التقنية جمهورية أم ديمقراطية | كيف ستحدد الانتخابات ملامح مستقبلها
في عالم متعدد الألوان، نجد أنفسنا محاطين بمن يرون الحياة بعدسات ثنائية اللون فقط. تثير هذه النظرة المحدودة في داخلي صراعًا، إذ أرى الوجود بعين أكثر شمولية؛ كلوحة رمادية واسعة تحتضن البشرية جمعاء بمليارات التدرجات. فنحن لسنا ملائكة خالصة ولا شياطين محضة، بل مزيج فريد من الخير والشر، وهذا ما يجعلنا بشرًا.
قد يهمك أيضًا:
- الديمقراطية الرقمية | التقنية تحكم المشهد السياسي الأمريكي!
- البيتكوين يصبح أحد رعاة الحملة الانتخابية لترامب بملايين التبرعات!
هذه الثنائية تتجلى في عالم السياسة والاقتصاد؛ إذ تتصارع الرأسمالية والاشتراكية كقطبين متناقضين. لكن الحقيقة أن كلا النظامين، بمفرده، قاصر عن تحقيق التوازن المنشود. فالرأسمالية، بقوتها الاستثمارية، ضرورية لبناء اقتصاد متين، بينما الاشتراكية ترغب في توفير الحقوق الأساسية للإنسان وكذلك المساواة بين البشر.
بغض النظر عن فشل الاشتراكية في إقامة أي اقتصاد! فحتى الصين مزجت الرأسمالية في نظامها
لن يطيق أي إنسان أن يعيش في مجتمع رأسمالي بحت؛ لأنه لن يصبح إنسانًا حرًا بل أشبه بالعبد، فلن تهتم الرأسمالية بإعطائك حقك وتأميناتك وأجازاتك المرضية! لذا؛ الحل الأمثل يكمن في التوفيق بينهما، مع مرونة في ترجيح الكفة حسب احتياجات كل مجتمع.
وبنفس الطريقة التي تتصارع فيها الرأسمالية والاشتراكية في محاولة لتحقيق التوازن الاقتصادي، نجد في السياسة الأمريكية تنافسًا مشابهًا بين اليمين واليسار، ممثلين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي كأنهما الأبيض والأسود في لوحة سياسية. لكن هذا التبسيط يخفي حقيقة أن كلا الجانبين يحمل مزيجًا من الأفكار والقيم، وفي تلك الحالة هما لا يمثلان مفهومي الخير والشر؛ بل التضاد. هذه الثنائية السياسية دفعتني للتساؤل عن تأثير كل حزب على القطاع التقني الذي يشكل محورًا مهمًا في عالمنا اليوم.
عندما أشرع في كتابة أي مقال، أبحث كثيرًا حتى يمل البحث مني؛ إذ تتدفق الأفكار كأمواج لا تنتهي. وفي خضم هذا العصف الذهني؛ برز سؤال: تُرى على مدار حكم 46 رئيسًا للولايات المتحدة، هل كان الرؤساء الأفضل من الحزب الديمقراطي أم الحزب الجمهوري؟ لأن القيادة الرشيدة غالبًا ما تنعكس إيجابًا على الاقتصاد، جاءت الإجابة بتقارب ملحوظ بين الحزبين وفقًا للعديد من استطلاعات الرأي.
في مقالنا اليوم، نستكشف قضية محورية في عالم السياسة والتكنولوجيا: أي من الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة يقدم رؤية أفضل للقطاع التقني؟ سنتناول هذا السؤال من خلال تحليل مواقف وسياسات ثلاثة من أبرز الشخصيات السياسية: كامالا هاريس، وجو بايدن، ودونالد ترامب.
قد يتساءل البعض عن أهمية هذا الموضوع، الحقيقة أن التكنولوجيا لم تعد مجرد قطاع اقتصادي، بل أصبحت عنصرًا جوهريًا في النسيج السياسي والاستراتيجي للدول. ففي عصرنا الحالي، تشكل الصناعة التقنية ركيزة أساسية للأمن القومي، وباتت محورًا للصراعات الدولية، كما نشهد في الحرب التكنولوجية المحتدمة بين القوتين العظيمتين: الولايات المتحدة والصين.
يجعل هذا التشابك بين التكنولوجيا والسياسة من فهم رؤية كل حزب وموقفه من القضايا التقنية أمرًا بالغ الأهمية، ليس فقط لمستقبل الصناعة بل لمستقبل العالم بأسره، نظرًا لتمركز التكنولوجيا بشكل كبير في الولايات المتحدة.
أهمية التكنولوجيا في السياسة والاقتصاد الحديث
يبقى المقياس اقتصاديًا!
تعود أهمية التكنولوجيا بالنسبة للاقتصاد لعقود مضت، فمنذ زمن بعيد، بدأت سفن الشحن العملاقة والطائرات في تغيير وجه التجارة العالمية؛ ما جعل سلاسل التوريد العالمية أكثر كفاءة وسهولة. أدى هذا التطور إلى توسع التجارة الدولية بشكلٍ كبير، مغيرًا ملامح الاقتصاد العالمي. ومع تطور التكنولوجيا الرقمية، ظهرت التجارة الإلكترونية والتسوق عبر الإنترنت، لتصبح موازية للتجارة التقليدية في مقدار الأهمية. لم يقتصر ظهور التجارة الإلكترونية على تغيير سلوك المستهلكين وأنماط الشراء فحسب، بل خلق أيضًا مفاهيم ووظائف جديدة، موسعًا آفاق الاقتصاد ليشمل جانبه الرقمي الجديد.
وبالنسبة للمجال الصناعي والخدمي، فقد أدت أتمتة العمليات إلى تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل التكاليف بشكل ملحوظ. هذا التطور كان له وجهان: فمن ناحية، أدى إلى اختفاء بعض الوظائف التقليدية، ومن ناحية أخرى، خلق وظائف جديدة تتطلب مهارات مختلفة، مغيرًا بذلك هيكل سوق العمل. فعل سبيل المثال، قريبًا سنشهد العديد من المصانع التي تعتمد على الروبوتات بالكامل.
عند النظر إلى مسار التطور التكنولوجي نظرةً متفصحة ومتأملة، نجد أن دورة الابتكار أصبحت لا تتوقف؛ إذ غالبًا ما يكون حل التحديات الناتجة عن تقنية معينة هو ابتكار تقنية جديدة! فعلى سبيل المثال الرقاقات الإلكترونية؛ إذ كانت تحتوي على عدد قليل من الترانزستورات؛ مما جعل الحواسيب غيرعملية للاستخدام الواسع، كما أنها كانت بطيئة أيضًا.
فالحل هو في تقنيات جديدة لتصغير حجم الترانزوستورات وبالتالي حجم المساحة التي تشغلها، الذي خلق فرصًا لوجود الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية الآن. فما بدأ حلًا للمساحة الضخمة للحواسيب وبطئها تبعه تحولًا جديدًا في الاقتصاد! وبعض التقنيات، مثل الإنترنت، تبدأ بتأثيرات محدودة ثم تتطور لتحدث ثورة شاملة في الاقتصاد والمجتمع. فالإنترنت، الذي بدأ كوسيلة بسيطة لتبادل البيانات الحكومية، تحول ليصبح العمود الفقري للاقتصاد الرقمي العالمي، مغيرًا جذريًا طرق تواصلنا وعملنا وممارستنا للتجارة.
هذه الدورة المستمرة من حل المشاكل وخلق تحديات جديدة هي محرك أساسي للابتكار والنمو الاقتصادي. كل حل تقني يفتح الباب لإمكانيات جديدة، وهذه الإمكانيات بدورها تخلق تحديات جديدة تتطلب حلولًا مبتكرة. وفي نهاية المطاف، تصب هذه العملية في تعزيز الاقتصاد وتطويره، ومع تطور الذكاء الاصطناعي ومحركات البحث، شهدنا تغييرات جذرية في كيفية الوصول إلى المعلومات واستخدامها. أثرت هذه التطورات بشكل كبير على الاقتصاد والأعمال، وفتحت آفاقًا جديدة للابتكار والإنتاجية، وغيرت طبيعة المنافسة في الأسواق العالمية.
من الجدير بالملاحظة أن الشركات الأعلى قيمة في العالم اليوم هي شركات تقنية؛ إذ تتصدر شركات مثل آبل وميكروسوفت وإنفيديا وألفابيت وأمازون القائمة، بقيم سوقية تقدر بتريليونات الدولارات، متجاوزةً اقصاديات العديد من الدول. ومن اللافت للنظر أن جميع هذه الشركات العملاقة تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها، ما يشير إلى تركز القوة التكنولوجية والاقتصادية في هذا البلد كما أشرنا سابقًا.
ستظل التكنولوجيا الجديدة السبب الرئيسي للتغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. إنها ليست تأثيرًا موحدًا، لكنها تأثير سائد.
وما السياسة دون اقتصاد؟
لنتأمل معًا نشأة الحضارات الإنسانية الأولى، بدأت عندما استقرت مجموعات بشرية في مناطق غنية بمقومات الحياة، فشرعوا في الزراعة والرعي وبناء المساكن. مع نمو هذه المجتمعات، برزت الحاجة إلى التنظيم، فتشكلت الحكومات وظهرت الممالك. هذا التطور كان ضروريًا لإدارة الموارد وحماية الإنتاج، مما تطلب هيكلًا سياسيًا منظمًا لضمان استمرارية المجتمع وازدهاره.
لكي ينجح هذا النظام السياسي، كان لابد من وجود اقتصاد قوي ومزدهر يدعمه. وهنا تبرز العلاقة الوثيقة بين السياسة والاقتصاد. لا يمكن أبدًا اختزال السياسة في الاقتصاد، لكن أيضًا أستطيع قولها صراحة: ما فائدة السياسة دون الاقتصاد؟ الإجابة هي أن الاقتصاد هو ما يجعل للدول ثقلًا سياسيًا مهمًا جدًا؛ فالعالم بأكلمه يهاب الدول ذات الاقتصاد الضخم والمنتعش.
في عالمنا المعاصر، نرى أن الدول ذات الاقتصادات الضخمة تمتلك القدرة على اتخاذ قرارات مؤثرة على المستوى الدولي، ولا يمكن تجاهل مصالحها أو تجاوزها. وعلى رأس هذه الدول تأتي الولايات المتحدة والصين، اللتان تمثلان قطبي الاقتصاد العالمي وتتنافسان على النفوذ العالمي.
هاتان القوتان الاقتصاديتان العظيمتان تتمتعان بوزن سياسي هائل يمكّنهما من التأثير على مصائر دول أخرى بأقل تدخل. وهذا يؤكد أن القوة الاقتصادية هي المحرك الرئيسي وراء الأهمية السياسية والنفوذ العالمي للدول في عصرنا الحالي. تتضح العلاقة التاريخية بين السياسة والاقتصاد، ونستطيع الآن التحدث على الدور الحاسم الذي تلعبه التكنولوجيا في هذا السياق الحديث.
صناعة التكنولوجيا: الورقة التي لا تحترق في لعبة القوى العالمية
تأمل معي للحظات في عدد الأجهزة والخدمات والوسائل التقنية التي تستخدمها يوميًا؛ إذ أصبحت التقنية في عصرنا الحالي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. لكن دور التكنولوجيا لم يعد مقتصرًا على تسهيل حياتنا فحسب، بل تطور ليصبح أداة قوية في يد الدول، تتفوق في تأثيرها الأسلحة التقليدية؛ إذ لم تعد الدول بحاجة إليها للفتك بالأعداء وتدميرهم.
أصبحت التقنية الآن سلاحًا استراتيجيًا في الصراعات الدولية، فبدلاً من الحروب التقليدية، يمكن للدول أن تشن هجمات سيبرانية لسرقة المعلومات أو تعطيل البنية التحتية لخصومها. وقد شهدنا مثالاً على مدى هشاشة أنظمتنا التكنولوجية في أغسطس 2024، عندما تسبب تحديث خاطئ من شركة Crowdstrike في تعطيل أنظمة حول العالم؛ مما يوضح الدمار المحتمل الذي قد ينجم عن بضعة أسطر من الكود!
في الوقت الحالي، نشهد ما يُعرف بـ «حرب الشرائح» بين الولايات المتحدة والصين، وهي صراع تكنولوجي يعتبر من أهم المواجهات في العصر الحديث على الإطلاق. تتمحور هذه الحرب حول السيطرة على صناعة أشباه الموصلات، التي أصبحت أداة للضغط والنفوذ الجيوسياسي. بالإضافة إلى ذلك، تلعب التكنولوجيا دورًا متزايدًا في تطوير الأسلحة وتكتيكات الحرب الحديثة. نرى أمثلة على ذلك في استخدام الاحتلال للتقنيات المتقدمة في حربها على غزة، مثل مشروع «لافندر»، وكذلك في الحوادث المأساوية الاخيرة في لبنان، عندما فجر الكيان الصهيوني أجهزة النداء الآلي وأجهزة الاتصال اللاسلكي عن بُعد.
أصبحت التكنولوجيا الآن أكثر من مجرد أدوات للاستخدام اليومي؛ إنها سلاح ودرع في آن واحد. وعلى الدول الاستثمار فيها ليس فقط لأغراض الدفاع أو الهجوم، بل أيضًا لأنها مصدر اقتصادي هائل. في هذا العالم الجديد، أصبح امتلاك القدرات التكنولوجية المتقدمة ضرورة استراتيجية للدول، سواء للحماية أو للتنافس الاقتصادي والعسكري. فالتقنية لم تعد مجرد وسيلة لتحسين الحياة، بل أصبحت عاملاً حاسمًا في تشكيل مستقبل الأمم وموازين القوى العالمية.
لذلك نرى أن القوى الاقتصادية العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، تعتمد بشكل جوهري على الصناعات التكنولوجية كمحرك رئيسي لنموها وهيمنتها العالمية.
جمهوري أم ديمقراطي؟
التنظيم والرقابة: لأي مدى يجب أن تتدخل الحكومة؟
تاريخيًا، يميل الجمهوريون إلى تقليل التدخل الحكومي في البيئة التنظيمية سعيًا لتشجيع الابتكار والنمو، ما قد يؤدي إلى بيئة خصبة للاحتكار. في الوقت الحالي، تستحوذ عدة شركات تقنية على المشهد، وتعمل على الحد من المنافسة قدر الإمكان. فحجمها الهائل واستحواذها على نسبة كبيرة من السوق يعمل على تقليل فرص الشركات الناشئة، بالإضافة إلى عمليات الاستحواذ المتكررة، خاصةً الضخمة منها.
منذ عام 2021، اتخذ منصب مفوض لجنة التجارة الفيدرالية للولايات المتحدة، لينا خان-Lina Khan، للمفوض صلاحيات في مكافحة الاحتكار وحماية المستهلك من أي ممارسات غير عادلة والتنظيم والإشراف على عمليات الاندماج أو الاستحواذ للحفاظ على المنافسة العادلة. منذ اتخاذ خان لذلك المنصب، وهي تعاني من حيتان السوق التقني الأمريكي في إتمام أي صفقة استحواذ؛ إذ أحبطت العديد من الصفقات الكبيرة مثل محاولة ألفابيت للاستحواذ على Wiz التابعة للاحتلال.
آخر صفقة كبيرة لألفابيت كانت شراء شركة الأمن السيبراني Mandiant مقابل 5.4 مليار دولار في عام 2022. وأغلقت ميكروسوفت صفقتها الضخمة بقيمة 69 مليار دولار لشراء Activision في أكتوبر، لكنها استغرقت 20 شهرًا ونزاعًا مطولًا مع المنظمين في الولايات المتحدة وأوروبا.
لذا، فخان مثالية لميول الديمقراطيين؛ إذ يشجعون على تنظيمات أكثر صرامة للشركات التقنية للحماية من الاحتكار، والحفاظ على منافسة عادلة. وفي الواقع، الإجراءات الصارمة لخان هي في مصلحة المستهلك النهائي؛ إذ كلما كبر الحوت كلما تمكن من السيطرة على السوق، بالتالي ارتفاع لأسعار الخدمات والسلع المقدمة للمستهلك. ومع فوز كامالا هاريس، فبقاء خان في منصبها احتمال قويًا جدًا.
والغريب في الأمر أن السيناتور جي دي فانس-JD Vance، نائب دونالد ترامب في الانتخابات على بطاقة الحزب الجمهوري، حيث أشاد بالقواعد الصارمة التي فرضتها خان على عمليات الاندماج. وقال في مقابلة مع CNBC: إنه يجب أن يكون هناك حل لمكافحة الاحتكار لبعض سلوكيات منصات التكنولوجيا الكبرى.
لكن تختلف تمامًا رؤية المُرشحين لتنظيم الاحتكار؛ إذ يسعى الديمقراطيون إلى بيئة صارمة لصالح المستهلك، لكن يحمل الجمهوريون ضغينة تجاه بعض الشركات التقنية الكبيرة، وطالما توعد بمحاسبتهم بسبب تدخلهم وتلاعبهم في نتائج الانتخابات الأمريكية منذ فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية السابقة. كما منع ترامب بعض الصفقات بصفته رئيسًا لأسباب تتعلق بالأمن القومي، بناءً على توصيات من لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة.
فمن جانب البيئة التنظيمية؛ يمكن أن نشهد تمييزًا بين الشركات نظرًا لأن دونالد ترامب يميل لشخصنة الأمور، بينما فوز كامالا يعني استمرار الأمر على ما هو عليه.
الذكاء الاصطناعي وخصوصية البيانات – مع أي جانب ستكون بياناتك آمنه؟
في الواقع، لن تكون بياناتك آمنة مع أي جانب، سواء الجمهوري أو الديمقراطي؛ إذ مرارًا وتكرارًا استخدمت شركات التقنية العملاقة بياناتنا في شتى الاستخدامات تحت بند سياسات الاستخدام والخصوصية، التي نوافق عليها دون قرائتها نظرًا لتكوينها الضخم واللغة المعقدة المستخدمة في الصياغة.
لكن الفارق هو أن الديمقراطيون لديهم إيمان راسخ بأهمية الخصوصية. فعلي سبيل المثال، بدأت ثورة الذكاء الاصطناعي في فترة حكم جو بايدن، حيث لم تتمكن الشركات المُصنعة من تطوير نماذجها بسهولة. فقد تعرضت للعديد من الدعاوى القضائية بسبب حقوق النشر والتوزيع، بالإضافة إلى التكاليف الباهظة التي تدفعها تلك الشركات للحصول على موافقة لتدريب نماذجها على مواد جهة معينة.
ومع ثورة الذكاء الاصطناعي التي أصبحت سباقًا عالميًا لا تنقطع الأنفاس في ملاحقته، أصبحت تلك القضية محل نقاش في السباق الرئاسي. في أكتوبر 2023، بعد عام حافل بنجاح ثوري لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصدر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أمرًا تنفيذيًا «لذكاء اصطناعي آمن ومحمي وموثوق». يهدف الأمر التنفيذي إلى ضمان أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم لصالح المجتمع، مع حماية حقوق الأفراد و«أمن البيانات». ونص على أهمية الجهات المعنية بالصناعة اتخاذ التدابير اللازمة لتقليل المخاطر الأمنية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مثل القرصنة أو إساءة الاستخدام.
يتضمن الأمر التنفيذي الحفاظ على الخصوصية؛ بهدف حماية المعلومات الشخصية للأفراد ومنع التلاعب بها من قِبل نماذج الذكاء الاصطناعي. كما يجب على الشركات أن تكون واضحة ومفهومة في العمليات التي تنفذها، بالإضافة إلى توفير آليات مساءلة لضمان الاستخدام العادل والمسؤول.
ويشجع الأمر التنفيذي على تشجيع تطوير التكنولوجيا بوعي ومسئولية أيضًا، مع دعم البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي بهدف تحسين قدرات الولايات المتحدة في تلك الصناعة. من جانبها أشارت هاريس إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية العامة والديمقراطية من المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي، معلنة عن سلسلة من المبادرات لمعالجة المخاوف المتعلقة بأمان هذه التقنية خلال خطابها في القمة العالمية لسلامة الذكاء الاصطناعي في لندن.
صدور ذلك الأمر التنفيذي وتصريحات كامالا هاريس يشيران إلى أنها ستسير على نفس نهج بايدن فيما يتعلق بسلامة الذكاء الاصطناعي وأمن البيانات والخصوصية.
وكما كان متوقعًا، عارض المرشح الجمهوري دونالد ترامب الأمر التنفيذي بشدة؛ مُصرحًا بإلغائه فور توليه مقاليد الحكم حال فوزه في الانتخابات. وذلك لأن الجمهوريين يرون أن هذه القوانين تُعيق من عجلة التقدم والتطور في مجالات الذكاء الاصطناعي، كما يستبعد الجمهوريون وجود أي أخطار جسيمة من هذه التقنيات، مُعللين أنها مُبالغات يسارية تمامًا مثل موقفهم في قضية المناخ.
يسعى الجمهوريون، وعلى رأسهم ترامب، إلى جعل الولايات المتحدة الدولة الأولى عالميًا في مجالات الذكاء الاصطناعي، خاصةً مع النمو السريع للصين في هذه التقنيات. فالصين بالنسبة للجمهوريين تنتهج نهجًا مثاليًا في سرعة تطوير الذكاء الاصطناعي دون النظر إلى أي قيود أو تهديدات أمنية على المدى الطويل. وما يزيد الطين بلة هو اهتمام الجمهوريين بسلسلة جديدة من مشاريع «مانهاتن»، وهي مشاريع تهدف إلى تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي عسكرية لرفع قدرات الجيش الأمريكي، على غرار مشروع مانهاتن الشهير الذي استهدف صناعة القنابل الذرية خلال أربعينيات القرن الماضي.
وبالنسبة لخصوصية البيانات، تطغى روح رائد الأعمال على قرارات ترامب في هذا الشأن. ونتذكر هنا قراره عندما كان رئيسًا في عام 2017 بإلغاء القانون التنظيمي الذي أصدرته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما بشأن خصوصية البيانات على الإنترنت. هذا القرار كان يُلزم الشركات المُزودة لخدمة الإنترنت بالحصول على موافقة مُسبقة من المستخدمين قبل مشاركة أو بيع بياناتهم الخاصة إلى الشركات التقنية المختلفة، مثل جوجل وميتا وغيرها من الشركات التي هيمنت على المشهد التقني بفضل قاعدة البيانات الضخمة التي تُميزها عن غيرها.
تُظهر لنا هذه الواقعة مُلخصًا للصراع الجمهوري الديمقراطي حول خصوصية البيانات، فبينما يحاول الرئيس أوباما الديمقراطي حماية بيانات المواطنين الأمريكيين على الإنترنت، يرفض ترامب على الجهة الأخرى هذا القرار؛ إذ يرى أهمية استغلال هذه البيانات على دفع عجلة التطور والتقدم في التقنيات المختلفة، كالذكاء الاصطناعي على سبيل المثال. باختصار، دائمًا ما يُقيم الجمهوريون هذه القضايا من منظور اقتصادي عملي بحت، دون النظر إلى الجانب الأخلاقي.
التقنيات الخضراء - الصراع الأزلي بين الديمقراطيين والجمهوريين
تُعد الصناعات المستدامة الصديقة للبيئة ضمن أبرز القضايا الجدلية بين الديمقراطيين والجمهوريين. حيث يؤمن الديمقراطيون بضرورة تطوير هذه الصناعات بغرض الحفاظ على البيئة؛ إذ يُدركون جيدًا حجم التهديدات الجسيمة التي قد تنذر بفناء الجنس البشري بأكمله، إذا لم يتخذ قادة العالم إجراءات عاجلة لوقف أزمة المناخ.
وكان إيلون ماسك-Elon Musk في الماضي ضمن أبرز الشخصيات العامة التي خاطبت أزمة المناخ والتدهور البيئي، حتى أنه يُدير واحدة من أكبر الشركات العالمية في مجال السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة، شركة تسلا. كما يؤكد ماسك دائمًا على ضرورة استعمار كواكب المجموعة الشمسية؛ استعدادًا لانتهاء قدرة الأرض على استضافة الحياة. ولكن الغريب هنا أن ماسك أصبح أقوى داعمي المرشح الجمهوري دونالد ترامب! ليس ذلك فحسب، بل إنه أيضًا يتعرض للعديد من الاتهامات بالمساهمة في زيادة الانبعاثات الكربونية بفعل أبحاث شركاته في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك بسبب كميات الطاقة الهائلة التي تستهلكها مراكز البيانات.
يرى الجمهوريون كالعادة أن أزمة المناخ ما هي إلا محض مبالغات يسارية يُروج لها الديمقراطيون ضمن أجنداتهم الخاصة. كما يهاجمون السيارات -خاصًا- نظرًا لتهديدها لمستقبل صناعة السيارات التقليدية بالولايات المتحدة؛ إذ تعد هذه الصناعة ضمن المجالات العريقة التي تفوقت فيها الشركات الأمريكية عالميًا. ولكن تغير هذا الوضع مع ترامب هذه الأيام؛ فقد أصبح فجأةً من الداعمين للسيارات الكهربائية بعد تحالفه القوي مع إيلون ماسك، مؤسس شركة تسلا. ولذا نؤكد مرةً أخرى أن الجمهوريين ينظرون إلى هذه القضايا بشكل عملي بحت.
حاولت إدارة ترامب أيضًا محاربة المشاريع المختصة بتقنيات الطاقة النظيفة منذ عام 2018، إذ أراد ترامب خفض تمويل أبحاث الطاقة المتجددة بوزارة الطاقة الأمريكية بنحو 72% تقريبًا. والآن، يُهدد ترامب وحلفاؤه بتفكيك وكالة حماية البيئة (EPA) حال فوزه بالانتخابات، بعدما وعد مؤيديه بقرارات حاسمة بشأن برامج حماية البيئة والطاقة النظيفة، التي يرى الجمهوريون أنها تستنزف أموال الدولة دون فائدة.
ونذكر أيضًا انسحاب الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب في عام 2017 من اتفاقية باريس التي تهدف إلى التخفيف من آثار التغير المناخي، التي وافق الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما على المشاركة بها منذ عام 2015. وعلل ترامب انسحابه من الاتفاقية أنها تُكبد الولايات المتحدة مبالغ طائلة دون أي نتائج عملية أو ملموسة من الناحية الاقتصادية.
في النهاية، قد تتفاقم أزمة المناخ إذا فاز ترامب في الانتخابات القادمة. خاصةً، إنه يسعى إلى دفع التطوير السريع في الذكاء الاصطناعي الذي يستهلك كميات كبيرة من الطاقة غير النظيفة، ناهيك عن تحجيم وتقييد البرامج البيئية التي تهدف إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة.
الهجرة وآثارها على الشركات التقنية
أخيرًا، تأتي قضية الهجرة الأجنبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ضمن أهم القضايا الجدلية التي يختلف عليها الديمقراطيون والجمهوريون؛ إذ يرى الجمهوريون أن هذه القضية تُهدد الأمن القومي الأمريكي على المدى الطويل، خاصةً هجرة العرب والمسلمين. وعمومًا، يختلف الجمهوريون عن الديمقراطيين في قوميتهم المتطرفة التي جعلت الديمقراطيون دائمون ما يتهمنونهم بالعنصرية.
ولكن كيف تؤثر هذه الرؤية الجمهورية على مستقبل التقنية؟ يعتمد القطاع التقني بشكل واسع على الخبرات الأجنبية، بل إن الثورة التقنية والصناعية الأمريكية نابعة في الأساس من استقدامها للخبرات النادرة عالميًا لتوطينها والاستفادة منها في بناء الحضارة التقنية. ولذا استفاد كثيرًا القطاع التقني الأمريكي ووادي السيلكون من المواهب الهندية في المجالات التقنية والبرمجيات.
في ديسمبر 2022، ذكرت وزيرة التجارة جينا رايموندو-Gina Raimondo، في خطبة لها بمعهد ماساتشوستس للتقنية (MIT)، أن أبرز نقاط القوة في القطاع التقني الأمريكي تكمن في قدرته على جذب أفضل الخبرات والمواهب العالمية والحفاظ عليها. ويعكس ذلك التصريح رؤية إدارة بايدن والديمقراطيين عمومًا فيما يخص بالهجرة؛ إذ يرى الديمقراطيون أن المواهب الأجنبية التي ساهمت في تشكيل التفوق الأمريكي بالمجالات المختلفة جزءًا محوريًا من التجربة الاجتماعية الفريدة للولايات المتحدة.
والآن، يُهدد ترامب باستمرار بفرض القيود الصارمة على قوانين وتشريعات الهجرة إلى الولايات المتحدة، ولكن الغريب هنا هو الدعم المتطرف من إيلون ماسك لفرض هذه القيود. لك أن تتخيل أن ماسك نفسه كان أحد المواهب التقنية التي هاجرت من جنوب أفريقيا إلى الولايات المتحدة، ليصبح في النهاية أقوى الأعمدة التي يقوم عليها التفوق التقني للولايات المتحدة.
ويرى الخبراء في مجالات الهجرة أن هذه القيود قد تؤثر سلبًا على القطاع التقني الأمريكي. وطبقًا لإحصائيات مركز بيو للأبحاث، يقطن 50% من المهاجرين إلى الولايات المتحدة في ثلاث ولايات فقط: نيويورك، وكاليفورنيا، وتكساس، وهي الولايات الحاضنة لوادي السيليكون الأمريكي، الذي يعتبر موطنًا للعمالقة التقنية مثل جوجل وميتا. ويُمكن أن نستدل من هذه الإحصائية على مدى اعتماد القطاع التقني الأمريكي على الخبرات المهاجرة.
يقول شون رين-Shaun Rein، المدير التنفيذي لشركة أبحاث السوق الصينية «إن حظر ترامب للهجرة إلى الولايات المتحدة سيؤثر سلبًا على قدرة الشركات التقنية الأمريكية على توظيف المواهب الضرورية للبقاء في المنافسة والتركيز على الابتكار. والآن، ستسعى المواهب التقنية الكبرى الصينية والهندية إلى البحث عن وظائف في المراكز التقنية الأخرى المنافسة للولايات المتحدة مثل مدينة شينزين الصينية وسول الكورية».
كما نذكر التصريح الشهير لتيم كوك-Tim Cook، المدير التنفيذي لشركة آبل، عندما صرَّح أنه لولا الهجرة ما كانت آبل لتتواجد في الأساس. وقد أيده العديد من رواد الأعمال التقنيين في هذا التصريح مثل جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون الذي اشتهر بمعارضته لقوانين حظر الهجرة إلى الولايات المتحدة.
ختامًا، تبدو هذه القضية مُعقدة ومتشابكة إلى حد كبير، فالديمقراطيون قد تكون لهم بعض الآثار الإيجابية على المشهد التقني بفضل تسهيلاتهم على الهجرة، بينما يتفوق عليهم الجمهوريون في الدعم القوي لتقنيات الذكاء الاصطناعي واستخدام البيانات الضخمة للتعجيل من طفرات تقنية غير مسبوقة عالميًا في هذا المجال.
ويظل الحكم لك في النهاية قارئي العزيز!
?xml>البيتكوين يصل إلى 80 ألف دولار بعد فوز ترامب.. ما السر؟
البيتكوين يصل إلى 80 ألف دولار. بعد فوز ترامب.. ما السر؟
إيلون ماسك ينضم إلى مكالمة ترامب مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي
إيلون ماسك ينضم إلى مكالمة ترامب مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي
التقنية جمهورية أم ديمقراطية | كيف ستحدد الانتخابات ملامح مستقبلها
من يتحكم بمستقبل التقنية؟ السباق الانتخابي الأمريكي يحمل الإجابة
إيلون ماسك يعرض جائزة مليون دولار للتصويت لترامب
إيلون ماسك يعرض جائزة مليون دولار للتصويت لترامب
إيلون ماسك ينضم إلى ترامب ويؤيده خلال ظهوره في تجمع جماهيري
إيلون ماسك ينضم إلى ترامب ويؤيده خلال ظهوره في تجمع جماهيري
ترامب يُخطّط لإطلاق منصة للعملات المشفرة تسمّى The DeFiant Ones
ترامب يُخطّط لإطلاق منصة للعملات المشفرة تسمّى The DeFiant Ones
Meta AI ينفي حادثة اغتيال ترامب والشركة ترد .. الهلوسة السبب!
زوكربيرج في مواجهة غضب ترامب | هلوسة الذكاء الاصطناعي أم تلاعب مقصود؟
الديمقراطية الرقمية | التقنية تحكم المشهد السياسي الأمريكي!
كيف أصبحت التغريدات أقوى من الخطب السياسية؟
ماسك يشعل حربًا على جوجل | اتهامات بالتلاعب في الانتخابات الأمريكية
هل تتدخل جوجل في مصير ترامب الانتخابي؟
البيتكوين يصبح أحد رعاة الحملة الانتخابية لترامب بملايين التبرعات!
ترامب يحصد ملايين الدولارات بالبيتكوين ويعد بثورة في صناعة العملات المُشفرة الأمريكية!
كامالا هاريس رسميًا على تيك توك بعد إطلاق حملتها الانتخابية
Tik Tok يتحول من منصة ترفيه إلى منصة سياسية!
ميتا تزيل القيود المفروضة على حسابات ترامب على فيسبوك وإنستجرام
ميتا تزيل القيود المفروضة على حسابات ترامب على فيسبوك وإنستجرام
إيلون ماسك قد يتحول إلى مستشار سياسي لترامب في حال فوزه بالانتخابات!
إيلون ماسك: من الفضاء إلى البيت الأبيض
كيف كانت وسائل التواصل الاجتماعى سببا فى نجاح ترامب ؟
مارك — الرئيس التنفيذى لموقع Facebook ومؤسسه — قضى اخر ايامه منذ إنتخاب دونالد ترامب و تعيينه كالرئيس رقم 45 للولايات المتحدة،