
في شهر أبريل من عام 2022، تقدم الملياردير الأمريكي المثير للجدل، إيلون ماسك، بطلب لشراء موقع التواصل الاجتماعي الشهير المعروف آنذاك بتويتر بمبلغ 44 مليار دولار، ما يعادل ضعف القيمة السوقية التقريبية لتويتر، وبعد الكثير من الدراما، انتهى الأمر بعقد الصفقة فعلًا وأصبح تويتر من الآن شركة خاصة مملوكة لإيلون ماسك.
بمجرد أن تولى ماسك زمام السلطة، بات يُغيِّر ويعدل في المنصة كما يشاء وبدون تفكير إن صح القول، فقد فصل 80% من موظفي الشركة بعد مدة وجيزة من استحواذه على تويتر، وجعل علامة التوثيق الزرقاء تُشترى باشتراك شهري بدلًا من توثيقها من قبل الفرق المختصة وِفقًا لشروط وقيود بعينها، مما أدى للكثير من عمليات النصب وانتحال الشخصية، ومنذ ذلك الحين، لم يعُد إيلون ماسك يحسب حسابًا لقرار، بل تأتيه فكرة وينفذها وانتهى الأمر! أذكر حين غيّر اسم المنصة ليصبح X والسبب؟ يرى ماسك الحرف X حرفًا رائعًا فقط لا غير.
لكن ما فعله ماسك بدأ موجة مضادة شرسة من قبل المستخدمين المستائين، وكنوع من الاعتراض على سياسات ماسك وطريقة إدارته للموقع، قرر عدد لا بأس به الهجرة من تويتر ذاهبين لمواقع التواصل الاجتماعي اللامركزية، للتخلص من سطوة الشركات الكبرى و رجال الأعمال المتعجرفين.
اليوم سنغوص في أعماق الويب، لنعرف ماهي مواقع التواصل الاجتماعي اللامركزية؟ كيف تستخدمها؟ ما وجه اختلافها عن المواقع المعتادة؟ وكيف يبدو مستقبل التواصل الاجتماعي الرقمي؟ وخصوصا في عالمنا العربي.
المركزية واللامركزية
اللامركزية هي صفة تنفي تركز القوة أو السلطة في مكان واحد، وهو عكس الحادث تمامًا في وسائل التواصل الاجتماعي الحالية، فكِّر معي، جميع مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة، سواءً كانت فيسبوك أو إكس أو إنستغرام أو غير ذلك، مملوكة من قِبل جهة واحدة تتحكم بها كما تريد، سواء كانت هذه الجهة شركةً أو شخصًا كما هو الحال مع إكس، وتفرض هذه الجهة المالكة للمنصة قوانينها ومعاييرها على مليارات البشر حول العالم، هذه بالضبط هي المركزية. وياليت الأمر انتهى عند تلك الجهة وحسب، بل يتعدى إلى الحكومات التي تفرض رقابة على هذه المنصات وقيودًا على أنواع معينة من المحتوى أو على أشخاص محددين، كما حجبت ميتا منذ أيام شبكة RT الروسية من جميع منصاتها.
لدينا الحرب الحالية على غزة مثالًا، كم من منشور حُذف وحساب أُغلق في فيسبوك وإنستغرام لنشره الحقائق؟ وكم مرة حُذِف تعليق لك على فيسبوك بتهمة "مخالفة معايير المجتمع"، ومن ناحية أخرى لدينا إيلون ماسك، يحذف المنشورات التي تنتقده شخصيًا، ويفرض تحيزاته السياسية على المنصة في الولايات المتحدة وفي غيرها، إضافةً لذلك، قللت منصة إكس مؤخرا من ظهور الكثير من المنشورات الداعمة للقضية الفلسطينية. ويتظاهر إيلون ماسك بأنه حامي حمى حرية الرأي والمنقذ من سطوة ميتا ومارك زوكربيرج الشرير، والحاصل أن كليهما سواء، الاثنان وجهان لعملة واحدة.
هنا نرى أهمية إيجاد بديل لمواقع التواصل الحالية، السؤال هنا، كم من محاولة سابقة لإنشاء موقع تواصل اجتماعي بديل للعمالقة الموجودين؟ من العالم العربي أو غيره؟ الإجابة، المئات، وربما الآلاف، هذه المنصات ربما توفر مميزات أفضل وواجهة مستخدم أفضل، لكنها لا تلاقي رواجًا وسرعان ما تموت. ببساطة، لا أحد يود استعمال منصة فارغة أشبه بالصحراء الجرداء، كيف تقنع جميع أصدقائك ومعارفك باستخدام هذه المنصة العجيبة المملوكة أيضا من قِبل جهة واحدة ومن يدري، ربما بعد حصولها على العدد الكافي من المستخدمين واحتكارها للسوق تفعل ما فعله الكبار من قبلها ونعيد هذه الحلقة المفرغة، قطعًا لا أحد يريد ذلك.
الآن تبرز أهمية المنصات اللامركزية، ويظهر شدة احتياج المستخدمين حول العالم لها، لا أحد يرغب في وجود جهة واحدة تتحكم في جميع المستخدمين ولها السلطة المُطلقة، وتفرض قناعاتها وتحيزاتها على عموم المستخدمين. هذا الحلم هو ما سعى إليه مستخدمو الانترنت بعد رؤيتهم ما فعلت بنا المركزية والاحتكار. حاليًا هناك لاعبان أساسيان في مجال اللامركزية هذا، الفيدفيرس ببروتوكول Activity Pub من جهة، وبلو سكاي ببروتوكول AT من جهة أخرى، سنستعرض كلا اللاعبين بالتفصيل.
الفضاء الفيدرالي - الفيدفيرس
نبدأ بما يعرف بالـ Fediverse، نشأت الكلمة عبر دمج لكلمتي Federal بمعنى موحد و Universe بمعنى فضاء، ليصبح الفيدفيرس هو الفضاء الفيدرالي، أو الفضاء الموحد، في إشارة إلى أن هذا الكون الواسع من المنصات رغم اختلافها إلا أنها متحدة فيما يشكل فيديرالية.
في الفضاء الموحد، هناك العديد من المنصات، منها ما هو للتدوين مثل ماستودون، ومنها ما هو لمشاركة الفيديوهات مثل Peertube، ومنها ما هو لمشاركة الصور مثل pixelfed، وغيرهم من بدائل المنصات الشهيرة. جميع هذه المنصات مترابطة ومتداخلة فيما بينها، ويمكن مشاركة المحتوى والتفاعل معه عبر كل هذه المنصات داخل الفيدفيرس. حسنًا، كيف تتحدث هذه المنصات مع بعضها البعض؟ وماهي طريقة تناقل البيانات فيما بينهم داخل الفضاء الموحد أو الفيدفيرس؟ الجواب: عن طريق بروتوكول لتنظيم التواصل، في هذه الحالة هو بروتوكول Activity Pub، المُعتمد من قِبل رابطة الشبكة العالمية (W3c) ويرأس الـ W3c تيم بيرنيرز لي مخترع الويب.
يتكون Activity Pub من ثلاثة أشياء، الكائنات والنشاطات والمؤلفون، الكائنات (Objects) هي أي شيء مثل صورة أو نص أو تعليق أو حتى إعجاب على صورة، والنشاط هو إنشاء الكائنات، كأن تكتب منشورًا أو الإعجاب بصورة. والمؤلفون هم الاشخاص الذين يُؤدون هذه الأنشطة. يعمل هذا البروتوكول على نقل النشاطات داخل الفيدفيرس، بمعنى آخر، أنت مستخدم لمنصة ماستودون للتدوين، يمكنك ببساطة متابعة أصدقائك على منصة بكسل فيد لرؤية صورهم والتفاعل معها دون الحاجة لإنشاء حساب لك هناك، وكذلك يستطيع أصدقاؤك رؤية الصور التي تنشرها في ماستدون داخل بكسل فيد، أليس ذلك عبقريًا؟
لم تجد ميتا، العملاق المالك لفيسبوك وإنستغرام وواتساب ومسنجر، طريقة حتى الآن لدمج كل هذه الخدمات وجعلها تتواصل فيما بينها بشكل فعال، أو ربما لا تريد!
الآن عرفنا كيف تتواصل المنصات المختلفة مع بعضها البعض، لكن داخل كل منصة، كيف يعمل الأمر؟ ببساطة، لا يتركز كل مستخدمي ماستدون مثلًا في خوادمه ويخضعون جميعهم لقوانينها، بل هناك العديد من الخوادم المختلفة التي تعتبر كل واحدة منها نسخة مخصصة من ماستدون بقوانينها ومميزاتها المختلفة. تسمى هذه الخوادم أيضًا بالـ instances، ويمكن لمستخدمي تلك الخوادم المختلفة التواصل فيما بينهم على ماستدون.
لنعطي مثالًا حتى نوضح الصورة، تعمل الخودام (Servers) تماما مثل البريد الالكتروني، يمكن لأي مستخدم إرسال واستقبال رسائل البريد الالكتروني بغض النظر عن مقدم الخدمة لهذا الشخص، على سبيل المثال، لدي حساب بريد لدى جوجل @gmail.com لكني أرسل منه لصديقي الذي يملك حاسبا لدى ياهو yahoo.com@ ولا توجد أي مشكلة في تواصل هذه الخدمات مع بعضها.
هذه هو الأمر تمامًا داخل ماستدون مثلًا، هناك عدة خوادم، كل منها له قوانينه وقواعده الخاصة، ويتواصل مستخدمو جميع تلك الخوادم مع بعضهم البعض على منصة ما أو بين المنصات، إن لم يعجبك الخادم الذي أنت عليه، تستطيع التحويل لخادم آخر كما تشاء.
إذا أردت التمرد حقا فكن أنت مقدم الخدمة واصنع أنت خادمك بنفسك ولا تجعل لأحد تحكما عليك، على الاقل لن تكون منشوراتك محفوظة على جهاز شخص اخر وتكون معرضة للحذف في أي وقت!
ماستدون
لنلقي نظرة عن كثب لمنصة ماستدون تحديدًا، كانت هذه المنصة ولا تزال من أهم وأقوى اللاعبين في هذه الساحة، بأكثر من 15 مليون مستخدم، حوالي مليون منهم نشطون شهريًا، انفجرت شهرت ماستدون بعد استحواذ إيلون ماسك على تويتر، أنا شخصيًا أنشأت حسابي هناك هربا من تويتر، وكذلك ذاع صيته مجددًا حين غيّر إيلون ماسك تويتر ليصبح إكس.
كانت الفكرة التي جعلت يوجين راشكو ينشئ ماستدون في المقام الاول هو تدهور حالة إكس (تويتر سابقًا)، كان يرى أن إكس منصة مهمة وهو يحب استخدامها لكنهم لم يكونوا يجنون ارباحا كافية مما جعل الشركة في مأزق.
هنا قام يوجين بانشاء منصة تواصل اجتماعي لامركزية تسمى ماستدون، البروتوكلات والمنصات الامركزية موجودة من قبلها لكنها كانت منتشرة بين المتخصصين "النيردز" أراد يوجين إنشاء منصة لامركزية لعوام المستخدمين وظهرت ماستدون للنور في 2016.
تتميز ماستدون بكونها اللاعب الأكبر في الفيدفيرس، حتى أن بعض الناس تظن أن الفيدفيرس هو ماستدون، لكن هناك عدة مشاكل مع ماستدون أبرزها التطوير البطئ وفقدان مميزات هامة مثل الرسائل الخاصة واقتباس المنشورات، وهناك بعض المشاكل الأخرى المتعلقة بتواصل الخوادم المختلفة معًا، وكذلك عملية التنقل بين الخوادم ليست الأفضل في ماستدون، إذا يتم نقل متابعيك وفقط، منشوراتك السابقة وتعليقاتك لا تنقل للحساب الجديد، لكن يمكن نقل العلامات المرجعية والاعجابات.
المنصات العربية
التواجد العربي في ماستدون قليل، من ناحية المستخدمين والخوادم معًا، وهو متوقع إذ أن الفيدفيرس لا يزال مجتمعًا صغيرًا مقارنة باللاعبين الكبار. وقد ظهرت عدة خوادم عربية "كبيرة" داخل ماستدون مثل أمة وبسَّام والعديد من الخوادم الصغيرة العشوائية التي لا يتجاوز مستخدموها مائة مستخدم.
كانت ولا زالت القضية الفلسطينية من أهم الدوافع لإنشاء المنصات العربية البديلة، منصة أمة أنشأت بعد أسبوعين من بداية الحرب على غزة، وحصلت على أكثر من 15 ألف مستخدم في أسابيع قليلة، أما عند سؤالنا مؤسس بسام عن الفكرة أجاب:
فكرة المنصة بدأت عندما تعرض حسابي في فيسبوك للتوقيف والحد من نشاطه في عدد كبير من المناسبات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. في الوقت الذي يمكن لأي حساب أجنبي أن يحرَض على قتلي كفلسطيني بدون أي تدخل من إدارة فيسبوك، كان يتم حظر حسابي لفترات بين أسبوع وشهر لمجرد أني نعتت شخص صهيوني بأنه "كلب سياسي". هذه كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. وقتها بدأت في التعرف على بدائل وكان أهمها هو ماستودون، المنصة الواعدة التي تعد بأنها حُرّة و عادلة وغير منحازة دينية ولا جنسيا ولا سياسيا.
الفكرة بشكل عام تطورت بشكل تلقائي من مجرد فتح حساب في ماستودون إلى إنشاء خادم صغير من أجلي انا وأصدقائي. الموقع في البداية كان اسمه "النجم الأزرق" وعمل على ماستودون، وبعدها قررنا أن الاسم غير ملائم ونقلنا الموقع إلى نظام بليروما.
- لماذا تحولت بسام من ماستودون إلى Plemora ؟
سببين، تقني و ثقافي.
السبب التقني: منصة بليروما تستهلك موارد أقل بشكل ملحوظ من ماستودون. هذا يسمح لنا بتشغيل المنصة على خادم صغير نسبيا بدون التضحية بالأداء. (تكلفة التشغيل حاليًا 10 دولارات شهريًا)
أما السبب الثقافي فهو تعرضنا لكم هائل من المضايقات من خوادم ماستودون الاخرى ومنعنا من إضافة خادمنا إلى شبكة ماستودون الرسمية بسبب عدم قبولنا ثقافة الشذوذ الجنسي وعدم وضع نصوص واضحة في موقعنا لدعمهم وحمايتهم والافتخار بوجودهم.
هناك أكثر من 70 ألف منشور على بسام، و58 ألفًا على أمة رغم الفارق الكبير بين عدد المستخدمين، إذا تملك بسام 947 منهم 72 نشطون، أما أمة 15 ألفًا وحوالي ألف مستخدم نشط. أمة ونجمون حاليًا لا يقبلان المستخدمين الجدد، أمة لم تقبل مستخدما جديدا منذ نوفمبر الماضي أما نجمون التي تأسست مؤخرًا لم تنشر تحديثًا منذ 3 أشهر تقريبًا، ولم أجد منشور على أحدهما منذ مدة، ولم أجد أيضا خوادم عربية "نشطة" غير هؤلاء الثلاثة.
يظل تطوير هذه المنصات العربية على وجه الخصوص تحديًا كبيرًا، ومن أبرز ما يعيق تطوير هذه المنصات هو التمويل المادي، إذا لا توجد إعلانات على المنصات وتبرعات المستخدمين قليلة، لتعتمد هذه المنصات بالكامل على أموال المؤسسين الخاصة. وإضافة أي ميزة أو لحل مشكلة عليهم تعيين مبرمجين، مما يتطلب تمويلًا. ومن أبرز التحديات أيضًا الوعي حول هكذا منصات، إذا أن الوعي العربي التقني منخفض للأسف.لا يزال أمام المنصات العربية شوط كبير لتصبح فعالة في مجتمعاتنا.
من رأيي، الاهتمام بفكرة الخوادم العربية على منصة لامركزية منطقية وقابلة للتطبيق أكثر بكثير من إطلاق منصة عربية مركزية جديدة من الصفر، هذه المنصات العربية لم تنشأ من الصفر بل هي في الأصل خوادم تعمل بمنصات كماستودون وبليروما، أيضًا ستكون الخوادم العربية مقننة بما يناسب طبيعة مجتمعنا، وفي نفس الوقت لن نكون منعزلين بالكلية عن العالم الخارجي، إذ تستطيع التفاعل مع الفضاء المتحد بشكل طبيعي.
ثريدز
ربما تكون ثريدز أكثر منصة مثيرة للجدل من بين المنصات التي تحدثنا عنها اليوم، الأمر أن ميتا أرادت منافسة تويتر (وهو الظاهر) وأطلقت في بدايات شهر يونيو عام 2023 منصة مخصصة للنصوص القصيرة بواجهة مشابهة لتويتر، كيف تسجل في هذه المنصة؟ عبر حسابك في انستجرام، بضغطة زر يصبح لديك حساب في ثريدز، سهولة الانتقال لثريدز من انستجرام كانت عاملًا أساسيا في سرعة وصول المنصة لـ 100 مليون مستخدم جديد في خمسة أيام فقط، لتصبح أسرع منصة تصل لمئة مليون مستخدم، بعد ChatGPT الذي حقق هذا الإنجاز في شهرين.
حتى الآن لا شيء مثير للاهتمام، منصة أخرى جديدة من ميتا نفس الشركة التي نحاول الهرب منها، لكن، منذ بداية التطبيق وميتا تعد المستخدمين بالانضمام للفيدفيرس، ميتا التي نعرفها وتعرفنا جيدًا؟ الشركة التي يحاول الجميع الهرب من سطوتها وتحكمها تدخل طوعا مع منافسيها وتدعمهم؟ لابد أن ورائهم شيئا!
الحقيقة أنه نعم، هناك شئ ورائهم، لكن هذا الشئ ليس واضحا تماما حتى الآن، ربما يريدون أن يحجزوا مقعدا في هذا الشئ الجديد المسمى الويب الموحد ويأخذو حصتهم بدلًا من تركها لغيرهم، لربما يكون هو المستقبل. وربما تريد ميتا الحصول على مزيد من البيانات بطريقة أخرى ملتوية، وربما أرادوا استغلال تخبط تويتر ليهمنوا على جميع أنواع التواصل الاجتماعي، وربما كل ذلك معًا!
لكن خطوة ميتا بالدخول في الفيدفيرس -التي دعمها ثريدز رسميا في مارس من هذا العام- ليست مطبقة على جميع المستخدمين افتراضيا، بل يجب على كل مستخدم الذهاب للإعدادات وتفعيل خيار مشاركة منشوراته في الفيدفيرس، ويمكن لمستخدمي الفيدفيرس التعليق والتفاعل مع المنشورات من ثريدز، لكن العكس ليس بنفس السلاسة، إذ لا يمكنك الرد على تعليق قادم من الفيدفيرس داخل ثريدز حتى الآن، مع وعد ميتا بالعمل على ذلك، مما يثير الشكوك حول صدق ميتا في دعمها للفيدفيرس.
لكن من منطلق آخر الأمر يبدو جيدا، لدينا 175 مليون مستخدم جديد (محتمل) في هذا الفيدفيرس، لكن ليس بهذه السرعة، سمعة ميتا السيئة لم تُنسَ ولم يشفع لها الدخول في الفيدفيرس، هناك الكثير من الخوادم في ماستدون التي تحجب خادم ثريدز تمامًا اعتراضًا على ميتا ورغبة في طردها من الكون الموحد، وعموما أتفهم موقفهم، أنا لم آت إلى ماستدون أو غيره إلا لأهرب من تحكمات ميتا وجنون إيلون ماسك!
هذا الموقع به جميع الخوادم التي حظرت Threads.net
هنا نرى أن الفضاء الموحد ليس موحدًا تمامًا، خوادم كثيرة تحجب منصة بسام العربية لمخالفتها معاييرهم، وخوادم أخرى تحجب ثريدز صاحبة أكبر قاعدة مستخدمين محتملة للفيدفيرس اعتراضًا على سياساتها، ولا يوجد في بروتوكول أكتيفتي باب ما يجبر تلك الخوادم على الإتحاد مع بعضها في المقام الأول، ومن جهة أخرى نرى قصورًا تقنيا في الفيدفيرس وسرعة تطويره، وكذلك تطوير أكتيفي باب بطئ نسبيًا نظرًا لكونه معيارًا تقنيًا، على عكس بروتوكول AT المُطوَّر من بلو سكاي نفسها.
أثناء كتابة المقال ظهرت مؤسسة غير ربحية تسمى Social web foundation بقيادة إيفان برودرومو المؤلف المشارك لبروتوكول ActivityPub ويسميه البعض الأب الروحي للفيدفيرس، تهدف هذه المنظمة لزيادة الوعي بالفيدفيرس في أوساط مثل الصحافة والتعليم، وإنشاء واجهة أسهل للدخول في الفيدفيرس لأول مرة، بعيدًا عما قد يبدو تعقيدات للمستخدم العادي، وكذلك تطوير بروتوكول ActivityPub نفسه، حيث تقول المنظمة إنها ستضيف تشفير End-to-End في الرسائل الخاصة.
تضاربت آراء سكان الفيدفيرس حول هذه المنظمة، نعم هي غير ربحية وتحمل أهدافًا "نبيلة"، لكنها متعاونة مع ميتا، هذا بجانب العديد من المواقع الأخرى مثل ماستودون وغيره. يثير التعاون مع ميتا الكثير من المخاوف خصوصا مع عدم علمنا ما هي نسبة تحكم ميتا في هذه المنظمة، اتجه البعض لبلو سكاي باعتبارهم هذه الخطوة مخيبة للآمال.
بلو سكاي
بلو سكاي منافس شرس لتويتر، ولد من رحم تويتر، ومؤخرًا لاقى رواجا شديدا في البرازيل بعد تعنت إيلون ماسك مع الحكومة مما أدى لحظر "إكس" تماما في البرازيل، ومن سخرية القدر أن يكون ماسك هو السبب مجددا في رواج منصة تواصل اجتماعي بديلة لتويتر ولامركزية. حصد بلو سكاي 5 ملايين مستخدم جديد في وقت قياسي، وهو رقم مهول عند الأخذ في الاعتبار أن مستخدمي بلو سكاي كانوا خمسة ملايين فقط قبل هذه الحادثة.
بدأ بلو سكاي في 2019 كفريق مستقل داخل تويتر يطور منصة لامركزية أو بروتوكول لامركزي جديد، وقد تلقت المنصة حينها دعمًا من تويتر بـ 13 مليون دولار، كان جاك دورسي لا يزال الرئيس التنفيذي لتويتر. لكن بعد ترك تولي إيلون ماسك زمام تويتر، توقف دعم المشروع، ليصبح بلوسكاي بعدها كيانًا مستقلًا ويطلقوا تطبيقهم الخاص بأجهزة IOS بنظام الدعوات في فبراير 2023، حصد التطبيق حوالي مليون مستخدم بحلول سبتمبر 2023، ومن ثم أصبح بلوسكاي متاحًا للعامة في فبراير هذا العام.
انتشر بلو سكاي بشكل هائل أول ما صدر، حتى أن دعوات بلو سكاي صارت تباع بمئات الدولارات!
بروتوكول AT المتبنى والمنشئ من بلو سكاي يوفر الكثير من التخصيصات لجعل تجربة بلو سكاي الأنسب لكل شخص، يمكن للمستخدم تخصيص المنشورات التي تظهر له كما يحب، الامر ليس فقط اختيار المواضيع والحسابات التي يود رؤيتها وانتهى الأمر، بل يتجاوز ذلك لتحديد محتوى المنشورات، يعمل ذلك عبر ميزة الخلاصات أو الـ Feeds، هي مشابهة لقوائم تويتر بحيث يظهر أكثر من تبويب في الصفحة الرئيسية، لكنها مختلفة جوهريًا عنها.
ميزة الخلاصات مرنة جدًا، فمثلًا يمكنك انشاء خلاصة بها منشورات مستخدمين محددين، وتمنع آخرين، يمكنك منع كلمات محددة أو جلب جميع المنشورات التي تحتوي كلمات محددة عبر أرجاء بلو سكاي، مثل هذه الخلاصة التي تجلب كل منشور به كلمة "Mathematics". وفوق ذلك تتيح لك الخلاصات بناء خوارزمية لترتيب ظهور المنشورات بدلا من الاعتماد على خوارزمية بلو سكاي نفسها.
يمكنك منع الصور أو الفيديوهات أو الإثنين معا من الظهور في الخلاصة، وكذلك تحديد اللغة، فمثلا هذه الخلاصة تعرض لك المنشورات باللغة العربية فقط، شخصيًا جعلتها هي الافتراضية عند فتح بلو سكاي.
حاليا عملية إنشاء خلاصة تحتاج خبرة تقنية إلى حد ما، لكن هناك أدوات مثل Bluesky Feed Generator و SkyFeed الذي يعمل أيضًا كـ Client لبلو سكاي ويسمح للمستخدمين بإنشاء خلاصتهم الخاصة بدون معرفة سابقة بالبرمجة.
يتميز بروتوكول AT أيضا بتنقل أفضل بين الخوادم، حيث يتم نقل كل شئ في حسابك بما فيه منشوراتك السابقة، ولكن حتى الآن لا توجد مواقع أخرى تستعمل الـ AT بروتوكول غير بلو سكاي، ويمكنك إنشاء خادمك الخاص لاستضافة حسابك في بلو سكاي.
المستقبل .. لمن؟
في الوقت الحالي، فقط بلو سكاي هي من تتبنى بروتوكول AT، وهو منطقي لكونه حديثًا نسبيًا، فقد ظهر ActivityPub في عام 2018 ولم ينتشر بشكل ملحوظ إلا مؤخرًا، أما AT فظهر منذ عامين فقط، لكن بلو سكاي ينتشر بسرع كبيرة، من جهة فهو مبسط أكثر من ماستدون بتعقيداته وخوادمه، مما يجعله أسهل للمستخدم العادي في الانضمام والتجربة لأول مرة.
من جهة أخرى يظهر ان البروتوكول الذي سينتشر هو أكتيفي باب مع الفيدفيرس، لكني أرى أن بروتوكول AT أفضل وتجربة بلوسكاي أفضل، رغم عدم وجود خوادم مختلفة مثلا كماستودون، وعدم وجود أي منصات أخرى تستخدم بروتوكول AT، يثير هذا بعض الشكوك لدى المستخدمين في مدى كون بلو سكاي هو البديل الأفضل.
أما بالنسبة للوضع الحالي، أكتيفي باب وAT كلاهما جيدان وكلاهما منافسان قويان، ولا أحد يعلم من البروتوكول الذي سيفوز في هذه المعركة، الأمر محير فعلا. ولذلك ظهرت أداة تسمى Bridgy Fed تعمل كالآتي، تقوم بمتابعة حساب Bridgy Fed على بلوسكاي وسيتم عمل نسخة من حسابك في ماستودون تلقائيًا، والعكس صحيح. نعم إنها تعمل لكن على كل من الطرفين القيام بهذه العملية بأنفسهم، وفي بعض الأحيان لا تعمل كما ينبغي مع بعض الخوادم.
هناك أيضا تطبيق للهواتف المحمولة يسمى Openvibe لتصفح بلو سكاي وماستدون والنشر في كلتا المنصتين في آن واحد، وسيضيف التطبيق قريبًا دعمًا لثريدز، ولا يزال التطبيق في بداياته، فلا توجد به خاصية الإشعارات حتى الآن.
على أي حال نحن لا زلنا في بدايات البداية لهذه المنصات اللامركزية والفيدفيرس وما إلى ذلك، ميتا استغرقت عقدين من الزمن للوصول لهذا النجاح، فهل سننتظر عقدين آخرين لنرى صعود المنصات اللامركزية؟ أم أن الحاجة ستقود لمزيد من التطوير السريع؟
هل تنوي استبدال فيسبوك وتويتر بمنصة لامركزية؟ هل عناء التحويل والحرية تستحق؟ أم أنك تفضل البقاء في مكان يقيدك لكن عليه جميع معارفك؟ شاركنا رأيك في التعليقات!
?xml>