دخلت جوجل رسميًا في شراكة تقنية جديدة مع شركة OpenAI، مطورة تطبيق ChatGPT، في خطوة تُعد توسعًا استراتيجيًا مهمًا من الجانبين في عالم الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي. وقد أعلنت أوبن أي آي أنها ستعتمد على منصة جوجل السحابية لتشغيل خدمتها الشهيرة تشات جي بي تي، بالإضافة إلى واجهات برمجة التطبيقات الخاصة بها، في عدد من الدول حول العالم، مما يمنح جوجل دفعة قوية في سباق خدمات الحوسبة المتقدمة.

اعتمدت OpenAI، منذ انطلاقتها التجارية، على مايكروسوفت كمزود حصري للبنية التحتية السحابية؛ إذ شكل هذا التعاون حجر الأساس لتوسع خدمات ChatGPT واعتمادها على خدمات Azure التابعة لمايكروسوفت. غير أن الطلب المتزايد، والتعطش العالمي إلى حلول الذكاء الاصطناعي المتقدمة، دفعا الشركة إلى إعادة النظر في نموذج الاعتماد الأحادي.

بنية جوجل السحابية في منافسة الكبار

لا يمكن التقليل من أهمية هذه الشراكة بالنسبة لجوجل. فبينما تهيمن أمازون ومايكروسوفت منذ سنوات على سوق الحوسبة السحابية، تسعى جوجل جاهدة لتوسيع حضورها في هذا القطاع الحيوي. ويُعد استقطاب عميل بحجم OpenAI خطوة نوعية تعزز من مكانة Google Cloud، خصوصًا في مجال الذكاء الاصطناعي.

تشمل الشراكة تشغيل خدمات ChatGPT وواجهاته البرمجية عبر مراكز بيانات تابعة لجوجل في كل من الولايات المتحدة، اليابان، هولندا، النرويج، والمملكة المتحدة. يُتيح هذا التوزيع الجغرافي لـ OpenAI تحسين سرعة الاستجابة وتقليل التأخير، خاصة في الأسواق التي تشهد إقبالًا كثيفًا على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

مايكروسوفت تحتفظ ببعض الامتيازات

ورغم هذا الانفتاح على مزودين جدد، إلا أن مايكروسوفت لا تزال تتمتع ببعض الامتيازات الحصرية في تعاملها مع OpenAI، خاصة فيما يتعلق بواجهات برمجة التطبيقات التي تُستخدم من قبل المطورين والشركات لدمج قدرات ChatGPT في خدماتهم الخاصة.

وفي يناير 2025، أعلنت مايكروسوفت أنها اتفقت مع OpenAI على نموذج جديد يمنحها حق رفض الأولى في حال طلبت الأخيرة موارد حوسبية إضافية، ما يعني أن العلاقة لم تنتهِ بالكامل، بل تطورت إلى شراكة أكثر مرونة وتوازنًا.

أزمة في الموارد الحوسبية

لم يكن توسيع الشراكات التقنية خيارًا استراتيجيًا فقط، بل استجابة مباشرة لأزمة فعلية واجهتها OpenAI خلال الأشهر الماضية. فمع تصاعد الاستخدام العالمي لـ ChatGPT، وازدياد عدد الشركات التي تعتمد عليه في عملياتها، ظهرت معضلة القدرة الحوسبية، خاصة فيما يتعلق بمعالجات الرسوميات المتطورة من Nvidia، التي تُعد ضرورية لتشغيل النماذج اللغوية الضخمة.

وفي أبريل الماضي، نشر سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ OpenAI، رسالة عبر منصة X قال فيها إن الشركة في حاجة عاجلة إلى كتل من وحدات المعالجة الرسومية تضم 100 ألف وحدة دفعة واحدة، مما يعكس حجم الضغط الذي تعانيه البنية التحتية للشركة.

صفقات سابقة تُمهد الطريق لجوجل

لم تكن الخطوة نحو جوجل مفاجئة تمامًا، بل جاءت نتيجة منطقية لسلسلة من التحركات التمهيدية التي اتخذتها OpenAI خلال العامين الماضيين بهدف تنويع مصادرها التقنية وتأمين احتياجاتها المتزايدة من القدرة الحوسبية.

ففي مارس 2025، أعلنت الشركة عن توقيع اتفاق طويل الأمد مع شركة CoreWeave، المتخصصة في تقديم خدمات الحوسبة المعتمدة على وحدات معالجة الرسوميات، في صفقة تبلغ قيمتها نحو 12 مليار دولار وتمتد لخمس سنوات كاملة. هذا الاتفاق جاء في وقت كانت OpenAI تواجه فيه ضغطًا متزايدًا على بنيتها التحتية نتيجة الإقبال الهائل على خدماتها، وعلى رأسها ChatGPT.

أما في عام 2024، فقد كشفت Oracle عن شراكة ثلاثية غير مسبوقة جمعتها مع Microsoft وOpenAI، وهدفت هذه الشراكة إلى توسيع نطاق منصة Azure التابعة لمايكروسوفت عبر دمجها بالبنية السحابية الخاصة بـ Oracle، ما أتاح لـ OpenAI الوصول إلى موارد حوسبية أوسع وأكثر تنوعًا.

توضح هذه التحركات أن OpenAI كانت تدرك منذ وقت مبكر أن الاعتماد على مزود واحد للبنية التحتية لم يعد كافيًا لتلبية طموحاتها، خاصة مع النمو السريع في استخدام نماذج اللغة والذكاء الاصطناعي التوليدي.

ومن هنا، يمكن فهم التعاون مع جوجل على أنه خطوة إضافية في استراتيجية متكاملة تهدف إلى توزيع الأحمال، وتخفيف المخاطر التقنية، وضمان استمرارية الخدمات على نطاق عالمي.

OpenAI تواصل التوسع

تُعد شراكة OpenAI مع جوجل مؤشرًا واضحًا على تغير سوق الحوسبة السحابية، الذي لم يعد مجرد ساحة تنافس على الخدمات، بل بات جزءًا أساسيًا من معركة السيطرة على مستقبل الذكاء الاصطناعي. وبينما تسعى الشركات الكبرى إلى التميز في هذا المضمار، تواصل OpenAI توسيع شبكتها التقنية لضمان استقرار خدماتها واستمرار تطورها.

يُظهر المشهد الراهن أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكرًا على مختبرات البحث والتطوير، بل تحول إلى عامل ضغط اقتصادي واستراتيجي يُعيد تشكيل التحالفات التكنولوجية بين الشركات العملاقة.