في 3 مارس 2024؛ عقد المرشح الرئاسي الجمهوري في الانتخابات الأمريكية، دونالد ترامب، اجتماعًا يضم مجموعة من المانحين المحتملين الأثرياء من الحزب الجمهوري لدعم الحملة الانتخابية القادمة في نوفمبر 2024. وشملت المجموعة الرئيس التنفيذي لـSpace X وTesla، إيلون ماسك، لم يتضح حينها إن كان ماسك سيقدم دعمًا للحملة الانتخابية لترامب؛ لكن سعى ماسك لتصوير نفسه على أنه مستقل سياسيًا؛ إذ قسم التبرعات بشكل عادل تقريبًا بين الديمقراطيين والجمهوريين لوقتٍ طويل.

لم يكن ذلك الاحتكاك الأول بين ماسك وترامب؛ إذ جمعتهم علاقة متغيرة على مدار السنوات. من جهة؛ أعرب ماسك عن تأييده لبعض السياسات التي انتهجتها إدارة ترامب، خاصةً فيما يتعلق بدعم البحث والتطوير في مجالات التكنولوجيا والفضاء. ومن جهة أخرى؛ انتقد ماسك ترامب ومواقفه حيال قضايا أخرى بارزة مثل تغير المناخ وقوانين الهجرة واللجوء. بالتالي؛ يمكن وصف العلاقة بينهما بأنها متقلبة؛ إذ تتراوح بين التأييد والانتقاد تبعًا للقضايا المطروحة.

وفي مقابلة مع ماسك بتاريخ 18 مارس 2024؛ قال إيلون ماسك إن اجتماعه مع دونالد ترامب في فلوريدا في 3 مارس لم يكن مخططًا له، وأن المرشح الجمهوري المفترض للرئاسة لم يطلب من ماسك المساهمة في حملته. وقال ماسك إنه لم يذهب إلى فلوريدا بهدف لقاء ترامب، بل كان ماسك يقيم في منزل صديق عندما سئل عما إذا كان من الممكن أن يمر ترامب لتناول الإفطار.

وقد أثار الاجتماع الذي أبُلغ عنه سابقًا تكهنات بأن ماسك، أغنى رجل في العالم وناقد صريح للرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، قد يدعم ترامب ماليًا أو يؤيده. ويواجه المرشح الرئاسي والرئيس السابق للولايات المتحدة تعثرًا في تمويل حملته الانتخابية؛ إذ بدأ ترامب في شهر فبراير وفي يده 30.4 مليون دولار، مقارنةً بـ 130 مليون دولار للرئيس بايدن، وفقًا لتقارير فدرالية. وتقدر ثروة ماسك وفقًا لفوربس بـ209 مليار دولار؛ ما يؤهله لقلب الموازين بشكلٍ فردي تمامًا.

وفي خطوة مُفاجئة أمس؛ نقلاً عن أشخاص على دراية بالمحادثات يفكر دونالد ترامب في الاستعانة بالملياردير إيلون ماسك كمستشار سياسي إذا استعاد المرشح الجمهوري للرئاسة البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر.

الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي - دونالد ترامب

رجُل التقنية أم رجُل السياسة

ناقش دونالد ترامب وإيلون ماسك، سُبلًا لإدخال ماسك في السياسات الاقتصادية وأمن الحدود بشكلٍ رسمي ومؤثر، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال. وقالت الصحيفة أن ماسك أبلغ ترامب عن حملته المستمرة للتأثير بهدف إقناع قادة الأعمال الأمريكيين القويين "بعدم دعم" الرئيس الديمقراطي جو بايدن، الذي هزم ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2020 ويسعى لولاية ثانية.

وأضافت الصحيفة أن هذه المحادثات، والتي شملت المستثمر ورجل الأعمال الشهير الملياردير نيلسون بيلتز، تضمنت أيضًا مناقشات حول تمويل "مشروع قائم على البيانات لمنع التزوير الانتخابي"، دون معرفة مزيد من التفاصيل. ولم يرد ممثلون عن ترامب وماسك على الفور لطلبات التعليق. ولم يرد ممثلون عن حملة بايدن على الفور أيضًا. وصرح المتحدث باسم حملة ترامب، برايان هيوز، لصحيفة وول ستريت جورنال أن الرئيس ترامب سيكون الشخص الوحيد الذي يقرر الدور الذي يلعبه أي فرد في حكومته أو إدارته الرئاسية.

"لتكون الأمور واضحة للغاية، أنا لا أتبرع بالمال لأي من المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة"، كتب ماسك على منصته للتواصل الاجتماعي إكس
وعندما سُئل في مقابلة 18 مارس عن ذلك قال؛ سأعبر عن رأيي أعتقد أنني لا أريد أن أؤثر ماليًا بشكل كبير.

وفي مارس؛ بعد اجتماع مع ترامب في فلوريدا، قال ماسك، أحد أثرياء العالم، إنه لن يتبرع بأموال لترامب أو بايدن. بدلًا من ذلك، يهدف إلى "الاستفادة من نفوذه لحشد الدعم من حلفاء مؤثرين للمساهمة في هزيمة بايدن"، بحسب ما نقلته الصحيفة، نقلًا عن شخص على دراية بتفكيره.

وأصبح التشابه في الخطاب بين إيلون ماسك ودونالد ترامب متجاوزًا مجرد الاستياء المشترك من سياسات الرئيس جو بايدن والأفكار اليسارية المتطرفة؛ وهو ما أشار إليه ماسك في عام 2022 عندما صوت للجمهوريين لأول مرة. وقال ماسك، دون أدلة، أن بايدن يسمح بعبور المهاجرين عبر الحدود الأمريكية المكسيكية عمدًا. كما أنه أيد تعليقات معادية للسامية على منصة إكس، على الرغم من نفي ماسك لكونه معاديًا للسامية. بينما انتقد ماسك بشكل علني سياسات بايدن فيما يتعلق بالهجرة والمركبات الكهربائية والرسوم الجمركية.

عندما سُئل ماسك العام الماضي عما إذا كان يصبح أكثر سياسية، قال ماسك في بودكاست "ليكس فريدمان": "أعتقد أنه إذا كنت تعتبر مكافحة فيروس العقل المستيقظ (Woke)، الذي أعتبره تهديدًا حضاريًا، أمرًا سياسيًا، إذًا نعم".

يقصد ماسك هنا بكلمة "العقل المستقيظ" مبدأ الـ Wokeness، وهو مجموعة من المفاهيم التي تتماشى مع الصوابية السياسية التي تدعمها الأجندات اليسارية؛ فيما يتضمن دعم المثلية، والأقليات من الأعراق المختلفة، وامتياز البيض بشكلٍ متطرف قد يؤدي إلى موجة جديدة من العنصرية كما يرى ماسك. وأصبح المصطلح تحقيرًا ساخرًا بين العديد من اليمين السياسي وبعض المعتدلين في الدول الغربية.

يمتلك إيلون ماسك ثلاثة مكونات أساسية تمنحه قوة سياسية لا مثيل لها بين الرؤساء التنفيذيين: السيطرة على منصة ضخمة للتواصل الاجتماعي، وثروة شخصية مذهلة، والآن أذن صاغية ومفتوحة من الرئيس السابق ترامب؛ ما يجعل ماسك بلا شك أهم لاعب تجاري في السياسة الأمريكية الحديثة. ويمتلك القدرة على التأثير على الناخبين أو تنفيرهم، وهو مستعد للفوز أو الخسارة بشكلٍ كبير نظرًا للعلاقات العميقة لشركاته مع الحكومة. وذلك يعني أن تلك العلاقات مع الحكومة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مصير شركاته، سواء بالسماح لها بالنمو والتوسع بمزيد من الدعم والتسهيلات، أو بإحداث عراقيل وتقييدات قد تؤدي إلى خسائر مالية.